مهند جاسم الشباني
كاتب
(Mohanad Jasim Alshabani)
الحوار المتمدن-العدد: 7904 - 2024 / 3 / 2 - 15:17
المحور:
الادب والفن
.............
وانا أتجول في السوق
مع أبي
الذي دأب منذ سنوات عمري الاولى
على أصطحابي معه شبه يوميآ
كان يمسك يدي بقوة
وهو يحدثني عن قصص الشارع
وعن أصوات الباعة والمتطفلين والشحاذين
وعن القصص القديمة
والشقاوات القديمة
والعناوين القديمة
وقصص الف ليلة
والمعلقات والفروسية
كنت أجيد الصمت والتنصت
كنت سريع الحفظ والتذكر
كان أبي ينظر الي
كلما كان يشرع بقصة جديدة
ضاغطا بقوة بيدي للانتباه
لقصة جديدة قادمة بالطريق....
كنت اتهيأ وأبلع ريقي
وأسند ظهري
وأنا في كامل استعدادي...
لقد تلعثم أبي كثيرآ
هذه المرة
و تأخر طويلآ
في سرد قصته الجديدة
وانا بعمر الرابعة عشر
ماسكآ يده بقوة
ونحن نعبر جهتي الشارع
توقف أبي بمنتصف الشارع فجأة
وتوقفت السيارات
بعد ان رشقتنا بعشرات من الهورنات...
آه ... هل هذه هي قصتي الاخيرة معه
صفر رجل المرور لماذا توقفتم؟
تبسمرت، لا اعرف ما اذا حصل
أبي تجمد بالشارع
حركتُ يدي المدفونة بكفه القوية
لكن دون جدوى.
شعرت بحرارة يدهِ
وأرتخاء عضلي فيها
رفعت رأسي لأشاهده
وجدته مغمض العينيين
شاحب متعرق الجبهة
وتقلصت عضلات وجهه
بدا لي أصفر اللون شاحبآ
لحظات وأذا بالشارع يسير حولي
لا أعرف ماذا أفعل وكيف أتصرف
فنحن كنا في بداية مسيرنا اليومي للسوق
ها هو القدر يقطع طريقنا اليومي
سقط وسط تشييع كل سيارات المدينة
سقط أبي اخيرآ كفارس أخير
في مملكة غرناطة
بعد أن خانه ملوك الطوائف
سقط بعد أن خانه قلبه لأول وأخر مرة
سقط أبي وسقطت معه كل قيم الحضارة
ثلاثين عامآ
ما زلت كلما عبرت نفس الشارع
اقطعه قليلآ
و أتوقف دقيقة حدادآ
أستمع فيها لنفس موسيقى السيارات
وهي تشيع أبي مرة أخرى ...
لتكون هذه هي قصته الاخيرة .....
#مهند_جاسم_الشباني (هاشتاغ)
Mohanad_Jasim_Alshabani#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