حول نشأة مجمع التفكير -- THINK TANK وجهة نظر - فرنسا نموذجا

مرزوق الحلالي
صحفي متقاعد وكاتب
(Marzouk Hallali)

الحوار المتمدن-العدد: 7915 - 2024 / 3 / 13 - 06:47
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    

مقدمة عامة 2

فما أصل مصطلح "مجمع التفكير"- think tank.
وفقًا لقاموس أوكسفورد الإنجليزي، كان هذا المصطلح مصطلحًا عاميًا يستخدم للإشارة إلى الدماغ في مطلع القرن الماضي. وقد استحوذت الحمولات العسكرية على هذا المصطلح، ربما بعد الحرب العالمية الأولى، وخاصة خلال الحرب العالمية الثانية، لتعني مكانًا آمنًا لمناقشة الخطط والاستراتيجيات. وفي خمسينيات القرن الماضي، تم استخدامه بأكثرحرية للإشارة إلى المؤسسات البحثية المتعاقدة مع الجيش، وأهمها مؤسسة راند 1- the Rand Corporation.
------------------
1-مؤسسة RAND ("البحث والتطوير")، التي تأسست عام 1948 من قبل شركة دوغلاس للطائرات لتقديم المشورة لجيش الولايات المتحدة، هي مؤسسة استشارية وبحثية أمريكية تهدف إلى تحسين السياسات وصنع القرار من خلال البحوث التطبيقية والتحليل الاستراتيجي. ثم قامت بعد ذلك بتوسيع نطاق عملها تدريجيًا من خلال العمل لدى حكومات أخرى، ومؤسسات خاصة، ومنظمات دولية، وشركات خاصة، في قضايا الدفاع والأمن، وكذلك في الاقتصاد الصناعي بشكل عام .
--------------------- -------------------------------------------

تطور و نما استخدام المصطلح في بداية ستينيات القرن الماضي، عندما ركز الاهتمام العام على " المتفوقين" في البنتاغون؛ أي الخبراء المحيطون بروبرت ماكنمارا 2 - وزير الدفاع الذي عينه جون كينيدي. العديد من هؤلاء الخبراء جاءوا من مؤسسة راند. وأدت الزيادة اللاحقة في عدد المؤسسات المماثلة إلى حد ما إلى زيادة استخدام هذا المصطلح، أولاً في الولايات المتحدة ثم خارجها، بفعل العولمة.
------------------------------------------
2 - روبرت ماكنمارا هو رجل أعمال وسياسي أمريكي، 1916 -2009. كان وزيراً للدفاع من 1961 إلى 1968 في ظل رئاستي كينيدي وجونسون، ولا سيما في بداية حرب فيتنام، ثم رئيس البنك الدولي من 1968 إلى 1981. تعتبر فترة ولايته كوزير للدفاع، والتي امتدت لأكثر من سبع سنوات، لأطول في تاريخ الولايات المتحدة. في تاريخ مجامع التفكير والرأي، ظلت تحتل مؤسسة – راند - مضاء خاصا.وهي التي تأسست في 1948 من قبل القوات الجوية الأمريكية، لتلبية احتياجاتها الخاصة في الغالب، وهي الان تمثل ثقلا ضخمًا، حيث يعمل بها ألف موظف بالقرب من موقعها الأصلي في سانتا مونيكا، كاليفورنيا، وما حولها. وخمسمائة في واشنطن العاصمة. وكان دوره مهمًا بشكل خاص خلال حرب فيتنام، أولاً في عهد كينيدي (1961-1963)، ثم في عهد جونسون (1963-1968). وفي عام 1964، قام بتنظيم الأحداث في خليج تونكين: قامت الولايات المتحدة بمحاكاة هجوم في البحر ضد سفنها وألقت باللوم على الفيتناميين الشماليين، مما سمح لهم بتبرير دخولهم في الحرب. وفي عهد كينيدي، خطط للانسحاب التدريجي للمدربين العسكريين الأمريكيين. في عهد جونسون، عارض الجيش الذي أراد باستمرار إرسال المزيد من الرجال؛ فهو سعى في محادثاته مع الرئيس إلى فك ارتباط الجيش الأمريكي. ولكن هذا الموقف تناقض مع موقف الرئيس ليندون جونسون، الذي كان يرغب في توسيع الوجود العسكري القوي في فيتنام. وظل دوره خلال حرب فيتنام مثيرًا للجدل و بعد تعرضه لانتقادات متزايدة وتشكيك متزايد في السياسة العسكرية الأمريكية في فيتنام، استقال ماكنمارا في عام 1968.
