|
القضية الفلسطينية الى اين؟
محمد رياض اسماعيل
باحث
(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)
الحوار المتمدن-العدد: 7895 - 2024 / 2 / 22 - 19:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما نتناول القضية الفلسطينية، يتطلب الانتباه الى حال شعوب الدول العربية او الإسلامية عموما وحكوماتها. هذه الشعوب تختلف فيها منظومة القيم الأخلاقية والثقافية والعقليات التي تعاصر هذا الزمن، هذه الشعوب أسيرة في قفص التوجهات السياسية لحكامها، واغلب هذه الشعوب الممتعضة من حكامها رهينة بيئة مظلمة قاسية افقدت ثقتها بالحكومات. الشعوب تعيش حالة الازدواجية ونمو الانانية بإفراط بفعل الثقافة الدينية والدكتاتوريات التي حكمتها، تلك التي افقدتها الرؤية الواقعية السليمة للأمور الحياتية فتظاهرت بالرياء والنفاق وسفسطة المثاليات للتبرير والدعاية الفارغة.. الفصل بين الدين والدولة معضلة تقبع على المشهد السياسي، فاغلب المجتمعات العربية والاسلامية تنقاد من رجال الدين ورجال السياسة وكلاهما يشتركان في الحكم! ان رجل الدين يفرض آرائه على رجل السياسة وينتج عنه تصادم مريب ومخيف في إدارة شؤون الدولة لتحقيق المصالح العامة بالمنظور العصري. المفروض ان يحكم رجال السياسة اما رجال الدين فلا بأس ان يذهب افكارهم للدستور كقيم اجتماعية كلما أمكن ذلك. الدين موروث قرون، مطت فيها الاقوام لتلائم حال زمنها، ولكل منها مفاهيمها تُصور الدين وفق ما يناسبها، في الدين الإسلامي ملل عديده تتبع مذاهب مختلفة مثلا الحنفي والحنبلي والشافعي والمالكي جميعهم مختلفون في التفسيرات الفقهية، يستوجب استنباط ما يصلح منها للدستور وهناك من يختلف بينها في الجذور كالشيعة والسنة رغم كونهم مصنفون كمسلمين لا يمكن ان يستنبط منها ما يصلح كدستور! وتعيش هذه الفئات جنبا الى جنب ويعترفون بالآخرين من المذاهب (المتناحرة فيما بينها) بأسلوب التقية، فتتعمق الازدواجية والنفاق في تلك المجتمعات، ثم تفرز الخلاف بالضرورة. ان الاديان عموما شهدت حضارات لم تعد قائمة ولا تصلح للحاضر المعاصر بسبب تقادم تلك الحضارات. ان تفاوت هكذا أفكار واختلافها لا تصب في بودقة الحوار المنتج، وهي أقرب الى التنظير الذي يتمسك كل طرف فيه برأيه دون الاهتداء الى حلول وسط. وهناك مشكلة أخرى وهي طبيعة أنظمة الحكم في هذه البلدان التي تتفاوت في العقليات والولاءات والانتماءات.. اغلب هذه الأنظمة جاءت الى سدة الحكم رغما على انف شعوبها اما بإخداعها للشعوب واستمالتها بالعواطف، او بالقوة على الشعوب المغلوبة على امرها، او نصبت من قبل الدول الكبرى بأعياد الربيع، التي أزهرت في اقتصادات الدول الكبرى وصادرت الإرادة الحرة "ان كانت هنالك ثمة ارادة حرة للشعوب"! وأصبحت طاقة جذبها لدول الربيع والدول المرتمية في احضانها بلا ربيع، من القوة الكافية لتصادر ارادتها الحرة وتخضعها لسياساتها الاستعمارية، فأصبحت في الغالب أنظمة دكتاتورية قمعية تصادر الحريات وتخدر الشعوب وتنهب أموالها، واسبغت صورتها بالدعاية واوجدت المؤسسات الدستورية الصورية لتدعي الديموقراطية.. فبالنظر الى خلفية الشعوب والحكام، نرى في الأولى صراعا مريرا بين فئتين رئيسيتين الأولى وهي الأكثرية تقودها الزخم الثقافي الديني والاجتماعي المتوارث، وفئة المتنورين الواعين ممن تشربوا من الثقافات العصرية. والحكام في الجانب الاخر جاءوا الى المشهد السياسي بما اسموها ثورة، لكن هذه الثورة لم تدعوا الى التآخي والمساواة بين ابناء الشعب على اختلاف عقائدهم وعناصرهم لتشركهم جميعا في اداره شؤون البلاد. لم تكن ثورة تنويرية أخلاقية تقدر القيم المعرفية وتعظمها بقدر ان تكون محاولة لاستئثار السلطة وكسب المنافع وسوق الناس بالقوة القاهرة في العموم. وتجدر الإشارة الى وجود تفاوت فكري بين رجال الحكم في البلاد العربية، من فكر بيروقراطي عسكري دكتاتوري الى متطرف ديني او قومي او عشائري وقلة ممن تشربوا بثقافة العصر تعودوا أسلوب الحوار او الأسلوب الديموقراطي الناضح من حرية ملتزمة، وفئة ولائية مبرمجة عن بعد! تنجم من نتاج هذه التباينات شعوبا متناحرة فيما بينها وكارهة لحكوماتها، وحكومات قاطعت شعوبها، غير منسجمة فيما بينها وغير متفاهمة في أهدافها الاستراتيجية، فالمفروض ان الهدف ووضوحه يوقف الخصومات والحروب.. لذلك