|
حول مكانة وسمات بعض اللغات
حسيب شحادة
الحوار المتمدن-العدد: 7879 - 2024 / 2 / 6 - 01:53
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
هنالك آراء وأفكار متنوّعة على صدد مكانة لغات البشر، أكثر من ستّة آلاف، لدى ناطقيها من جهة، وعند الآخرين من ناحية أخرى. التلمود يقول مثلًا: هنالك أربع لغات جديرة باستعمال البشر: اليونانيّة للغناء، اللاتينيّة للحرب، السُّريانيّة للرثاء، والعبريّة للكلام العاديّ (التلمود الفلسطينيّ، سوطا ص. 30 أ). أمّا الإمبراطور تشارلز الخامس، ملك إسبانيا، الذي أجاد التحدّث بعدّة لغات أوروبيّة، فأقرّ بأنّه يُخاطب الخالق بالإسبانيّة والمرأة بالإيطاليّة، والرجل بالفرنسيّة، والحصان بالألمانيّة. يُعلن الفلاسفة، على اختلاف مشاربهم وقوميّاتهم، أنّ كلَّ لغة تعكِس صفاتِ الشعب الذي يتحدّث بها. كان الفليسوف البريطانيّ، فرانْسيس بيكون، الذي عاش في القرن السابع عشر، قد ذهب إلى أنّ الإنسان بوُسعه معرفة سِمات ذات شأن، في عبقريّة وعادات الأُمم والشعوب، من خلال لغاتها.
لوحظ مثلًا أنّ الشعوب الجادّة النشيطة، تستخدم وفرةً من الصيَغ الفعليّة، في حين أنّ شعوبًا أكثر صقلًا تمتلك قدرًا كبيرًا من الأسماء التي استُعملت لأفكار مجرّدة. باختصار، يمكن القول إنّ عبقريّة أيّة أُمّة تتجلّى في أبهى صُورها في فِراسة كلامها. يفتخر الفرنسيّون بلغتهم قائلين، إنّها تمتاز بالوضوح، والنظام، والمنطق، والدقّة والشفافيّة، كما عبّر عن ذلك الفيلسوف ڤولتير في القرن الثامن عشر. عارض هذا الرأي اللغويّ الدانمركيّ الشهير، أوتّو يسپرسون مُفضّلًا الإنچليزيّة على الفرنسيّة في خاصّيّات عديدة، مثل المنهجيّة، والاتّزان والمنطق. كان أرسطو في القرن الرابع ق. م. قد لاحظ أنّه بالرغم من اختلاف أصوات الكلام، لدى الأجناس البشريّة، إلّا أنّ المفاهيم ذاتَها أو ”انطباعات الروح“ كما دعاها، هي مشتركة لدى الجنس البشريّ أجمع.
يستطيع مناصرُ لغةٍ ما، أن يأتي بألفاظ لا وجودَ لمقابل (equivalent) دقيق لها في لغات أخرى، فالإنچليزيّ قد يقول، لا بديلَ جامعًا مانعًا لـ mind في الفرنسيّة والألمانيّة مثلا. من جهة ثانية، قد يدّعي المرء مثلًا، بأنّ اللفظة الفرنسيّة esprit، لا مقابلَ لها بالضبط في الإنچليزيّة، كما أشار الفيلسوف برتراند راسل. حتّى القرن الحادي عشر، كان في الإنچليزية ثلاثة أجناس قواعديّة مثل الألمانيّة بالضبط. في بدايات القرن الثامن عشر، كتب جون هِنلي (John Henley) سلسلةً من القواعد في لندن، لأهمّ تسع لغات في العالم بحسب تقديره وهي: اللاتينيّة، اليونانيّة، الإيطاليّة، الإسبانيّة، الفرنسيّة، العبريّة، الكلدانيّة أي الآراميّة، والسُّريانيّة (أهنالك فرق بين الكلدانيّة والسُّريانيّة؟) والعربيّة. كما قال هومبولدت قبل قرنين من الزمان، بأنّ لا دليلَ بالمرّة لوجود لغاتٌ تمنع متكلّميها عن التفكير في شيء ما.