--------------------------------------------
وبعد الحرب العالمية الثانية قذف السلاح النووي في هيروشيما وناجازاكي، ربما بدا أن الطيران واسع النطاق (سواء الطائرات أو الصواريخ) سيصبح السلاح الحاسم في الحروب المستقبلية. واستنادًا إلى هذا الافتراض، احتضنت مؤسسة راند علماء الرياضيات والفيزياء والمهندسين الذين كانت السياسة في نظرهم بحاجة إلى أن تكون نشاطًا عقلانيًا، وهو مؤهل لتقسيمه إلى مشكلات ومعادلات رياضية يمكن للمنهج العلمي تحليلها وحلها. ودون مجانبة الصواب بوسعنا القول دون مبالغة إن هذا النموذج كان له تأثير كبير، إن لم يكن مهيمناً، على الحكومة الأميركية حتى فشل حرب فيتنام.
لقد كانت مؤسسة راند هي العقل المدبر خلف الاستراتيجية النووية في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، وإذا كانت هناك مؤسسة تستحق حقاً اسم "مؤسسة بحثية" وقتئذ، فهي مؤسسة راند. وكانت نشطة للغاية في بداية الثمانينيات، مع إطلاق مبادرة الرئيس ريغان للدفاع الاستراتيجي (SDI)، والتي يطلق عليها شعبياً "حرب النجوم". ورغم أن هذا المشروع لم يظهر إلى النور في هيئته الأصلية قط، فمن المتفق عليه عموماً أن مبادرة الدفاع الاستراتيجي ساهمت في سقوطها من خلال جر الاتحاد السوفييتي إلى سباق تسلح نوعي لم يتمكن من الحفاظ عليه.
ومع تزايد مخاطر الانتشار النووي، واستقطاب الاهتمام نحو إيران وكوريا الشمالية، حولت مجمعات التفكير والرأي الأميركية وفروعها اهتمامها مرة أخرى نحو تطوير ونشر الأنظمة المضادة للصواريخ، وهو التحدي الرئيسي الذي واجه مبادرة الدفاع الاستراتيجي. وقد جعل دبليو بوش من هذا الأمر بمثابة حصن حرب له خلال فترة رئاسته التي دامت ثماني سنوات، وكان نفوذه في هذا الشأن قوياً بالقدر الكافي لتحويله إلى محور مفهوم الناتو الجديد، الذي تم تبنيه في لشبونة في نوفمبر 2010. والخوض في التفاصيل يستلزم بالضرورة تتبع تاريخ الناتو منذ سقوط الاتحاد السوفييتي وهذا موضوع اخر
يظهر مثال مؤسسة راند التأثير الكبير للدفاع في ظهور ما يسمى الآن بمجمعات التفكير والرأي - think tanks - من الجيل الثاني، خلال الحرب الباردة. وبشكل أكثر عموماً، استمرت الرغبة الأميركية، التي لم تتغير منذ الحرب العالمية الثانية، في زيادة ريادتها النوعية والكمية في أنظمة الأسلحة، في العمل كحافز للإبداعات التكنولوجية التي غذت الاقتصاد ككل.
