طلال حسن عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 7873 - 2024 / 1 / 31 - 22:50
المحور:
الادب والفن
قصة للأطفال
الغرير الصغير
طلال حسن
" 1 "
أفاق الغرير الصغير ، وتلفت متشمماً ما حوله ، ثم صاح بنبرة شاكية : ماما .
لم يجبه أحد ، لكنه أحس بأنفاس دافئة ، تتردد على مقربة منه ، وخمن أنها ليست أنفاس أمه ، وإنما أنفاس أخته الصغيرة " غرورة " ، فصاح ثانية : ماما .
واعتدلت أخته " غرورة " ، وردت قائلة : ارقد الآن ، ماما لم تعد بعد .
وبدل أن يرقد الغرير الصغير ، وينتظر أمه ، نهض من مكانه ، ومضى يتلمس طريقه في الظلام ، نحو أحد مداخل الوكر ، وهو يقول : لا أستطيع الانتظار ، إنني جائع .
ونهضت أخته " غرورة " وحاولت اعتراضه قائلة : انتظر يا غرور ، ستأتي ماما بعد قليل ، وترضعنا .
ومد الغرير الصغير يده ، وأزاحها عن طريقه قائلاً : دعيني ، لن أنتظر ، أكاد أموت من الجوع .
ووقفت " غرورة " في مكانها ، وصاحت به محذرة : عد يا غرور ، عد ، ستتعرض للخطر إذا خرجت من الوكر .
وأنصتت ملياً ، منتظرة أخاها ، دون جدوى ، وحين تلاشى وقع أقدامه ، تمتمت قائلة : المجنون ، ستغضب ماما منه وتعاقبه ، هذا إذا لم يته في الغابة .
" 2 "
أوشك الفجر أن يتخلص من أسار الليل ، ويطل من الأفق على الغابة ، حين عادت الغريرة الأم من جولتها الليلية إلى الوكر . وما إن اجتازت المدخل ، المطل على الضفة العالية للنهر ، حتى نادت كما تنادي دائماً ، عند عودتها كل يوم : غرور .. غرورة .. عادت ماما .
وعلى غير العادة ، لم تسمع هذه المرة ، غير صغيرتها " غرورة ، ترد متمتمة : ماما .
وخفق قلب الغريرة الأم قلقاً، فأسرعت إلى صغيرتها "غرورة" ، وقالت : غرورة ، أين أخوك ؟ أين غرور؟
فردت " غرورة " قائلة : استيقظ جائعاً ، ورغم تحذيري، خرج من الوكر .
وشهقت الغريرة الأم ، وقالت ملتاعة : يا ويلي ، لم أره في المدخل المطل على ضفة النهر .
وقالت " غرورة " : لم يخرج من هناك وإنما من المدخل المؤدي إلى الغابة .
وانطلقت الغريرة الأم ، نحو المدخل المؤدي إلى الغابة ، وهي تقول لصغيرتها " غرورة " : ابقي هنا ريثما أعود.
وأسرعت عبر النفق الضيق الطويل ، حتى تلاشى وقع أقدامها. وعادت " غرورة " إلى مكانها ، وانزوت في الظلام حزينة خائفة ، وهي تتمتم :هذا المجنون ، أين مضى ؟
" 3 "
بحثت الغريرة الأم ، عن صغيرها " غرور " ، في الجوار، ثم توغلت في أعماق الغابة ، وهي تصيح بصوت تخنقه الدموع : غرور .. غرور .. غرور .
وبدأ القلق يتسلل إلى أعماقها ، عندما لم يجبها غير الصدى ، وتوقفت حائرة ، لا تدري ماذا تفعل . وتراءى لها زوجها ، يخرج من الوكر ليلاً ، ليبحث لها عن طعام، وهي توشك على الولادة .
ورجته أن لا يتأخر ، مهما كان السبب ، فوعدها أن يعود إلى الوكر ، قبل مجيء الفجر ، لعله يرى صغاره ، الذين انتظرهم طويلاً ، وقد جاءوا إلى الدنيا .
وجاء الفجر ، وقبله جاء الصغيران ، أما هو فلم يجيء . وبحثت عنه ، طوال الأيام التالية ، في طول الغابة وعرضها ، لكنها لم تقع له على أثر .
