أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - مرزوق الحلالي - حول نشأة مجمع التفكير -- THINK TANK -1من 2















المزيد.....


حول نشأة مجمع التفكير -- THINK TANK -1من 2


مرزوق الحلالي
صحفي متقاعد وكاتب

(Marzouk Hallali)


الحوار المتمدن-العدد: 7914 - 2024 / 3 / 12 - 04:47
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


- مقدمة عامة 1 من 2
بادئ ذي بدء ما المقصود بـ THINK TANK
مجمع التفكير- THINK TANK –للوهلة الاولى يشيرهذا المصطلح إلى مجموعة تفكير أو مختبر أفكار ، مجموعة من الخبراء غالبا ضمن هيكل غير حكومي. وغالبا ما يكون التمويل يعول على الدولة ويتركز النشاط الرئيسي لمجمع التفكير على إنتاج الدراسات وتطوير المقترحات، في مجال السياسات العامة أو الاقتصاد- في أغلب الأحيان. ويمكن اعتباره آلية من آليات تقديم أرضية مفكر فيها من مختلف الجوانب لبلورة رؤية محكمة لغاية صناعة القرارات السديدة الاكثر واقعية والقابلة للتطبيق مع تنبؤ اهم نتائجها المرتقبة مستقبلا. وهذه آلية لايزال العرب إليها فقراء فقرا مدقعا.
وغالبًا ما يحوم هذا المجمع حول شخصية سياسية أو حزب سياسي أو نواة من الخبراء والمفكرين الراغبين والمؤهلين للتفكير في مشاكل السياسة العامة لضمان صناعة القرارات المراد تحقيقها.
إن واقع حال هذه الآلية في العالم العربي حاليا شبيهة ومماثلة لواقع حال البحث العلمي فيها يجمعهما وضع اليتم والاهمال المستدام

وفي فرنسا يعتبرالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية- Ifri- إيفري - مجمع تفكير. إنه مركز أبحاث ومنتدى للنقاش حول القضايا السياسية والاقتصادية الدولية الكبرى. يرأسه حاليا تييري دي - مونتبريال 1- Thierry de Montbrial منذ تأسيسه في 1979، وهو مؤسسة غير حكومية وغير ربحية.
------------------------------------------------------
1- ومن مؤلفاته:
- العمل ورد الفعل في النظام العالمي: ديناميكيات القوة الاقتصادية والسياسية، ، 2013.
- العيش في أوقات مضطربة: عصر سياسي جديد، ، 2019.
-------------------------------------- -------------------------------------------------------------------------
إنه المؤسسة الفرنسية الرائدة للبحث والنقاش حول العلاقات الدولية. وهوأيضًا منصة فريدة لفهم العالم المعاصر.
وفي غضون 40 عامًا، أصبح مرجعًا عالميًا معترفًا به من قبل أقرانه في العالم الغربي.
ينشط المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية –إيفري IFRI- اليوم ، في بيئة مختلفة تماما عما كانت عليه عندما تأسس، والتي هيمنت عليها المنافسة بين “القوتين العظميين” في ذلك الوقت، الولايات المتحدة و الاتحاد السوفييتي في مرحلة اتسم فيها العالم بشكل رئيسي بالمنافسة بين الولايات المتحدة التي لا تنوي التخلي عن تفوقها- إلا مجبرة - والصين التي تؤكد صراحة على طموحها للتفوق على الولايات المتحدة قبل منتصف القرن الحادي والعشرين. وفي حين كان الاتحاد السوفييتي غير قادر على التكيف مع الثورة التكنولوجية، فإن الصين ظلت تتفوق عليه في هذا الأمر ويبدو أنها سارت على الطريق الصحيح لكسب كل سمات ما نعنيه بالقوة العظمى اليوم.
إن النظام الدولي تطور نحو تشكيل جديد، ولكن يبدو جليا من الخطأ وصفه بأنه ثنائي القطب، على غرار عصر الحرب الباردة، بسبب تعقيده الشديد كما يتضح، على سبيل المثال، من خلال القوة السيبرانية. إن خطر نهاية العالم النووي، الذي شغل بشكل رئيسي أكبر الاستراتيجيين في النصف الثاني من القرن العشرين، قد حلت محله مجموعة واسعة من المخاطر الأكثر تنوعا وانتشارا، بالنسبة لبعضها على نطاق واسع، في النظام السياسي كما في المجال الاقتصادي.
