|
رمزية نصوص الشاعر محمد النصار
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7882 - 2024 / 2 / 9 - 04:47
المحور:
الادب والفن
رمزية نصوص محمد تركي النصار
أزعم أن لي ذائقة أدبية ، اصقل بها منذ عقود ، وأصبح لها ، بعد مرور هذه السنوات الطوال ، معايير في الاختيار والقراءة ، تسد حاجتي اليومية إلى الاستمتاع الجمالي بمعطيات ما تدر به اقلام الأجيال على صفحات الورق أو على الأمكنة الالكترونية : اقرأها كل مساء - ولا مزة احلى من مزة الادب - مع بعض كؤوس من خمر البلاد التي ازورها : فانا منذ عقد من السنوات قررتً أن أموت على طريقة المتنبي : على قلق كأن الارض تحتي اسيرها شمالاً أو جنوبا وليس على طريقة مَن ماتوا وهم لم يغادروا قراهم ...
سيظل الشعر سميري الذي يطرد عني وحشة الطريق بعد أن مات مَن مات ، وعاد إلى مسامرة ربه مَن عاد : ذهب الذين احبهم وظللت مثل السيف فردا
كل مساء : ابدأ بقراءة ما جمعته في نهاري من نصوص أدبية تعود للقليل القليل من السرديين الذين رسخوا أسماءهم في ذهني ، وأقل منهم مَن يكتب مقالات أو أعمدة رأي : وأقل القليل هم الشعراء الذين تقلص عددهم ، وسقطوا من قائمتي المسائية لشعوري بأن مواهبهم الشعرية قد إصابتها شيخوخة مبكرة ..
اكثر الشعراء صقلاً لنصوصه هو محمد تركي النصار الذي كان سلفه قبل الاسلام يخرج على الناس كل حول بقصيده نتيجة دأبه المتواصل على صقل وتهذيب نصه ، أما محمد تركي الذي يغرف من نهري ثقافتين عظيمتين : فإنه بثقة عالية يكتب كل يوم قصيدة : تخرج علينا من تنور الشاعر المسجور دائماً بحطب قلقه الذي يسري في ثنايا قصائد صاغتها خبرة شاعر متمرس ببناء معمار قصيدته الرمزية ...
يمتح محمد تركي النصار بنية قصائده من مجرى لغوي هادر بتجريب المواهب الكبيرة في العالم العربي أو في العالم الانكلو سكسوني . والقصيدة الرمزية لها - شئنا أم أبينا - اكثر من مستوى بنائي وأكثر من دلالة في المعنى ، تذكرني نصوصه دائماً بالناقد : الجرجاني الذي تحدث قبل الحداثة الشعرية عن التأويل : الذي يعني تعدد قراءات النص ، أو بتعبير ابسط : تحدث عن نص له سطح مرئي وآخر يظل محجوباً ومتعلقاً باكمال قراءة النص ...
ساتحدث بإيجاز لكن بوضوح : بأن موهبة النصار الشعرية حملته على ان يكتب القصيدة الصعبة في لغة الضاد وهي القصيدة الرمزية . وصعوبتها تتأتى من قلة نماذجها في الموروث العربي أو انعدامها : فأشهر مثالين في الموروث الشعري وهما المدح والهجاء لا يصلحان في هذا الباب . ولم تصلح لذلك بعض ابيات المتنبيء عن كافور الاخشيدي التي قيل إنها هجاء مغلف بالمديح الساخر : وابن الفارض وعموم شعراء التصوف : يمكن قراءة قصائدهم على أنها قصائد غزل موجهة ل " حبيب " ارضي لا سماوي : وهي إجمالاً ذات غرض ديني بلباس غزل دنيوي . وليس الغرض الديني وحده الذي يستبطن المعنى العام لقصيدة الرمز الحديثة : انها ( اضافة الى ذلك ) تدور حول / وتتوجه الى الانسان : الكائن الأسمى من بين جميع كائنات الارض ...