وأطل الفجر من وراء الأفق ، وبدأ الليل يتقهقر شيئاً فشيئاً أمام طلائع النهار ، فقفلت الغريرة الأم عائدة إلى الوكر . وطوال الطريق ، كانت تتساءل ، والدموع تغرق عينيها : ترى أين غرور ؟ أين هو الآن ؟ وهل سيعود إليها في يوم من الأيام ؟ أم سيختفي إلى الأبد ، كما اختفى أبوه ؟
" 4 "
رأته أمه من نافذة المطبخ ، المطلة على حديقة المنزل ، فتوقفت عن غسل الطبق الذي في يدها ، وتأوهت قائلة : آوه يا إلهي .
ورفع الجد رأسه عن جريدته ، وتساءل مبتسماً : من ؟ حمودي؟
فهزت الأم رأسها ، وردت : ومن غيره يا بابا ؟ تعال انظر بماذا أتاني .
ونهض الجد مسرعاً ، وأطل من النافذة ، وقال وعيناه تلمعان : غرير ، غرير صغير .
ووضعت الأم الطبق جانباً ، وقالت : سيقول أنه وجده في الطريق ، يوشك أن يموت .
ورمقها الجد بنظرة خاطفة ، وقال : فتوسل إليه أن ينقذه، فأنقذه.
واحتجت الأم قائلة : بابا .
وعاد الجد إلى مكانه ، وتناول جريدته ، وهو يقول : هذه وراثة.
ودخل حمودي المطبخ ، بأعوامه الخمسة ، يحتضن الغرير الصغير إلى صدره ، وقبل أن تنطق أمه بكلمة قال : وجدته باكياً في الطريق ، وجئت به إلى البيت ، خشية أن يموت من الجوع .
وهمت الأم أن ترد عليه ، فأسرع بالوقوف إلى جانب جده ، وقال : أنت ِ أيضاً كان عندك غرير ، هذا ما أخبرني به جدي .
وردت الأم بصبر نافد : عندما كنت صغيرة .
فتطلع حمودي إليها ، وقال : وأنا الآن صغير .
والتفتت الأم إلى الجد ، وقالت : أجبه يا بابا .
فقال الجد : أنت أجبته .
ولوحت الأم بإصبعها في وجه حمودي ، وقالت مهددة : سأرميه في الخارج ، وسأرميك أنت معه ، إذا عبث بأغراضي.
وانقض حمودي على أمه فرحاً ، وراح يقبلها ، وهو يقول : أشكرك ، أشكرك يا ماما .
" 5 "
لم ينم حمودي ، رغم أن أمه أغفت ، منذ فترة طويلة ، فالغرير الصغير ، كان يئن ويتلوى ، بين ذراعيه دون أن يغمض له جفن ، ولو لحظة واحدة .
ونهض من الفراش ، وتسلل على أطراف قدميه ، إلى غرفة الجد ، وتمدد إلى جانب جده ، والغرير الصغير يتلوى ويئن . وأطل القمر من النافذة ، فنظر حمودي إلى الغرير الصغير ، وقال : انظر يا جدي ، إنه يتطلع إلى القمر .
ونظر الجد إلى الغرير الصغير ، ثم تطلع إلى القمر ، وقال : لابد أن أمه تتطلع الآن إلى هذا القمر أيضاً .
وتغافل حمودي عما قاله جده ، وتشاغل بتمسيد شعر الغرير الصغير الخشن ، وقال : إنه جائع ، لم يرضع مما في الزجاجة من حليب إلا قليلاً .
ورمقه الجد بنظرة خاطفة ، ثم قال : يبدو أنه يفضل حليب أمه ، مثلك عندما كنت صغيراً .
وضم حمودي الغرير إلى صدره بقوة، وكأنه يخشى أن يأخذه أحد منه ، فتابع الجد قائلاً : قد تقول، حليب الزجاجة حليب ، وحليب أمه حليب أيضاً ، لا ، هذا خطأ، فأمه تحبه ، وتعطيه مع حليبها حبها .
ورد حمودي محتجاً : أنا أيضاً أحبه .
