أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - أليس وأوليس














المزيد.....


أليس وأوليس


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7913 - 2024 / 3 / 11 - 20:19
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
العودة المحزنة لبلاد اليونان
٦٦ - أوليس وآليس

الزلزال أو الكارثة أو المعجزة البشرية وقعت عندما أراد الإنسان أن ينتقل من "الشجرة" الحقيقية التي يجلس أو يستلقي في ظلها إلى فكرة الشجرة، واضطراره لإختراع أداة جديدة تسمى "اللغة" لتمكنه من إختزال الواقع واكتشاف العمليات التجريدية المعقدة ليتمكن من نقل تجربته لإنسان آخر، وهو ما نسميه التصور أو التفكير أو بناء المفاهيم. وهنا بدأت المشاكل الإرتيابية في الظهور، فماذا لو أن كلمة "كلب" يمكن أن تنبح ؟، وماذا لو أن الشجرة التي أجلس في ظلها لا توجد إلا في ذهني كفكرة ؟ وماذا لو أن كل ما نراه ونسمعه ليس سوى حلم سيء؟ يبدو أنه منذ هذا الوقت البعيد بدأ الشك ينخر نفسية الإنسان وبدأ القلق ينخره من الداخل كالموت. لم يعد يثق لا في عينيه ولا في جلده ولا في بقية حواسه. وأصبحت اللغة هي ساحة المعركة التي يدور فيها الصراع ضد الفراغ والخواء العبثي الذي يميز الحياة بأكملها. وقد أدرك شعراء اليونان القديمة أهمية اللغة وإمكانياتها اللامحدودة في قول الشيء ونقيضه، في تأكيد كينونة اللاكائن وعدمية ما يكون. بارمنيدس قد تلاعب كثيرًا بمفهوم اللاشيء، والكائن واللاكائن، ما يكون وما لايكون، وحاول بطريقة مقصودة أم عن غيرقصد تعتيم ما يريد قوله وتحميله عدة معان متناقضة. مما زاد في هذا الغموض، بغض النظر عن غياب مقاطع كثيرة من النص الأصلي وقدم اللغة المستعملة ذلك الوقت، هو الأسلوب الذي أستعمله بارمينيدس والذي يذكرنا بطريقة ما بأسلوب لويس كارول Lewis Carroll ولغته الإنجليزية المستعصية على الترجمة في قصة أليس وراء المرآة Through The Looking القسم السابع، حيث يدور حديث بين أليس والملك والرسول الذي أرسله الملك للمدينة ليأتيه بالأخبار :
استأنف الملك حديثه مع الرسول باسطًا إليه يده ليناوله مزيدًا من القش وسأله: من قابلت في الطريق؟
فأجاب الرسول: لا أحد.
فرد الملك: صحيح، هذه الفتاة رأته أيضًا؛ لذا بالتأكيد "لا أحد" يمشي أبطأ منك.
قال الرسول بنبرة عابسة: لقد بذلت ما في وسعي، وأنا على يقين أن لا أحد يمشي أسرع مني.
فأجابه الملك: حقًّا لا يمكنه أن يفعل ذلك وإلا لسبقك إلى هنا.

‏“Who did you pass on the road?" the King went on, holding out his hand to the Messenger for some more hay.
‏"Nobody," said the Messenger.
‏"Quite right," said the King "this young lady saw him too. So of course Nobody walks slower than you."
‏"I do my best," the Messenger said in a sullen tone. "I m sure nobody walks much faster than I do!"
‏"He can t do that," said the King, "or else he d have been here first.”

تنتج هذه المحادثة الغير منطقية في الظاهر عن إصرار الملك على التعامل مع كلمة "لا أحد - Nobody" كاسم، اسم لشخص ما تجاوزه الرسول قبل أن يصل أمام الملك. ومع ذلك، فإن الطبيعة الأساسية للكلمة الإنجليزية "لا أحد" هي أنها لا تشير إلى شخص ما؛ أو بعبارة أخرى، لا يوجد أحد تشير إليه. والملك يبدو أنه يتعامل مع اللغة تعاملا عقليا ويفهم الكلمات كما هي في معناها الأول المباشر، وكأنه مترجم صناعي أو ألكتروني، وكان على الرسول أن يجيب على السؤال : من قابلت في الطريق ؟ بإستعمال النفي بطريقة تجعل الملك يفهم بأنه لم يقابل أي أحد في الطريق لتفادي الغموض وسوء الفهم. أعتقد أن جاذبية قصص لويس كارول تعبر أولاً، عن التأمل المؤرق لفنان مبدع ووحيد، يتصارع مع تساؤلات وألغاز الكائنات، وطبيعة الكينونة وأسرار الوجود، والعلاقات بين الكلمات والمعنى والأشياء. كما تعبرثانياً، عن نظرة نقدية ساخرة وعنيفة للمجتمع الأكاديمي المتخشب، حيث يصور التصادم بين منطق أكسفورد الصارم وبين التقاليد الأنجلوسكسونية التي تفسح للعبث والسخرية مكانا فسيحا.
وإستحضار لويس كارول، الذي ألهم الإرلندي العظيم جيمس جويس في كتابه الغريب والمعقد والذي يستحيل ترجمته لأي لغة من اللغات ـ مأتم أو جنازة آل - فينيقان Finnegans Wake، ليس ضروريا في حالة الحديث عن بارمينيدس، لأن هذا التلاعب اللغوي الذي ذكرناه، نجد جذوره البعيدة عند هوميروس نفسه، في قصيدة الأوديسة التي تحكي قصة أوديسيوس، البطل اليوناني الذي بخبثه تمكن من سحق طروادة وجيشها وذلك بخدعة الحصان الخشبي الذي مكن الجيش اليوناني من إجتياز أسوار المدينة المحاصرة منذ عشر سنوات في ليلة واحدة.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عودة إلى ظاهرة الإرهاب
- الشعر وفلسفة التكوين
- الفكر والخيال واللغة
- المقص يأكله الصدأ
- تجار الحشيش وشيوخ النفط
- إنتحار الكلمات
- محمود درويش والحصار
- آخر أبطال الأوديسة
- طاعون الهزيمة
- مربعات الكآبة
- رحلة بارمينيدس
- الجرح الأنطولوجي
- فلسفة التكوين
- إشكالية نص بارمينيدس
- بقية الإحتمالات
- خطايا الآلهة
- في الطبيعة، النص المتبقي
- الطريق إلى إيثاكا
- قصيدة بارمينيدس - بقية
- قصيدة بارمينيدس


المزيد.....




- دراجون يرتدون زي -سانتا كلوز- يجوبون شوارع الأرجنتين.. لماذا ...
- فيديو: افتتاح مراكز لتسوية وضع عناصر -جيش الأسد- في دمشق
- الدفاع الروسية: تحرير بلدتين في خاركوف ودونيتسك والقضاء على ...
- صحة غزة: الجيش الإسرائيلي ارتكب 4 مجازر جديدة بالقطاع
- تقرير المكتب السياسي أمام الدورة الخامسة للجنة المركزية
- رغم الخسارة التاريخية أمام أتلتيكو.. فليك راضِِ عن أداء برشل ...
- خامنئي: أمريكا والكيان الصهيوني يتوهمان أنهما انتصرا في سوري ...
- يسرائيل كاتس: لن نسمح لـ-حزب الله- بالعودة إلى قرى جنوب لبنا ...
- الشرع: لبنان عمق استراتيجي وخاصرة لسوريا ونأمل ببناء علاقة ا ...
- -حزب الله- يكشف عن -المعادلة الوحيدة- التي ستحمي لبنان


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - أليس وأوليس