أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - قدر بين صمتين: صمت الحكمة والحالمين وصمت العاجزين والغافلين















المزيد.....


قدر بين صمتين: صمت الحكمة والحالمين وصمت العاجزين والغافلين


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 7875 - 2024 / 2 / 2 - 02:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قدر بين صمتين: صمت الحكمة والحالمين، وصمت العاجزين والغافلين
لم تكن حكومة إسرائيل بحاجة لعدم اصدار محكمة العدل الدولية في هاغ امرًا يلزمها بوقف حربها على غزة، كي تستمر باعتداءاتها العسكرية الكاسحة التي ما زالت تستهدف البشر والحجر والشجر وكل معالم ومقومات الحياة الآدمية هناك. فالجميع كان على قناعة، وبضمنهم أيضا، كما اعتقد، قضاة المحكمة أنفسهم، بأن لا حكومة اسرائيل ولا قادة جيشها سوف ينصاعون لمثل ذاك الامر، وانهم سيمضون، في جميع الاحوال، في حربهم المدمرة حتى يضمنوا ان قطاع غزة لم يعد مكانًا مناسبًا للعيش المستقر والمستديم، وان اعادة اعماره وتأهيله كوطن للغزيين ومأوى، ستكون مهمة عسيرة جدًا أو كما قيل "أعز من بيض الأنوق".
وكما كان متوقعًا، لم تتأثر حكومة نتنياهو بقرار المحكمة الدولية؛ بل راح هو ووزراء في حكومته، منذ ساعة صدور الحكم، بالتهجم على المحكمة وعلى قضاتها ونعتهم باللاسامية وبكيل العبارات السوقية بالمؤسسة وبقضاتها بعدائية بارزة.
لقد تنبهت اعداد كبيرة من داخل المجتمع النخبوي الاسرائيلي لخطورة الادعاء على إسرائيل في محكمة العدل الدولية واتهامها بارتكاب جريمة ابادة شعب؛ وقد علق معظم هؤلاء وصرّحوا بان المشهد بحد ذاته ،كما تابعته المعمورة من هاغ، يعتبر تطورًا خطيرا في تاريخ دولة اسرائيل ويهدد مستقبلها ومناعتها؛ او على الاقل يهدد ما كانت تحظى به من امتياز تاريخي عزز شرعيتها كدولة يهودية طالبت دومًا، رغم ما كانت تمارسه بحق جميع الفلسطينيين، ان يدعمها العالم ويدافع عنها ويحمي شعبها اليهودي لكونه الضحية العرقية الأبرز في التاريخ الاوروبي المعاصر. لم يخفِ معظم اولئك المحللين والمعقبين خوفهم من ان الشرارة الاولى قد اشتعلت في حضن إسرائيل، الذي لم يعد آمنًا، وان تلك الشرارة لن تطفأ سريعًا ولا آجلا، وذلك ليس بسبب انتقال المنظومة الدولية ومؤسساتها الى معسكر المعادين لاسرائيل فجأة، او لاكتشافهم معان ومعايير جديدة للعدل الانساني والقيم الاخلاقية الاساسية، بل لأن حكومات اسرائيل، السابقة والحالية على وجه الخصوص، وقواعد الاحزاب الانتخابية الداعمة لها، مرت بعملية تغوّل سياسي وتطرف خطير بحيث لم يعد باستطاعة حتى من كانوا يعتبرون اصدقاء لاسرائيل، تحمّلها او تبرير افعالها. فاسرائيل الجديدة، المتنمرة والمندفعة على مراكب النار نحو أبواب السماء، والواثقة بحقها ببناء مملكة الرب على "ارضها المقدسة"، صارت في مواقع كثيرة وداخل تجمعات بشرية واسعة، نقيضا لأسس العدل والسلم المتفق عليهم ومقوّضة لبنى التوازن المنشود والذي، رغم هشاشته، حوفظ عليه وكان قائمًا في محيطها الشرق اوسطي، على حساب الفلسطينيين دومًا.
قد يكون ما عبّرت عنه افتتاحية جريدة هآرتس العبرية في الثلاثين من يناير الماضي مؤشرا على تلك المخاوف المتزايدة، وشاهدا على مواقف بات الكثيرون من اليهود الخائفين على مصير اسرائيلهم يشعرون به. فتحت عنوان "في الطريق للتطهير العرقي" كتبت الجريدة: "لا يصح عدم الاهتمام بقضيّتي التطهير العرقي والاستيطان في غزة واعتبارهما مجرد عرض "لنجوم روك" سياسيين من المستوطنات، الذين يطلبون لفت الانظار اليهم او الظهور في العناوين. المستوطنون فئة منظمة، وهم اقوياء في العمل السياسي. لقد قاموا منذ بداية الحرب بطرد اعداد كبيرة من الفلسطينيين من داخل مناطق (سي c) في الضفة الغربية. وهم يقصدون ما يقولونه وسيستغلون ، كلما لاحت لهم الفرصة، نفوذهم السياسي كي ينفذوا "النكبة الثانية" في غزة. انهم يعتقدون ان تهجير معظم المواطنين الغزيين وفق تعليمات الجيش، وهدم معظم البيوت في القطاع ستعطيهم فرصة تاريخية لا تعوض لتطهير القطاع من سكانه. أما نتنياهو الملتصق بكرسيه فلن يصدّهم". اوردت الصحيفة مضامين المخطط اليميني الاقتلاعي، ثم توجهت الى جميع "الاسرائيليين المؤمنين باحترام حقوق الانسان وبضرورة منع تنفيذ جرائم حرب خطيرة وبضرورة الحياة المشتركة مع الفلسطينيين" وطلبت منهم "ان يتّحدوا ضد هذه المبادرة الكارثية". من الواضح ان حجم معسكر المتوجسين من سياسات حكومة نتنياهو والمعارضين لها، لا سيما لما تخطط له اجنحتها اليمينية المتطرفة ، آخذ بالاتساع وبالنمو، بيد ان القادرين على التأثير من داخله يشعرون، بسبب استمرار الحرب على غزة، بعدم القدرة على التعبير ضد الحكومة ولا العمل الميداني المعارض الحقيقي لسياساتها ، خوفًا من وصمهم بالخيانة او بالوقوف الى جانب حركة حماس ومع اعداء اسرائيل، ويؤثرون الصمت وانتظار اللحظة المواتية في المستقبل.