وتجلى هذا الدور في العديد من الصناعات، وخاصة صناعة معالجة المعلومات. لقد أصبحت علوم الكمبيوتر في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي تدريجيًا تكنولوجيا معلومات، حيث يمثل التحول المعجمي الحركة التدريجية لمركز الجاذبية بعيدًا عن الأجهزة ونحو البرامج. ولعبت الراند أيضًا دورًا في ولادة شبكة أربانيت 3- Arpanet -، وبالتالي الإنترنت.---------------------------------------
3 - advanced research projects agency network - كانت ARPAnet (شبكة وكالات مشاريع الأبحاث المتقدمة) واحدة من أولى شبكات الكمبيوتر، التي تم إنشاؤها في 1969 كوسيلة قوية لنقل البيانات العسكرية الحساسة ولربط مجموعات البحث الرائدة عبر الولايات المتحدة. ARPAnet- هو اختصار لأول شبكة لنقل حزم البيانات تم تصميمها في الولايات المتحدة من قبل وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة (DARPA). تم إطلاق المشروع في 19662، لكن ARPANET لم تر النور إلا في 1969. ويعود تاريخ أول عرض رسمي لها إلى أكتوبر 1972. تعود الأصول التاريخية لمثل هذه الخدمة إلى إنشاء لجنة أبحاث الدفاع الوطني في عام 1940 ومن ثم مكتب البحث العلمي والتطوير. منذ ولادتها، تغير اسم هذه الوكالة. وكان السبب الرئيسي لإنشائها هو إطلاق القمر الصناعي السوفيتي سبوتنيك عام 1957، والذي كان بمثابة ضربة كبيرة للولايات المتحدة. وهكذا، في 7 فبراير 1958، وقع الرئيس أيزنهاور على التوجيه الذي بهدف ضمان بقاء تكنولوجيا الجيش الأمريكي متفوقة على تكنولوجيا أعدائه.
----------------------------------------------
باختصار، لم يسبق لأي مؤسسة بحثية أن كانت، وربما لن تكون، على هذا القدر من النفوذ الذي كانت تتمتع به مؤسسة راند أثناء الحرب الباردة.
ولم تترك الأجندة العسكرية بصماتها على مجامع التفكير والرأي والتكنولوجيا فحسب. أدخل الجنرال مارشال، وزير خارجية الولايات المتحدة بين عامي 1947 و1949، مفهوم التخطيط إلى وزارة الخارجية من خلال إنشاء هيئة تسمى طاقم تخطيط السياسات (PPS)، تهدف إلى تحقيق التماسك والبصيرة في صنع السياسة الخارجية الأمريكية. لقد وضع الحزب التقدمي الاشتراكي تحت إدارة جورج كينان، وهو بلا شك الدبلوماسي الأكثر عمقا في تفكير جيله. وهناك تم وضع خطة مارشال4 وحلف شمال الأطلسي. كان أحد الأدوار الطبيعية للحزب هو تحرير خطابات وزير الخارجية، أو تلك التي تُلقى باسمه.
------------------------------
4 - مشروع مارشال هو المشروع الاقتصادي لإعادة تعمير أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية الذي وضعه الجنرال جورج مارشال رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي أثناء الحرب العالمية الثانية ووزير الخارجية الأميركي منذ يناير 1947 والذي اعلنه بنفسه في يونيو من ذلك العام في خطاب امام جامعة هارفارد وكانت الهيئة التي اقامتها حكومات غرب أوروبا للاشراف على إنفاق ملايين الدولارات الأميركية قد سميت «منظمة التعاون الاقتصادي الاوربي» وقد ساهمت هذه الأموال في إعادة اعمار وتشغيل الاقتصاد والمصانع الاوربية. فلقد ترتب على الحرب العالمية الثانية تدمير الاقتصاد الاوربي وانهياره وكساده إلى حدٍ كبير وعميق مما ادى إلى انتشار الفقر والبطالة بشكل واسع، مما خلق تربة خصبة لانتشار الشيوعية كما كان هذا واضحاً من الخطط السوفيتية انذاك، فكان لابد من الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة اقوى اقتصاد انذاك والتي لم تتضرر كثيراً جراء الحرب ان تتصرف بسرعة وان تهتم بمحور الاقتصاد كأهم عامل مؤثر، فكان مشروع مارشال بادرة أولية لإنعاش اقتصاديات غرب أوروبا . صيغ مشروع إعادة الإعمار الذي طُوّر في اجتماع للدول الأوروبية المشاركة في 1947. عرض المشروع المساعدة ذاتها للاتّحاد السوفياتي وحلفائه، لكنّ موسكو رفضت قبول العرض، وذلك لأنّه سيسمح بالسيطرة الأمريكية على الاقتصادات الشيوعية. في الواقع، حظر الاتّحاد السوفياتي على الدول التابعة له قبول العرض الامريكي. لم يهتم ستالين بالمساعدة الهادفة إلى استعادة الصحّة الاقتصادية في أوروبا الغربية.