على مدى قرن من الزمان، وخاصة منذ الحرب العالمية الثانية، تغير وتوسع مشهد ما يسمى الآن بمجامع التفكير والرأي بشكل كبير. ومن الواضح أن الآمال الساذجة في نظام دولي يخضع للقانون الدولي وأساليب حل النزاعات سلميا بمساعدة المؤسسات الميسرة قد خيب كل الآمال. علاوة على ذلك، فقد استحوذ العالم الأكاديمي تدريجيًا على جزء على الأقل من نشاط التحليل والتنبؤ، والذي كان في البداية السمة الأولى المميزة لمراكز الأبحاث، ولم تعد وسائل الإعلام تفتقر إلى الصحفيين الموهوبين الذين يعملون أيضًا في نفس المجال. بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض مجامع التفكير والرأي كانت حزبية سياسيًا والبعض الآخر ليس كذلك، وبعضها يدافع عن المصلحة العامة والبعض الآخر ينتمي إلى جماعات الضغط أو شركات التواصل، وما إلى ذلك. علاوة على ذلك، فإن وضع مجامع التفكير والرأي ليس هو نفسه في الديمقراطيات الليبرالية أو في البلدان الاستبدادية.
بقدر ما تشكل مؤسسات – مجامع- التفكير في العالم - مجتمعًا - ملتزمًا بتعزيز نظام عالمي جديد مستدام على المدى الطويل، وهو أمر لا يزال يتأكد التحقق منه، ويمكننا على الأقل التأكيد على أن المهمة أصعب بكثير من مهمة السلف المؤسس لمجمع التفكير، على الأقل كما تصوروا ذلك.
فما هو مجمع التفكير - think tank ؟
يقول تييري دي مونتبريال - Thierry de Montbrial- عندما كنت أضع أسس المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (Ifri) في عامي 1978 و1979، لم يكن سوى قِلة مختارة في فرنسا على دراية بالمصطلح الإنجليزي "مجمع التفكير"- think tank - وكان لديهم على الأقل فكرة تقريبية عما يعنيه.
وقد أصبح هذا المصطلح رائجا اليوم، إلا أنه لا يحظى بتعريف متفق عليه حتى الآن.
وتمشيا مع الجذور الكامنة وراء هذا المصطلح، اعتبر تييري دي مونتبريال مجمع التفكير والرأي مثل أي منظمة مفتوحة مبنية حول كادر دائم من الباحثين أو الخبراء، الذين تتمثل مهمتهم في تطوير، على أساس موضوعي، التوليفات والأفكار ذات الصلة بصنع السياسات أو صياغة الاستراتيجيات الخاصة أو العامة، والاشتراك في تكريس منظور المصلحة العامة. ومن الواضح أن هذا تعريف جذري وبالتالي مثالي، إلا أنه تعريف يسمح بفحص المؤسسات الحقيقية التي تعتبر، أو تعتبر نفسها، مراكز بحثية و مجامع التفكير.
علما أن معيار الانفتاح على العموم يشكل تمييزاً أساسياً بين مجامع التفكير والرأي المعاصرة ومستشاري رؤساء الدول غير الديمقراطية، سواء في العصور الماضية، أو في الوقت الحاضر. فالانفتاح يعني النقاش مع العالم الخارجي. وبطبيعة الحال، يمكن تحقيق الانفتاح بدرجة أكبر أو أقل.
كمنظمة، يمكن أن يكون مركز الأبحاث عامًا أو خاصًا، ويمكن أن يكون له وضع مؤسسي، عادةً كجمعية أو مؤسسة.
ولا يخفى على أحد أن الإدارة العمومية تفتقر بطبيعتها إلى نفس اتساع التعبير الذي تتمتع به أي مؤسسة خاصة، ومع ذلك فإن بعض مجامع التفكير من الممكن أن تتمتع بهامش كبير من الاستقلالية والانفتاح. وعلى النقيض من ذلك، فإن التمتع بالخصوصية لا يضمن، بحكم الحقوق، الاستقلال والانفتاح. إن الشروط القانونية (الحوكمة الداخلية) وتنويع التمويل، التي تمت تجربتها واختبارها على مدى فترة طويلة من الزمن، هي العوامل الأساسية في هذا الصدد. ولا تقل أهمية عن ذلك ثقافة المنظمات غير الحكومية، التي تم إنشاؤها أيضًا على مدار عقود، وسمعة قادتها ونزاهتهم. وهنا، كما هو الحال في أي مجال آخر، يعد الوقت او الزمن عاملاً حاسماً في اكتساب السمعة و الوثوقية.
