أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - عن احتجاجات المزارعين في فرنسا وأوروبا















المزيد.....


عن احتجاجات المزارعين في فرنسا وأوروبا


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 7881 - 2024 / 2 / 8 - 11:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بين عشية وضحاها، تحولت الجرارات في فرنسا من وسيلة انتاج إلى وسيلة احتجاج. قطعت الجرارات الثقيلة الحركة، مئات وربما آلاف الكيلومترات كي ترفع الصوت وتقول لعموم الفرنسيين "إذا توقفنا تجوعون" وتكمل "ليست هذه أوروبا التي نريد". هناك من قال إن الجرارات الزراعية تحولت إلى وسيلة حرب، فباتت تغلق الطرقات كما لو أنها دبابات، وزاد في صدق هذا التشبيه مشهد وقوف الجرارات الزراعية على الطرق السريعة في مواجهة العربات المصفحة التي نشرتها وزارة الداخلية لمنع الفلاحين من دخول العاصمة.
الحقيقة أن بوادر احتجاجات الفلاحين في فرنسا ظهرت في الخريف الماضي حين بدأ الفلاحون يقلبون اللافتات التي تحمل أسماء البلدات والقرى رأساً على عقب، في احتجاج رمزي يقول للحكومة إنها في سياساتها الزراعية إنما تسير على الرأس. ولم تكن هذه الرسالة خافية على المسؤولين، ولاسيما المنتخبين منهم، مثل رؤساء البلديات. فقد رأى في حينها رئيس جمعية رؤساء البلديات ما رآه الفلاحون وقال "بالفعل إننا نسير بالمقلوب"، يعني أن الحكومة تعمل من جهة على تقييد "حرية" الفلاحين بفرض نواظم بيئية عليهم، ومن جهة أخرى تنهج سياسة التجارة الحرة مع بلدان لا تقيد فلاحيها بمعايير بيئية مثل الاتحاد الأوروبي. ولكن ربما لم تتوقع الحكومة الفرنسية، ولا حتى النقابات الزراعية، أن تصل قوة الاحتجاج إلى هذا المستوى الذي فاجأ الجميع.
والحال إن واقع المزارعين في فرنسا غير مريح بحسب المؤشرات والأرقام التي تحملها التقارير التي تقول إن ربع المزارعين يعيشون في فقر، وأن نسبة الانتحار بين المزارعين الفرنسيين يصل معدلها إلى اثنين في اليوم، وأن المزارع الصغيرة المعتمدة على الأسرة تختفي بمعدل يقترب من 200 مزرعة كل أسبوع، لصالح المزارع الكبيرة التي تحوز على أكبر قدر من مساعدات الدولة لأنه يتم حساب مقدار المساعدة وفق عدد الهكتارات.
التعاطف الشعبي مع حركة الفلاحين فاق التعاطف الذي شهدناه مع أصحاب السترات الصفراء. الفلاحون يعملون في شروط قاسية وهم مصدر غذائنا، يقول الفرنسيون. بالفعل يقدم الناس الطعام والشراب للفلاحين الذين يغلقون بجرارتهم الطرقات المؤدية إلى باريس، ويفتحون بيوتهم كي يبات فيها سائقو الجرارات المتجهة، رغم بطء حركتها، للمرابطة في مناطق تبعد مئات الكيلومترات عن مزارعها.
وبصرف النظر عن أن الفلاحين يشكلون في العموم وسطاً مناسباً لنشاط اليمين التقليدي الفرنسي، وعن أن اليمين المتطرف يخترق اليوم هذا الوسط ويستثمر في موجة غضب المزارعين الذي يشكل تربة مناسبة لاستقبال كلام اليمين المتطرف الذي يرى في الاتحاد الاوروبي "سجناً"، ويرى أن الاتحاد "يقتل فلاحينا"، بحسب تعبير رئيس حزب (التجمع الوطني). وبصرف النظر عن دخول خيارات سياسية كبرى على خط الصراع الزراعي "المطلبي"، ومنه أن تحمل بعض الجرارات الزراعية شعار "Frexit"، على غرار "Brexit" البريطانية، الطامح إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي يتبنى استراتيجية "الصفقة الخضراء" كي يجعل من أوروبا محايدة مناخياً بحلول 2050، والذي يرى المزارعون إن سياساته بخصوص التجارة الحرة وتقييد استخدام المبيدات والأسمدة، تفقرهم. مع العلم أن فرنسا، وهي القوة الزراعية الأولى داخل الاتحاد الأوروبي، هي الدولة الأوروبية الأكثر استفادة من المساعدات الزراعية التي يقدمها الاتحاد، بواقع 9.5 مليار يورو سنوياً. نقول بصرف النظر عن كل هذا، فإن احتجاجات الفلاحين في فرنسا وفي عدد غير قليل من الدول الأوروبية، تطرح على المراقب أمرين، الأول هو السؤال عن التعارض الظاهر بين مصالح الفلاحين ومتطلبات حماية البيئة، وهو ما يبدو أكثر وضوحاً في حالة المزارعين الكبار الذين يسيطرون على الزراعة وعلى كبرى التشكيلات النقابية الفلاحية مثل الاتحاد الوطني لنقابات المستثمرين الزراعيين في فرنسا (FNSEA).