قصيدة النصار حجر رمزي يشع من بداية القصيد ويسري في تلافيها حتى النهاية . انها القصيدة الرمز ، وليست القصيدة التي تضم رمزاً على غرار الكثير من قصائد السياب كانشودة المطر أو بويب ، او قصيدة " صقر قريش " ذات الرمز الأبوي الكئيب لأدونيس . أنه لا يختار اسماء قديمة معروفة الدلالة ويشحنها بدلالة جديدة على طريقة امل دنقل في اختيار رموز مشهورة عربياً كزرقاء اليمامة أو النبي نوح . ان القصيدة الرمزية شيء آخر غير غير الرمز أو مجموعة الرموز في قصيدة ما ، بحيث تستطيع أن تعزل الرمز عن القصيدة بتغيير اسم المرموز له أو تغيير بعض كلمات القصيدة .اذ الشيء المجلوب من خارج القصيدة يمكن إخراجه منها بسهولة كسهولة اخراج " ديك " قصيدة نزار قباني واستبداله باسم طير أو حيوان آخر من غير أن يختل بناء القصيدة . وهذا الشيء ينطبق على أقنعة عبد الوهاب البياتي ...
قصيدة محمد تركي قصيدة : رمز ينبع من داخل القصيدة ولكنه لا يتكامل في دلالة معناه ، الا في نهاية مبنى القصيدة . أنه بمشي مع القاريء ويسري مع دبيب عينيه ، وأثناء ذلك يعيد تشكيل كل ما هو داخل القصيدة في مبنى القصيدة ، ويدمج معناه في دلالة المعنى العام للقصيدة . الرمز في قصيدة النصار هو مثل المحور االذي تدور من حوله جميع مفردات وتعابير وانساق القصيدة وما توحي به من ظلال وما يتسلل عنها من تداعيات معاني ...
يتعلق نجاح قصيدة الرمز بالشاعر وليس بالجمهور المتعلق بقصيدة الإلقاء الشفاهية في المناسبات . انها طريقة جديدة في الخطاب الشعري تستلزم قاموسها اللغوي الخاص الذي بإمكان النصار أن يشحنه بدلالات رمزية خاصة تكون مرشداً وهادياً لقرائه . النجاح اذاً : يتعلق بقدرة الشاعر على صياغة نص رمزي مفهوم ، فمعادلة النجاح هنا تتوقف على الشاعر وليس على الجمهور . بإمكان الشاعر أن يتعرف بدقة على طريقة المخاطبة من غير أن يتنازل عن رؤيته الشعرية : التي ترى في الرمز الطريقة المثلى لايصالها ...
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفهوم السيادة والوعي الطائفي
-
لا سيادة في العراق
-
اين انتم ؟؟
-
المطربة الواعدة : حنين الشاطر
-
جنوب افريقيا : دولة مؤسسات إنسانية
-
ما الكارثة ؟
-
نتنياهو حماس / حماس نتنياهو
-
الدولة الاسلامية ومفهوم السيادة ( ١ )
-
اضاءات على انتخابات المجالس المحلية في العراق
-
هوامش على الحرب الدائرة في غزة ( ٥ )
-
في اللغة العربية وعنها
-
هوامش على الحرب الدائرة في غزة ( ٤ )
-
ضوء على بعض عالم المهاجرين
-
ماذا تعني حروب الثأر ؟
-
هوامش على الحرب الدائرة في غزة ( ٣ من ٣ )
-
هوامش على الحرب الدائرة في غزة ( ٢ )
-
هوامش على الحرب الدائرة في غزة ( ١ )
-
الاقتراب من الحقيقة
-
انهم يسرقون صفات الآلهة ولا يستخدمونها ( ٤ : ايران )
-
انهم يسرقون صفات الآلهة ( ٢ )
المزيد.....
-
روى النضال الفلسطيني في -أزواد-.. أحمد أبو سليم: أدب المقاوم
...
-
كازاخستان.. الحكومة تأمر بإجراء تحقيق وتشدد الرقابة على الحا
...
-
مركز -بريماكوف- يشدد على ضرورة توسيع علاقات روسيا الثقافية م
...
-
“نزلها حالا بدون تشويش” تحديث تردد قناة ماجد للأطفال 2025 Ma
...
-
مسلسل ليلى الحلقة 14 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
فنانة مصرية تصدم الجمهور بعد عمليات تجميل غيرت ملامحها
-
شاهد.. جولة في منزل شارلي شابلن في ذكرى وفاة عبقري السينما ا
...
-
منعها الاحتلال من السفر لليبيا.. فلسطينية تتوّج بجائزة صحفية
...
-
ليلة رأس السنة.. التلفزيون الروسي يعرض نسخة مرممة للفيلم الك
...
-
حكاية امرأة عصفت بها الحياة
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|