ويجب وضع جميع المؤسسات والمنظمات في السياق العام. أنشأ الاتحاد السوفييتي- مستلهمًا جزئيًا النموذج الأمريكي وبتشجيع من أكاديمية العلوم، مؤسسات فكرية مهمة مثل معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية (IMEMO)، ومعاهد الولايات المتحدة وكندا، والعديد من المراكز المتخصصة. ، وعادة ما يتم تنظيمها على نطاق واسع على طول الخطوط الإقليمية. وكانت أهدافها، والتي كانت متناقضة في بعض الأحيان، تتمثل في إجراء تحليلات وتنبؤات موضوعية حول العالم الخارجي، وتطوير العلاقات مع نظرائهاالأجنبية، وإعلام القائمين على الامور وتقديم المشورة لهم، ولكن أيضًا نشر العديد من أشكال التحليل و/أو الدعاية.
و في هذا المضمار أشار تييري دي مونتبريال قائلا :
- من خلال هذه المؤسسات قمت بأول رحلاتي إلى الاتحاد السوفييتي في سبعينيات وثمانينيات الماضي. وهناك أذهلتني جودة وكفاءة العديد من أولئك الذين تحدثت إليهم، وقد خنقتني على نحو متزايد بمرور الوقت الفجوة الكبيرة المؤلمة بين الواقع والأيديولوجية. لقد ساهم مئات الباحثين من مؤسسات ومجامع التفكير والرأي السوفييتية الكبرى في تحويل روسيا في السنوات التي تلت انهيار النظام السوفييتي، وذلك على وجه التحديد لأنهم كانوا قد تمتعوا بانفتاح حقيقي على العالم خلافا للسابق.-
ورغم أن الصين الماوية- نسبة لعهد ماو تسي تونغ- ظلت تتمتع بنفس القدر من المراكز البحثية، إلا أنها كانت أقل ميلاً نحو التفاعل مع العالم الخارجي من الاتحاد السوفييتي في عهد بريجنيف- Bregnev - وخلفائه العابرين. لقد تغيرت الأمور في عهد دنغ شياو بينغ- Deng Xiaoping. وسأقتصر على مثال واحد: اللجنة الدولية للحقوق المدنية والسياسية 2- China Institutes for Contemporary International Relations - CICIR هو اختصار للمعاهد الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة. وذلك لأن CICIR هي في الواقع مجموعة من المؤسسات المترابطة، كل منها متخصص في جانب معين من العلاقات الدولية.
-------------------------------------------------
2 - المكتب الحادي عشر لوزارة أمن الدولة، المعروف ظاهريًا باسم المعاهد الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة الصينية هو مكتب مجموعة من المعاهد البحثية التي تديرها وزارة أمن الدولة الصينية (MSS) كواجهة للتأثير على الدبلوماسيين والأكاديميين الأجانب وجمع المعلومات الاستخبارية. تقع CICIR في بكين، ويتم تشغيلها من قبل كبار ضباط MSS.] خلص تقرير صدر عام 2009 من مركز المصادر المفتوحة التابع لوكالة المخابرات المركزية إلى أن CICIR يشبه "جهاز استخبارات على النمط السوفييتي" عميله الاستخباري الرئيسي هو المجموعة القيادية للشؤون الخارجية. وتشرف اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني على CICIR.
----------------------------------------------------
على غرار مجامع التفكير والرأي الأخرى التي اتخذت من بكين أو شنغهاي مقراً لها، لعبت دوراً مماثلاً لذلك الذي لعبته نظيراتها السوفييتية السابقة، ولكن من الواضح أنه في سياق مختلف بشكل ملحوظ وأكثر حرية بشكل أساسي. وازدادت أهميتها عندما وجدت الصين نفسها، لأول مرة في تاريخها، في حاجة ماسة إلى خلق سياسة خارجية ذات معنى على نطاق عالمي.