في مالي توجد لغة باسم Supyire وفيها خمسة أجناس، البشر، أشياءُ كبيرة، أشياء صغيرة، أسماء جمع، والسوائل. في لغات البانتو في إفريقيا، مثل السواحيليّة توجد عشرة أجناس، وفي بعض اللغات الأستراليّة نجد خمسة عشرَ جنسًا مثل مذكّر بشريّ، مؤنّث بشريّ، كلاب، حيوانات أخرى غير الكلاب، خَضْراوات، مشروبات، وهنالك جنسان لنوعين من الرُّمح بناءً على الحجم والمادّة المصنوع منها. في لغة تاميل المستخدمة في جنوب الهند وفي شمال سريلانكا وشرقها وفي بلاد أخرى (حوالي 65 ألف شخص) ثلاثة أجناس، مذكّر ومؤنّث ومحايِد. وهنالك لغاتٌ لا جنسَ فيها البتّة مثل التركيّة، والفنلنديّة، والإستونيّة، والهنغاريّة، والإندونيسيّة والفيتناميّة. في جزء كبير آخرَ من اللغات، أجناسٌ صعبة التذويت، مثل معظم اللغات الأوروبيّة: الفرنسيّة، والإيطاليّة والإسبانيّة، والبرتغاليّة، والرومانيّة، والألمانيّة، والهولنديّة، والسويديّة، والنرويجيّة، والدانمركيّة، والروسيّة، والبولنديّة، والتشيكيّة واليونانيّة. تحمل المخلوقاتُ الذكريّة دائمًا تقريبًا جنسًا ذكريًا، إلّا أنّ النساء، من ناحية أخرى، ترد في الكثير من الأحيان، في الجنس المحايد مثلًا في الألمانيّة: das Mädchen, das Fräulein, das Weib - صبيّة/بنْت، آنسة، امرأة.
”الذقن“ في الفرنسيّة مؤنّثة، و”الماء“ في الروسيّة مؤنّث وعند وضع كيس الشاي فيه فهو مذكّر؛ ”الشمس“ في الألمانيّة مؤنّثة (في العبريّة مؤنّثة وتأتي مذكّرة) و”اليوم“ مذكّر و”القمر“ مذكّر و”الليلة“ مؤنّثة. في الفرنسيّة ”اليوم“ مذكّر وكذلك ”الشمس“. ”السكّين“ في الألمانيّة محايدة و”الملعقة“ مذكّرة و”الشوكة“مؤنّثة . في الإسبانيّة ”الشوكة والملعقة“ مذكَّرتان. ”الهواء“ في الألمانيّة مؤنّث أمّا في الإسبانيّة فمذكَّر، وكذلك ”الجسر“ مؤنّث في الألمانيّة ومذكّر في الإسبانيّة. وقلِ الأمر ذاته بالنسبة لما يلي: الساعة، الجريدة، الجيب، الكتف، الطابع، التذكرة، الشمس، العالم والحبّ. من جهة ثانية ”التفّاحة“ في الألمانيّة مذكّرة وفي الإسبانية مؤنّثة وكذلك الكرسيّ، والمكنسة، والفراشة والمفتاح، والجبل، والنجمة، والطاولة، والحرب، والمطر.
يبدو أنّ الجنس اللغويّ (grammatical gender) في اللغات المختلفة كثيرًا ما يكون محض الصدفة: ”حجر“ مثلًا يأتي مذكّرًا في هذه اللغات: العربيّة، الألمانيّة، النرويجيّة، البولنديّة، الألبانيّة، الروسيّة والليطائيّة، في حين أنّه مؤنّث في الفرنسيّة والإيطاليّة، والإيرلنديّة والعبريّة والسُّرْيانيّة.
يبلغ عدد الناطقين بلغة حيمز في نيومكسيكو في أمريكا حوالي ألفين، وفيها اللاحقة sh- للدلالة على الجمع مثلًا séé معناها ”نِسر“ و séésh أي ”نُسور“.
