أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - الشيوعية إلحاد وزندقة















المزيد.....


الشيوعية إلحاد وزندقة


خليل الشيخة
كاتب وقاص

(Kalil Chikha)


الحوار المتمدن-العدد: 7883 - 2024 / 2 / 10 - 18:47
المحور: الادب والفن
    


في أيام الطفولة تشاجر بعض الجيران . شتمو وبهدلوا بعضهم البعض، وبعد تدخل آخرين عاد كل إلى بيته، وفي الطريق قال أحدهم لشخص آخر غاضباً، كلمة لم أفهمها: هادا واحد شيوعي....
وحاولت على صغر سني أن اختصر هذه المفردة على أنها شتيمة من بين الشتائم التي كالوها لبعضهم البعض. عندما ذهبت إلى مسجد الحارة، انتظرت الشيخ حتى يفرغ من صلاته وسألته: ياشيخنا هل كلمة شيوعي مسبّة. نظر إلي وربما اندهش من أين أتى هذا الصغير بهذه المفردة ثم ابتدرني قائلاً: من قال لك هذا.. فأخبرته عن الطوشة بين الجيران الأعزاء. فوحد الله ثم صلى على النبي وترضى على الصحابة ثم قال : أسمع يا أبني... الشيوعية كفر بالله العلي العظيم وهؤلاء الكفار لايحرمون بين الأخ وأخته والعياذ بالله .. وأنت عوضاً عن إهتمامك بهذه الخزعبلات عليك الإهتمام بدروسك.. فهمت. غادرت المسجد ومازال في نفسي فك هذا اللغز، ثم استنتجت بالتسلسل المنطقي أن جارنا هذا كافر محرم عليه دخول الجنة، بل سيدخل جهنم ويتمدد على بلاطها ويواجه بئس المصير. وشعرت بالحزن على هذا الرجل الذي لايؤذي أحداً في الحارة لأنه سيتعذب في الآخرة وسيسقى زيتاً مغلياً وسيتجدد جلده كلما أكلت النار جلده القديم وسيلتعن سابع جد من أجداده.
وفي آخر المرحلة الإعدادية، كنت نهماً للمعرفة وقراءة أي كتاب مهما كان تافهاً أو رزيناً، فكنت أذهب للسوق وأقف عند رجل قبيح المنظر يأتي كل يوم من ضيعته كي يبيع كتباً مستعمله وحديثة، لايفاوص بالأسعارلكنه يببع بأقل من المكتبات. رأيت كتاباً صغير الحجم قديم المنظر، أوراقه مائلة للصفرة وعنوانه – الشيوعية إلحاد وزندقة – وتذكرت ساعتها الطوشة التي حصلت بين الجيران. اشتريت الكتيب، وكانت فرصتي لكي اتعرّف على الكفار الذين يعيشون بيننا وتنتظرهم أبواب جهنم بأحر من الجمر.
قرأت ذلك الكتيب في ليلة واحدة ولم أفهم أي شيء منه، بل كل ماقاله الكاتب أن الشيوعية ضد الدين بشكل عام وضد الإسلام الحنيف بشكل خاص، وكل من تبنى هذه العقيدة سيصاب بعقدة التوحش والعنف وأتى بمثال على ذلك لينين وستالين اللذان قتلا بشركثير في روسيا، ثم عرّج على جرائم ماوسيتنغ في الصين الشعبية.
ذات مرة وقفت عند نفس الرجل الذي يشبه لوح خشب ويبيع الكتب المستعملة ورأيت كتاباً أحمر وصورة رجل أقرع أو أصلع له سكسوكة وكتب في أعلى الكتاب - مالعمل – فسألت الرجل الخشبة عن هذا الكتاب، فنظر إلي ربما يريد أن يعرف أن السائل جاهل أم مغفّل ثم قال: هذا كتاب من الإتحاد السوفيتي وكاتبه هذا قام بثورة اشتراكية هناك. فقلت له ببراءة الجاهل: والله كنت أظن أنه كتاب في الفيزياء لأن أستاذنا في المدرسة أعطانا درساً عن العمل وقوانينه. في تلك اللحظة أبتسم الرجل لأول مرة وقال لي. مالك وهذه الكتب .. إقرأ للمنفلوطي وطه حسين وتوفيق الحكيم.
وحدث ذات مرة إذ كنت اتناقش مع شخص متخرج من كلية الحقوق حول الإستعمار والحداثة، فقال لي أن الإستعمار والصهيونية يبثون فينا هذه الأفكار الهدامة مثل الماسونية والشيوعية.. ثم أردف قائلاً: أصلاً.. ماركس يهودي وتلميذه لينين يهودي وماسوني مثله. وما صدمني في النقاش أن ذلك المثقف الرفيع ، ليس نظرية المؤامرة التي يتسلح بها، بل المعلومات الخاطئة حول يهودية لينين، وكأن هذا العالم الذي خلقه الله مكوّن من أخيار هو منهم وأشرار يهود ومن لف لفهم.