لنعود مليا إلى تعريف مجمع التفكير، باعتباره منظمة مبنية على باحثيها. إنها نقطة أساسية تميز مجمع التفكير عن الأشكال الأخرى من "منتديات الأفكار" مثل جمعية فابيان3- The Fabian Society- (التي تم إنشاؤها في لندن عام 1884 لتعزيز الإصلاحات الاجتماعية) أو الصالونات والأندية السياسية أو الاقتصادية الأكثر تنظيماً والموروثة من القرن الثامن عشر.
---------------------------------------------------------
2- جمعية فابيان هي منظمة اشتراكية بريطانية هدفت إلى تعزيز مبادئ الديمقراطية الاجتماعية والاشتراكية الديمقراطية من خلال الجهود التدريجية والإصلاحية في الديمقراطيات، بدلا من اعتماد المسار الثوري. كانت هذه الجمعية أيضًا مرتبطة تاريخيًا بالتطرف، وهو تقليد ليبرالي يساري.وهيا واحدة من المنظمات المؤسسة لجنة تمثيل العمال في 1900، وباعتبارا لتأثيرها المهم على حزب العمال الذي انبثق منها، كان لجمعية – فابيان - تأثير قوي على السياسة البريطانية. وضم أعضاءها قادة سياسيين من بلدان أخرى، مثل جواهر لال نهروالهندي، الذين تبنوا مبادئها كجزء من أيديولوجياتهم السياسية. كما أسست جمعية - فابيان - كلية لندن للاقتصاد في 1895 و.اليوم، تعمل الجمعية في المقام الأول كمجمع التفكير وهي واحدة من عشرين جمعية اشتراكية تابعة لحزب العمل. وتوجد مجمعات مماثلة في أستراليا وكندا ونيوزيلندا.
------------------------------------------------------------------------
إن باحثي ومفكري مجامع التفكير ليسوا بالضرورة باحثين مدى الحياة. ففي النظام الأمريكي، يمكن للشخص نفسه أن يكون باحثًا في مجمع التفكير والرأي وممارسا في قلب الإدارة الرئاسية. إن هذا الحضور والذهاب و الاياب يوفر لهم تجربة لا تقدر بثمن، مما يساهم في تمييز مجمع التفكير عن التقاليد الجامعية الأكاديمية البحتة. ولكن، كباحث، يجب على كل فرد أن يظهر القدرة على التعامل مع موضوعه بأساليب مجربة، مستوحاة من العلوم الإنسانية والاجتماعية، وحتى العلوم الطبيعية في بعض الأحيان. بهذه الطريقة فقط يمكنهم الدفاع عن أفكار أو مسارات عمل على أساس موضوعي معقول وفصل أنفسهم عن الأيديولوجية أو الدعاية البحتة.
كما أن أي مجمع التفكير وجب أن يحوم حول نواة دائمة - باحثين يشكل عملهم في مركز الأبحاث نشاطهم الأساسي، والذين يمكنهم بالتالي تصور وتحقيق مشاريع كبرى من خلال التعاون مع الباحثين المتعاونين. وبالنسبة للكثيرين، تعتمد السمعة الدولية لمؤسسة بحثية إلى حد كبير على قدرتها على الحفاظ بشكل دائم على مثل هذا الكادر البحثي المتميز نوعيًا.
نستخلص مما سبق أن مجمع التفكير والرأي بطبيعته يتطلع بالاساس إلى المستقبل. ولذلك فإن نشاطه يركز بشكل أساسي على المنظور الاستراتيجي: فهو موجه نحو السياسات. وتتمثل الصعوبة المتأصلة في عمله في أن التحليلات والتوصيات يجب أن تستند إلى فهم عميق للحاضر، وبالتالي للماضي، وذلك لتجنب خطر ارتكاب أخطاء فادحة في الحكم؛ ولكن في الوقت نفسه، يجب أن يكون هناك انفتاح بالقدر الكافي، انفتاح متحرر من أي عقيدة قبلية أو تفكير ضيق، للسماح بتحديد ووضع الاصبع على العلامات المبكرة للتغيير، دون إغفال معالم التحول الرئيسية.