كتب الأديب الأمريكي الساخر ذو الاسم الأدبيّ، مارك توين (Samuel Langhorne Clemens, صمويل لانغهورن كليمِنس، 1835-1910) كتيّبًا في العام 1880 بعنوان ”اللغة الألمانيّة الرهيبة“ (The Awful German Language)، ولاحقًا ألقى محاضرة في ڤيينا بعنوان ”أهوال اللغة الألمانيّة“ (The Horrors of the German Language) وممّا جاء فيهما: في الألمانيّة: السيّدة الشابّة لا جنسَ لها، محايدة ولكن ”للفت“ جنس فهو مؤنّث die Rübe؛ يجب إدراج هذه اللغة في قائمة اللغات الميّتة؛ إتقان هذه اللغة بالنسبة للأجنبيّ أمر مستحيل؛ ثمّة طرائق لغويّة غير آدميّة لتجزيء الأفعال؛ بوُسع الموهوب أن يتعلّم الإنچليزيّة في ثلاثين ساعةً، والفرنسيّة في ثلاثين يومًا، والألمانيّة في ثلاثين عامًا؛ من الأفضل للإنسان ألّا يكون له أصدقاء في ألمانيا لتفادي الصعوبة اللغويّة الصرفيّة للفظة ”صديق“ مفردًا وجمعًا؛ وجود مفردات طويلة للغاية ذات ستّة وثلاثين حرفًا مثل؛ Rechtsschutzversicherungsgesellschaften (حذفت من المعجم الألمانيّ) - شركات تأمين الحماية القانونيّة؛ النحو معقّد؛ أدوات التعريف الثلاث وأدوات التنكير (اُنظر: مارك توين، سيرة ذاتيّة، ترجمة سعيد رضوان حران، هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة مشروع ”كلمة“، 2014، مُتاح على الشابكة).
نشير أنّ الأديب الشهير أوسكار وايلد (1854-1900) كان قد أشار قبل مارك توين بقوله ”الأبديّة خُلقت من أجل تعلّم الألمانيّة“. يقدّر عدد الناطقين بالألمانيّة اليوم بحوالي المائتي مليون شخص وتأتي هذه اللغة في المرتبة الثالثة من حيث عددُ متعلّميها.
#حسيب_شحادة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وزير الدقاع البريطانيّ: عصر أرباح سهم السلام ولّى
-
الحِكمةُ والمستقبل في كفِّ اليدِ اليُمْنى
-
الكاهن الأكبر توفيق خضر واللاعن يُصاب في عينيه
-
مُقْتطفات من أحكام وعادات - اِسأَلِ الرّاب -فاء-
-
مقتطفات من أحكام وعادات - اِسألِ الراب -الحرف - قاف-
-
حول -سبيل اللهفان لمعرفة الإيمان-
-
إطلالة على السامريّين
-
صلاة الملائكة
-
الموسميّة اللاذعة
-
مقتطفات من أحكام وعادات - اِسألِ الراب -الحرف - عين--
-
اِحذروا في تكريم الموتى
-
الشباب الشجعان
-
طْلالة على أبي الحَسَن الصّوريّ وطبّاخِه
-
مقتطفات من أحكام وعادات - اِسألِ الراب -الحرف - ظاء -
-
مقتطفات من أحكام وعادات - اِسألِ الراب -الحرف - طاء -
-
مقتطفات من أحكام وعادات - اِسألِ الراب -الحرف - ضاد-
-
نعّوم فائق (1868-1930) أَبُو ٱلْقَوْمِيّة السُّرْيانِي
...
-
الصوم حسن للصحة
-
نعم، أنوي التبرّع للنضال ضدّ التعدذيب ف إسرائيل
-
مقتطفات من أحكام وعادات - اِسألِ الراب -الحرف- صاد-
المزيد.....
-
العثور على قيء يعود إلى 60 مليون عام على شاطئ في الدنمارك
-
قلق من اشتعال حرب تجارية -قذرة-.. كندا ترد على أمريكا بفرض ر
...
-
وزير الدفاع الأمريكي يعقّب على نتائج الضربة في الشرق الأوسط
...
-
خبير أوروبي يحذر ترامب من -صراع لا مفر منه- في أوكرانيا
-
نجاة أمريكي بأعجوبة من شظية كادت أن تودي بحياته جراء تحطم طا
...
-
شاهد.. الشرطة الأمريكية تستعين بكلب شرس لإخراج رجل ملاحق من
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر بيانا عاجلا إلى سكان جنوب لبنان
-
واشنطن: سنواصل العمل مع إسرائيل لتحرير كافة الرهائن في غزة
-
نتنياهو: قراراتنا خلال الحرب غيرت ملامح الشرق الأوسط بشكل جذ
...
-
ترامب يقرر فرض رسوم جمركية على كندا والصين والمكسيك والبلدان
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|