|
فنانات عربيات بين التعبير الشخصي والسياسي
داني بن سمحون
الحوار المتمدن-العدد: 1751 - 2006 / 12 / 1 - 11:10
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
الشخصي والسياسي حاضران ابدا في ابداع الفنان العربي. "في الواقع الذي اعيشه لا يمكنني السكوت. الوضع يجبرني على الرد". هذا ما تقوله الفنانة الشابة نسرين ابو بكر التي تشارك في هذه الايام في معرض جماعي بتل ابيب. الفنانة منال محاميد، المشاركة في نفس المعرض، تؤكد "ان هناك امورا شخصية لا تقل اهمية بالنسبة لي عن الواقع، ومن حقي ان اعبر عنها بواسطة الفن. ولكني المهمة تبدو مستحيلة، لان الواقع يفرض نفسه علي ويتغلغل الى عالمي الشخصي".
منال محاميد من ام الفحم، من مواليد عام 1976، تسكن وتبدع في حيفا. أنهت منال دراستها في معهد الفنون "بيت بيرل" عام 2002، وقريبا ستحصل على الماجستير في الفنون من جامعة حيفا. نسرين ابو بكر خريجة بيت بيرل ايضا عام 2006، من مواليد عام 1977، تعيش وتبدع في قريتها زلفة، قرب ام الفحم.
تعرض الفنانتان في صالة العرض جولي م.، من اهم صالات العروض الفنية في تل ابيب، ومعهما الفنانتان روتي هلفيتس وادفا دروري. تشمل الاعمال فيديو آرت، اداء تمثيلي وفن تشكيلي. اسم المعرض "العناية المكثفة"Intensive Care) )، يتطرق الى الشخصي والسياسي، واستحالة الفصل بينهما. يفسح المعرض المجال لحوار داخلي بين المعاني الشخصية للرعاية المحِبّة وبين المعاني السياسية لمشاهد الجرحى والحروب والمستشفيات التي تصلنا بكثافة عبر وسائل الاعلام.
"لا يمكنني ان أُغمض عيني واتجاهل الواقع السياسي والاجتماعي"، تقول منال، "ولكن هناك ايضا عالمي الخاص بي، اريد التعبير عنه. واريد ان يقيّموا عملي كما يقيّمون عمل فنانة اخرى تعرض في تل ابيب". هذا هو الفخ الذي يواجهه الفنانون العرب في البلاد، اذ ان المجتمع الفني يتوقع منهم ان يتخصصوا في المواضيع السياسية.
الفنانة نسرين ابو بكر:
"لا اريد ثقافة الشهداء"
"كيف كانت تجربة العرض في صالة مهمة مثل جولي م. في تل ابيب مباشرة بعد انهاء تعليمك؟
نسرين ابو بكر: "في البداية ترددت، وبدا لي مصطنعا ان يأتوا بفنانتين عربيتين ويجمعوهما بفنانتين يهوديتين. ولكني تقبلت الفكرة بعد ان رأيت ان كل القرارات تُتّخذ بالتشاور معنا. كنت اتمنى ان اعرض اعمالي الفنية في الشارع، حتى يتمكن الجميع من الاستماع لما اريد قوله، وليس فقط الجمهور المتردد على صالات الفنون. لدي الكثير من النقد على المجتمع الاسرائيلي الذي يسيطر على الفلسطينيين الذين صاروا اشبه بالدُمى. اني ارى، اني اغضب، ولا اخاف من التعبير عن كل ذلك. لا يمكنني ان اسكت".
من اين تستمدّين لغتك الفنية؟
نسرين: "انا أفضل التعبير بايجاز، دقة ووضوح – اسلاك شائكة، قنبلة. لا احب الامور الزائدة وغير واضحة. الإلهام يأتيني من جداريات في الاحياء الفلسطينية، جرافيتي على الجدران. في التلفزيون كثيرا ما يعرضون امامنا رسمات توضيحية مع اسهم، في محاولة لتجسيد كيفية وصول فلسطيني الى نقطة معينة ومن الشخصيات التي قابلها في الطريق. الفلسطيني يظهر دائما كظل اسود، عديم الهوية والملامح. يمكنه ان يكون اي واحد او لا احد في نفس الوقت.
انا لا اهتم بالخلفية بل بالقصة ذاتها. كما احب الدعابة السوداء والتهكم. هذا المعرض مثلا يشمل خمس لوحات تتحاور فيما بينها. في احداها جندي فلسطيني يحمل بندقية، ويبدو لاول وهلة رمزا لاسطورة الجندي الفخور البطل، ولكن بنظرة فاحصة يبدو لك مسكينا وذليلا. في لوحة اخرى ترى اما فخورة على كتفها شهيد. ولكني لا استطيع بعد رؤية المزيد من الامهات الفخورات، المزيد من الجنازات والشهداء. لا اريد ثقافة الشهداء هذه، لا تهمني البطولة، لا اريد المزيد من الحروب والضحايا. عملي هو احتجاج على الموت الذي تحول الى روتين.
الاقمشة التي ترسمين عليها باهتة اللون، غير متناسقة الطول، تعلقينها باهمال على الجدران او تجرّينها على الارضية، ماذا تريدين ان تقولي؟
نسرين: "الاقمشة التي استخدمها تسمى اقمشة عربية، ولكننا نستخدمها ككفن. هذا يعطي المعنى السياسي الذي اريد لعملي. من جهة اخرى القماش عبارة عن مادة رخيصة، واقصد من استخدامها ان اعلن ان بالامكان العمل بادوات بسيطة، بالوان صناعية واقمشة مقصوصة بشكل غير متناسق، فتصبح اشبه باعلام التظاهر والاحتجاج، وليس باللوحات التقليدية. هذا الشكل والمضمون اقرب الي والى العالم الذي اعيشه، اقرب من لوحة فنية تقليدية مرسومة بالوان الزيت على قماش مشدود في اطار".
