أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم حسين - ثقافةُ الريحِ.. أرشيفُ الأسى*















المزيد.....

ثقافةُ الريحِ.. أرشيفُ الأسى*


هيثم حسين

الحوار المتمدن-العدد: 1749 - 2006 / 11 / 29 - 10:31
المحور: الادب والفن
    


قد يقول قائلٌ بأنّنا ما عدنا نحتاج الشعرَ في هذا الزمن الذي قد ترقّم فيه الإنسان. وقد يبالغ آخر بأنّه قد أفلحت في كثير من الأماكن محاولاتُ تبليد المشاعر والأحاسيس، فلا حاجة إذن إلى الشعر.

نعم. تمضي الحياة بدون الشعر، ولكن كيف ستكون تلك الحياة...؟! سيعيش أحدنا آكلاً شارباً نائماً، سيعاني فراغاً روحيّاً لا يُسدّ بغير الفنّ، وأقول الفنّ بمعناه الواسع، ومن ضمنه الشعر الذي به تنضاف إلى حيواتنا قيمة، وتتّخذ معه لنفسها اعتباراً، هو حقّها، وبدونه تبقى معلولة جوفاء..

شفيار بعشقه لليل كما يدلّ معنى اسمه بالكرديّة، يسعى عن طريق عشقه للشعر، أو عشقه الشعريّ كما هو بادٍ في مجموعته "ثقافة الريح" أن يسدّ بعض النقص الحاصل في "الكريّات" الشعريّة التي تسري في دماء كلّ فردٍ، بفعل ما قد نصطلح على تسميته بالحضارة الرقميّة.

لا أمارس هنا تزكية للمجموعة أو تقريظاً للشاعر، ولا أحاول التعتيم على رأي القارئِ الناقدِ أو مصادرته رأيه، لتمرير القصائد دون مساءلة، أو دون تدقيق.. بل أدعو كلّ قارئ أن يستنطق الأحرف والكلمات والسطور، وأركّز على التنقيب ما بين السطور لأنّها تخفي أكثر ممّا تظهر.. فهو يؤرجح قصائده بين التلميح المكبوت والتصريح المقصود..

أيّ ثقافة هذي التي تثقّفنا بها الريح التي تنثر الكلمات وتذروها قصائد معنونة على صفحات هذه المجموعة التي تنسكن بلوحات محترقة وأساطير مُنتساة وثورات مفشَّلة.. ابتداءً بإهدائه إلى المجهولة التي تُعرف بالتنكير ومروراً بالقصائدِ المآسي وانتهاءً بالنقاط التي تتسلسل واعدة ببداية قادمة مختلفة. نراه يأسى وهو يصوّر شاعراً الأهوال التي تحلّ بمدينته؛ بمُدنه المتوحّدة في واحدة، حيث يكون الاختلاف بيّناً بينها وبين غيرها من المدن.. فمدينته عندما تجوع تمضغ الوحل، وتشرب النار إن تعطش، كما تغفو في الأتونِ التنّورِ الشرقيِّ، أو الأتون المدبَّر، ثورات تسع لم تحقّق مبتغاها في وطن لا يجوع أبناؤه، أو يعطشون،ويظلّون ساهرين للمحافظة على مكتسبات ثوراتهم، ولينجب هذا الوطن المؤلَّه أطفالاً ينفخ فيهم من لدنه الأرواح.. ليكون الوطن ذاك حينذاك جديراً باسمه. كما بدا في قصيدة "مخاض".

ولا يخفى في المجموعة التمرّد على الثقافة الذكوريّة المستبدّة بالعقول والقلوب، وعلى الازدواجيّة التي تطبع التعامل حين يقول: "وشعب الذكور منشغلٌ بصنع تمثال الحرّيّة". ترى ماذا تجدي التماثيل حين يكون المنشغلون فيه موتى، موتى يحاولون تخليد الموءودة؛ الحرّيّة بصنع تمثال لها، هرباً من مصارحة أنفسهم بعكسها من الاستعباد المغرق؟!