فشلت التجمعات المختلفة والاحلاف طوال التاريخ المعاصر من منظمة الدول الإسلامية وجامعة الدول العربية ومنظمة دول عدم الانحياز وغيرها من التكتلات الإقليمية وستفشل أي تجمع قادم بين بلدان العالم الثالث في فرض غطاء الأمان والاستقرار والقرار الحر للبلدان المنضوية تحت ارادتها. ان اختزال وتضييق دائرة حل القضية الفلسطينية على طاولة الدول الكبرى جاءت بسبب التفاوت في القدرات التقنية والعلمية والنظم الإدارية بين دول العالم العربي والاسلامي والدول العظمى، وهذه الأخيرة هي دول حرة تمثل إرادة شعوبها بقدر كبير، ولشعوبها عداء تاريخي وكراهية مع البلدان العربية والإسلامية. اما خيارات حل القضية الفلسطينية تتمثل في الاتي: - اما باستخدام القوة مع إسرائيل وهي غير ممكنة في ضل اختلال التوازن العسكري بين المعسكرين لصالح معسكر إسرائيل وحليفاتها من الدول العظمى. - وهناك خيار الاستنزاف الذي ينجم عنه انهيار اقتصادي أسرع في المعسكر الموالي لإقامة دولة فلسطين المستقلة، بسبب استقطاب إسرائيل لرؤوس اموال الشركات العالمية المساهمة التي تهيمن على الاقتصاد العالمي. - وهناك خيار الاستفزاز الأمني وخلق الرعب وحالة عدم الطمأنينة لدى الإسرائيليين من خلال العمليات الانتحارية، وهي قابلة للاحتواء ورد الفعل. - اما خيار الحصار الاقتصادي التي تأتي نتائجها في المنظور البعيد، تحتاج إرادة حرة للحكومات العربية أساسا والإسلامية عموما وهي غير متوفرة كون غالبيتها ولائية لإرادة الدول العظمى. - كما ان هناك عامل تغير التوازنات السياسية في العالم. - وهناك خيار قبول شروط إسرائيل للتعايش مع الفلسطينيين. - أضف لذلك عامل الزمن فكلما زادت الهجرة من البلدان النامية الى الدول العظمى، تتغير ديموغرافية الدول العظمى وتخلق اجيالا تطعم الفكر الغربي لتخفف من مفاهيم الكراهية وبالتالي تغير نمطية القرارات الدولية في هذا الخصوص على المدى البعيد.. ان جميع الخيارات في نهاية الامر ستؤدي الى قرار الحل القائم على التعايش السلمي بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي كل ضمن حدوده السياسية الراهنة، وان اختزال الزمن للوصول الى هذا الحل، سيحرر البلدان من مغبة الانهيار الاقتصادي والخسائر البشرية والمادية، لكن السؤال هنا هل سيكون هذا الحل في مصلحة الشركات العالمية المساهمة التي تهيمن على المال الناجم من صناعة السلاح والغذاء والدواء والاستثمار في بيئة الصراعات والحروب ومنظورها السياسي في صناعة الازمات؟
#محمد_رياض_اسماعيل (هاشتاغ)
Mohammed_Reyadh_Ismail_Sabir#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البحث في الجوهر
-
التربية والتعليم في العراق
-
البروتوكولات وقواعد العالم التي تحكمها الصهيونية
-
خاطرة على البرلمانات والمجالس الشعبية
-
لمحات من السياسة الامريكية المعاصرة في العراق والشرق الأوسط
-
اية امة نحن؟
-
كركوك في 2040
-
حبيب الاحلام مع خالق الانام
-
العدالة في مقياس الخالق ومقاييس المخلوق
-
الذكاء الصناعي الى اين؟ مناضرة فكرية
-
مسودة قانون النفط والغاز العراقي تحمي المصالح الاجنبية
-
الانسان ذلك المخلوق العجيب بين الوهم والحقيقة!
-
تأمل في خوارزمية ذاكرة الانسان
-
انين حزنٍ مسافر
-
اليات تنفيذ العقود الحكومية وغطاؤها القانوني والاداري
-
رحلة في الدهر
-
نظرة الى الادوية من كوة النفس
-
متى ندرك الإنسانية السعيدة ونضع نهاية للصراع الفكري؟
-
متى نضع نهاية للصراع الفكري؟
-
سفر الحزن والالم اصالة
المزيد.....
-
الكونغو الديمقراطية: غوما تحت سيطرة المسلحين … دمار ونهب وال
...
-
قولوا وداعًا لأمريكا.. ترامب يُعيد تهديد مجموعة -بريكس- إذا
...
-
الخارجية الروسية: إجراءات شطب -طالبان- من قائمة الإرهاب مستم
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على أهداف لـ-حزب الله- في الب
...
-
بريدنيستروفيه ومولدوفا تتفقان على خطة أولية لتوريد الغاز
-
أبرز مواصفات الهاتف الجديد من -Nothing-
-
اكتشاف بكتيريا خطيرة في بعض منتجات الدجاج التي تورد إلى روسي
...
-
-فينشينزو.. رجل المافيا-.. عدالة العصابات وتهجير السكان لاست
...
-
العبور من الثورة إلى الدولة في سوريا
-
سعيّد يمدد حالة الطوارئ في تونس حتى نهاية العام
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|