تستغل حكومة نتنياهو بكل مركباتها مشاعر معارضيها المدفوعة "بمسؤولية الانتماء الصهيوني العالي" فتعمل اولا، على اطالة ايام حربها على غزة وتوسيع مساحات الدمار الشامل فيها، وفي نفس الوقت يضاعف جيشها والمستوطنون، الذين باتوا يعملون في الضفة الغربية كقوة عسكرية مدمجة، اعتداءاتهم الهمجية على المواطنين وعلى القرى والمدن الفلسطينية التي تشهد ايضا حملات اعتقالات واسعه مصحوبة باعمال تنكيل مبرحة غير مسبوقة بوحشيتها بحق الاسرى والمعتقلين. وثانيًا، على الساحة الاسرائيلية الداخلية، يستمر وكلاء هذه الحكومة باتمام مراحل انقلابهم خاصة انجاز السيطرة على جهاز الادارة التكنوقراطي في جميع الوزارات ومعاقل الوظائف السيادية، والامعان في تنفيذ سياسات الحكومة كما نصت عليها خطوطها العريضة ووفق برامج كل وزارة على حدة، واهمها ما يتعلق بشؤون الميزانيات العامة واسواق الانتاج والمرافق الاقتصادية الكبيرة والتحكم بما يجري في الاراضي المحتلة وملاحقة من يعتبرونهم اعداءهم السياسيين؛ واولئك ليسوا من بين المواطنين العرب وحسب، انما مثلهم من بين المواطنين اليهود؛ فعقيدة هذه الحكومة تقول : كل من ليسوا معنا هم اعداؤنا.
تمتلئ الصحافة الاسرائيلية اخبارًا عن تجاوزات الوزراء وعن اعداد المواطنين الذين وقعوا ضحايا للسياسات الحكومية الجديدة. ولن تتسع هذه العجالة لرصد ما يرد يوميا من اخبار، لكنني ساشير الى حدثين نشر عنهما مؤخرا كعينتين تنذران بالسوء الراهن وبالاسوأ الداهم.
الاول يعكس حالة استفحال الملاحقة السياسية للمواطنين العرب ولقياداتهم المنتخبة وغيرها، سواء في الكنيست او في جميع المؤسسات المحلية والمدنية. لقد قررت هيئة الكنيست يوم الاثنين الفائت منع النائب احمد الطيبي من حق الخطاب وابعاده من قاعة الكنيست لمدة اسبوعين ، وذلك على اثر مواقفه ضد احزاب اليمين المتطرف وحرب اسرائيل على غزة. وبالتزامن مع ذلك القرار قررت لجنة الكنيست، في سابقة خطيرة لم تحدث من قبل، تنحية عضو الكنيست عن الجبهة والعربية للتغيير النائب عوفر كسيف، عن عضويته في الكنيست بسبب توقيعه على عريضة أيّد فيها تقديم جنوب افريقيا الدعوى ضد اسرائيل لدى محكمة العدل الدولية. واللافت ان قرار هذه اللجنة جاء بعد ان وقع 87 عضو كنيست صهيوني، من اصل 120 عضو، على طلب تنحيته من عضوية الكنيست.
لا تكتفي مؤسسات الدولة والحكومة بالملاحقات السياسية، اذ انها تلحقها بملاحقات بوليسية وبممارسات يقوم بها بعض عناصر الشرطة تفوق الخيال. لقد قرأنا مؤخرا عن تفاصيل حالة وصفها الصحفي أوري مسجاف في تقرير وضعه تحت عنوان "شرطة اسرائيل تحولت الى حرس الثورة" وفيه يروي عن ثلاثة من عناصر الشرطة اعتدوا على متظاهر شاب يهودي في احدى المظاهرات المعارضة للحكومة. أمسك الثلاثة بالفتى في المظاهرة وبدأوا يضربونه بقبضاتهم بقوة مفرطة وهو لا يقاومهم. حاولوا خنقة بقلادة كان يتقلدها على عنقه وسحبوه من شعره وضربوه على ظهره فوقع فقاموا بجره وهو ملقى على الشارع. اقترب منه احدهم وهمس في اذنه انه سيغتصبه في الليل وسيعتدي على امه جنسيا. اوقفوه وبدأوا يضربونه مجددا. كانت يداه مكبلتين وراء ظهره. وهو ينزف من فمه ويرجوهم ان يعطوه شربة ماء. اعتقلوه واقتادوه الى محطة الشرطة فبات فيها من دون ان يقدم له علاج. تقدم الفتى بشكوى ضد عناصر الشرطة من دون نتيجة، اذ لم تتخذ اجراءات بحقهم بالرغم من توثيق ما فعلوه بالتصوير وبشهادات من حضروا الحادثة.
لقد حرفت اخبار الحرب على غزة وتداعيتها انظار الناس عما يحصل من جرائم حرب في الضفة الغربية وعما يتداعى داخل اسرائيل، واضافت التشويشات، التي تبثها الحكومة وأبواقها عمدا، عن احتمال اندلاع الحرب على الجبهة الشمالية من ارتفاع منسوب القلق بين المواطنين وارتداعهم من اشهار معارضتهم لسياسات الحكومة وتمسك معظم هؤلاء المعارضين اليهود بأمل سقوط الحكومة المرتقب وتعيين موعد قريب لاجراء انتخابات عامة جديدة. وهذه مراهنة عمياء ، فالى ان يصيب النرد ستبقى عقيدة هذه الحكومة هي هي: من ليس معها سيكون اما عبدها او عدوها.
كانت لكل الصامتين عن افعال الحكومة، عربًا ويهودا، ذرائعهم؛ لكنها، بعد انكشاف ما تضمره حكومة نتنياهو حيال مستقبل فلسطين والفلسطينيين وحيال ما ينوون احرازه داخل اسرائيل، كل تلك الذرائع سقطت. فكل يوم يتقدم التاريخ الى الوراء ويصرخ: من سيضمن اجراء انتخابات قريبا ؟ وان جرت فمن سيضمن انها ستكون نزيهة أو انها ستفرز حكومة افضل من الحكومة القائمة.
كم علّمنا الدم أن التاريخ أحيانا لا يتقدّم الى الأمام بل يعود بأهله الى صحارى الندم وحالك الايام.