وهذا يعني البحث عن رؤية أشمل وأكمل تأخذ بعين الاعتبار الماضي والحاضر والمستقبل. على سبيل الاستئناس في سبعينيات القرن العشرين، أهملت نظريات التنمية الاقتصادية القائمة على مفهوم نقل التكنولوجيا الأبعاد الثقافية لإتقان واكتساب التكنولوجيات، وبالتالي لم تؤدي إلى أي نتيجة. وعلى نحو مماثل، لم يقم المعجبون بالشاه بتحليل حالة المجتمع الإيراني بالقدر الكافي، ولم يفسروا بشكل صحيح «الإشارات الضعيفة» التي أعلنت عن احتمال قيام ثورة في البلاد. وايضا هل كانت أزمة اليورو، أو سقوط نظامي بن علي في تونس ومبارك في مصر، في الفترة 2010-2011، أمراً متوقعاً أو قابلاً للتنبؤ إحصائياً؟
هذه بعض القرائن تجعل المرء يستحضر الآن سؤال : كيف كان ينبغي لنا مثلا التفكير في مستقبل الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط أو في شمال افريقيا وفي آسيا (كوريا الشمالية)؟
هناك العديد من الأمثلة من هذا القبيل، لكن ما يهم بالاساس هو كيف كانت الإجابة على أي سؤال من هذا النوع تعتمد على خلفية سياقية أكثر أو أقل وضوحًا.
إن أحد الجوانب المثيرة للاهتمام بشكل خاص في هذا السؤال هو التفاعل المحتمل بين التنبؤ بحدث ما وتحقيقه، وهو التفاعل الذي يعتمد على طبيعة وموقع الجهة التي تقوم بالتنبؤ (بالمعنى الجيوسياسي).وهذا يبرز أهمية التنوع وبالتالي التعددية في مجمع التفكير والرأي، و يمكن أن نرى فيها أيضًا متطلبًا ديمقراطيًا بغية السعي لشمولية الرؤية وعدم اهمال العناصر الفاعلة في صناعة القرار.
تشارك مجامع التفكير والرأي في السياسات والاستراتيجيات الخاصة (عادة في مجال الأعمال) أو العمومية (عادة الدول أو المنظمات الدولية)، ولكن من واجبها دائما وأبدا أن تحافظ على منظور المصلحة العامة. وأياً كانت تركيبة هذا التحالف (الذي قد يتسم بالتعددية)، فلا يمكن أبداً اختزال المصلحة العامة في تحالف المصالح الخاصة. وفي هذا الصدد، تختلف مجامع التفكير والرأي عن مؤسسات مثل المؤسسات الاستشارية أو مجموعات الاتصال أو مجموعات الضغط، التي تتمثل مهمتها في تعزيز مصالح بعينها والدفاع عنها بالاساس. فمن حيث المبدأ، يعتبر هذا التمييز جذريًا، لكنه قد يكون أكثر دقة في الممارسة العملية. كثيراً ما تزعم جماعات الضغط أنها تعمل من أجل المصلحة العامة: وكما كان يقال في امريكا -إن ما هو في صالح شركة جنرال موتورز هو في صالح الولايات المتحدة. لكن وجهة نظرهم الحقيقية هي نفس وجهة نظر عملائهم. أما مجمع التفكير والرأي، قد يضطر في بعض الأحيان إلى رفض بعض الشركاء المحتملين، لأسباب تتعارض مع رؤيته للمصلحة العامة. علما ان الموقف الضمني هو أن المصلحة العامة لا يحددها رأي واحد. وفي النظام الديمقراطي، يجب على مجمع التفكير والرأي المساهمة في تعريف القصد من المصلحة العامة . وعلى هذا المستوى، ظلت هناك حاجة إلى نقاشات أيديولوجية وتعددية حقيقية.
فمع العولمة، فرضت الحوكمة العالمية نفسها تدريجياً كموضوع رئيسي لمجامع التفكير والرأي الدولية الكبرى. ونظراً للتحول النوعي في الاعتماد المتبادل الذي أحدثته ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فإن أي صدمة أو اضطراب لقطاع معين من النظام الدولي - الوظيفي أو الإقليمي - يمكن أن يؤدي إلى زعزعة استقرار النظام برمته ("نظرية الفوضى" نظرية"تأثير الفراشة")، بنفس الطريقة التي يمكن أن تؤدي بها الإصابة التي تؤثر على وظيفة حرجة في جسم الإنسان إلى الوفاة.