---------------------------
مؤسسة أخرى بعد الحرب، وهي مجلس الأمن القومي (NSC)، الذي يقدم تقاريره مباشرة إلى الرئيس، ينسق جميع تصرفات السلطة التنفيذية ذات الصلة بالأمن القومي. في البداية كان مجلس الأمن القومي متواضعا نسبيا، ثم نما تدريجيا. وكان أشهر مستشاري الأمن القومي، الذي تم تعيينه عام 1968، هو هنري كيسنجر، الذي تفوق على منافسيه في الحكومة. عينه ريتشارد نيكسون وزيراً للخارجية عام 1973.
كان ذلك هو العام الذي رغب فيه ميشيل جوبير5- Michel Jobert ، وزير خارجية الرئيس بومبيدو، في منح وزارته مركزًا للأبحاث. كان هدفه المتواضع هو إلقاء القليل من البودرة على السلك الدبلوماسي... وبالاعتماد على تجربتنا في مؤسسة راند وجامعة كاليفورنيا في بيركلي، على التوالي، اقترحت عليه أنا وجان لويس جيرجورين أن ينشئ خدمة مستوحاة من طاقم تخطيط السياسات. واقترحنا عليه الاسم الأقل طموحا ــ وبالتالي الأقل استفزازا للحرس القديم في رصيف أورساي ــ وهو مركز التحليل والرصد6 (CAP). تم تغيير اسم CAP إلى -dir-ection de la Prospective في عام 2009.
---------------------------------------------
5- ميشيل جوبير من مواليد 1921 في بمكناس (المغرب)، توفي في 2002 في باريس ، هو سياسي فرنسي، ديغولي ثم ديغولي معارض. شغل منصب وزير الخارجية بين عامي 1973 و1974 في عهد جورج بومبيدو ثم وزيراً للتجارة الخارجية بين عامي 1981 و1983 في عهد الرئيس فرانسوا ميتران الأول. شارك في وضع الدستور المنشئ للجمهورية الخامسة. وتشير التقارير الواردة من وكالة المخابرات المركزية- CIA - والسفارة الأمريكية في باريس وقتئذ إلى أن حكومة الولايات المتحدة اعتقدت أن جوبير كان من بين المرشحين لمنصب رئيس الوزراء في 1972. وتشير برقيات السفارة إلى أن جوبير، يعرف الولايات المتحدة جيدًا، ويتحدث الإنجليزية وهو متزوج من أميركية، مما قديجعله مؤهلا ليكون حليفاً محتملاً لواشنطن إذا أصبح رئيساً للوزراء.
6- مركز التحليل والتنبؤ والاستراتيجية (CAPS)، المعروف سابقًا باسم مركز التحليل والتنبؤ (CAP) حتى عام 2009 ومديرية الاستشراف لفترة وجيزة بين عامي 2009 و2012، هو مجموعة تابعة لوزارة الخارجية الفرنسية، المسؤولة عن القيام بمهام تحليل البيئة الدولية، وتقديم توصيات استراتيجية وضمان الحضور الفرنسي في دوائر التفكير والنقاش الأوروبية والدولية. وهو يعادل طاقم تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية.
--------------------------------------------
بين عامي 1973 و1979، عمل الحزب الشيوعي لإنشاء مؤسسة فكرية حقيقية لصالح وزير الشؤون الخارجية، وكذلك لصالح الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية، التي حافظ معها على ارتباط مباشر.كما عمل على تطوير ما سمي بــ "الدبلوماسية الفكرية".
فيما يتعلق بالنقطة الأولى، تمتع ميشيل جوبير وخلفاؤه (جان سوفاجنارج ولويس دي غيرينجود) حرية فكرية حقيقية، بموافقة الرئاسة. لقد توفر قدر كبير من الحرية لنشر المقالات والتحدث علناً ـ وبالتالي درجة كبيرة من الاستقلالية والانفتاح.
