|
التأثير الرأسمالي على الهجرة النبوية
طلعت خيري
الحوار المتمدن-العدد: 7873 - 2024 / 1 / 31 - 01:08
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
واجهت الدعوة القرآنية في مكة ثلاثة خصوم ، أولا - الوثنيون العرب ، ثانيا - المكيون من بني إسرائيل ، ثالثا - الدين السياسي لأهل الكتاب ، ولقد تصدى التنزيل لما طرح من أفكار مضادة على الساحة الفكري، والتي تهدف الى تحجيم التأثير العقائدي القرآني على القاعدة الجماهيرية المكية ، كما ساند التنزيل المؤمنين بالآيات ، التي تحث على مواجهة التحديات بالصبر ، والإعراض عن الجاهلين ، والابتعاد عن الجدال المثير للنزعة العقائدية ، استمر جدال الخصوم لسنوات أنتج عنه تصدع في القاعدة الجماهيرية المكية ، وبات مصالح الأسياد من الرأسماليين والكهنة والزعماء على حافة الانهيار، وبعد فشل الخصوم في السيطرة على الأمور بشكل عام ، أخذت الدعوة منحى جديد حيث خرجت عن الإطار الفكري الى العمل الميداني ، مستعينين بالقوة والنفوذ السلطوي والقبلي في تشكيل حلفا سمي بحلف مكة ، ففي سنة سبعة للبعثة فرض المتحالفون على المؤمنين مقاطعة اقتصادية واجتماعية علقوا بنودها على جدار الكعبة ، وتشمل عدم بيع المواد الغذائية وقطع الصلة المجتمعية وطرد محمد وأتباعه خارج مكة ، ولكن تدخل بني هاشم وبني عبد المطلب شكل ثقلا قبليا توازنيا تصدى للحلف رافضا بنود المقاطعة ، وفي سنة عشرة للبعثة خرج الأمر عن السيطرة تماما ، فلم يبقى أمام المتحالفون إلا القضاء على الدعوة بالكامل ، فبدؤوا باضطهاد وقمع الضعفاء من المؤمنين الذين ليس لهم ثقلا قبليا ولا نفوذا سلطويا ، فأمر الله بالهجرة غير محددة الجغرافية ، هذا التحول الجديد وضع المؤمنين أمام تحديات جديدة ، منها اقتصادية كفقدان مصادر الرزق وعقائدية ربما يواجهون مضايقات جديدة في مجتمعات أخرى يختلفون معهم عقائديا ، فاخذ التنزيل بمعالجة المعوقات بالتوصيات ، أهمها الثبات على عبادة الله ، يا عبادي الذين امنوا ان ارضي واسعة فإياي فاعبدون ، وهنا إشارة الى ان عبادة الله غير محصور بجغرافيه محددة ، كما ان الرجعة الاخروية الى الله غير محصورة في مقابر مكة ، كل نفس ذائقة الموت والينا ترجعون، مع الاستمرار على الأعمال الصالحة المرافقة للإيمان ، والذين امنوا وعملوا الصالحات ، لنبؤئنهم من الجنة غرفا ، تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم اجر العاملين ، والذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ{56} كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ{57} وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ{58} الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ{59}
اخذ التنزيل بمعالجة مخاوف المؤمنين من عواقب الهجرة ، كفقدان الأمن المعيشي ومصادر الرزق في مكة ، مغبة الحصول على مصادر بديلة في المهجر، طمئن الله المؤمنين في مثل واقعي على الدواب ، قائلا ، وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم ، فلا تعتقد أيها المؤمن ان الرزق بيد الكهنة والرأسماليين والزعماء ، ربما مرتبط بنشاطهم الاقتصادي والتجاري الواسع ، ولكن هم مجرد سبب من أسباب الرزق ، ولكي يثبت الله للمؤمنين بان الرزق بيده ، أسئل يا محمد ، الرأسماليين والزعماء والكهنة ، ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى تؤفكون ، تؤفكون ، هنا للاوعي المجتمعي ألذي جعل الناس يعتقدون بان الرزق بيد القائمين على إدارة الأوثان الملائكة بنات الله ، من الرأسماليين والزعماء ، صحح الله الاعتقاد ، قائلا ، الله يبسط الرزق لمن يشاء من عبادة ويقدر له ان الله بكل شيء عليم
وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{60} وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ{61} اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{62}
ان الهيمنة الرأسمالية والسلطوية ، واحتكار مصادر الزرق بالشراكة الرأسمالية والواسعة والسيطرة على السوق ، أوهم المؤمنون على ان الرزق بيد الرأسماليين والكهنة والأسياد ، مما جعل ذلك عائق كبير أمام المهاجرين بالحصول أجور مماثلة في مكان أخر ، كما ان تدني دخل الفرد بسبب الاستغلال الرأسمالي للطبقات الفقيرة والكادحة جعل المؤمنون غير قادرين على تحمل أعباء الهجرة ، ولكي يقنع الله المؤمنين بان الرزق بيده ، قال ، ولئن سألتهم أي الاحتكاريين والرأسماليين والزعماء ، من انزل من السماء ماء فاحيا به الأرض من بعد موتها ، ليقولن الله ، قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون ، لا يعقلون هنا اللاوعي العقلي ، حول نزول الماء من السماء بتسخير من الله ، وليس بتسخير من الملائكة بنات الله
وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ{63}
الرأسمالي منهك عقليا وفكريا ، بالتفكير والبحث عن شراكة مالية واقتصادية واسعة مع أصحاب الحرف والنشاطات المختلفة ، ومستعدا لمنافسة صباغ أحذية في الشارع ، أو بائع ملابس مستعملة على الرصيف ، تفكير مستمر في تقليل المصروفات لزيادات الإيرادات والأرباح لا يعرف غير المال فقط ، من الآيات التوعوية التي دعت الإنسان الى تقيل حدة التكالب على المال الدنيوي قال الله ، وما هذه الحياة الدنيا إلا لهوا ولعب ، لا فائدة منها سوى ما يبقيه على قيد الحياة الى نهاية الأجل ، وان الدار الآخرة لهي الحيوان ، الحيوان بالمفهوم العام ، الحيوان الأليف والمفترس ، فلم يطلق القران اسم حيوان على الدواب أو على الأنعام ، فالحيوان هنا مفهوم جديد يدل على الحياة الأبدية ، التي توفر كل شيء بدون عناء ، فلا تكالب فيها على المال والعمل ، لو كانوا يعلمون -
وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ{64}
المنهك دنيويا بالمال والملذات ، يتعامل مع مجريات الأحداث الدنيوية بازدواجية عقلية ، ففي حالة الأمن والاستقرار المجتمعي يمارس حياته بشكل طبيعي مع شركائه وشركاء الله ، كالملائكة بنات الله ، ولكن في حالة مصادفته للعوارض المهلكة ، نسي ما كان يدعو إليه من قبل ، متوجها الى الله مخلصا له الدين ، وهذا الإقرار الدنيوي سوف يقر به يوم القيامة ، ولكن بعد فوات الأوان ، فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما أنجاهم الى البر إذا هم يشركون ، ازدواجية المعاير العقلية واضحة في التعامل مع الله ، يؤمن به على الماء ، ويكفر به على اليابسة ، ليكفروا بما أتيناهم ، القران ، وليتمتعوا فسوف يعلمون
فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ{65} لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ{66}
لما كان الخوف والاطمئنان عاملان مؤثران على الاعتقاد، كما هو في المثل أعلاه ، فالأجدر بأهل مكة ، ان يؤمنوا بالله لأنهم أكثر أمنا واستقرارا ، بفضل الإستراتيجية الأمنية التي توفرها الجغرافية المكانية للحرم المكي ، سواء كان ذلك بتوصيات من الله ، أو باتفاق سياسي بين القبائل والأديان، لماذا هذه الازدواجية في المعاير العقلية ، تؤمنون بالباطل الملائكة بنات الله ، وتكفرون بنعمة الأمن والاستقرار المكي ، الم يروا أنا جعلنا حرما أمنا ويتخطف الناس من حولهم ، يتعرضون للاغتيال ، أفبالباطل الملائكة بنات الله يؤمنون ، وبنعمة الله الأمن والاستقرار يكفرون ، ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا ، مدعيا الملائكة بنات الله ، وكذب بالحق لما جاءه ، الحق لا شريك مع الله ، أليس في جهنم مثوى للكافرين ، والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ{67} وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ{68} وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ{69
#طلعت_خيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرب في غزة وتأثيراتها على العالم
-
العنصرية الفكرية التميزية بين الميثلوجيا والدين السياسي
-
محرقة غزة - ومحرقة -الهولوكوست-
-
القوى العظمى وبيت العنكبوت
-
عالم ما بعد سايكس بيكو إذ يتخلق انطلاقا من الشرق الأوسط
-
إبراهيم بين الكسمولوجيا وانطولوجيا قومه
-
انثروبولوجيا النفاق الديني
-
صِدام الحضارات لهانتنغتون دراسة جيوبوليتيكية
-
قارون بين الدين السياسي وتراكم رأس المال
-
الصهيوانجيليه بين الصليبية ومظلومية اليهود
-
الإغواء الديني
-
إنشاء وطن قومي للامبريالية في فلسطين
-
نهاية حُبك القبر
-
الله والميتافيزيقا وفرعون
-
فرعون وهامان
-
الوفاء
-
سليمان ومملكة سبأ
-
الرأسمالية تاريخ مخزي للشعوب
-
الإبراهيميون في القرن السادس الميلادي
-
البراغماتية بين موسى وفرعون
المزيد.....
-
جنوب لبنان.. الأهالي يلوّحون بالتصعيد
-
هل تذهب تركيا إلى الحرب مع إسرائيل من أجل سوريا؟
-
كوريا الشمالية تنتقد روبيو: -لا تسامح- مع أي استفزاز أميركي
...
-
توقيع اتفاقية تعاون عسكري بين مصر والكويت
-
مشاهد من تحرير الجيش الروسي نوفوفاسيليفكا في جمهورية دونيتسك
...
-
حريق مفاجئ في مطار رفيق الحريري من دون تسجيل إصابات
-
الشرع يناقش مع ولي العهد السعودي تعزيز العلاقات ومستقبل سوري
...
-
بوندسليغا.. ليفركوزن يفوز بعشرة لاعبين ويواصل مطاردة بايرن ا
...
-
روبوت سداسي الأرجل صيني يؤدي مهمات في القطب الجنوبي
-
بوتين: نخب أوروبا ستخضع لأوامر ترمب
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|