ونظر الجد إليه ، وقال : مهما يكن يا حمودي ، فلن تحبه مثلما تحبه أمه .
وهنا نهض حمودي ، محتضناً الغرير الصغير ، ومضى إلى الخارج ، وهو يدمدم : سأنام اليوم في سريري .
ورفت ابتسامة حنون ، فوق شفتي الجد ، لقد وعد ابنته ، أم حمودي ، أن يعالج الأمر بنفسه ، وها هو يبدأ المعالجة ، لعله يحقق هذه المرة ، ما لم يحققه مع ابنته ، عندما كانت في عمر حمودي .
" 6 "
كاد حمودي أن يصرخ ، حين رأى الغرير الصغير يفلت من بين يديه ، ويحلق عالياً ، متجهاً نحو وكره في الغابة ، وهو يصيح : ماما .. ماما .
وانتفض من مكانه ، محاولاً أن يحلق هو الآخر ، ويلحق بالغرير الصغير ، ويمسك به ، لكنه بدل أن يحلق ، سقط عن السرير ، وارتطم بالأرض متوجعاً ، آه يا له من حلم.
وهب في الحال ، باحثاً عن الغرير الصغير ، دون جدوى . يبدو أن الأمر لم يكن مجرد حلم ، وانطلق إلى المطبخ صائحاً : ماما .. ماما .
ولأن أمه تعرف سبب صيحته ، التفتت إليه بهدوء ، وقالت : كفى ، لا تصح هكذا ، جدك نائم .
وخفض حمودي صوته ، وقال بصوت تخنقه الدموع : الغرير .
وصمتت لحظة ، ثم قالت : ليس مكان الغرير ليلاً إلى جانبك في السرير .
ورد حمودي متردداً : إنه .. إنه يخاف النوم وحده .
ووضعت أمه إناء الحليب على النار ، وقالت : كلا ، الغرير لا يخاف ، إنه ليس مثلك .
واحتج حمودي قائلاً : أنا أيضاً لا أخاف ، وإنما احبك ، وأحب النوم إلى جانبك .
والتفتت أمه إليه ، وقالت : هو أيضاً يحب أمه ، ويحب النوم إلى جانبها .
ولاذ حمودي بالصمت ، مطرقاً رأسه ، فتابعت أمه قائلة : اذهب إليه ، إنه داخل القفص ، في الحديقة .
" 7 "
أسرع حمودي إلى الحديقة ، ووجد الغرير الصغير يئن متوجعاً في القفص ، يا لجده الطيب ، لقد صنع له هذا القفص ، قبل فترة ليضع فيه فرخ الدجاجة ، الذي اشتراه له من السوق ، لكن الفرخ لم يبق عنده طويلاً ، وكيف يبقى ، والقط الأسود اللعين ، كان له بالمرصاد ؟ فاختطفه وفرّ به بعيداً .
ومد حمودي يديه داخل القفص ، وأخذ الغرير الصغير برفق ، وضمه إلى صدره ، وقال محاكياً أمه ، عندما كانت تهدهده : لا يا حبيبي .. لا .. لا .. إنني أحبك .. وسأحبك دوماً .. أكثر من .. أكثر من الجميع .
لكن الغرير الصغير ظل يئن متوجعاً ، فقبله حمودي على وجهه، وقال : أنت جائع ، انتظر سآتيك بالحليب .
وأعاد حمودي الغرير الصغير إلى مكانه ، وأغلق باب القفص ، ثم انطلق مسرعاً إلى المطبخ . وراقبته أمه بطرف عينيها ، وهو يعد زجاجة الحليب ، ثم ينطلق بها نحو الحديقة ، فهزت رأسها دون أن تتفوه بكلمة .
وفتح حمودي باب القفص ، وأخذ الغرير الصغير إلى صدره ، وهو يقول : تعال حبيبي ، جئتك بحليب طازج ودافئ ولذيذ .. خذ .
ودس حلمة الزجاجة في فمه ، لكن الغرير الصغير هزّ رأسه ، مبعداً الحلمة عن فمه ، فقال حمودي : أنت جائع، وقد تمرض إذا لم تشرب الحليب .