بالطبع، كانت هناك، بعض الاستثناءات القليلة. لقد تم في البداية منع التفكير في السياسة الزراعية المشتركة. وفي المجال السياسي العسكري، وكان العمل بشأن مفهوم الردع واسع النطاق عبراتصالات ـ وخاصة مع وزير الدفاع البريطاني ـ في سرية تامة. إلا أن نتيجة ذلك العمل ظهرت بعد صدور قانون التخطيط العسكري لعام 1976.
طوال هذه السنوات، هيمنت على عمل السياسة الزراعية المشتركة الجوانب المختلفة لأزمة الطاقة، التي قمنا بتحليل بداياتها في ربيع عام 1973 تحت شعار النظام الاقتصادي الدولي الجديد الذي أعقب تضاعف أسعار النفط أربع مرات، أو في الواقع بسبب ارتفاع أسعار النفط إلى أربعة أضعاف. تطور الدول الشرقية والشؤون السياسية والعسكرية.
في عام 1976بفرنسا برز الاهتمام بفكرة "الليبرالية المنظمة" (libéralismeOrganisé) مع رفض النماذج الماركسية السائدة والنموذج الليبرالي الخالص، الذي استقر في الولايات المتحدة وألمانيا.
وفي أوروبا، كان البحث في عواقب انهيار آخر الأنظمة الاستبدادية (فرانكو وسالازار) والاهتمام بالحركات في أوروبا الشرقية.
فقد تجلت "الدبلوماسية الفكرية" في اجتماعات متعددة الأطراف مثل مجموعة التخطيط التابعة لحلف الأطلسي.
و تجلت "الدبلوماسية الفكرية" في التبادلات مع مجامع التفكير والرأي ، وخاصة الأمريكية والبريطانية والألمانية والسوفيتية. وهكذا، تم تقديم في فرنسا ما كان يعرف بــ "دبلوماسية المسار الثاني"7 ، والتي يمكن مقارنتها بالمظاهر الأكثر تنظيما لـ "الدبلوماسية الفكرية". كما تم تكريس البحت ، على المستوى الفرنسي ، لإقامة روابط تتجاوز الانقسامات الحزبية، وهو ما لم يكن خطوة واضحة على الإطلاق في البيئة غير المتسامحة في السبعينيات.
وقد تمكن مركز التحليل والتنبؤ -CAP -من ممارسة نفوذه بفضل حرية الاتصالات وإمكانية الوصول إلى قلب الدولة، والحق في حضور العديد من الاجتماعات الحكومية رفيعة المستوى.
--------------------------------------------
7 - تتمثل أهداف دبلوماسية المسار الثاني في تعزيز التفاهم، وبناء الثقة، وتحقيق التقارب بين الأطراف المعنية.وتتميز بأنها تشمل عادةً مشاركة أفراد من ناشطي المجتمع المدني، والأكاديميين، و رجال الأعمال، وغيرهم من الشخصيات غير الحكومية. كما يمكن أن تشمل هذه التفاعلات ورش العمل، والندوات، واللقاءات غير الرسمية، وتعتبر أحد الأدوات الفعالة في حل النزاعات، وتعزيز الفهم المتبادل، والتحضير للمفاوضات الرسمية. تم أختيار الاسم “المسار الثاني” لتمييز هذا النوع من الدبلوماسية عن المسار الأول، الذي يشير إلى التفاعلات الرسمية والحكومية بين الدول. كما ويعتبر استخدام دبلوماسية المسار الثاني طريقة فعّالة للتعامل مع التحديات الدولية وتحقيق التقارب بين الثقافات والمجتمعات. وتعتبر دبلوماسية المسار الثاني أحد الأدوات الحديثة والفعّالة في سياق العلاقات الدولية، وتلعب دورًا أساسيًا في تعزيز مكانة الدول وتحقيق أمانها القومي.
---------------------------------------------------------------
منذ سبعينيات القرن الماضي، تأكد دور إيفري – IFRI - كمجمع التفكير في إعدادات صناعة القرارإلى حد بروز رغبة البعض في بناء مؤسسة في فرنسا تشبه مجلس العلاقات الخارجية (CFR) في نيويورك أو تشاتام هاوس في المملكة المتحدة.
