|
استئصال «حماس» واستكمال احتلال غزة
جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)
الحوار المتمدن-العدد: 7887 - 2024 / 2 / 14 - 10:23
المحور:
القضية الفلسطينية
نادراً ما بلغ نفاق الحكومات الغربية المساندة لإسرائيل القدر الذي بلغه إبان حملة الإبادة التي تخوضها الدولة الصهيونية في قطاع غزة منذ ما يفيض عن أربعة شهور. بل ربّما جاز القول إنها حالة قصوى من النفاق بوجه عام، قلّ مثيلها في أي شأن كان. ذلك أن النفاق ملازمٌ أصلاً للتناقض الصارخ الكامن في دعم حملة همجية على شعب القطاع بحجة «حق إسرائيل في الدفاع عن النفس». فأي حق هذا، يا ترى؟ هل يقرّ القانون الدولي بحقٍ ما للمحتلّين في «الدفاع عن النفس» ضد مقاومة الخاضعين لاحتلالهم؟ وحتى لو تجاوزت أعمال مقاومي الاحتلال الأهداف المشروعة وطالت غير المقاتلين في دولة الاحتلال، هل يشرّع «الدفاع عن النفس» ارتكاب مجزرة عظمى بحق الجماعة البشرية التي ينتمي إليها المقاومون، بأطفالها وشيوخها ونسائها وغالبية رجالها الساحقة من غير المقاتلين؟ أما النفاق الأكبر فيكمن في دعم غاية الحملة الصهيونية المعلنة، ألا وهي استئصال «حماس» من قطاع غزة، مع إسداء النصح لإسرائيل بأن تحرص على مراعاة القانون الدولي وتوفير أرواح المدنيين وتأمين مستلزمات الرعاية الإنسانية. فالتناقض هنا، ولو لم يبدُ صارخاً لوهلة أولى، إنما لا يقلّ حدّة كما يتبيّن عند التمعّن في الأمر. ذلك أن كل ما تقوم به إسرائيل في غزة منذ بدء حملتها هو، في الحقيقة، مرتبط ارتباطاً لا ينفصم بغايتها المعلنة، ناهيك من أن الحكام الإسرائيليين كادوا يتخلّون بالكامل هذه المرّة عن ادعاءاتهم الأخلاقية المعهودة، وقد كشّروا عن أنيابهم منذ البداية مطلقين وابلاً من التصريحات النارية، شكّلت إحدى أقوى الحجج لدى الجانب الأفريقي الجنوبي أمام محكمة العدل الدولية في مسعاه لإثبات نية الحكام الإسرائيليين على ارتكاب إبادة جماعية. والحال أن القادة الصهاينة أوضحوا تماماً منذ البداية ما نووا على فعله تحت مسمّى «استئصال حماس» من القطاع. والحقيقة هي أن تلك الغاية لا يمكن بلوغها بأقل من إعادة احتلال القطاع بأكمله، سعياً وراء ما يطلق عليه العسكريون المتخصصون في «مكافحة التمرّد» تسمية «تجفيف المستنقع» إذ يشبّهون «المتمرّدين» (وغالباً ما يصنّفونهم «إرهابيين») بالبرغش، ويخلصون إلى أنه لا بدّ من إزالة البيئة التي يترعرع فيها أولئك من أجل القضاء عليهم، مثلما ينبغي تجفيف المستنقع الذي ينبعث منه البرغش للتخلّص منه. لذا أكّدت إسرائيل منذ أن شرعت في خوض حملتها الراهنة أنها لن تتوقف قبل أن تعيد احتلال القطاع برمّته، وأن الأمر سوف يستغرق أشهراً عديدة، بل قد يتجاوز السنة. فقد أدرك الحكام الصهاينة أن نزع أسباب المقاومة من غزة، إنما يتطلب أحد أمرين: إما أن يزول عنها الاحتلال، أي أن ينتهي الحصار المجرم الذي تفرضه إسرائيل على القطاع منذ عام 2007، وهذا غير وارد بالطبع، أو أن تزيل عنه شعبه.
