أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - المرآة الهشّة لا تخفي الحقيقة














المزيد.....

المرآة الهشّة لا تخفي الحقيقة


دينا سليم حنحن

الحوار المتمدن-العدد: 1748 - 2006 / 11 / 28 - 11:26
المحور: الادب والفن
    


يحلّ ليل آخر, تصمت عشرات الكائنات, ترتاح في مكانها, تغفو هادئة, تحلم, وتنتظر ... إلا ذاك الشقي الخائف الذي يهرب اليه, الى اللّيل! يسير فيه لساعات فيصل حتى منتصفه الأخير حيث الخفايا والأسرار!

تحتل المكان باقة أزهار بنفسجية قاتمة اللون, منسقة ومرتبة برتابة معهوده, تبقى مكانها كما وضعت سالفا, فتتحوّل مع الزمن الى شكل واحد دائم, يمثل شكل النهاية.

يريد في قرارة نفسه تحدي الخوف الذي أصابه كوباء, وتفشى داخله قبل مدة طويلة, محاولا التخلص منه, واخراجه من قلبه نهائيا, معتقدا أن المكان المناسب لذلك هو مقبرة المدينة القديمة!

رغم الحر الشديد تبقى أرض المقبرة باردة, يؤمها ذاك الشقي كل ليلة فيفقد ثقل خطواته عند الوصول الى حيث الحذاء الأسود, الملقى على الشاهدة دون أي مبرر مسبق!

سؤال مكرر يفقده عقله, من تكون صاحبة الحذاء الأسود الجميل؟

بداية, خشي الاقتراب لكن سرعان ما استأزر الشجاعة فاّتزنت خطواته المرتعدة.
أوّل شيء يفعله هو ملاحظة تغيّر اتجاهه, يتفرسه لساعات, يفكر, يظن ويشك أن صاحبته تخرج في وقت ما, روحها تتحرّر من ربقتها, تنتعل الحذاء لبرهات, تتمتع بمشيتها, تدق مسماره مختالة, تعوّض نفسها مشيا وروحها الجياشة الميتة رقصا, ثم تتركه وشأنه فتعود الى مخدعها الأبدي!

بسقت الأشجار حول المقبرة وأحاطها جدار عال مما زادها رعبا مبهما, صدعت القبور القديمة وتمايلت الأضرحة, ومن حين الى حين سُمع صريرُُ. انكمش الشقي ووثب خائفا يريد مبارحة المكان, وإذا بشيء ما يكزه فيتوقف في مكانه كصنم مُحبط .

سمع بقبقة خفيفة, اعتقد أن الميتيين خرجوا ليلا من أجل ارواء عطشهم. تكوّر جسده وتقزّحت عيناه عندما لمح فتاة جميلة تقترب منه, صرّت الأرض الخشنة تحت وطأة قدميها الحافيتين, ففتر ثغره عندما تحققت تكهناته بأنها صاحبة الحذاء الأسود, لكنها لم تلتقطه بل نظرت اليه نظرة شزر, تفرسته بكرهٍ وغادرت مسرعة.

تهرب منه اللحظات وهو صامت, يغيب عن الوعي تارة وتارة أخرى يسترجع الحدث, يتوغل في أغنى أفكاره يحاول ان يجيب على استفساراته الكثيرة, لا يحرك ساكنا ولا ينبس ببنت شفة! لم يكن بوسعه سوى مغادرة المقبرة بسرعة البرق معاهدا نفسه عدم الرجوع.

الساعة الآن الثانية عشر بعد منتصف الليل, بداية الدقائق لا نهايتها, يترك العالم الخارجي في ليل داج ٍ ويلج المقبرة مجددا, يبحث عن القبر المعهود, المسمى باسم امرأة مجهولة أمضت من العمر الطويل على جِنان الأرض وها هي الآن مسترخية في القبر, لا تستغني عن حذائها!


ربما كانت راقصة؟ سأل نفسه متبرمًا .

