|
على هامش فضيحة نعلين: ظاهرة كلامية بين الشعار والممارسة
أحمد زكارنه
الحوار المتمدن-العدد: 1749 - 2006 / 11 / 29 - 10:34
المحور:
القضية الفلسطينية
منذ أن ضربنا زلزال " تسونامي السياسي" في الخامس والعشرين من شهر كانون ثاني الماضي بعيد نجاح حركة حماس في الانتخابات التشريعية والمشهد السياسي الفلسطيني لم يزل يضئ الشعارات البراقة في ليل حالك السواد لم ينل منه فجر الحقيقة بعد.. ما يشبه إلى حد كبير قصة قرأتها للقاص العراقي "غازي العبادي" بعنوان "رقصة الغازان" وهي رقصة ديوك شرسة حيث يعرض القاص قصة رجل شهم أحب فتاة نافسه عليها رجل آخر مخادع يجيد صناعة الحيل، فأخذ التنافس بينهما شكل الرقص الوحشي الشبيه برقصة "الغازان" فأجاد الرجل الشهم الرقص لدرجة أنه أوشك على كسب الرهان الامر الذي صعق الغريم المحتال فأسقط نفسه وارتطم رأسه بسلة أزهار انتشرت عليها الدماء.. فكان هذا السقوط علامة انتصار الرجل الصالح الشهم، إلا أن الفتاة اتجهت بغريزة الأمومة نحو المخادع المغلوب، وتركت الشهم المخلص غارقا في بحر من الخجل، مثلها مثل الكثيرين من الناس الذين يخدعهم الباطل بحسن التمثيل وإجادة الخدعة.
ومشهدنا الفلسطيني المتأزم تملكت منه الحيل حتى بات يعيش ظاهرة كلامية تعزف على أوتار الاستثمار بالمشاعر الدينية بين بريق الشعار وزيف الممارسة في استحضار فريد من نوعه لما كان يروجه الشيوعيون منتصف القرن الماضي حول أكذوبة أن الدين هو "أفيون الشعوب" على قاعدة أن إغراق الجماهير بالطقوس الدينية انتظار للثواب في الجنة وخوف من العقاب في الآخرة يلهيهم عن الدفاع عن مصالحهم الحقيقية، وهو ما وقعنا فيه فعليا منذ أخذ البعض منا يعلي من شأن شعاراته البراقة لتزاحم النجوم في سياق برنامج قائم على حق يراد به باطل مجندا جهابذة الإعلام العربي لكشف عورات مسلسل التنازل والتفريط المزعوم التي قامت به جميع الحكومات السابقة المولودة في مشفى اوسلو مكررا شعار اللاءات الثلاث المعاصرة "لا اعتراف لا تفاوض ولا مصافحة" مع قتلة الأنبياء والرسل في تطبيق صرف لقوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين" ـ المائدة 51 ـ هذا هو الحق المراد به باطل، إلا أن الباطل كان زهوقا والحقيقة التي أحجبت عن الناس عمدا بعض الوقت أبت إلا أن تكشف زيف المخادعين.
قبل أيام قليلة كشفت الصحافة الإسرائيلية فضيحة رئيس مجلس بلدية نعلين والوفد المرافق له جراء سقوطه كما قال "عن حسن نية" في براثن الساكن والمتحرك بين المكشوف والمستور.. وحتى لا نتحدث بالألغاز فإن السيد رئيس البلدية القيادي البارز في حركة حماس ظهر على صدر صفحات صحيفة " يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية وهو يعانق رئيس مجلس مستوطنة " كريات سيفر" المقامة على أراضي البلدة قبل توقيعه اتفاق صداقة وتعاون بين البلدية والمستوطنة حسبما قالت الصحيفة بعد الاستمتاع ببعض أغاني فيروز ومرسيل خليفة ضمن حفل غداء أعده مجلس المستوطنة على شرف زيارة رئيس وأعضاء البلدية.