وقد اختارت الخيار الثاني بجلاء تام منذ بدء حملتها الجارية، حيث ترافق تهجير أهل غزة إلى تخوم مصر بتحطيم شبه كامل لمدن القطاع بحيث تستحيل عودة المهجرين إليها. ولا يمكن للقوات الصهيونية أن توقف حملتها بلا احتلال كامل القطاع بما فيه مدينة رفح، إذ إنها تنوي فرض إشرافها المباشر على أهل غزة (وقد بات ما يزيد عن نصفهم محتشداً في رفح) وبالتالي إلغاء كافة الخدمات التي كانت تقدمها «حماس» بواسطة حكومة غزة التي أشرفت عليها، والتي شكّلت مصدراً أساسياً من مصادر نفوذ الحركة في القطاع، لاستبدالها بخدمات يجري توفيرها تحت إشراف إسرائيلي مباشر أو نصف مباشر. لذا تصرّ إسرائيل على استكمال احتلالها للقطاع باحتلال رفح وكذلك السيطرة على محور صلاح الدين على امتداد الحدود مع مصر لمنع تكرار ظاهرة الأنفاق. أما السؤال الحقيقي، فليس ما سوف يحلّ برفح، بل ما سوف يحلّ بأهل غزة، وهو ليس أمراً محسوماً داخل الطبقة الحاكمة الصهيونية نفسها، إذ يرى أقصى اليمين بما فيه قسم من حزب الليكود أنه لا بدّ من استكمال النكبة الثانية حالاً بتهجير أهل غزة إلى خارج الأرض الفلسطينية، سواء تم تهجيرهم إلى الأراضي المصرية على الرغم من أنف الحكم المصري، حتى لو أدّى الأمر إلى أزمة مؤقتة في العلاقات مع هذا الأخير، أو إلى بلدان أخرى في المنطقة أو خارجها. أما قوى الوسط الصهيوني (أي اليمين الأكثر اعتدالاً بصورة نسبية) مدعومة من جزء آخر من الليكود يمثله وزير الدفاع الحالي، يوآف غالانت، فترى أن تحقيق هذه الغاية غير ممكن في الوضع الراهن لاعتبارات دولية، وأنه لا بد بالتالي من القبول بحلول مؤقتة تقوم على قيام من تثق بهم إسرائيل ويخضعون لرقابتها بالإشراف على أهل غزة، على أن يجري حشدهم في مخيمات كبيرة على طراز محميات الهنود في أمريكا الشمالية التي حشد فيها المستعمرون الأوروبيون السكان الأصليين. ويتطلّع قادة إسرائيل إلى ماذا ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية القادمة في الولايات المتحدة، إذ يعتقد الجميع أن عودة دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة، لو تحققت، سوف تتيح أمام إسرائيل فرصة تاريخية للمضي في تحقيق «إسرائيل الكبرى» من البحر إلى النهر بتهجير الفلسطينيين من ذينك الجزءين من أرض فلسطين اللذين بقوا عليهما بعد نكبة 1948.
#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)
Gilbert_Achcar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرب الإبادة الصهيونية بعد أربعة أشهر
-
حرب الإبادة الأخرى والتواطؤ الإقليمي
-
توأم الصهيونية على نطاق أعظم بكثير
-
خواطر ثائرة إزاء منطقة مستباحة
-
إسرائيل تصعّد وأمريكا تجاريها
-
آلة التدمير الصهيونية تهدّد لبنان بعد غزة
-
سنة النكبة الثانية وانهيار النظام العربي
-
في سبر آفاق العدوان على غزة
-
موقف الإدارة الأمريكية: جريمة أم غباء أم…؟
-
«طوفان الأقصى» وخطأ الحساب
-
حرب الإبادة الصهيونية والمتواطئون معها
-
أشهِروا سلاح النفط إن كنتم تريدون حقاً إسعاف أهل غزة!
-
مأساة تطغى على أخرى: غزة والسودان والتفتّت العربي
-
جنون العنف الصهيوني من الضاحية إلى غزة
-
غزّة والغرب وسائر العالم
-
انكشاف مخطط استكمال النكبة
-
في النفاق الاستعماري والكيل بمكيالين
-
حرب إسرائيل على غزة والنكبة الثانية: “أبيدوا جميع الهمج !”
-
غزّة… بين فصل النكبة الثاني وإحياء أسطورة أوسلو
-
تعليقات أولية على هجوم أكتوبر المضاد الذي شنّته حركة حماس
المزيد.....
-
فيديو يُظهر اللحظات الأولى بعد اقتحام رجل بسيارته مركزا تجار
...
-
دبي.. علاقة رومانسية لسائح مراهق مع فتاة قاصر تنتهي بحكم سجن
...
-
لماذا فكرت بريطانيا في قطع النيل عن مصر؟
-
لارا ترامب تسحب ترشحها لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا
-
قضية الإغلاق الحكومي كشفت الانقسام الحاد بين الديمقراطيين وا
...
-
التمويل الغربي لأوكرانيا بلغ 238.5 مليار دولار خلال ثلاث سنو
...
-
Vivo تروّج لهاتف بأفضل الكاميرات والتقنيات
-
اكتشاف كائنات حية -مجنونة- في أفواه وأمعاء البشر!
-
طراد أمريكي يسقط مقاتلة أمريكية عن طريق الخطأ فوق البحر الأح
...
-
إيلون ماسك بعد توزيره.. مهمة مستحيلة وشبهة -تضارب مصالح-
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|