|
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر22
عبدالرحيم قروي
الحوار المتمدن-العدد: 7886 - 2024 / 2 / 13 - 14:52
المحور:
الارشيف الماركسي
أصول الفلسفة الماركسية الجزء الأول تأليف جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين الحلقة الثانية والعشرون
4- الضَرُورَةُ الطَبيعيَّة
يجب أن نوضح القول من جديد إذ أردنا أن ندرك تماما فكرة "الحركة الذاتية" للمادة. إذ أن هذه الحركة الذاتية تؤدي لظهور كائنات طبيعية لها صور معينة مما يتيح الفرصة لهجوم جديد تشنه النزعة المثالية. كيف نفسر مثلا أن قطع الثلج تتبلور دائما بصورة هندسية معينة؟ وكيف أن بيضة الدجاجة تفقس صوصاً وبيضة الطير تفقس طيراً صغيراً بينما هذان الحيوانان لا يوجدان في البيضتين؟ لأن هاتين البيضتين لا تختلفان في المادة وإنما في الصورة فقط. نرى أن هذا السؤال عام يمكن إثارته في جميع أجزاء العلوم "الوصفية" لأنها تدرس الصورة والأشكال، الأشكال الجغرافية والأشكال المتبلورة والصور النباتية والحيوانية والنحوية ولا تهمل ضروب الحركة والسلوك التي تسمى "بالغرائز" في الحيوانات. ترد النزعة المثالية على ذلك بقولها أن صورة الشيء الطبيعي تتحقق بواسطة المادة، ولكنها موجودة قبل هذا "التحقق"، وأن الصورة هي التي تقرر نمو الكائن الطبيعي، فهي تكون "مصيره" وإذا بالطبيعة تخضع "لمخطط" سابق عليها. وكذلك "يُوجه" التطور مسبقاً، فهو لا يتقرر بواسطة ظروف حياة الأجسام الحالية بل بواسطة "هدف" تسعى للوصول إليه، فإذا "بالغريزة" عبارة عن مظهر "لقصد" ((lntention الحيوانات الأعمى. وهكذا تكشف الطبيعة عن وجود "عقل" في داخلها. ولكن أين يمكن أن توجد "الصورة" و "المخطط" و "الهدف" و "العقل" إذا كانت سابقة على نمو المادة الناقص؟ لا يمكن أن توجد الا داخل "عقل" سام يتصورها. هذه العقيدة هي عقيدة الغائية (Finalite). ونحن نرى بذلك أن "الغائية" هي نتيجة للنزعة المثالية التي تعتبر العالم تجسيداً لفكرة. أما جواب النزعة المادية الجدلية فهو يختلف عن ذلك (أما النزعة المادية الآلية فهي تعجز عن الإجابة). بل تترك المجال واسعاً أمام القول بوجود الغائية. ترى النزعة المادية الجدلية أن الصورة (La forme) تتعين بواسطة المحتوي (Le Contenu) الحالي أي بواسطة "العلاقات والظروف المتبادلة بين الظواهر"، بواسطة الحالة الراهنة للمادة وحال التناقضات التي تنمو داخلها والتي ترتبط بظروف البيئة المحيطة بها. وأفضل دليل على ذلك أنه يمكننا أن نتدخل في نمو صورة معينة. ولقد برهن علماء الحياة (البيولوجيون)، بواسطة التجربة، على العلاقة بين الصورة والمحتوى. فلو أننا نقلنا جزءاً صغيراً من مادة بيضة تنمو الى مكان آخر من البيضة لشاهدنا نمو قدم في غير مكانها. وهكذا نخلق بصورة صناعية كائناً غريباً ولا تتميز مختلف أجزاء مادة البيضة عن بعضها، خلال العملية، الا بصفاتها الكيمائية وبطبيعة المواد التي تتجمع فيها. ويتنوع هذا المحتوى الكيمائي بتأثير الظروف الخارجية (كالحرارة مثلا)، وعلى أساس تناقضاته الداخلية. فالذي يعين صورة جسم الحيوان هي الطبيعة الحيوية الكيمائية لمادة مختلف بيوض الأنواع المتعددة. وهكذا نرى أن نمو المحتَوى يسبق نمو "الصورة" وليس هناك أي تصوير سابق (Preformation) مثالي. وليس هناك أية صورة بذاتها (Forme- en-soi) معينة سابقاً. ولو كان الأمر كذلك لوجب أن يكون جميع أفراد نوع ما متشابهين تماماً. أما النزعة المادية الجدلية فهي ترى أن الصورة لا يمكن أن توجد بدون محتوى معين، كما أن المحتوى لا يمكن أن يوجد بدون صورة معينة. ولا يعني القول بأن المحتوى لا يمكن أن يوجد بدون الصورة أن الصورة هي التي تعينه وتحدده؛ بل هو الذي يعينها ويحددها. يعني ذلك أن الصورة ليست سابقة في الوجود، ولا هي أزلية بل تتغير حسب التغيرات التي تطرأ على المحتوى. يتغير المحتوى أولا بتغير ظروف البيئة المحيطة به. ثم تتغير الصورة حسب تغير المحتوى، ونمو التناقضات الداخلية في المحتوى. نتج عن ذلك أن الصورة بدلا من أن تسبق النمو في الوجود، تعكسه لنا فتتأخر بذلك عن المحتوى. يسبق المحتوى الصورة خلال النمو وتتأخر الصورة عن المحتوى: ولا يمكن وجود المحتوى بدون الصورة ومع ذلك فأن الصورة لا تتفق تماماً مع المحتوى لتأخرها عنه ولهذا "يضطر" المحتوى الجديد لاتخاذ الصورة القديمة مؤقتا فينشأ عن ذلك النزاع بينهما . فكيف يحدث في كل حالة وفي كل ميدان من ميادين الطبيعة والمجتمع ظهور صورة جديدة تحت ضغط المحتوى التالي الذي يبحث عن صورة جديدة ويسعى نحوها؟ (ستالين). على العلوم أن تجيب على ذلك، تلك العلوم التي تضيء النزعة المادية الجدلية الطريق أمامها، والشيء الثابت أن تأخر الصورة عن المحتوى يحدث عدم الانسجام في الطبيعة. وهكذا بدلا من أن تشيع الانسجام في الطبيعة، فأنها مفعمة "بالتناقضات" والعيوب. نرى أن النزعة المادية الجدلية تقضي على النظرية المثالية في الغائية قضاءً مبرماً. كما أنها ترفض الحتمية الآلية التي تتصور فعل مختلف الظواهر بعضها في البعض بصورة آلية لا تتبدل. تحمل النزعة المادية الماركسية إلى العلم عقيدة مثمرة تقوم على القول بأن القوانين التي تكتشفها والعلاقات التي تقيمها بواسطة المنهج الجدلي ليست علاقات اعتباطية بل هي قوانين ضرورية للمادية في حركتها. يجهل العلم المادي قلق "التجريبيين" الذين يكتفون بمراقبة تتابع الظواهر فيتساءلون دائما إذا كانت الشمس ستشرق غداً! ويعتمد العلم المادي على الفكرة القائلة بأن القانون العلمي يعبر عن ميزة موضوعية للمادة، كما يعبر عن حتمية ظهور ظاهرة معينة خلال تطور في ظروف معينة. ولقد أشار انجلز إلى حتمية ظهور الحياة فوق كوكب معين حين تجتمع الشروط الضرورية، وحتمية ظهور الإنسان خلال تطور الأنواع، ومن ذلك ظهور الإنسان فوق كوكب آخر وفي وقت آخر إذا ما توفرت الظروف الضرورية لظهوره. هذا ما يجب فهمه من الضرورة الطبيعية، ومن وحدة الكون وشمول قوانين المادة. ينتج عن ذلك أنه لا يمكننا خلق قوانين الطبيعة أو المجتمع أو القضاء عليها بل كل ما يمكننا هو اكتشافها. يمكن اكتشاف هذه القوانين ومعرفتها ودراستها والأخذ بها في أفعالنا واستغلالها لخير المجتمع، ولكن لا يمكننا تغييرها أو القضاء عليها. فلا يمكننا إذن خلق قوانين جديدة للعلم . فالنزعة المادية الجدلية إذن هي وحدها التي تمدنا بأساس نظري متين للتنبؤ العلمي بظواهر الطبيعة والمجتمع، وتقضي على الشك بنتائج عمل نقوم به على أساس معرفة علمية للواقع. فهي تضمن للإنسان، إذن، أقصى اليقين وأقصى الحرية إذ تمكنه من العمل باطمئنان ويقين. يتبع
#عبدالرحيم_قروي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر21
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر20
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر19
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر18
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر17
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر16
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر15
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر14
...
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر13
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر12
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر11
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-اصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر10
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-يوليتزر9
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر8
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر7
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر6
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - الفلسفة الماركسية-بوليتزر5
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر4
-
3من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - أصول الفلسفة الماركسية - بوليت
...
المزيد.....
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
-
شولتس أم بيستوريوس ـ من سيكون مرشح -الاشتراكي- للمستشارية؟
-
الأكراد يواصلون التظاهر في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجل
...
-
العدد 580 من جريدة النهج الديمقراطي
-
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تُعلِن استعدادها
...
-
روسيا تعيد دفن رفات أكثر من 700 ضحية قتلوا في معسكر اعتقال ن
...
-
بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
-
بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال
...
-
لحظة القبض على مواطن ألماني متورط بتفجير محطة غاز في كالينين
...
-
الأمن الروسي يعتقل مواطنا ألمانيا قام بتفجير محطة لتوزيع الغ
...
المزيد.....
-
مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس
/ حسين علوان حسين
-
العصبوية والوسطية والأممية الرابعة
/ ليون تروتسكي
-
تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)*
/ رشيد غويلب
-
مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق
...
/ علي أسعد وطفة
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين
/ عبدالرحيم قروي
-
علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري
...
/ علي أسعد وطفة
-
إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك
...
/ دلير زنكنة
-
عاشت غرّة ماي
/ جوزيف ستالين
-
ثلاثة مفاهيم للثورة
/ ليون تروتسكي
-
النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
/ محمد عادل زكى
المزيد.....
|