هذه النظرة الحقيقية التي يتصورها المجتمع العربي عن الشيوعية والشيوعيين، فقد ظل الشيوعيون بشكل خاص واليساريون بشكل عام مهمشين على المستوى السياسي والمستوى الجماهيري وتعرضوا للقمع والتنكيل بشكل مجاني دون جني أي نتائج إيجابية. وشكلت الإشاعات حولهم وحول أحزابهم حقائق يثرثر بها الناس، وأظن أهم عامل في هذا التهميش هو عدم نضج المجتمع العربي من الناحية الطبقية، ففي الأساس أتت هذه الفلسفة للمجتمعات الرأسمالية ولم تأت للفلاحين وصغار الكسبة. لأن الفلاح، بطبيعته معادي لهذه الأفكار كطبقة، فقد تعرض الشيوعيون الروس في بدايتهم للشتم والضرب من قبل الفلاحين الروس عندما كانوا يبشرون بمعتقداتهم في الأرياف.
نُشِرتْ كتب كثيرة في الحركة الشيوعية في الوطن العربي أهمها مؤلفات إلياس مرقص - المفكر السوري، مثل- تاريخ الأحزاب الشيوعية – أو الماركسية والشرق. بشكل عام، تأسست هذه الأحزاب بقدوم جحافل الإستعمار البريطاني والفرنسي إلى الوطن العربي، فقد تأسس أول حزب شيوعي في فلسطين على يد المهاجرين اليهود 1919 وكان من أهم أعضاءه فيما بعد الروائي الفلسطيني أميل حبيبي والشاعر محمود درويش والشاعر سميح القاسم، ثم تبعه تأسيس الحزب في مصر 1921 على يد اليهودي ذو الأصول الإيطاليه جوزيف روزنتال. ومن أجل التوسع في المجال، إقرأ كتاب الحزب الشيوعي المصري – للكاتبة منى ملتم، فقد تعرض هذا الحزب في عهد حبيب الملايين لأبشع أنواع القمع والتنكيل. والغريب في الأمر أن عبد الناصر كان محسوباً على الإتحاد السوفيتي، فقد ذوّب رجاله في سوريا فرج الحلو بالأسيد، وكان هذا الأخير أحد المؤسسين للحزب الشيوعي في سوريا. ثم تبع في التأسيس الحزب الشيوعي العراقي عام 1934. وكان أهم مؤسسه يوسف سليمان يوسف أو فهد، وهو مسيحي سرياني. وكان هذا الحزب من أقوى الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي، فقد كان قاب قوسين أو أدنى ليتسلم مقاليد الحكم - طبعاً عن طريق الإنقلاب - عندما تحالف مع الرئيس عبدالكريم قاسم، وأفضل من كتب عن تاريخ هذا الحزب والتاريخ السياسي للعراق هو الباحب الفلسطيني – حنا بطاطو- فقد ألف أكثر من كتاب في الإنكليزية عن الأحزاب في العراق وترجمت فيما بعد. أهمها – العراق والحزب الشيوعي – فقد درس بالتفصيل تاريخ الحياة السياسية في العراق الحديث.
ومن ناحية الترتيب، تبع في التأسيس الحزي الشيوعي السوري في عام 1944، وكان من أهم مؤسيسه خالد بكداش وهو من أصل كردي مثل صهره قدري جميل، وحتى يوسف الفيصل من أصول شركسية. ومن أجل التوسع في هذا المجال، إقرأ كتاب – فلاحو سوريا – للباحث حنا بطاطو، فهو يفصل دور الأقليات في نشأة الأحزاب القومية واليسارية في سوريا. ومن المعروف أن هذا الحزب قد تشظى إلى مجموعة أحزاب شيوعية، وانقسم إلى شراذم ومجموعات معادية لبعضها البعض. سَرَت على النواصل الإجتماعي مقولة أن جماعة بكداش اختصت بأكراد سوريا، وجماعة رياض الترك - المكتب السياسي، اختصت بالسنّة العرب والمسيحيين، وجماعة عبد العزيز الخير – حزب العمل الشيوعي – اختص بالعلويين .. وهلم جرى ... ومن أجل التوسع في هذا المجال إقرأ كتاب – جذور الأزمة في الحزب الشيوعي السوري – للكاتب رسمي الشناعة.
وبناء على التسلسل الزمني، فقد تأسس الحزب الشيوعي السوداني في عام 1946 على يد عبد الخالق محجوب – وكان لهذا الحزب نشاط سياسي معروف مابعد الإستقلال، فقد قمعه ونكّل به معظم رؤساء السودان الآتين من الجيش بواسطة الانقلابات. ومن أجل التوسع في تاريخ هذا الحزب، إقرأ كتاب – لمحات في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني – للمؤلف عبد الخالق محجوب. ولي ملاحظة حول عبد الخالق محجوب، فقد كان الرجل يصوم ويصلي في المسجد وكان قريباً جداً من الناس.