كما يستنبط – أحياناً – بعض العناوين من النصّ القرآنيّ دون أن يشترك مع المتضمَّن في المعنى، مثل قصيدته " آية الكرسي"، حيث هنا تؤرّخ الرغبات المصوّرة مشاهدَ مكبوتة في الذاكرة فضيحته لألف عمرٍ قادمٍ.. وليحتار في بحثه عن جنسيّته، أو لربّما هويّته المستباحة المبعثرة بين إمبراطوريّتي العمامات السود والعمامات الحمر..

كما أنّه لا يخفي ولعه بالنار والاحتراق، كأنّي به يعشق النار، ويقدّم لها ولاءه وانتماءه، حيث ترد الكلمات التي تدور حول خواصّ النار أكثر من مرّة، وقد يصحّ أن نسمّي ذاكرته بأنّها ذاكرة ناريّة، النار تقدَّس، النار تطهِّر، النار تقضي على كلّ حياة، أبادت أجيالاً ولن تتخلّى عمّا اختيرت له من مهامٍّ، ما لم يوقف في وجهها، لتتآكل نفسها، فتكون هي الضحيّة في بحثها عن ضحايا لها.

الهمّ الكرديّ مؤرشفٌ في هذه المجموعة،فمدينته هي: عامودا وهي تحترق، هي حلبجة، هي عفرين، هي مهاباد، هي آمد ..، هي وطنه الذي سيبقى باحثاً عنه، مأساتها هي مأساة شقيقاتها، ومآسيهنّ مأساتها، فحين تحترق عامودا تئنّ عفرين، وحين تدفن عفرين فلذّات كبدها تنـزف حلبجة وتبكيها الأخريات كذلك بكاءً مرّاً دون استسلامٍ وهنّ ينشدن لبعضهنّ.. ومعاً:

Ey reqîb her, maye qewmê kurd ziman

Naşikê û danayê topên zeman …

وفي قلب ثقافة الريح يكون الكفرُ العهرُ المتجسّدُ بطلب من السلطان يتراوح بين الأمر والنهي حين يقول:

"أوصدوا الأبواب / سدّوا كلّ المنافذ / امتنعوا عن التنفّّّس/ اختنقوا! / و لا تشهقوا هذا النسيم العميل!!"

كما أنّه يلعن الصمت الذي تقابل به عدد من المدن قضيّته، مستحضراً الرمز التاريخيّ، صلاح الدين، المضحّى به، المتاجَر باسمه، المحارَب تحت لوائه بنو جلدته المُساطون بإنجازاته التي حرموا منها.

يعترف في نهاية "مذكَّرات" بأنّه يجب أن يعثر على كيانه وشخصيّته المستقلّة، بعيداً عن السلوك الإمّعيّ التابع، ويكون اعترافه هذا خطيراً وجريئاً ومكلفاً، رغم ذلك يعترف، ويجاهر بالحقيقة التي هي واحدة دوماً، ولا تقبل معها أيّ احتمالٍ، يكون اعترافه في المقطع الرابع من قصيدته "مذكّرات":

"ما دامت أيادٍ تحرّكني / وشفاه تتحدّث عنّي

/ كيف أقنع أطفالي... بفنوني؟!"

ويخترق الشاعر في قصائده المحظورات، ولا يتوانى عن الاحتفال بالنوروزِ الرمزِ، فيركّز إصراره ويستجمع كلّ قواه وإمكاناته مُحيياً زين العاشقة التي لن تبالي بأيّ خطرٍ في سبيل الاحتفال مع حبيبها بالنوروز، لتكون زين الآية الكبرى التي تعيد إحياء الآيات كلّها، لتكون العنقاء الكرديّة التي تثور وتثوّر معها ممو:ها، ثمّ ليغيظا معاً "بكّو"؛ محترفَ الوشاية، المتطبِّبَ بالمؤامرة، وذلك في المقطع الخامس من قصيدة "الآيات الكرديّة":

أصرّت زين / أن تحتفل بالنوروز / رغم حظره / فأشعلت نيران عشقها / على قمم قلب ممو / و استشهدت في سفحه..

