|
قراءة في رواية جمال العتابي
محمد جواد فارس
الحوار المتمدن-العدد: 7888 - 2024 / 2 / 15 - 21:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الوطن ليس قطعة من الأرض و لا مجموعة من البشر الوطن هو المكان الذي تحفظ فيه كرامة الإنسان . ليف تولستوي
عندما يكتب مثقف عراقي من بلد الرافدين مثل الروائي جمال العتابي، يذكرنا بملحمة جلجامش التاريخية لما فيها من سرد جميل، كما ورد في ترجمة طة باقر ، لقد بدأت بقراءة رواية العتابي ، منازل العطراني، استعدت مع نفسي فطاحل الرواية الروسية الذين لهم منزلة في الأدب العالمي و منهم تولستوي في روايته الحرب و السلام، وكذلك أنطوان تشيخوف و مكسيم غوركي في روية ( الأم) و استروفسكي في رواية و ("الفولاذ سقيناه ) و ميخائيل شولوخوف ( الأرض البكر حرثناها) ، أضافة إلى روائيين عالمين مثل فكتور هيجو الفرنسي في روايته ( البؤساء ) و الكاتب الكولومبي غابريل غارسياماركيز في روايته الم (شهورة (مئة عام من العزلة ) ، وهناك كتاب عراقيين سطروا بأقلامهم قصص في الواقعية الإجتماعية ، جسدت رواياتهم لتاريخ ، من أمثال ذنون أيوب و غائب طعمة فرمان و فائز الزبيدي و محمود البياتي و غيرهم ، سقت هذه الأمثلة لأقول أن الرواية تجسد لنا التاريخ بصفحاته من خلال شخصيات لعبت أدوارا كبيرة هنا وهناك ، و اليوم و من خلال قراءتي لرواية الصديق جمال العتابي ، يمكنني أن أضعه في خانة الروائيين العراقيين ، أضافة إلى مساهماته النقدية العديدة . رواية (منازل العطراني ) تبني أحداث شخصيات التي لعبت أدوار مهمة ، بلا أسماء صريحة ، ولكنها تشير لتاريخهم ومعاناتهم ، و نجد أنها واقعية في احداثها التاريخية ، حيث تسلسل احداثها منذ ايام حكم عبد الكريم قاسم أي بعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 ، وتتعرض لحياة مناضلين دخلوا السجون و ذاقوا صفوف الاضطهاد، خصوصا بعد انقلاب الثامن من شباط 1963 الدموي ، وبطل هذه الرواية هو شخصية محمد الخلف ، البطل الذي هرب من السجن عند وقوع الانقلاب ، و انتقل إلى ريف الكوت ليختفي في بيوت متعددة . وعلى الرغم من تكتم الروائي عن ذكر بعض الأسماء الحقيقية ، لكن المتابع لتاريخ العراق الحديث لهذه الفترة ، يمكنه أن يستدل على تلك الشخصيات و أسمائها الواقعية الصريحة . وكان هاجس الخوف لدى عائلة بطل رواية محمد الخلف قائما في تنقلاته من مكان لآخر بسبب من أن الانقلابين أقاموا نقاط تفتيش في خارج المدن و لديهم اسماء المطلوبين للسلطة ، فكتبت العتابي يقول [ أحذر يا محمد أن تصدر عنك اية كلمة تكشف عن هويتك و انت بلا هوية تعريف إياك الكلام، في الصمت النجاة ، أنه لغة التفاهم ، ومملكة الإنسان السرية الداخلية ، في بلدنا يقتل الصمت ، ينتزعوه منك بالتعذيب ،بقلع العيون و الأظافر و بالاغتصاب ] ، و كان ذلك بمثابة مونولوج داخلي 0 وهنا نقرأ أن السجين الهارب إلى الحرية ، عليه الالتزام بعدم كشف هويته من خلال كلمة يقولها ، أضافة أن التحذير يأخذ صورة بالتعذيب القاسي والذي فعلا تم في التحقيق و يبشع الكاتب التعذيب الذي كان يتم في غياهب السجون التي فتحت أمام معتقلي الرأي. و يذكر العتابي كيف كانت معاناة شخصية بطل الرواية محمد الخلف ، فضلا عن اماله في الانتقال إلى برلمان وإنهاء الحكم العسكري ، و لكن العكس ما حدث حيث زجت الحكومة بالسجون عدد غير قليل من المناضلين رفاق محمد الخلف ، الذي كان يستمع إلى الراديو