بعد هذه المقدمات اللازمة، نرى أن الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي قد تأسست في فترة الإستعمار ومن قبل الأقليات المتواجدة في كل من سوريا والعراق ومصر. وهذه البلدان كانت السباقة في التاسيس، ولايقف الأمر على الأحزاب الشيوعية فقط، بل تعدى إلى أن الأحزاب القومية والإشتراكية تم تأسيس معظمها في مرحلة الإستعمار أهم هذه الأحزاب القومية هو حزب البعث العربي الإشتراكي الذي تأسس على يد ميشيل عفلق وزكي الأرسوزي وهما من الأقليات وهذا بحث طويل أرّخه كما قلنا الباحث الفلسطيني حنا بطاطو بالتفصيل.
ربما يسأل سائل، لماذا قامت هذه الأحزاب العلمانية واليسارية والقومية في فترة الإستعمار وعلى يد الأقليات؟ الجواب بإختصار أن مايسمى بالدولة القطرية لم تكن موجودة قبل دخول فرنسا وبريطانيا، وبتأسيس الدولة القطرية تأسست معها هذه الأحزاب لتشارك في السلطة، ثم لا ننسى أن هذه الأحزاب اليسارية والقومية قارعة الإستعمار، طبعاً مع الأحزاب الليبرالية الوطنية مثل حزب الشعب والكتلة في سوريا. شيء أخر هو أن الأقليات في هذه البلدان كانت مهمشة سياسياً وإجتماعياً في مرحلة الإحتلال العثماني، وكانت تتوق لدور سياسي ووطني ومساواة في مجتمعات كانت تنظر لهذه الأقليات على أنها أهل ذمة. وكما هو معروف، فالأحزاب السياسية هي من صفات الدولة القطرية الحديثة. أي أن الأحزاب نشأت في الأصل من أجل تداول السلطة والمشاركة فيها.
أخيراً، نرى أن الشيوعية أو الماركسية فلسفة تأسست من طبقة المثقين البرجوازيين وهي نتيجة للنظام الرأسمالي ومرافقة للدول الصناعية الغربية، ولذلك انهارت في روسيا المتخلفة التي اعتمدت على الزراعة وفشلت في حكم الدول الصناعية لأن دراسة الواقع والتاريخ شيء والتنبؤ بالمستقبل شيء آخر. وهنا فشل ماركس بأنه تعجل بالتنبؤ بمستقبل أوروبا الصناعية بنتائج خاطئة. وفي انهيار منظومة الإتحاد السوفيتي، انهار معها الكثير من الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي ومنهم من غير الأسم وأسقط كلمة شيوعي من الحزب، لأنها لم تكن بنت واقعنا الزراعي والقبلي المتخلف، ولذلك قامت أنظمة يسارية أسماً لكنها صورة عن الحاكم العثماني القديم الذي يرى أن السلطة غنيمة كما قال المفكر المغربي الرائع محمد عابد الجابري. وكي نكون منصفين، فإن الماركسية والإحزاب التي نتجت عنها في أوروبا وامريكا الشمالية كانت السبب الرئيسي لكل مانراه من نقابات عمال تدافع عن حقوق العمال وتشرع عدد ساعات العمل وحتى سن التقاعد والتأمين الإجتماعي هو نتيجة نضال هذه الاحزاب الغربية، فقد كانت الأنظمة الرأسمالية في اوروبا وامريكا تخشى من الثورات الشيوعية المماثلة لثورة أكتوبر في روسيا.
شباط – 10 - 2024



#خليل_الشيخة (هاشتاغ)       Kalil_Chikha#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعذبون في الأرض
- فنون التسوّل
- صندوق العجائب
- في التشحير والتجريس
- معرض القرد والضبع
- علي الخليلي والفجر الأدبي
- قمة عربية اسلامية مباركة
- نادي الصداقة العربي الأمريكي
- القدس عروس عروبتكم
- توتي وفروتي
- صطّوف ولطّوف
- النملة والصرصور
- الثعلب والدب
- رواية ابن البلد
- تاريخ خزانة الماء
- أحذية أداديس
- الله والفقر
- احترم نفسك أولاً
- مذكرات أبنة الدكتاتور
- عقم مجادلة الملاحدة


المزيد.....




- الفرقة الشعبية الكويتية.. تاريخ حافل يوثّق بكتاب جديد
- فنانة من سويسرا تواجه تحديات التكنولوجيا في عالم الواقع الاف ...
- تفرنوت.. قصة خبز أمازيغي مغربي يعد على حجارة الوادي
- دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية تنظم ندوة ...
- Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق ...
- الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف ...
- نقط تحت الصفر
- غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
- يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
- انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - الشيوعية إلحاد وزندقة