الفنانة منال محاميد
جرح، زهرة ورسائل حب
عرضت الفنانة منال محاميد عدة مرات في صالة العرض جولي م. وحازت على جوائز عديدة. اعمالها قُدّمت ايضا في متحف هيلانا روبنشتاين في تل ابيب. وفي صالة العرض للفنون بام الفحم كان لها عمل عبارة عن واجهة زجاجية وراءها براميل مليئة بالاسمنت كانت تستخدم لاغلاق مداخل البيوت في الانتفاضة الاولى.
في المعرض الحالي تقدم منال فيلم فيديو يحتوي صورا متناقضة تتبدل باستمرار. زقزقة عصافير تفتتح الفيلم وفي المشهد الاول ترى يدا ناعمة تقطف اوراق زهرة، كما لو كانت تتساءل "يحبني/ لا يحبني". يوحي المشهد بايام السذاجة والبراءة. وفجأة يتغير الصوت الى صوت بكاء يصم الآذان وتتغير الصور الى جروح وجلد مشوه.
الفيلم معروض على حائط من بلوكات ورقية، عليها كتبت رسائل حب. الزهور والجروح تختلط امام المشاهد حتى يصعب عليه التفريق بينهما. محل لعبة "يحبني/ لا يحبني" تفرض لعبة جديدة نفسها "جرح/ زهرة، جرح/ زهرة". الاحساس الذي قد يصيبك هو الازعاج الدائم وعدم الراحة، فانت تحاول ان تركز في احدى الصور، ولكن الصورة تتبدل طول الوقت. مهمة صعبة او مستحيلة تواجه كل من يحاول ان يقرأ الكلمات المكتوبة على الحائط. وهو المقصود، ان تشعر بالصعوبة والانزعاج.
رسائل الحب وصلت منال من خطيبها قبل زواجهما، وقامت بكتابتها على الحائط. بينها جُمل تكشف الى اي حد دخل السياسي في العلاقة الشخصية الحميمة. في احدى الرسائل قارن خطيبها بين العنف والعداء في العلاقات بين الازواج وبين العدوان الاسرائيلي على الفلسطينيين. الوضع السياسي الاجتماعي الذي تعيشه منال بصفتها عربية في اسرائيل يتغلغل دون قصد الى حياتها الشخصية.
الجرح والزهرة، الرسالة والحائط، تتحول الى جسم واحد، متصلة عناصره بواسطة الفيديو. زر واحد يمكنه اطفاء المشهد كله، وتحويله الى عتمة كاملة. العمل هو رمز للاستيقاظ من حالة السذاجة والبراءة الاولى، رمز لوضع كل شيء فيه يختلط بكل شيء، وضع يتغلغل فيه السياسي الى الشخصي. تقول منال: "احببت ما قاله لي بعض الاصدقاء الذين زاروا المعرض، ان الجرح بدا لهم وكأنه مربّى".
في المنشور الموزع على زوار المعرض كُتب ان "اسم المعرض "العناية المكثفة" يمكن ان يوحي لنا بمشاهد من مستشفيات، جرحى، حروب، اجسام او اجزاء منها، ولكنه ايضا يمكن ان يثير فينا افكارا عن الحب، الرعاية والاخلاص". شهر الدماء الاخير في غزة يُكسب هذه العبارات مزيدا من القوة والواقعية.
#داني_بن_سمحون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عاشت تل ابيب ومات الفقراء
-
سواعد نسائية كادحة
-
رانيا عقل: -للفن مساهمة في تطور المجتمع-
-
من وثيقة حزب دعم: موقف الهستدروت من العمال العرب
-
نتانياهو يسعى لالغاء الحد الادنى للاجور
-
الهستدروت تبارك حكومة الوحدة
-
مسرح الهواة: غذاء للروح لا مصدر للرزق
-
شركات التأمين تسيطر على صناديق التقاعد
-
عمال القوى البشرية: العبيد الجدد
-
من نهب توفيرات العمال الفلسطينيين
-
حكومات يمين ويسار اوروبية تضرب العمال
-
السارس وباء الرأسمالية
-
لماذا الغت الهستدروت الاضراب العام؟
-
الاصلاح الحكومي يزيد الفقر - اسرائيل
-
خطة ويسكونسين خديعة للعاطلين عن العمل
-
انتصار الثورة
العمالية نهاية لعهد الحروب
-
امير عثامنة، رئيس فرقة عمال من كفر قرع:-معاً ظهرنا الذي يحمي
...
-
حنظلة التقى جيفارا في مخيمات اتحاد الشبيبة العمالية
-
الحرب لم تخنق رافضي الجندية
المزيد.....
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
-
إعلامية كوميدية شهيرة مثلية الجنس وزوجتها تقرران مغادرة الول
...
-
اتهامات بغسيل رياضي وتمييز ضد النساء تطارد طموحات السعودية
-
جريمة تزويج القاصرات.. هل ترعاها الدولة المصرية؟
-
رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر …
...
-
دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
-
السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و
...
-
دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف
...
-
كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني
...
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|