|
بيان المسؤولية العقدية تجاه الجمهور
احمد جليل العتابي
الحوار المتمدن-العدد: 7889 - 2024 / 2 / 16 - 21:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بما ان المسؤولية هي حالة أخلاقية تمنح المرء القدرة على تحمل تبعات أعماله وآثارها ، فأنها ايضاً تقدير سليم وتعاون مع الآخرين لتحقيق هدف مشترك .
فالانسان مدني بالطبع لا يستغني عن ابناء جنسه ولا يستطيع اعتزالهم والتخلف عن مسايرة ركبهم فانه متى ما انفرد عنهم احس بالوحشة والغربة واستشعر الوهن والخذلان ازاء طوارئ الاقدار وملمات الحياة وعجز عن تحقيق ما يصبوا اليه من اماني وآمال لا يتسنى له تحقيقها الا بالتضامن والتآزر الاجتماعيين ،
وبما ان ارتكاز كافة الاحزاب والحركات السياسية على الجمهور عقلا وعلماً ،
فأن من جملة ما يستقل به العقل السياسي بديهياً هو بادراكه تلك الملكات الفاضلة اتجاه جمهوره ومعرفته ما له وما عليه من الواجبات والحقوق ،
ومن ابرزها الواجبات هو الوفاء ، الوفاء ازاءه بمختلف حقولهم ومجالاتهم
وهنا أود ان أُعرج على الوفاء اصطلاحاً فهو اطلاقان ، فتارة يطلق ويراد به ما يقابل الغدر واخرى يطلق ويراد به ما يقابل الخلف ، وبمعناه الاعم . فأقول :
من اغلى الصفات التي يتصف بها البشر ومن احلى الحلي التي يتحلى بها الانسان به تظهر مصاديق الانسانية وتتجلى مفاهيم البشرية ،
ولهذا نادى الاسلام بضرورة الوفاء بالعقود حيث قال تعالى : يا ايها الذين آمنوا اوفوا بالعقود ) بهدف ايجاد مجتمع الكفاية والعدل مجتمع يحي الفرد فيه بالاطمئنان وتشعر الجماعة فيه بالسعادة ،
فالسياسة التعاقدية هي عقد حضاري والتزام صادق تعبر عن توافق بين ارادتين لغرض تحقيق الهدف المنشود ومن ثم احداث التغيير السياسي والاجتماعي كصيغة مثلى تتمخض من خلال ذلك الالتزام العقدي والتي تصنعها التجربة بصيغة تنظيمية وكتلة واحدة في وجه تحقيق هذه الفريضة بعقد حضاري عقائدي واخلاقي وانمائي مُلزم بصفة الاطلاق للجمهور لا الحصر والتخصص اتجاهه ، يحمل في ذاته بذور البقاء والاعداد المتزن الصادق لآلة البناء ووسيلته بسمو الهدف ونبل الغاية من وراء انتخابه ،
لا العناية بالنخبة المثقفة واهمال الجماهير الشعبية اذ لا تعارض بين الأمرين كون الخصائص الاساسية التنظيمية لاي حزب او حركة سياسية : تنظيم شعبي ينبثق من اعماق الشعب لتعبر عن ضميره وتتفاعل مع نبضه وتتعايش مع جماهيره لتنطق بأسمهم وتشد ازرهم في مطالبتهم بحقوقهم ،
الا ان الملاحظ والاخطر هو في عزلة البعض من القادة السياسيين انفسهم عن الجمهور : استعلاءً عليه ، او تهويناً من شأنه ، او يأساً منه ، او انشغالاً عنه ، او حتى اتهاماً له !!
نعم هذا هو الاخطر ! ان ينسى السياسي موقعه من الجمهور وموقع الجمهور منه وان ينشغل عن همومهم ومتاعبهم ويتقوقع على نفسه ، يكلم نفسه ! ويسمع نفسه ؟ وبذاك يسجن ذاته اختياراً في قفص العزلة عن الجماهير .
اقول ، انما تنجح المشاريع السياسية حقاً يوم تستطيع تحريك الجماهير معها وان تنتصر لها وتغضب لغضبها ويرضى برضاها ويقدر مواقفها وجهودها ويلعن خصومها
وان تجعل همها اندماج في الجمهور بحيث تجري فيه كما يجري الدم في العروق والشعيرات وتختلط به كما يختلط الروح بالجسد او النور بالعين عندئذ لا يستطاع فصل المشروع عن الشعب ولا عزل الشعب عن المشروع .
وهذا لا يتم الا بعد ان تتبنى الاحزاب والحركات هموم الناس وتنفعل بقضاياهم وتفرح لفرحهم وتأسى لأساهم وتشاركهم في سرائهم وضرائهم تبكي معهم اذا حزنوا وتثور معهم اذا ثاروا فهم منهم وهم منها وهي لهم وهم لها .
الا ان مدى هذا المعايير من حيث التنظيم والافراد والمبادئ ضعيفة وهذه ظاهرة بارزة في الحياة الحزبية في العراق ولئن وجد بين الزعماء من توافرت فيه شروط الزعامة من قوة شخصية وثقافة واسعة ومن فهم صحيح لوضع العراق فان ذلك الشخص يعوزه روح التنظيم حتى في الاحوال التي اضطر فيها الى العمل الحزبي فلم يستطع توجيه انصاره ودمجهم في منظمات تستطيع ان تجابه الاحداث وتصمد لها وتعرف كيف تسدد اعمالها وتنفذ خططها بشكل يضمم لها النجاح ويقيها العثار ،
بل نراهم يركنون الى مناورات وحركات مرتجلة تمليها الظروف الطارئة على الوضع القائم دون التفكير فيما تجره هذه التصرفات من مساوئ وما تؤدي اليه من اوزار تصيب حياة الدولة في صميمها معتمدين على قابلياتهم الشخصية في اجراء هذه المناورات .
اقول علينا التبصير بالحقائق لا التخدير بالاحلام وان نرمي بالجمهور وقوته لا يعني ان نضلله ولا نخدره بالاماني
لان ذلك وجه من اوجه الغدر المذموم عقلا ونقلا ، وقد قال الله تبارك وتعالى : الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به ان يوصل ويفسدون في الارض اولئك هم الخاسرون ))
وقول الامام امير المؤمنين ( ع ) ، ثلاث هن راجعات الى اهلها : المكر ، والنكث ، والبغي .
وهنا يبين الامام سلام الله عليه فصل في احوال السائل والمسؤول بما يستوجب المسؤول كرما ومروءة
حتى يكمن منطلق التنظيم الجماهيري بما ينبغي ان يستوعب طاقات اعضاءه وان يستفيد من اختصاصاتهم وان يربطهم بعدة انواع من الربط كل نوع منه يخدم العمل بوجه من الوجوه ، خلاف ذلك فأن الامور ستسير مداها بشكل مخدوش خدشا وضرراً كبير ،
كون الجمهور ، حقيقة ابدية لا يمكن لاي كتلة او حزب او حركة الانطلاق نحو تحقيق الهدف والغاية الرفيعة دون الوفاء العقدي معه وتلبية حاجاته ومتطلباته .
#احمد_جليل_العتابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من تاتشر إلى الجولاني: كيف يغيّر السياسيون صورتهم؟ ولماذا؟
-
الذباب والديدان والدبابير.. حشرات تساعد في علاج الأمراض
-
-شبيغل-: ألمانيا تجاهلت تحذيرات السعودية من منفذ هجوم ماغديب
...
-
ألمانيا.. توجيه 5 اتهامات بالقتل لمنفذ اعتداء الدهس في ماغدي
...
-
الدفاعات الروسية تسقط 42 مسيرة أوكرانية
-
ألبانيا تحظر استخدام تيك توك لمدة عام بعد مقتل قاصر
-
تحطم مقاتلة أميركية في البحر الأحمر بسبب -نيران صديقة-
-
كيف ستساعد بقايا سيارة الـBMW بهجوم المشتبه به السعودي على س
...
-
إسرائيل تواصل هدم وجرف المنازل والبساتين في الجنوب اللبناني
...
-
حادثة بـ-نيران صديقة- تسقط طائرتين أمريكيتين فوق البحر الأحم
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|