الشغال على البطارية في نشرة اخبارية محلية ، الحكم عليه غيابيا ، فقد فقد قرأ المذيع مجموعة قرارات في الفقرة الثالثة من النشرة جاء فيها: 1- حكم المجلس العرفي الأول غيابيا على ( المجرم) محمد الخلف بالحبس الشديد لمدة 5 سنوات لهروبه من السجن 2-قرر المجلس غيابيا الحكم على ( المجرم) محمد الخلف بالحبس لمدة سنة واحدة مع وقف التنفيذ لتحريضه المتظاهرين على مهاجمة مركز شرطة الغازية ( النصر ) ، يوم 14 تموز 1959 , مع غرامة نقدية قدرها الف دينار ، ثم سفره ليلة وقوع الحادث إلى العاصمة لإبعاد الشبه عنه 0 3- حكم المجلس على ( المجرم) الهارب محمد الخلف غيابيا بثلاث سنوات سجن ، لمشاركته التظاهرات المطالبة بوقف القتال في شمال العراق عام 1962، على الأجهزة الأمنية كافة تنفيذ الأحكام حال إلقاء القبض عليه ، و تسليمه لأقرب مركز للشرطة ] . وجدت أن الراوي يجسد في عائلة محمد الخلف معاناة الكثير من العوائل العراقية في تلك الحقبة الزمنية من تاريخ العراق ، أي ما بعد ثورة الرابع عشر من تموز وحكم عبد الكريم قاسم مرورا بأنقلاب شباط الدموي وما بعد انقلاب الثامن عشر من تشرين بقيادة عبد السلام محمد عارف و من استلام أخيه عبد الرحمن محمد عارف لرئاسة الجمهورية و حتى انقلاب 17 تموز 1968 واستلام البكر وصدام للسلطة وما رافقه من العفو عن السجناء السياسيين و إعادتهم إلى وضأئفهم بإستثناء العسكرين ، وما بعدها قيام الجبهة الوطنية والقومية التقدمي1973-1978 و انهيارها و ما رافق الانهيار من قتل وتعذيب للشيوعيين الذين بقوا في الوطن، و المقابر الجماعية ، و الحرب الإيرانية العراقية و جثث الشهداء، وغيرها من الحروب. وعن الاضطهاد الداخلي و ما رافقه في زمن الجبهة و بعد فرطها من قبل الحليف، نجد أن ام خالد كأي ام عراقية عانت من الاضطهاد وزيارات زوار الفجر إلى منازلهم ، و اخذ فلذات اكبدهن إلى المصير المجهول و تغيبهم و استشادهم . يكتب الراوي في سرديته النص التالي عن دور ام خالد [يشعر خالد بالوحدة في وقت الغروب لدرجة لا يمكن احتمالها، خطفوا عامر، اختفت أخبار ضياء ، إذ ذاك تلتقي عيناه بعينين متسائلتين من النافذة المقابلة يثب مذعورا : كنت أسهو مثل طائر لأيام عديدة لا انام ، كانت أمي أقوى الآمال التي تشدني إلى الثبات ، لم أكن أريد أن أرى أحدا أو اسمع صوتا ، هاتفي ابي اتفقنا على اللقاء في المقهى ، كنت أرى في وجهه بعد غياب علامات من الارتياح ، كان ينظر إلى الأمام ، ثمة شيء كالنور ينبثق من داخله ، فيضطره إلى الابتسام ، يفك أساريره؛ اخيرا أصبح معلوما لدي مكان ضياء ] . وفي الرواية يسرد الراوي حول موقف بعض القوى اليسارية و الانقسامات الدائرة ، بما فيها في الحزب الواحد ، تأثيرها على موقف اليسار من تنفيذ برنامجه النضالي و الحفاظ على كوادره . و أقول أن الشخصيات المناضلة في رواية جمال العتابي ، تذكرني بما انشده الشاعر مهندل مهدي الصقور قائلا : أتظن انك قد طمست هويتي/ ومحوت تاريخي و معتقداتي عبثا تحاول/ لافناء لثائر / أنا كالقيامة ذات يوم ات واناشد المثقفين المهتمين قراءة الرواية ، لما فيها من سرد فني جميل لتاريخ العراق منذ الستينات في القرن الماضي على الاقل ، علما بأنها من منشورات الاتحاد العام للأدباء و الكتاب في العراق 2023 . طبيب وكاتب عراقي
#محمد_جواد_فارس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتاب بنات السياسة إعداد الكاتبة هيفاء زنكنة!