مما خلق الحاجة إلى تكييف وسائل التنظيم بشكل مستمر على جميع المستويات وضمان التنسيق العالمي. وهكذا يمكننا تصور مشكلة الحوكمة العالمية بطريقة متكاملة. وهذه المشكلة أكثر صعوبة من تنظيم وإدارة الأعمال التجارية، كأساس أولي للمقارنة، لأن العالم لا يوجد كوحدة سياسية. لا يوجد قائد ولا مؤسسة لتحديد أهداف واستراتيجيات "العالم". وبالنسبة لأغلب المواضيع الملموسة المرتبطة بالحوكمة العالمية – مثل السلم والطاقة والمناخ والغذاء والمياه والصحة، بل والأمن والاقتصاد والتمويل - فإن الشركاء الرئيسيين هم، بدرجات متفاوتة، مجموعة من الدول والشركات عابرة الحدود متنافرة الغايات والاهداف.
إن بعض مجامع التفكير والرأي ظلت منخرطة علناً – حتى النخاع - في المواجهة الإيديولوجية. على سبيل المثال مؤسسة التراث، التي تأسست عام 1973، ومؤسسة هوفر4، التي تأسست عام 1919 ولكن أعيد تشكيلها بشكل جذري بين عامي 1960 و1989. وهاتان المؤسستان مقتنعتان بفكرة التفوق المطلق للنموذج الأميركي، في شكله المحافظ.
--------------------------------------------------------------------------------
4- مركز أبحاث أمريكي في السياسة العامة مركزه جامعة ستانفورد، كاليفورنيا. اسمه الرسمي هو مؤسسة هوفر حول الحرب والثورة والسلام وتأسس في العام 1919 على أنه مكتبة تجمع أرشيفات الرئيس الأمريكي الأسبق هربرت هوفر والحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية وغيرهما من حروب العالم. هو تابع لجامعة ستانفورد لكن لديه مجلس خاص من المراقبين. وتنطوي مهمته على تأمين وحماية السلام وتحسين الظروف الإنسانية والحد من تدخل الحكومة في حياة الأفراد. يُعد المركز صوتاً مؤثراً في السياسة العامة الأمريكية. ولطالما كان مؤسسة تعليمية لكثيرين ممن تبوؤا مناصب رفيعة المستوى في الإدارات الأمريكية مثل جورج شالتز وكوندليزا رايس ومايكل بوسكين وإدوراد لازير وجون بي. تايلور وجون كاغون وإدوين ميز وآمي زيغارت. وفي العام 2007، سُمي الجنرال العسكري المتقاعد جون أبيزيد، القائد السابق للقيادة الوسطى، الزميل السنوي البارز كزائر للمؤسسة. تدعم المؤسسة دستور الولايات المتحدة وميثاق الحقوق لديها وأسلوبها في الحكم التمثيلي. وجميع الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية في المؤسسة تستند على مبادئ الشركة الخاصة التي من خلالها تستلهم المبادرة والإبداع. والمهمة العامة للمؤسسة ترديد صوت التجربة في معارضة الحرب ودراسة تلك السجلات ونشرها والدعوة إلى قيام مساع بشرية لإبرام السلام والحفاظ عليه ودعم وحماية أسلوب الحياة الأمريكية. ولذلك، تشير المؤسسة باستمرار وبشكل دراماتيكي إلى طريق السلام والحرية الفردية وحماية النظام الأمريكي.
-------------------------------------------------------------------------
على سبيل المثال أيضا يمكن ذكر ثلاث مؤسسات. تم إنشاء المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية (NBER) في عام 1920 لتحقيق التقارب بين العالم المغلق للاقتصاديين الجامعيين وعالم الحكومة والسياسة الاقتصادية. وفي المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، أكمل سايمون كوزنتس- Simon Kuznets- (الحائز على جائزة نوبل عام 1971) عمله الرائد في مجال المحاسبة الوطنية، وقام ميلتون فريدمان- Milton Friedman - (الحائز على جائزة نوبل عام 1976) بأبحاثه حول الطلب على المال.
لقد تم تقعيد المؤسسة حول فكرة مفادها أن السياسات العامة، لكي تكون فعالة، يجب أن تستند إلى أساس واقعي متين، والذي كان غائبا تماما في ذلك الوقت. واليوم، تقف مؤسسة بروكينغز5- the Brookings ،- على ثلاث ركائز (لا تزال تعمل على السياسة العامة) وهي: الاقتصاد والقضايا الداخلية، والأمن الوطني والدولي، والعلاقات الدولية.