وحاول حمودي أن يدس الحلمة ثانية في فم الغرير الصغير ، دون جدوى ، فرفع الزجاجة ، ودسها في فمه، وامتص منها قليلاً من الحليب ، ورغم أن الحليب لم يعجبه ، إلا أنه قال : انظر ، إنه لذيذ ، لذيذ جداً .
وحاول مرة أخرى ، أن يدس الحلمة في فم الغرير الصغير ، وهو يقول : جرب يا عزيزي ، جرب مرة ، وسترى .
وهزّ الغرير الصغير رأسه ، مبعداً الحلمة عن فمه ، وهو ما زال يئن متوجعاً . ووقف حمودي حزيناً حائراً ، ثم تمتم بصوت تخنقه الدموع : ما العمل ؟
" 8 "
دخل حمودي المطبخ , مقبلاً من الحديقة , وزجاجة الحليب في يده , لم ينقص مما فيها شيء . كان الجد جالساً إلى المائدة , يتناول طعام الفطور , فرفع رأسه إليه , ثم رمق الأم بنظرة سريعة , وقال : إنني لا ألوم الغرير على عدم شربه لهذا الحليب .
وجلس حمودي الى المائدة , ووضع زجاجة الحليب جانباً , وقال : لكنك تشرب من هذا الحليب الآن .
وسارعت الأم بوضع يدها فوق فمها كاتمة ضحكتها . ونهض الجد , دون أن يبتسم , واتجه إلى الداخل , وهو يقول : الأمر طبيعي , فانا لست غريراً .
وأطرق حمودي رأسه , وقد لاذ بالصمت , وتململ أخيراً في مكانه , وقال متردداً: ماما .
لم تلتفت أمه إليه , وتشاغلت بغسل المواعين , وقالت : فطورك على المائدة , بيض وحليب وجبن , تناوله .
ونهض حمودي عن المائدة دون أن يلتفت إلى الفطور , وقال بصوت تبلله الدموع : الغرير ..
وتوقفت الأم عن غسل المواعين , وقالت : إنه صغير .
واستطرد حمودي بنفس الصوت : الغرير الذي كان عندك .
والتفتت الأم إليه , وقالت بنبرة حزينة : كنت أحبه , مثلما تحب أنت هذا الغرير الصغير , ورغم أنه لم يكن يشرب الحليب , الذي أقدمه له , إلا أني لم أطلق سراحه حتى ..
وشهق حمودي :ماما .
وهربت أمه بعينيها الدامعتين من عينيه , وقالت : لم يحتمل الجوع , المسكين ,لقد جنيت عليه .
" 9 "
أقبل الجد من غرفته , ووقف عند باب المطبخ , وقال : بنيتي .
ورفعت الأم ثوباً جديداً كانت تخيطه , وأرته فرحة للجد، وقالت:أنظر .
ونظر الجد إلى الثوب , وقال مبتسماً : هذا ثوب بنت .
وضحكت الأم , فتساءل الجد : أين البنت ؟
وارتفعت ضحكة الأم , وقالت : لعله في الحديقة واتجه الجد نحو الباب المؤدي إلى الحديقة , وتوقف , ثم التفت إلى الأم , وقال: سمعت الباب الخارجي يطرق قبل قليل، وأشارت الأم إلى رسالة فوق المنضدة , وقالت : ساعي البريد .
وابتسم الجد قائلاً : خيراً .
والتمعت الفرحة في عيني الأم قائلة :سيأتي أبو حمودي بعد أيام .
وبدا الجد فرحاً , وأسرع نحو الحديقة , وهو يقول :هذا خبر سيفرح له حمودي .
وانحنت الأم , تكمل الثوب , وقالت : سيفرح جداً جداً, وهناك ما يبرر هذا الفرح .
وسرعان ما عاد الجد , ووقف عند الباب , وقال : لم أجد حمودي في الحديقة .
ورفعت الأم رأسها عن الثوب ,فتابع الجد قائلاً : وكذلك الغرير الصغير .
وبدا القلق على الأم , فتقدم الجد إلى المائدة , وقال : لا عليك , لابد أنه يلهو مع غريره في الجوار .