-
غزة ستكون مقبرة الغزاة الصهاينة ، و سيقرب موعد نهاية الاستيط
...
-
عملية المقاومة الفلسطينية ( طوفان الأقصى ) غيرت مسار القضية
...
-
لينين في القرن الواحد والعشرين مدرسة التنظيم الحزبي ، و الثو
...
-
رسالة مفتوحة إلى سمير طبلة و من خلاله إلى رفاقه دربه ممن تنك
...
-
أنغولا الشعبية بعد الاستقلال من الاستعمار البرتغالي ، و مرحل
...
-
أرض حضارة الرافدين لم تكن يوما للبيع
-
سبعون عاما في البناء الاشتراكي لجمهورية كوريا الديمقراطية ال
...
-
سعدي يوسف الإنسان والشاعر و الشيوعي الوطني
-
المرأة ودورها المجتمعي و الأسرى و النضالي لا يمكن نكرانه
-
75عاما من النكبة الفلسطينية و لكن فلسطين ستبقى عربية و الاحت
...
-
البشرية اليوم في نضال دؤوب من أجل تغير العالم إلى تعددية الا
...
-
السودان في حرب الجنرالين من أجل السلطة خدمة للمخططات الامبري
...
-
شيوعيان خالدان من الموصل الحدباء ام الربيعين ، عبد الرحمن ال
...
-
كارل ماركس غادر الحياة ، و لكن الماركسية كنظرية بقيت ترفعها
...
-
قرأة في كتاب عبد الحسين شعبان عصبة مكافحة الصهيونية و نقض ال
...
-
الحرب الروسية الاوكرانية ودخول أمريكا و الناتو على خط التأجي
...
-
يوم الشهيد الشيوعي العراقي 14 شباط
-
ساسون دلال الإبن البار لشعب العراق ، الشيوعي الذي توجه إلى أ
...
-
الحدث التاريخي يكتب بمصداقية و أمانة ،ولن يكون قابل لإلغاءه
...
المزيد.....
-
ماذا يحدث في دمشق بعد عملية طرطوس الأمنية؟
-
أذربيدجان تقيم يوم حداد وطني غداة مقتل 38 شخصا في حادث تحطم
...
-
لقطات جوية لشاطئ دينامو في أنابا بعد كارثة بيئية
-
سلطات البوسنة والهرسك تعتقل وزير الأمن
-
إغلاق مضيق البوسفور أمام حركة السفن
-
-كلاشينكوف- تختبر مسيّرة عسكرية ضاربة
-
في اليوم الـ447 للحرب: الرضّع يتجمدون من البرد في غزة واليون
...
-
القضاء الإداري يقبل طعن المبادرة ضد إلغاء انتداب موظفة بالمج
...
-
-يجب علينا ألا ننتظر ترامب لإتمام الصفقة مع حماس- - هآرتس
-
وفد استخباراتي عراقي يزور دمشق للقاء الشرع (صور)
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|