كانت العقلية الأميركية في ذلك الوقت ترجع الكارثة إلى عيوب جوهرية في النظام الدولي القائم، وبالتالي إلى الرغبة في تغييرهذا النظام ذاته. وبهذه الروح، تم إنشاء مؤسستين كبيرتين خاصتين ومستقلتين في وقت واحد تقريباً: واحدة في 1921 في نيويورك، وهي مجلس العلاقات الخارجية؛ والآخر في 1920 في لندن، المعهد الملكي للشؤون الدولية (RIIA)، المعروف الآن باسم تشاتام هاوس.
وقد استهدفت هاتان المؤسستان، اللتان تتوافقان تمامًا مع تعريف المؤسسة البحثية، أهدافًا مماثلة منذ البداية: تحليل المواقف الدولية بموضوعية؛ إيجاد طرق لحل النزاعات سلميا؛ تنظيم مناقشات حول القضايا ذات الصلة، بمشاركة الجهات الفاعلة والمحللين والمراقبين؛ وعموما المساهمة في التثقيف العام حول العلاقات الدولية.
تسعى مهمات إيفري إلى اتباع تلك التي قام بها مثيلاتها الأميركية والبريطانة التي سبقتها : التحليل الموضوعي، بمنذور مستقبلي، للأوضاع السياسية والاقتصادية الدولية - الإقليمية والوظيفية؛ والمساهمة في تطوير وسائل الحكم التي تعزز الاستقرار الهيكلي للنظام الدولي ؛ ومن هنا، مساعدة الجهات الفاعلة في القطاعين العام والخاص ــ وخاصة الشركات ــ على إنشاء استراتيجياتها الدولية الخاصة؛ والمشاركة على جميع المستويات في المناقشات حول هذه المواضيع في فرنسا وأوروبا والعالم.
لإنجاز مهامها، لدى Ifri حوالي ستين موظفًا دائمًا، نصفهم من الباحثين والنصف الآخر من موظفي الدعم. ويرافق هؤلاء الباحثين، حسب احتياجاتهم، باحثون مشاركون متعاونون خارجيون.
وينقسم الباحثون بين المراكز والبرامج. من الناحية المثالية، ينبغي للباحث في معهد إيفري أن يكون على دراية بالمجال الذي يؤثر فيه عمله، وأن يعرف الشبكات ذات الصلة والجهات الفاعلة الرئيسية، وأن يقدم مساهمة واضحة، في فرنسا والعالم، في المناقشات المحيطة بموضوعه.
وبعيدًا عن الظهور في وسائل الإعلام المكتوبة أو المسموعة والمرئية، والتي لا تعدو أن تكون نشاطًا هامشيًا لمؤسسة مبنية على جودة أبحاثها، تصل مؤسسة Ifri إلى أهدافها أو شركائها من خلال توزيع المنشورات أو تنظيم المناقشات. من منشوراتها المشهورة تقرير رمسيس السنوي، الذي أصبح رائدا في هذا المجال. وايضا منشورالمراجعة الفصلية Politique étrangère ("السياسة الخارجية")، منذ 1936 من طرف مركز دراسات السياسة الخارجية (CEPE) والتي ضمن معهد إيفري استمراريتها.
وينشر المعهد أو يشارك في نشر الكتب والتقارير الناتجة في كثير من الأحيان عن المشاريع المشتركة مع شخصيات أو نظراء أجانب. كما تقوم مؤسسة Ifri على نحو متزايد بتوزيع ملاحظاتها إلكترونيًا حول موضوعات محددة للغاية. ويتم، قدر الإمكان، توزيع هذه المنشورات بلغتين أو ثلاث لغات، وهي طريقة للحفاظ على حضور في النقاش الفكري العالمي.
و يؤدي استخدام التكنولوجيا الرقمية إلى تصور وتطوير "منتجات مشتقة" تستهدف الجماهير التي كان من الصعب الوصول إليها في السابق.