وبعد البحث والتحري وراء صحة هذا الخبر الذي انتشر كالنار في الهشيم تبين أن السيد رئيس البلدية المشهود له بين أبناء قريته بالخلق الطيب وبعد اعترافه انه وقع في شرك خدعة سياسية عن طيب نية.. قد جاء بعذر أقبح من ذنب عندما ذهب يبرر توجهه إلى المستوطنة لغرض استلام سرير ومعدات طبية قدمها مجلس المستوطنة كمنحة من نجمة داوود إلى سيارة إسعاف بلدية نعلين.. فنجمة داود وبالرغم من الهيمنة الإسرائيلية على قرارات المجتمع الدولي لم يعترف بها دوليا ضمن فروع ( الصليب الأحمر الدولي) إلا مؤخرا بعد مرور أكثر من خمسين عاما على إنشائها، لنأتي نحن لنعترف بها في اقل من سنة واحدة هي عمر المجلس البلدي الحالي لقاء سرير طبي, فبماذا كنا اعترفنا لو كان العرض سيارة إسعاف؟؟
الخطأ الثاني وبخلاف العناق الحار المحرم "حمساويا" هو أن السيد رئيس البلدية ذهب يستلم منحة من مغتصبي أراضي بلدته الواقعة ضمن حدود ما ارتضينا به حكما ظالما لقانون القوة من مجمل أراضي فلسطين التاريخية، وهو خطأ قد يدخلنا غدا أو بعد غد في مساومة جديدة حول ما نستحق من الأراضي المحتلة في العام 67
أما الخطأ الثالث فهو عدم اعتراف رئيس البلدية بهذه الفعلة المشينة إلا بعد فضح أمرها في الصحافة الإسرائيلية ما يدفعنا لوضع علامة استفهام كبيرة حول قصة الإقالة أو الاستقالة أكانت نتاج الفعل ذاته أم نتاج الكشف عن تلك الفضيحة؟؟.
وبالرغم من الخطأ الجسيم الذي وقع فيه رئيس البلدية والذي راح يسوق مبررات لا تقنع أحدا، فإنني أجد نفسي مضطرا للدفاع عنه بقوة استنادا على "حسن نيته" من جهة وافتضاح أمره من جهة ثانية، فقادة حماس اجتمعوا مرات عدة مع اليهود في قطر ولبنان ولندن وعدة عواصم أوروبية أخرى دون أن تقوم الدنيا ولا تقعد ليسوا لأنهم قادة الصف الأول ولكن لان عين الكاميرا لم تلمحهم عكس ما حدث مع رئيس بلدية نعلين.. فالأمر بالنسبة لي ليس محصورا في قضية عقد اللقاءات كتهمة بقدر ما هي قضية مزاودات كلامية وكأننا نعيش عصر الجاهلية.. فكما يقال "يمكنك أن تخدع بعض الناس كل الوقت ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت".
#أحمد_زكارنه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تخصيب اليورانيوم الفلسطيني بين الهرولة والمراوحة
-
إذا هبت رياحك فاغتنمها
-
على بعد خطوات راقصة
-
حصاد الفراغ
-
الإسلام السياسي مطلب جماهيري أم خيار امريكي؟؟
-
الدكتور حمد وطلاق العنف إلى الأبد
-
الأدوار السياسية للوسائل الإعلانية
-
دعوة للمصالحة أم باب دوار
-
وكلاء الاحتلال نبت شيطاني
-
-حماس ليست شيطانا.. وفتح ليست ملاكا-
-
الكوميديا السوداء في روايات حماس
-
سجل يا زمان
-
اعلان توبة في الوثنية
-
صرخة من أجل الحياة
-
طنجرة الحكومة
-
ضد الحكومة
-
طلب الإنجاز وإنتاج الفعل
-
زواج إسرائيل من -فؤادة- باطل
-
لبنان لا تهادن
-
المؤسسة الأممية والفراغ بين شرقين
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|