---------------------------------------------------------
5 - معهد بروكينغز، مؤسسة فكرية أمريكية تجري أبحاثًا وتعليمًا في العلوم الاجتماعية، وبشكل أساسي في الاقتصاد والسياسة الضريبية، والسياسة الحضرية، والحكامة، والسياسة الخارجية، والاقتصاد العالمي، والتنمية الاقتصادية. .[لدى بروكينغز خمسة برامج بحثية: الدراسات الاقتصادية، السياسة الخارجية، دراسات الحوكمة، الاقتصاد العالمي والتنمية،.كما قامت بتشغيل ثلاثة مراكز دولية: في الدوحة، قطر (مركز بروكنجز الدوحة)؛ بكين، الصين (مركز بروكنجز-تسينغهوا للسياسة العامة)؛ ونيودلهي، الهند (بروكنجز الهند). وفي عامي 2020 و2021، أعلنت المؤسسة انفصالها كليًا عن مراكزها في الدوحة ونيودلهي، وتحويل مركزها في بكين إلى شراكة غير رسمية مع جامعة تسينغهوا، المعروفة باسم بروكينغز-تسينغهوا الصين.
--------------------------------------------------------------------------
مثال آخر: في عام 1981، في بداية ظاهرة العولمة، أسس فريد بيرجستين - Fred Bergsten- من معهد الاقتصاد الدولي - والذي أعيد تسميته فيما بعد بمعهد بيترسون. والذي يعتبر اليوم المركز البحثي الأول في العالم المخصص للسياسة العامة في المجال الاقتصادي.
عموما تسعى مثل هذه المؤسسات إلى أن تكون عملية في عملها وهذا لا يعني بالضرورة أنهم محصنون ضد أي خلفية أيديولوجية، مقصودة أو غير مقصودة. وهنا وجبت الاشارة الى ما أطلق عليه ماكس فيبر - Max Weber - (Wertfreiheit) ــ ويمكن ترجمته بـ الاستقلال القيمي ــ وهو نموذج مثالي لا يمكن مقاربته إلا في العلوم الاجتماعية والإنسانية، الطبيعية أو التطبيقية. كل شيء هو مسألة درجة وعلاقة شخصية بالحقيقة.
_________________________________ يتبع____________________



#مرزوق_الحلالي (هاشتاغ)       Marzouk_Hallali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل العالم على أعتاب صراع عالمي كبير مقبل- حرب عالمية اخرى-
- امحو فلسطين لبناء إسرائيل رغم انغراس الهوية الوطنية - 4 -
- امحو فلسطين لبناء إسرائيل رغم انغراس الهوية الوطنية - 3 -
- امحو فلسطين لبناء إسرائيل -تحول المشهد وتأصيل الهويات الوطني ...
- امحو فلسطين لبناء إسرائيل رغم انغراس الهوية الوطنية
- الجيش المغربي عزز دفاعه الجوي بمنظومة صينية
- رفض المجتمع المغربي للتطبيع مع الكيان الصهيوني للذكرى ليس إل ...
- استراتيجية جيوسياسية : لماذا تدعم الولايات المتحدة إسرائيل؟
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن -8
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن -7
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن -6
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن - 5
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن - 4
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن - 3
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن - 2
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن - 1
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية-2
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية- رؤية تاريخية ...
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تثم ...
- غم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني من ح ...


المزيد.....




- الأردن.. عيد ميلاد الأميرة رجوة وكم بلغت من العمر يثير تفاعل ...
- ضجة كاريكاتور -أردوغان على السرير- نشره وزير خارجية إسرائيل ...
- مصر.. فيديو طفل -عاد من الموت- في شبرا يشعل تفاعلا والداخلية ...
- الهولنديون يحتفلون بعيد ميلاد ملكهم عبر الإبحار في قنوات أمس ...
- البابا فرنسيس يزور البندقية بعد 7 أشهر من تجنب السفر
- قادة حماس.. بين بذل المهج وحملات التشهير!
- لواء فاطميون بأفغانستان.. مقاتلون ولاؤهم لإيران ويثيرون حفيظ ...
- -يعلم ما يقوله-.. إيلون ماسك يعلق على -تصريح قوي- لوزير خارج ...
- ما الذي سيحدث بعد حظر الولايات المتحدة تطبيق -تيك توك-؟
- السودان يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن للبحث في -عدوان الإم ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - مرزوق الحلالي - حول نشأة مجمع التفكير -- THINK TANK -1من 2