ينظم المعهد حوالي مائتي مناظرة سنويًا، والتي تتراوح بين المؤتمرات الدولية – المتخصصين- و مناظرات تعقد بموجب قاعدة تشاتام هاوس للسماح للشخصيات الاقتصادية والسياسية وكذلك قادة الرأي بالمشاركة في حوار مع كبار الشخصيات. صناع القرار على مستوى (رؤساء الدول أو الحكومات، والمديرين التنفيذيين للشركات الكبيرة متعددة الجنسيات، وما إلى ذلك).
ورغم أن الصحافة ليست مهنة إيفري الأساسية، فإن هذه المناظرات لا تتبع نفس منطق الأحداث التي تنظمها وكالات الاتصال أو جماعات الضغط، التي تختلف وظيفتها جوهريا عن وظيفة مجامع التفكير والرأي.
إن مهمة إيفري هي تعزيز التفاهم المتبادل من خلال الحوار المعمق وغير الرسمي، مما يعني احترام سرية النقاش. وبشكل عام، تنظم إيفري اجتماعات متخصصة لشركائها الرئيسيين من أجل أداء دورها الاستشاري، مع الأخذ في الاعتبار دائمًا رسالة المصلحة العامة.
إفري هي جمعية، معترف بها على أنها ذات منفعة عامة، وتضم حوالي 430 عضوًا فرديًا وأكثر من مائة هيئة اعتبارية - معظمها شركات (60) وسفارات (60). ويرأسه مجلس إدارة يتكون من 18 إلى 24 عضوا، تم تعيينهم لمهارتهم في المجالات التي يتعامل معها المعهد ولالتزامهم بالدفاع عن استقلاليته.
يجتمع مجلس الإدارة أربع مرات في السنة ويعمل وفقًا لقواعد حوكمة صارمة. ويقوم الرئيس، الذي يعينه المجلس، بإعداد الميزانية وتنفيذها. يعمل ضمن الصلاحيات الممنوحة له. تخضع عمليات Ifri لفحصين: خاص، شهادة سنوية من قبل مفوض الحسابات، وعام، فحص منتظم من قبل مجلس المحاسبة.
وعلى سبيل الختم ليس إلا...، لا شك أن مراكز الأبحاث و مجامع التفيكر والرأي لها مكانة بارزة في عملية صنع القرار السياسي ولاسيما في ظل التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم المعاصر وحاجة صانع القرار لترشيد المعلومات وفلترتها وتقييمها والنظر بها قبل اتخاذ القرار، وهو الدور الذي تتولاه مراكز الابحاث والفكر والرأي بنحو يسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في رفد صانع القرار السياسي بأهم المعلومات والدراسات والأبحاث التي تختص بقضية ما، من خلال الأبحاث والدراسات والتقارير التي تقدمها. اذ تعمل هذه المراكز على إعداد دراسات خاصة بمجالات مختلفة: سياسية، واقتصادية، وثقافية، وعسكرية، وتكنولوجية وغيرها من الدراسات، التي من شأنها أن تولد بديلاً مناسباً لصاحب القرار. أن التطور البارز في علاقة مراكز الفكر والأبحاث بصنع القرار السياسي بات يتجسد في تطوير المهام الدبلوماسية للدولة وذلك من خلال إيجادها للمداخل الداعمة لتحقيق مصالح الدولة في البيئة الخارجية، وتنويعها لقنوات الاتصال مع الدول الأخرى في ظل التعقيدات التي تلازم النظام الدولي والإقليمي. ولعلنا لا نغالي إذا قلنا: أصبحت مراكز الأبحاث ذات دور يوازي عمل البعثات الدبلوماسية في الخارج بل يؤثر في فاعليتها في كثير من الأحيان، خصوصاً عندما يتصل الأمر بتلك القضايا التي من شأنها دعم جهود وزارة الخارجية في المحافل الدولية. الأمر الذي أنتج ما يعرف بالدبلوماسية الموازية أو دبلوماسية المسار الثاني والتي ينشط فيها دور الخبراء في المراكز البحثية في دعم دبلوماسية الدولة الرسمي
ويظل السؤال هل هناك فعلا مجامع التفكير عربية خالصة وإن وجدت ما هو تأثيرها او مساهمتها في صناعة القرارات العربية

#مرزوق_الحلالي (هاشتاغ)       Marzouk_Hallali#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات