|
اليسار ليس موضة سياسية بل هو موقف وخيار
أسعد منذر
الحوار المتمدن-العدد: 7889 - 2024 / 2 / 16 - 16:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اليسار : ليس "موضة" سياسية ... بل هو موقف وخيار لفتني مؤخراً مقال ، نُشر على صفحة أحد الأصدقاء ، بعنوان ( أزمة اليسار والرجم الأيديولوجي ) ، مما دفعني لتقديم بعض الأفكار في هذا الخصوص ، وكي لا يسارع أحدٌ بالحكم المسبق ، أقدم لكلامي بالقول : إن اليسار واليمين ، سواء بصيغتيهما الفكرية " الأيديولوجيا " أم المادية الواقعية " الأحزاب والسلطات " ، ليس أي منهما منزهاً عن النقد نظرياً وعملياً ، ولكن في الفكر والسياسة كما في الفن والأدب ، النقد ذاته يصبح موضوعاً للنقد ، ومن هنا كانت مدرسة نقد النقد . إنني من موقع اليساري ، أرى أن الذين ينتقدون اليسار كثرٌ ، ومن مشارب مختلفة ، ومواقع متعددة ، يمكنني أن أذكر منها • أولئك الذين ينظرون إلى الإنتماء الفكري والسياسي ، نظرتهم إلى موضة الملابس ، ساروا بركب اليسار يوم كان اليسار يدفع بصاحبه إلى الأضواء ، ويضعه في مصاف النخبة المثقفة والثورية ، الساعية لتغيير الواقع بل لتغيير العالم ، ويرى هؤلاء أن الموضة قد تغيرت ، وكما يغيّر الواحد منهم ( موديل ) بنطاله وعدد الأزرار على ياقة جاكيته ، نراه يغير موقفه الفكري والسياسي ، فالموضة اليوم هي موضة اليمين والرأسمالية والعولمة والأتمتة ....الخ ، ومن يتفوه بهذه الكلمات في أحاديثه ، يحجز لنفسه – حسب ظنه – مكاناً بين النخبة المثقفة ، بل يرى البعض من هؤلاء أن التطاول على " ماركس " هو قمة الثقافة والمعرفة والإمساك بمفاتيح الفلسفة ، الفلسفة التي لا يعرف بعضهم معناها في أغلب الأحيان ، إن هؤلاء ورغم كونهم الأكثر استفزازاً والأكثر تشويهاً لروح المعرفة ولقيمة الفكر ، ورفعة الفلسفة ، فهم في الواقع لا يستحقون الوقوف عند آرائهم ومناقشتها ، لأنها ستتغير سريعاً مع تغير الموضة والظروف والمصالح الآنية • آخرون ينتقدون اليسار من منطلق فكري ، ومن موقع اليمين ، هؤلاء لا يستطيع المرء إلا أن يحترمهم ، ويحترم خيارهم الفكري والسياسي ، رغم الاختلاف والخلاف ، ويظل الحوار على قاعدة حرية الرأي ، هو ساحة التعاطي والمعاملة • فئة ثالثة ، هم يساريون عن حق ، يرون في اليسار خيار حياة ، ويؤمنون بمبادئه وخطوطها العريضة ، في العدالة الاجتماعية ، ومحاربة استغلال الإنسان للإنسان ، سواء أكان ذلك في العلاقات بين الأفراد والطبقات ، أم بين الدول والأمم المختلفة ، ينظر هؤلاء إلى إخفاقات اليسار وانتكاساته ، بعين المناضل الذي خسر معركة أو معارك ، ويظل مؤمناً بهدفه ، ينتقد الأداء والنظرية والتنفيذ والمنفذين ، في سبيل تصويب المنهج والخطة ، كي يتابع المسير نحو الهدف الذي لم يحد عنه ، ولا يرى عنه بديلاً ، هؤلاء من يعوّل عليهم في العمل والبحث والتنقيب ، من أجل تقييم وتقويم وتصويب النظرية ، من أجل تجاوز المعوقات وتخطي النكسات • أخطر منتقدي اليسار ، أولئك الذين يدّعون الحرص على اليسار ، يبدأون بنقد اليسار وينتهون بالتنظير لليمين ، والدعوة للذهاب إلى خياراته الفكرية والعملية ، مستغلين إخفاق التجربة في المنظومة الاشتراكية السابقة ، وفي بلدان أخرى ايضاً ، ليستنتجوا أن النظرية كانت خاطئة بالكامل ، والهدف لم يكن صحيحاً ولا واقعياً ، والحل لا يكون إلا بالتوجه إلى الفكر اليميني الرأسسمالي ، والتصفيق لكل ما تأتي به العولمة والليبرالية الاقتصادية ، والتي يعزّ عليهم أن نصفها بالمتوحشة ، فهي طيبة ولطيفة ولا تضمر إلا الخير والمحبة للأفراد وللشعوب اتفق مع صديقي في مقاله ، بأن إكتفاء اليسار بإطلاق الأوصاف الأيديولوجية على الرأسمالية والعولمة والليبرالية ، دون الاهتمام بتقويم وتصويب المسار ، وفق ما يقتضيه الواقع والاشكالات العملية والنظرية الراهنة ، يحوْل القوى اليسارية إلى جوقة شتامين عاجزة عن الفعل والتأثير ، لكن هذا لا يعني أن أوصافاً مثل الرأسمالية المتوحشة ، الليبرالية الجديدة المتوحشة ، العولمة المتوحشة ، هي أوصاف مجافية للحقيقة ، يكفي أن نذكر بدور الاحتكارات الزراعية الرأسمالية الأجنبية في دول أمريكا اللاتينية ، وسيطرتها الممنهجة على الأراضي الخصبة في هذا البلد ، أو احتكارها للزراعة الأساسية والحيوية لذاك البلد ، ودور شركات البترول العملاقة في السيطرة على إقتصاديات كثير من بلدان أمريكا اللاتينية ، كل ذلك يؤكد توحش الرأسمالية والليبرالية الجديدة والعولمة بما هي استهتار بخصوصية الشعوب وتراثها وحقها في حماية ثرواتها ، وبالتأكيد لا يوجد من يعارض أي معطى إيجابي للعولمة يقود إلى تواصل الشعوب والأفراد وتبادل الخبرات والمعرفة . إن الحديث عن تجارب كوريا الجنوبية وماليزيا وأندونيسيا .... والبرازيل والهند والمكسيك ...الخ ، هو حديث عن تجارب مختلفة لكل منها ظروفها وتفاصيلها التي لا يتسع المجال للحديث عنها في هذا المقال ، لكن يكفي التذكير بدور صندوق النقد الدولي وتواطؤ الدول الرأسمالية الغربية والولايات المتحدة ، في أزمة النمور الأسيوية ، تلك الأزمة التي رسمت فيها الرأسمالية الأوروبية والأمريكية بنسختها الإمبريالية سقف طموح تلك الدول ، ونذكر بالظروف الاقتصادية التي تسبب هجرة واسعة من المكسيك إلى الولايات المتحدة ، والتي وصلت حداً جعلت ترامب يجعل من بناء جدار على حدود بلاده مع المكسيك ، من أساسيات حملته الانتخابية ، وكذلك دور الاحتكارات الأجنبية في الهند وسرقتها لمقدرات البلد والتحكم باقتصاده أما بخصوص النجاحات الداخلية في الدول الرأسمالية المتقدمة ، وتحقيق مستويات مهمة من الرضا الاجتماعي فيها ،( السويد – هولندا – فرنسا ...... الخ ) فلا بد من القول أن قيمة أي مكسب إقتصادي ، أو مستوى حياة معينة ، لا يقاس بقيمته المطلقة ، بمعنى لا يمكن القول أن العامل في بلد ما مستوى حياته ممتاز ، لأنه يملك شقة سكنية على سبيل المثال ، ويدفع له راتب بطالة عند الضرورة ، إنما تقاس هذه المكاسب بقيمتها الإجتماعية ، أي ماذا تعني الشقة السكنية للعامل مقارنة بما يملكه الآخرون ، وماذا يساوي راتب البطالة في فرنسا مقارنة بدخل الطبقات الأغنى بل وبالحد الأدنى لمتطلبات العيش الكريم في مجتمعه ، هذا من جهة ومن جهة ثانية هاهي مظاهرات الفئات الفقيرة في كثير من الدول الرأسمالية ، تؤكد حقيقة مظلومية الطبقات الفقيرة ، والأهم من ذلك تؤكد الرغبة الرأسمالية المستمرة ، متمثلة في إدارات الدولة ، رغبتها في رمي كل الأعباء على الطبقات الفقيرة والأقل دخلاً في المجتمع ، وازداد الإمعان في تنفيذ هذه الرغبة حتى وصل الأمر إلى نقطة الانفجار ، هذا ويجب ألا ننسى السياسة التي يمثلها الكثير من الأوساط الرأسمالية في عدائها للتأمين الصحي ، وإصرارها على فرض مزيد من الضرائب على الطبقات الأقل دخلاً إن القول بأن العولمة أمر واقع ، وهو قول صحيح بدرجة كبيرة ، لا يعني أبداً التهليل لهذا الأمر الواقع على كل ما فيه ، فكل الأوضاع الظالمة كانت يوماً أمراً واقعاً ، وغاية مناضلي اليسار يجب أن تكون تغيير هذا الواقع السيء ، أو على الأقل الحد من مساوئه . يطرح الصديق النموذج الصيني مثالاً ، والتجربة الصينية ولا شك تجربة غنية ومهمة وجديرة بالاهتمام ، لكنها في جانب مهم منها أيضاً تطرح إشكالية فكرية وعملية على الفكر والنموذج الرأسمالي والليبرالي ، الإشكالية تكمن في أن التجربة الصينية لازالت تعتمد ( القيادة الفردية والإدارة المركزية ) وهذه القيادة والإدارة المركزية ، يعتبرها الصديق في مقاله ، وأوافقه بذلك ، أنها من مثالب اليسار ومن معوقات تطوير مشروعه ، لكن المفارقة أن الصين ورغم هذه الإدارة ، قد سارت في طريق إقتصاد السوق والليبرالية الإقتصادية ، مما ينسف إدعاء منظري الرأسمالية ومروجي الفكر اليميني ، في تلازم مسار الرأسمالية الاقتصادي مع مسارها الديمقراطي ، بمعنى أن الديمقراطية ليست ثابتة فكرية من ثوابت الرأسمالية ، الديمقراطية تهم الرأسمالية بقدر ما تؤمن مصالحها الاقتصادية وتفتح المجال لاحتكاراتها ولتراكم الثروة في أيديها ، والدليل تعايش الرأسمالية مع كثير من الأنظمة الاستبدادية والمتخلفة يقول المقال أيضاً : ( مثلما يدعي هذا اليسار أن الرأسمالية قد استفادت منه في الجانب الاجتماعي – كتحديد ساعات العمل والضمان الاجتماعي والصحي – مع أن هذه أهداف إجتماعية عامة لنضال جميع الشعوب ، ليس لأحد فيها منة على أحد ، كما أنها وفق أولويات إنسانية لا تساوي شيئاً إذا لم يمارس الانسان حريته ومواطنيته اللذين فقدهما في النماذج الانسانية ) ، صحيح أن كل ما ذُكر هي أهداف إجتماعية عامة ، لكن الصحيح أيضاً ، أن من تبنى هذه الأهداف وناضل من أجلها على أنها حقوقٌ للأفراد والشعوب ، نظرياً وعملياً ، وضحى من أجلها ، هي قوى اليسار ، والذي تنكر لهذه الحقوق نظرياً وعملياً ، هو اليمين وقواه اليمينية ، والرأسمالية لم تعطِ الطبقات الفقيرة شيئاً من حقوقها إلا غصباً وعنوة ، تحت ضغط أزمات الرأسمالية ذاتها ، ونضال المظلومين وتضحياتهم ، وهذا الكلام لا يعني أنني لست ممن يأخذون على اليسار إهماله وعن قصد في معظم الحالات ، أهمية الحقوق الأعلى مستوى من الحقوق المباشرة في لقمة العيش والحياة ، حقوق الرأي والتفكير والمواطنة يقول المقال : ( فضحت ثورة الشباب السلمية ،في أهم منطقة في العالم ، منطقتنا العربية ، تفاهة اليسار العربي والعالمي ، اللذين اختارا الوقوف جانب أنظمة مستبدة ومتخلفة على شاكلتهما ) ، وإن كنت لا أوافق على صيغة العبارة ، لكنني أوافق على أن ما حدث ، قد كشف ضعف دور اليسار العربي ، في توجيه الأحداث وعدم إنزلاقها إلى التطرف الديني والارهاب ، لكن الصديق كاتب المقال يقول عكس هذه الفكرة في مقاله المنشور في موقع ( زايد – سلمان ، الألكتروني ، والذي يشيد فيه بإصلاحات ولي العهد السعودي ، وبآفاق رؤية السعودية 2030 ) إذ يقول : (وبغض النظر عن مزاعم بعض المتضررين من هذه الاصلاحات أو منتقديها ، من الداخل أو الخارج ، بأنها ليست موضوعية إنما جاءت استجابة لعوامل خارجية في مقدمتها حرب اليمن وأخرى داخلية تتعلق بطموحات ولي العهد محمد بن سلمان ، إلا أنها تمكنت من تقويض سلطة المؤسسة الدينية والذهاب إلى تنويع مصادر الدخل في الاقتصاد القومي ، ورسخت دور السعودية التي لا يمكن بناء معادلات المنطقة من غيرها ولا تحل بدونها . ومن يظن أن المملكة العربية السعودية ـ كما الدول العربية ـ قابلة للتغيير الثوري الجذري من الاستبداد إلى الديمقراطية من دون عمليات انتقالية تراكمية فهو واهم وساذج ولا يفقه شيئاً في التطور التاريخي ولا في السياسة الدولية ولعبة المصالح فيها ..) ، فإذا كان هذا رأيه في آلية الإصلاح والتغيير في السعودية ، وكل الدول العربية ، فلماذا يأخذ على يساريي العرب ، وقوفهم ضد التغيير( الثوري ) العنيف ، ويصف بالتفاهة دعوتهم إلى الإصلاح من الداخل ، ودفاعهم عن دور الفرد في هذا الإصلاح قياساً على التجربة السعودية ، اليساريون برأيه تافهون إن نادوا بالإصلاح التدريجي ورفضوا التغيير الثوري العنيف ، وهم ساذجون لا يفقهون في التطور التاريخي ولا في السياسة الدولية ولعبة المصالح فيها ، إن وافقوه رأيه الأول وطالبوا بإصلاح ثوري في السعودية وباقي الدول العربية - حسب تعبيره - وكما يقال | تحَيّرنا يا أقرع كيف بنّا نمشطك | !! في النهاية أقول ، أن اليسار هو خيار حياة ، هو الوقوف مع العدالة الاجتماعية ، مقاومة الاستغلال وتغول الانسان على الانسان بأي شكل وأي صيغة ، هو حرية الأفراد وحرية الشعوب ، وإن الأخطاء والاخفاقات والهنات النظرية والعملية ، لا تغير من سمو ونبل الهدف ، إنما تدفع إلى تقييم المسار وتقويمه ، وتغيير الأسلحة والأدوات ، وليس تغير الأهداف والثوابت الأساسية ، اليسار خيار وليس موضة تتغير حسب الفصول والمواقع والمناسبات
#أسعد_منذر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ديكتاتورية البروليتاريا بين الطموح النبيل والواقع المرير
المزيد.....
-
توقيع اتفاقية تعاون عسكري بين مصر والكويت
-
مشاهد من تحرير الجيش الروسي نوفوفاسيليفكا في جمهورية دونيتسك
...
-
حريق مفاجئ في مطار رفيق الحريري من دون تسجيل إصابات
-
الشرع يناقش مع ولي العهد السعودي تعزيز العلاقات ومستقبل سوري
...
-
بوندسليغا.. ليفركوزن يفوز بعشرة لاعبين ويواصل مطاردة بايرن ا
...
-
روبوت سداسي الأرجل صيني يؤدي مهمات في القطب الجنوبي
-
بوتين: نخب أوروبا ستخضع لأوامر ترمب
-
إيران تزيح الستار عن صاروخ -اعتماد- الباليستي بمدى 1700 كيلو
...
-
-تلفزيون سوريا-: ظهور شقيق للرئيس أحمد الشرع علنا في السعودي
...
-
الرئيس البنمي يعلن إنهاء مشاركة بلاده في مبادرة الحزام والطر
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|