فاحت رائحة عطر فبدا كالرِعديد, يرتجف كعنزةٍ, حلّ لغز العطر الفائح لم يكن بمتناول ادراكه فبقي صامتا خاشعا أمام الحذاء كأبلهٍ. كابداً لا يتحرك, تشنجت أطرافه مما أضطره طرطقة أصابعه كي تعود الدماء اليها, لم يفلح بذلك فعمد هزّ ساقيه عدة هزات.

أستوقفه صوت أجش لشبح طويل ذو لحية سوداء, ظهر من بين القبور دون سابق انذار,
وجهه مجعد, عيناه نافرتان وأنفه مشدود الى الأسفل. ارتفع صوته وأصبح أشد جششا عندما التقت عيناه بعيني ذاك الشقي الذي أخذ يصرخ ويستغيث.

لا يدع الخوف يهزأ منه, بل يحاربه برعب أشد قوة, يقرر الرجوع مرة أخرى الىالمقبرة متحديا عاصيا, يدخل حيث أطبق الصمت وتكدرت الأجواء فبان المكان أكثر اسودادا.

استكانت ظلال الأشجار في عمق الظلام, مالت الشواهد كل ٍ في اتجاه وتوسعت السبل الضيقة بين القبور.

مشى مرتعدا حتى وصل القبر المقصود, أول ما بحث عنه هو ذاك الحذاء الأسود! فوجده كالعادة, جلس أمامه صامتا, أراد لمسه, قرّب يده بتردد ملحوظ لكن سرعان ما أبعدها خائفا! كرّر المحاولة مجددا, لامسه, داعب جلده الناعم بأنامله, نظفه من الغبار وتفرسه جيدا, كان فخورا بنفسه, فقد استطاع أخيرا لمسه, ابتسم منتصرا وأعاده الى مهجعه, وضعه كما كان على وضعيته, لكنه سرعان ما عاد لالتقاطه مجددا. دمدم في سرّه وغزته فكرة ماكرة! صرخ من قلب الليل قائلا:

- لا خوف بعد اليوم! لن أخشى الموتى, ولن آبه للأشباح !

يخفيه داخل سترته ويهرب به, يبرهن القوّة لنفسه, يسرع في خطواته حتى وصل بيته. وضعه داخل خزانة قديمة مرآتها هشة, وكان ذلك تحديا آخر منه, بل تمردا ومواجهة.

حدّقت فيه المرآة الهشة غاضبة معاتبة, ارتجف الحذاء داخل الخزانة وارتفع صراخه, نظر الى نفسه واذا به طويل كنخلة, يشبه ذلك الشبح صاحب الأنف المعكوف, لكن دون لحية!

شحُب الشقي وطالت ساقاه, كأنه يرى نفسه لأول مرة في المرآة التي تمايلت يمينا ثم يسارا احتجاجا وحزنا, مستهجنة, مستنكرة. لم تعهده لصا غائرا ولم تستطع التغاضي عنه, وصياح الحذاء الذي استشرى فيه الحنق .

لم يكن منه سوى اخراجه من داخل الدولاب بلطف, يدمدم بكلمات مشوشة, يحاول تهدأته, يداعبه حتى سكت الحذاء عن الصراخ.

أرجعه الى مكانه بحذر وتأني , صحّح من اتجاهه, نظّف التراب من تحته قبل وضعه, وعاهد نفسه عدم سلب الأملاك والسّعي خلف مخادع الآخرين .



#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (عقارب) قصة قصيرة
- كائنات في الظل
- اللوحة الخالدة
- صندوق بريد
- لماذا لا تبكي جدتي
- عيون الليل الحزين
- السماء لا تمطر أقنعة
- وتر بلا عازف
- استسلام بكبرياء
- ناطحة سحاب وبرج حمام
- وفي قلمها ينطوي العالم الأكبر...!!!
- ناجي ظاهر بين التفاؤل والحزن والتعلق بالمكان
- في يوم المرأة العالمي وعيد الأم أناجي أمومتي
- لماذا نخفي رؤوسنا ونغمض أعيننا أمام الشعارات الزائفة
- امرأة من زجاج
- لا تنزع عنكَ أبدا قناع الحرية
- دموع الشموع
- * هل جاء (الحلم المزدوج) ليكون للحقيقة لسان ؟


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - المرآة الهشّة لا تخفي الحقيقة