ومد يده , وتناول الرسالة , وقال :سأقرؤها في غرفتي .
ومضى نحو الداخل , وهو يقول :إذا عاد حمودي , في أي وقت ,أخبريني .
"10 "
سمعت الأم الباب الخارجي يفتح ,فألقت الثوب جانباً, وهبت من مكانها , تنظر عبر النافذة ، ورأته يصفق الباب , ويسير في الممر حزيناً تائهاً . ولأول مرة، منذ يومين ,لم يكن الغرير الصغير معه .
وأسرعت الأم عائدة إلى مكانها , وتناولت الثوب , وتشاغلت بالخياطة . ودفع الباب , ودخل حمودي , وجلس قبالة أمه ،وخاطبته أمه قائلة , دون أن ترفع رأسها إليه: جدك يبحث عنك.
وتجاهل حمودي ما قالته له أمه , وقال : لم تسأليني عن الغرير الصغير .
ورفعت أمه رأسها , ونظرت إليه صامتة, فتابع قائلاً :لست أريد أن يصيبه ما أصاب غريرك , فأخذته إلى أمه .
وهبت الأم , تريد أن تأخذه بين أحضانها , وتقبله , حين أقبل الجد ملوحاً بالرسالة وهو يقول : حمودي , رسالة من بابا .
ونظر حمودي إلى أمه متلهفاً , فابتسمت الأم , وقالت : نعم , جاءت قبل قليل , وفيها بشرى لك .
وتواثب حمودي يصيح فرحاً : الدراجة !
وهزت الأم رأسها , وقالت : بالضبط , الدراجة .
وصاح الجد : بثلاث عجلات .
ثم راح يدور حول المنضدة , وكأنه طفل يركب دراجة , ويصيح : وفيها جرس يرن .. رن .. رن .. رن .
وجلس حمودي إلى المائدة ثانية , متطلعاً إلى أمه . ورغم فرحه بالدراجة , تراءى له الغرير الصغير , فتساءل في نفسه : ترى ماذا يفعل الآن ؟
" 11 "
في تلك اللحظة , كان الغرير الصغير , في حضن أمه يرضع , وهو يتململ ويهمهم , وأمه تضحك فرحاً , وتمسد بيدها على شعره .
وحاولت أخته "غرورة " انتزاعه عن ثدي الأم , وهي تصيح مغالبة ضحكها : كفى يا غرور , أترك لي شيئاُ من الحليب , إنني جائعة .
لكن الغرير الصغير ازداد التصاقاً بثدي أمه , وراح يدمدم , دون أن يتوقف لحظة عن عبّ الحليب : دعيني أشبع أولا .
وحضنته أمه مقهقهةً , وقالت : ارضع .. ارضع .. ارضع .
وقالت أخته " غرورة " متظاهرة بالزعل : لن أرضع والحالة هذه إلا بعد أكثر من أسبوع .
وأبعد الغرير الصغير فمه قليلا عن ثدي أمه , وقال , وهو يحاول التقاط أنفاسه : لا .. سترضعين .. إن شاء الله .. غداً .. أو بعد غد .
وانقض بفمه ثانية على ثدي أمه , فاحتضنته ممسدة بيدها على رأسه , وقالت : ذلك الطفل ..
وهمهم الغرير الصغير : حمودي ؟
وفغرت أخته " غرورة " فاها متمتمة : حمودي !
فهز الغرير الصغير رأسه , وقال : نعم , حمودي .
وتابعت الأم قائلة : كانت عيناه , وهو يدفعك برفق نحوي , غارقتين بالدموع .
ورفع الغرير الصغير عينيه إلى أمه , وقال : آه لو تعلمين يا ماما كم يحبني .
وعلقت أخته " غرورة " قائلة : نعم , يحبك لدرجة أنه سجنك في قفص .
لم يرد الغرير الصغير عليها , وراح يرضع مهمهماً : لن أنسى حمودي , لن أنساه , وسأزوره في بيته عندما أكبر , وألهو معه طول اليوم .
ومد يديه , واحتضن أثداء أمه , وهو يهمهم : آه .. كم أنا جائع ..أتركاني أرضع .. أرضع .. أرضع .
23 /10/2004
#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