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل سيبقى الخوف سيدا في أماكننا
- هل يُشرق العدل في هاغ أم يَشرق؟
- حجة المعقولية، حد فاصل بين اسرائيليتين
- ميلاد تحت الركام، ليس بالدين وحده يحيا البشر
- هل واجهت اسرائيل في اليابع من أكتوبر خطرا وجوديا ؟
- من يشفينا من هذا الشلل؟
- صفقة برسم الجغرافيا ، الفلسطينية حينًا والاسلامية حينًًا
- من لا زيتون له فلا قبر له ولا وطن
- كنت أريد أن أبكي ليراني يقول ابن الضحية.. كنت أريد أن أعيش ل ...
- ماذا بعد أن تنتهي الحرب على غزة؟
- ليل غزة نار ودموع وليل الفلسطينيين طويل
- الفلسطينيون في اسرائيل، بين صمت-مثالي- وخوف عاقل
- بين طوفانين، البحر أمامنا وخيال نكبة وراءنا
- من سيحمي الصليب والمسيحيين في الأراضي المقدسة؟
- مقاطعة انتخابات المجالس المحلية، كفرياسيف أولا !
- هل ما زالت اسرائيل واحدة؟
- همسات محام، جليلي في القدس ومقدسي في الجليل
- كي لا تسقط قلعة الاحرار، قلعة الحركة الأسيرة
- لا دين للظلم ولا لضحاياه
- محمود درويش في حضرة الندم


المزيد.....




- فيديو جديد من داخل الطائرة الأذربيجانية يظهر ما حدث لجناحها ...
- -حزب الله- يدين بشدة الهجمات الإسرائيلية على اليمن بمشاركة أ ...
- الكويت: ضبط 1.8 حبة كبتاغون داخل مقاعد وطاولات قهوة
- عدد خطوات المشي المطلوب يوميا لمكافحة الاكتئاب
- -النسر الأصلع- يصبح رسمياً الطائر الوطني للولايات المتحدة بع ...
- الجيش الإسرائيلي يؤكد شنّ غارات على مواقع متفرقة في اليمن
- قفزة في بلاغات الجرائم الإلكترونية بالمغرب.. وخبراء يكشفون ا ...
- دعوات أمريكية لمنع عودة ترامب إلى السلطة والرئيس المنتخب يحذ ...
- بوتين: الأوكرانيون -يعاقبون أوروبا- و-يعضون يدها-
- سحب الجنسية الكويتية من 3700 حالة جديدة


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - قدر بين صمتين: صمت الحكمة والحالمين وصمت العاجزين والغافلين