|
البيان الختامي للإتحاد العام للأدباء مثل بيان ختامي لوزراء الخارجية؟!!
سالم جبران
الحوار المتمدن-العدد: 1749 - 2006 / 11 / 29 - 10:37
المحور:
كتابات ساخرة
انعقد في 21-23 تشرين الثاني/نوفمبر2006 المؤتمر العام للأدباء العرب، في القاهرة باشتراك أدباء وكتّاب من خمس عشرة دولة عربية. أعترف أنني عندما سمعت عن قرب انعقاد المؤتمر بنيت عليه آمالاً كباراً، وقلت إن الكتّاب والأدباء والشعراء والفنانين هم ضمير الأمّة الذي لا يخاف أولاً، وضمير الأمّة الذي يستشعر التطورات المقبلة والتحديات، وأولاً وأخيراً يُعَبِّر عن الهم القومي والاجتماعي والثقافي والديمقراطي للأمّة، بدون الجُمَل الجاهزة للساسة والرسميين. وأعترف أنني صدمت عندما قرأت النص الكامل للبيان الختامي في موقع "صوت العروبة" الإلكتروني. ألم تكن هنالك حاجة إلى رؤية عميقة لحالة اللغة العربية والثقافة العربية في هذه المرحلة من التحديات؟ أليس حصول نجيب محفوظ ،فقط ،على جائزة نوبل للآداب دليلاً على وضعنا المهمش والمعزول كأمّة، وبالتالي، لقلة الاهتمام العالمي بالأدب العربي. وأرجو أن لا نردد جعجعات السياسيين بأن العدو الأمريكي والصهيوني يتآمر لإلغائنا أو لتهميشنا. وماذا نفعل نحن كأمة، وكحركة ثقافية لأخذ مكاننا تحت الشمس؟ بدل أن نبكي فلنعمل، وبدل أن نُرَكِّز على المؤامرات الحقيقية وأحياناً الوهمية ضدنا لماذا لا نركز على واجبنا في العمل المؤثر عالمياً، في التخطيط والاجتهاد والتنفيذ! القضية الثانية المثيرة للقلق هي عدم تعرض البيان للوضع التعيس للأدباء والحركة الأدبية في العالم العربي كله. ماذا تفعل الدولة ووزارات الثقافة لرعاية الأدباء والأدب ونشر الكتب في المكتبات العامة والمدارس والجامعات، حتّى يتمكن الأدباء أن يعيشوا حياة لائقة. إن سعي الأنظمة لإجبار الأدباء على التسول للأنظمة هو وصمة عار في جبين وتاريخ الأنظمة وكل مقارنة بين حالة الأدباء في العالم العربي وحالة الأدباء في الأنظمة الديمقراطية حقاً. هي مقارنة محزنة. قالت وزيرة الثقافة الفرنسية، مؤخراً: "الدولة يجب أن تدعم الثقافة والمبدعين، مالياً واجتماعياً ومعنوياً، بدون أن تشترط أية شروط تَحِدْ من حرية الأدباء. المجتمع كله يجب أن يعطي الحركة الثقافية بدون مِنَّة" القضية الثالثة، وهي ليست الثالثة بل الأولى أخلاقياً: ما هو موقف الثقافة العربية من تعامل الأنظمة مع الثقافة والمثقفين، من تعامل الأنظمة مع الحرية الإبداعية وحقوق الإنسان والمواطن، ما هو موقف الثقافة العربية ومؤتمرها من ألوف المثقفين والمناضلين للديمقراطية المحجوزين في معتقلات وزنازين الأنظمة ، بلا محاكمات؟ هل يكفي أن نجتّر كلاماً جاهزاً معاداً ضد أمريكا وأوروبا والكيان الصهيوني؟ وماذا عن أنظمتنا العربية التي هي أكثر وحشية ضد شعوبنا من العدو الخارجي؟ إن التزام الأديب، الأول الحاسم، هو لمجتمعه، لشعبه. والأديب الذي يُغْلِق أذنيه حتّى لا يسمع ويغلق عينيه حتّى لا يرى، داخل وطنه، وحتّى لا يأخذ موقفاً من آلام ومعاناة وجوع شعبه وبقية الشعوب العربية الشقيقة، هو أديب يخون رسالته، يخون شرفه الثقافي، ويخون نفسه كأديب. وأعترف أنني أصبت بالذهول للحيِّز الهامشي الضيق الذي احتله البيان حول الديمقراطية. لسنا بحاجة إلى ضريبة كلامية قصيرة حول الديمقراطية، فالديمقراطية هي قضية مصيرية حقاً لأمتنا العربية. بدون الديمقراطية الحقيقية الدستورية والعملية تظل الأنظمة الدكتاتورية والفاسدة تخنق إرادة الشعب وتخنق طاقات الشعب وتنشر "ثقافة" القطيع و"ثقافة" العبادة القسرية للأصنام الحاكمة، في أوطاننا العربية. إن الثقافة يجب أن تكون حليفاً استراتيجياً للنضال الوطني الديمقراطي وحركات حقوق الإنسان والحركات النسائية المناضلة للمساواة والتعددية للنساء في مجتمعاتنا العربية. إنني أؤيد تنديد البيان بالتهجمات الغربية عموماً الصادرة عن المؤسسات الحاكمة، ضد الإسلام. ولكن لماذا يصمت البيان عن الأصولية الإرهابية المجرمة التي تسيء إلى الإسلام عندما تدَّعي أنها تعمل ما تعمل باسمه؟ لماذا لا تنتقد التزمت الأصولي الخانق الذي يقيد الحرية والديمقراطية والتعددية والاجتهاد؟ لماذا لا نرى كيف أن الأصولية تمارس الإرهاب ضد الفكر والثقافة؟ هل نسينا أن رواية "أولاد حارتنا" للكاتب العظيم الراحل نجيب محفوظ، لم تُنْشَر في مصر، وطن نجيب محفوظ، "إلاّ في نشرة احتجاجية لصحيفة "الأهالي" اليسارية المصرية) لأن الأزهر قرر(ولا فيتو على قراره) أن الرواية لا تصلح للنشر، لأسباب دينية"؟؟!! إن الأدباء، والمثقفين عموماً، يجب أن يكونوا في الصف الأول للدفاع عن المصالح الحقيقية للأمة وعن الكرامة الحقيقية للأمة. هذه المهمة يجب أن تكون تلقائية، مستمرة، مهما كلّف الأمر. ولكن حركة الثقافة العربية يجب أن تكون فصيلاً نضالياً، داخل أوطاننا، ضد القهر بكل أشكاله، ضد خنق إرادة الشعب واغتيال حقوق الديمقراطية والتعددية وحق النقد للنظام وموبقاته وفساده. وأولاً وأخيراً حق شعوب أمتنا في انتخابات ديمقراطية حقيقية، وحق المعارضة في النضال السياسي المشروع، وحق الصحافة في أن تكون رقيباً يقظاً على النظام والحكومة والمؤسسات. إن الرئيس في بعض بلداننا أكثر "مهابة" من الملوك في القرون الوسطى، بسبب الإرهاب الذي يغتال كل مَن يقول انتقاداً ضد النظام والرئيس-الملك. كما أن تداول السلطة عند أمتنا العربية يكاد يكون غير موجود وإذا وجدناه، فهو شكلي ومهزلة. ولا يقولنَّ أحد من الأدباء، ما دَخْلنا في هذا؟ إن الحركة الثقافية هي الضمير الحضاري لأمتنا، وعلينا أن ندفع الثمن، إذا دعت الحاجة، لنضالنا في سبيل حرية الشعب وكرامته وحقه في العمل السياسي، وحق الثقافة أن تجلد الأنظمة الظالمة والاستبدادية لا أن تكون " كلاب حراسة" للأنظمة، كما هو حال بعض المثقفين والأدباء –ما شاء الله- في بعض الأنظمة العربية. إن البيان الختامي لمؤتمر الإتحاد العام للأدباء والكتاب العرب الذي عُقِد في القاهرة، شبيه جداً ببيانات اجتماعات وزراء الخارجية العرب. ولعل هذا يدل على أن الأدباء المشاركين إمّا يعتبرون أنفسهم ممثلين رسميين للأنظمة وإما يخافون من الأنظمة لدرجة أن يقولوا فقط ما لا يُزعج الأنظمة. إن الأديب الذي لا يكون ضمير أمته بلا خوف، وبلا تزلّف للسلطان، هناك شك إذا كان قادراً أن يُبْدع أدباً يُمَثِّل طموح الشعب وشرفه وأحلامه وعذاباته. أمتنا العربية بحاجة إلى ثقافة تروِّج الوعي القومي والاجتماعي والديمقراطي، بحاجة إلى ثقافة تنسج في الوعي القومي ملامح الثورة الاجتماعية الديمقراطية، التي هي الثورة القومية الحقيقية.
#سالم_جبران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدفاع عن سيادة لبنان الديمقراطي دفاع عن كل المستقبل العربي
-
لمواجهة قوى التطرف الديني والاستبداد
-
لا قيمة للإنسان وحياة الإنسان
-
ربيع الثورة يعم أمريكا اللاتينية
-
-أدولف ليبرمان يدعو إلى ..تنظيف- إسرائيل من العرب
-
تقول إنك قومي ماذا تقصد؟
-
لماذا يقرر كل متطرف متخلف أنه إمام فينا
-
المهاجرن العرب إلى الغرب.. غيتوات مغلقة..أم شركاء في المجتمع
...
-
البطل غير قابل للتدجين
-
جامعات أم مصانع
-
الدين سماء لا زنزانة
-
الطريق للخروج من المأزق واللحاق بالتقدم الإنساني العاصف
-
لبنان بتجربته الحضارية أكبر بكثير من مساحته
-
الشعب لا يأكل أوهاماً
-
- العرب الجيدون - - العرب الساقطون في خدمة نظام القمع الاسرا
...
-
الأقلية الفلسطينية داخل إسرائيل تعيش أزمة قيادة غير مسبوقة
-
دور المثقف في نظر إدوارد سعيد
-
ماركسية الحقبة الجديدة-ثورية,إنسانية,ديمقراطية
-
أكبر من أزمة ثقافية
-
كذب الظَّن ,لا إمام سوى العقل!
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|