أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شهربان معدي - * نمّلية ستّي؛ صيّدلية لكلّ العائلة.














المزيد.....

* نمّلية ستّي؛ صيّدلية لكلّ العائلة.


شهربان معدي

الحوار المتمدن-العدد: 7882 - 2024 / 2 / 9 - 14:22
المحور: الادب والفن
    


بقلم: شهربان معدّي.



في غرفة ستّي الشتويّة، ثمّة نمليّة صغيرة، كانت مركونة بجانب خزانة المونة، وكانت ذات طبقتين، في الطبقة السُفلى، وضعت ستّي إبريق الشاي الكبير وركوة القهوة المصنوعة من التوتياء، والفناجين الصينيّة الرقيقة، المزخرفة بماء الذهب، والتي احتفظت بها للضيوف، وطقم فناجين الزجاج، للأهل والبيت، وطبعًا الهاون الذهبيّ الثقيل الذي اشترته من أحد العطّارين المخضرمين في سوق عكا العتيقة وكانت تتباهى به أمام الجميع، وبه كانت تدقّ به كلّ خلّطاتها العجيبة، وتحضّر وصفاتها الغريبة، وفي قُبعة مجدولة من شلوح السّنديان، كانت تخبّأ الزبيب والقطّين المجفف، وقلوب الطوفي بطعم روح النعناع، للضيوف.

بينما الطبقة العليا الّتي كانت تفوح منها رائحة البراري والمراعي، كانت دفتيّها عبارة عن شبكة دقيقة من الصّفيح الدّقيق، تمنع حتّى نملة صغيرة أن تخترقها، ومن هنا أُطلقوا عليها اسم "النّمليّة" حيث كانت ستّي تخزن فيها حفنات من الأعشاب والزّهورات المجفّفة التي كانت تعالج بها كلّ أفراد العائلة؛ حيث احتفظت بالميراميّة اليابسة لمغص البطن، والخضراء، لمنع نزيف الدّم في حالة الجروح، والبابونج اليابس، لوجع الرأس وتهدئة الأعصاب، بينما قلادة القرنفل التي شكّتها بإبرتها صاحبة الخرم الوسيع، كانت تعلقها في دفّة النمليّة، لمُعالجة الحالات الطارئة لأوجاع الأسنان، ومعالجة غشاوة البصر، وكانت تطحن مسحوق الحبق والريحان، المخلوط مع أعواد القرفة، بهاونها الثقيل، وتحفظ الخليط في صُرّة قماشيّةّ قد أحكمت اغلاقها، لتعطّّر به كل مولود جديد يأتي للعائلة، وتدقّ الكحل الأسمر وأزرار القرنفل، لتكحّل كل عروس، وكانت تقطف عشبة الزوفا من براري قريتي الخضراء، وتغليها، لتقوية عضلات المعدة ومعالجة البحّة والسّعال، وضيق التنفس، وطرد البلغم، وكانت تحضّر لنا شاي أكليل الجبل "الروزماري" وتسمّيه إكسير الصّباح لتقوية جهاز مناعتنا، وتحتفظ بقنينة عشبة الفيجن المنقوعة بزيت الزيتون، للتمليس ومعالجة وجع المفاصل، والحلبة واليانسون، لدرّ الحليب، للمرضعات الحديثات، والمردقوش اليابس لتسريع الطلق عند المرأة الحامل، وطرد الأرق والكآبة،

إيه يا ستي، ما زالت تزكم أنفي رائحة الزعتر المغلي، الذي كنت تسكبيه لنا في ليالي الشتاء الباردة، لتقوية قلوبنا الصغيرة وتهدئة أعصابنا، وكي تكبحي جماح السّعال، الّذي كان يُكاد يمزّق صدورنا، عندما يلسعنا برد كوانين القارس، وما زالت تتأرجح أمامي قنينة خلّ العنب التي كنت تستعمليها في تحضير الّلبخات المعجونة بالطحين البلدي والخميرة والنعناع اليابس، لتمّتصّ الحمّ من أجسادنا الغضّة..

ستّي، كانت طبيبة العائلة دون منازع، ارتأت ألا ينفد العسل البلديّ من نمليّتها السّحرية وكانت تقول لنا دائمًا: - "العسل سيّد الأدوية"

*أجدادنا لم يعرفوا معنى مصطلح "الطبّ البديل" ولكنّهم سخّروا الشجر والحجر وكلّ شيء يمكن أن يخدم الإنسان ويشفيه من العلل والسّقام



ادهشتنا نمليّة جدتي السّحريّة..

بزهوراتها الخارقة..

من كلّ البراري جمعتها..

بأناملها الذهبيّة...

أزرار القرنفل التي كانت تتدلى على دّفتها الخشبيّة..

ما زالت تُعرّش في قلبي..

وأوراق حديقتها اليانعة..

بعذوبة ملفوفة بصوتها الحنون

ما زالت تُناديني..

ما زلت أتشبث بذكريات الطفولة..

وأبني قلعة الوفاء العظيم

لكلّ نساء الأرض..

وللمرحومة جدتي..



#شهربان_معدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ولادة كتاب جديد - جود يحلّق في الفضاء بقلم: شهربان معدّي.
- لروح -المغنّي- الأديب الكبير، المرحوم الأستاذ إبراهيم يوسف. ...
- *حُطّي ابنك في كُمّك ولا تعيريه لأمك!
- ليست مجرّد لمّة زيتون وزعتر..
- لمن تركت آلاء وعدن؟ للناقد والأديب المرحوم شاكر فريد حسن
- كتاب -حارة السلام- طرح جديد يُعزّز قيمة الجيرة الحسنة وقبول ...
- لروحك السلام يا سنديانة الزابود وفتى الحقول.. لروحك السلام أ ...
- نوافذ الحُزن لا يفتحها غير العُظماء.. نثرية متواضعة، مهداة ل ...
- باقة هايكوهات ربيعيّة بمناسبة عيد الأُم.
- أُمنيَةٌ صغيرةٌ
- الأنسنة في القصة القصيرة (حفنة حظ) للكاتبة شهربان معدي. بقلم ...
- النهار ملْكَ يدي..؟
- بوح في زمنٍ منكود
- -البوّابات الخمس... بالعربية والإنجليزية وميثاق البقاء في جن ...
- -الحسناء يازوكو لبست فستان الزفاف- شعر هايكو
- جورية أزهرت/ شعر هايكو
- سرّ الخالة كاملة
- شهربان معدي
- برقية عاجلة لأستاذي؛ الشاعر والأديب وهيب نديم وهبة.
- ما.. .. .. بعد حيفا..!! ما بعد خيفا...!! قصّة قصيرة


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شهربان معدي - * نمّلية ستّي؛ صيّدلية لكلّ العائلة.