|
حراك اجتماعي أم عراك ثقافي؟!
محمود نزال
الحوار المتمدن-العدد: 1748 - 2006 / 11 / 28 - 11:19
المحور:
المجتمع المدني
إن المتابع والدارس لتاريخ الإنسانية، يجده تاريخا حافلا بالصراعات والتناقضات بين السادة والعبيد، الخير والشر، الحاكم والمحكوم، المستغل والمستغل والاهم من كل هذا وذاك هو الصراع بين القديم والحديث وما هذا في حقيقته إلا صراع بين قطبين، قطب تقليدي محافظ غير قابل للتطور والتحديث والاندماج بالآخر ومنغلق على الذات، وقطب متحرر ومتقبل للنهضة العلمية والعملية وتطور الحياة. السؤال يكمن فيما إذا كان من الممكن إيجاد تسوية بين القطبين؟! إن المتتبع لطبيعة الصراع يجده متعلقا بقيم ومبادئ متنافرة من الناحية العملية، مبادئ محافظة وتقليدية حيث ترفض التحديث لحداثته والآخرة متحررة وترفض الجمود. إن من الملفت للنظر أن قطب التحديث واقصد هنا المثقفين الحقيقيين لا أنصاف المثقفين أو الذين يعانون من عقدة الشعور بالنقص ويحاولون استغلال الخزي من تقاليدهم والتهجم عليها وعدم احترامها كآلية دفاعية لتضليل جمهورهم لأنهم أكثر ما يكونوا بحاجة إلى جذب انتباه الآخرين وهذا الشيء من الناحية السيكولوجية أعراض طبيعية لهذا المرض، فهم بحاجة شديدة جدا للفت الأنظار ويستغلون مبدأ خالف تعرف للنيل بمركز اجتماعي زائف أو شهادة من جاهل يتفاخرون بها علها تشبع غرورهم وترضي اناهم المريضة حالهم كحال الكثير من السياسيين الذين يضللون العامة وطوفان الدهماء بالخطابات والشعارات الزائفة وأحيانا بوعود صنع المعجزات، هذا القطب (التحديث) لا يفرض ولا يدعوا إلى إلغاء الماضي كما لا يرفضه كليا، كما يفعل التيار (القطب) الآخر, كما لا يدع إلى البدء بمرحلة جديدة، وإنما تحرير الماضي وتنقيته من القيود والتواصل والاندماج مع الحاضر عبر حراك نقدي يضيف للماضي بعداً جديداً في أفق وضمن معطيات الحاضر خاصة في الشأن الفكري والثقافي، فمتى تحررت الأفكار من القيود والأوهام والأساطير أدت لتحرير المجتمعات. وهذا ما يرفضه التقليديون، لأن تلك الأوهام والقيود بالنسبة لهم عبارة عن سلاسل تقيد أفراد المجتمع وتجعل منهم قطعان من الماشية يقودها التقليديون(مع التحفظ على تسميتهم كذلك). لست بصدد تعقيد الأمور والإطالة، فهؤلاء المستفيدين من الماضي والتغني به تغنيا أعمى وتقليدي لا يمت للواقعية والحضارة بصلة مستفيدون منه بشكل كبير، ومتأكدون أنهم بهذه الطريقة فقط يربون مجتمعا أشبه ما يكون بمجتمع القطيع، مجتمع المسخ البشري. يستنبأون ويستبشرون بالفرد المحدد، المصنوع، المتشابه، الإنسان الذي يشبه الحيوانً، ويمكن تربيته، وتدجينه وترويضه لوضع سلاسل في عنقه فيما بعد. إن المجتمعات من خلال المفاهيم والأعراف التقليدية أشبه ما تكون بالحظائر. مازال الكثير من المجتمعات ومنها مجتمعنا، مجتمع وثني يعبد الطاغوت وما الديانات السماوية إلا وسيلة وستار يختفي ورائها الطاغوت. ففي كل حزب سياسي هناك طاغوت يسجد له، وفي كل كنيسة ومسجد هناك طاغوت يعبد ويعتبر الآمر الناهي. من المؤسف جدا أن لكل طاغية (سياسي، ديني، أو اجتماعي وأحيانا أناس متهمون زورا بأنهم أكاديميين) مجموعات من الجهلة والرعاع والمتسلقين، تقدم القرابين وتنافق للسيد (بالطبع سيدهم وحدهم) وتنحني آلاف المرات خاشعة وطائعة!. التغيير والحراك يجب أن ينطلق ويبدأ ضد منظومة وفكرة العبادة للطاغية والرمز، لا ضد الطغاة أنفسهم. لأن إطاعتهم وتقديسهم تأتي من منظومة وفكرة تقديس الأشخاص المسيطرة على عقول الناس. ولهذا يتوجب أن نتوجه بالاعتراض والاحتجاج ضد المبدأ والفكرة، ضد الأسباب لا النتائج. التغيير والحراك يجب أن يأتيا بجديد، يعمل على إعادة البناء، جديد يمكن التخلص من خلاله من كل الآفات المتفشية.إن التأسيس لحياة جديدة وحضارية وكريمة يجب أن يتم من خلال تقديم البدائل للموروثات البالية. ويقوم بنشر مفاهيم وقيم جديدة تؤدي إلى التقدم والازدهار على كافة الأصعدة. هذا التغيير يجب أن لا يترك التغيير ذاته دون تقييم مستمر للمعوقات والنتائج، تغيير وحراك تجديدي وعصري شامل لكل مرافق المجتمع يقوده جيل جديد، يعمل على تفجير براكين عصرية جديدة داخله لكي يتطور وإلا فأنه لا حاجة لهذا الحراك لأنه سيبقى أسير وقرين النهج القديم الذي نحن بصدد التخلص منه. إن الحراك والعراك ضد المفاهيم التقليدية، لا ينتهي بانتصار الحراك والتغلب على الماضي بل بالاحتفاظ بهذا الانتصار وتطويره. ومهمة هذا الحراك يجب أن تتلخص بإعداد جيل جديد يستلم الواجبات والمسؤوليات نحو المستقبل، لا أن يعمل الاصلاحيون الجدد على خلق وتقديس طغاة جدد ويدعون لعبادتهم بدلا من عبادة الطغاة والرموز القدامى. إن الهدف يجب أن يهدم القيم للمجتمع الوثني وتحطيم الطغاة وإدانة ومحاربة أي فرد أو مجموعة أو فكرة تروج للمجتمع ألقطيعي ومفاهيمه.
#محمود_نزال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اهذا هو الوطن؟!
-
صفد وعين اذار
المزيد.....
-
شتاء الخيام فصل يفاقم مأساة النازحين في غزة
-
رئيس هيئة الوقاية من التعذيب في تونس ينتقد تدهور الوضع في ال
...
-
هكذا تتعمد قوات الاحتلال إعدام الأطفال.. بلدة يعبد نموذجا!
-
المكتب الحكومي يطلق نداء استغاثة لإنقاذ النازحين في غزة
-
خامنئي: أمر الاعتقال بحق نتنياهو لا يكفي ويجب الحكم بالإعدام
...
-
سجون إسرائيل.. أمراض جلدية تصيب الأسرى
-
قصف وموت ودمار في غزة وشتاء على الأبواب.. ماذا سيحل بالنازحي
...
-
هيومن رايتس ووتش: ضربة إسرائيلية على لبنان بأسلحة أمريكية تم
...
-
الأمم المتحدة: من بين كل ثلاث نسوة.. سيدة واحدة تتعرض للعنف
...
-
وزير الخارجية الإيطالي: مذكرة اعتقال نتنياهو لا تقرب السلام
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|