تتوحدّ المحبوبة في الوطن، يغوص الوطن في أعماقه، يستخرج منه الدرر وينثرها كلماتٍ شاعريّة.. وتكون الأنثى المؤسطرة، الحاضرة الغائبة في معظم القصائد.. يباغَت بأسرابها ، أحياناً، وهي تحجل إليه، قبل أن يصبح لها وطناً.. وفي أحيان أخرى يتنسّك تاركاً الدنيا الفانية بعلاّتها راحلاً إلى حضنها متعبّداً عينيها.. وهي تُصادقه الجبال وتصادقها معه، الجبال المجبولة بالدم الكرديّ، الجبال التي تتبادل مع الكرديّ التمرّد، الثورة، الشمم،.. والعناد.

وقريباً من الختام تكون أحلامه أكبر من براويزها، ويكون وجه حبيبته محتضناً نكساته، باهتاً كصحف السلطة غير المقروءة، ثمّ يعاهد روكسانته التي تبدع الأنوثة بعطرها، وتقتحم الرجولة بسحرها، بأن يظلّ طفلها المدلَّل، وفارسها المفضَّل، ونبيّها المبجَّل.

هوذا شفيار، في القصيدة الختاميّة، منكسر القلب محطّمه، يبوح بما سيبقى يؤلمه في أرضه ووطنه، وذلك في قصيدة "صلاة القرفصاء":

هنا / العشق موءود في خيالنا / لا وطن نرتديه في ثلج الشمال / ولا قمر نعشقه / يبدّد في كياننا أشباح الرجال ....

كأنّه في الختام غير مريدٍ أن يبالغ في تفاؤله، يضع حدّاً لخياله، راجعاً به إلى الواقع، إلى "هنا" ..

تلك بعض من المقاطع التي وردت في المجموعة، وهذي دعوة للدخول إلى عوالمها الرحبة.

لا أقول إنّ الشاعر قد اختطّ خطّاً شعريّاً لم يسبقه إليه سواه، أو أنّه لم يتأثّر بغيره من شعراء العربيّة، لكنّ ما يميّزه عن سواه من ناحية اللغة الشعريّة، الروح الكرديّة التي تحمل الوجع الكرديّ في الحلّ والترحال بين رياض الشعر، باحثاً عن قصيدته المأمولة ولغته الخاصّة التي يجب أن تغدو متفرّدة مختلفة. يبقى أن أقول بأنّ مجموعة "ثقافة الريح" جديرة بالقراءة، وبالرغم من بعضٍ ممّا يعتورها من الشطط الشعريّ الذي يبدو وكأنّه لا بدّ منه هنا وهناك.. هي خليقة أن تكون موضع الاهتمام.

ويستمرّ شفيار عاشقاً ليلَه وشعرَه، منشداً ليلاه - وطنَه، بانتظار انبلاج الفجر الذي سيحمل له الحقيقة التي يسعى إليها كلُّ مبدعٍ صادقٍ.

عامودا - آب 2006 م



* مقدَّمة مجموعة " ثقافة الريح" الشعريّة، التي صدرت حديثاً في إصدارٍ خاصٍّ للشاعر الكرديّ العفرينيّ: شفيار.



#هيثم_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا مساوَمة على الحرق، لا مساواة في الحرق
- تهشيم الحرّيّات
- النخبويّة التلفزيونيّة
- آراء.. وآرام
- مات الوطن.. عاش الوطن..
- لبنان واأسفي عليك.. وواأسفي علينا
- المنبرُ الإعلاميّ .. موقعُه وموقفُه
- الهاجس الشعريّ في نداء اللازورد
- مهدي عامل .. شهيدُ الفكر
- أُلْفةُ الأمكنة ، أمكنةُ الأُلاَّف
- لَعْنَةُ الجغرافيا وخيانتُها روائيّاً
- آمد والجرم الماضي المستمرّ
- الحوار المتمدِّن تجذير التمدُّن في الحوار
- أَرَبٌ عربيٌّ في الأدب الكرديِّ
- بعض التوضيحات حول مقالة :الأدب الكرديّ بعيون عربيّة
- حرائقنا ... نَيْرٌ ناريٌّ
- الحدائيّات العربانيّة
- ((قراءة في مذكَّرات الدكتور نبيه رشيدات (( أوراق ليست شخصيّة
- قرية - دارِى - رهين الظلمين
- وأيضاً نزار ...


المزيد.....




- -جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم حسين - ثقافةُ الريحِ.. أرشيفُ الأسى*