هذا الأمر يدفع إلى التفكير في سبل للمواءمة بين مساندة حق الفلاحين في تحقيق دخول أعلى تسمح لهم بحياة أفضل وبمردود يكافئ تعبهم، وبين مساندة القوانين التي تحمي البيئة والصحة العامة والتي من شأنها أن تقلل من إنتاجية الأرض وبالتالي من القدرة التنافسية في سوق مفتوحة. هذا التعارض هو، في الواقع، المدخل المناسب لأحزاب اليمين الأوروبي التي تدير الظهر للمخاطر البيئية، وتميل أكثر فأكثر باتجاه الانعزال.
والأمر الثاني الذي تثيره احتجاجات المزارعين في أوروبا، هو أن المخاطر البيئية التي تطال الجميع دون تمييز في الطبقة أو المنبت أو الثقافة ... الخ، والتي تجد، في أوروبا، أحزاباً ونخباً واعية تناضل من أجل تجنبها والحد منها، تفتقد لذات اجتماعية لها مصالح مباشرة في درئها، ويمكن أن تدافع عنها كما يمكن أن تدافع الفئات الاجتماعية المختلفة عن مصالحها المباشرة، أي كما يفعل الفلاحون في أوروبا دفاعاً عن مصالحهم الزراعية الآن. غياب الذات الاجتماعية ذات المصلحة "البيئية" المباشرة، يجعل من المطالب البيئية سندريلا المطالب، فهي في الواقع أول ما تضحي به الحكومات حين تواجه موجة احتجاجات تتعارض مطالبها مع المعايير البيئية، تماماً كما يجري اليوم مع تراجع المفوضية الأوروبية مثلاً عن خطة خفض استخدام المبيدات الحشرية، التي كانت تهدف إلى خفض استخدام المبيدات إلى النصف بحلول العام 2030. هذا فضلاً عن تجميد الاتحاد مطالبة المزارعين بالإبقاء على نسبة من أراضيهم دون استصلاح من أجل تحسين التنوع البيولوجي، في مسعى الاتحاد لامتصاص غضب المزارعين.
مع تزايد شعبية التيارات اليمينية في أوروبا، الأمر الذي قد ينعكس في زيادة مندوبي هذه الأحزاب في البرلمان الأوروبي في الانتخابات القادمة في النصف الأول من حزيران/يونيو القادم، من المرجح أن يتراجع الاتحاد الأوروبي عن خطوات بيئية أخرى تهدف إلى حماية الأرض (مثل تنويع المحاصيل وتبوير إلزامي لجزء من الأرض) وحماية البيئة (مثل تقييد استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة)، هذا في حين يزداد عدد ضحايا المواد الكيماوية المستخدمة في الزراعة ليس فقط بين المستهلكين بل أيضاً بين الفلاحين أنفسهم. المطالب البيئية هي في الواقع مطالب تخص الجميع، ولا تخص أحد في الوقت نفسه.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -أبناء التهمة- الإسلامية
- ليس دفاعاً عن الإسلاميين
- النظام التسلطي المحض وسبل تفكيكه - 1
- النظام التسلطي المحض وسبل تفكيكه - 2
- في الشخصية السياسية لرياض الترك
- الفعل الجنسي بوصفه دينمو خفي لتغذية دونية المرأة
- اللغة لا تسعف غزة
- عن غزة و-الأخلاق- الحديثة
- في مفارقات المجزرة
- القتل للفلسطينيين والتضامن مع اليهود
- يدفعون إلى العنف ويدينونه
- تأملات بمناسبة -طوفان الأقصى-
- من يمتلك -الحق- في الإجرام / حياة الفلسطينيين العارية على خط ...
- اللاعودة في انتفاضة السويداء
- اليسار السوري، هامش واسع في الحياة السياسية
- قمصان زكريا، لمنذر بدر حلوم عن الموت الذي يضمر الحياة
- عن توبيخ السوريين العلويين المتجدد
- نقاش مع كتاب -سؤال المصير- لبرهان غليون
- عن مشكلة الرموز في سورية
- أهمية حركة 10 آب في سوريا


المزيد.....




- مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-. ...
- إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
- صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق ...
- الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف ...
- سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
- ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي ...
- مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا ...
- أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
- كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
- الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين ...


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - عن احتجاجات المزارعين في فرنسا وأوروبا