|
عن تصفية «الأونروا» ومؤامرة التهجير
سنية الحسيني
الحوار المتمدن-العدد: 7872 - 2024 / 1 / 30 - 11:55
المحور:
القضية الفلسطينية
أعلنت الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية الموالية على رأسها بريطانيا وكندا وإيطاليا وأستراليا وفنلندا تعليق تمويلها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، إثر مزاعم إسرائيلية بمشاركة 12 موظفاً من موظفيها في عملية طوفان الأقصى، في السابع من أكتوبر الماضي. وأثنى يائير لابيد، زعيم المعارضة الإسرائيلية على قرار هذه الدول بقطع تمويلها عن «الأونروا»، مشدداً على ضرورة إنشاء منظمة بديلة، ومكرراً الاتهامات التي طالما استخدمتها حكومة الاحتلال لشيطنة المنظمة الدولية، باتهامها بالتعاون مع حركة حماس وترسيخ الكراهية عند الأطفال الفلسطينيين. وجاء قرار «الأونروا» السريع بإنهاء عقود 9 من موظفيها، قبل انتهاء التحقيقات، لتطويق الاتهامات الموجهة اليها، الأمر الذي يشير لمحاولاتها تجاوز تلك الأزمة لشعورها بمدى خطورتها على مستقبل وجودها واستمرارها، في ظل هذه الحملة الخطيرة الموجهة ضدها. ورغم أن العلاقة بين الاحتلال ووكالة الغوث لم تكن ودية طوال السنوات الماضية، وواجهت العديد من التحديات في الماضي، إلا أن حيثيات الصدام وتوقيته هذه المرة يحمل أبعاداً جديدة، ترتبط بمهمة ودور «الأونروا» الضروري في غزة خلال هذه الحرب المدمرة، كما يتعلق أيضاً بأهداف ومخططات الاحتلال من الحرب التي تسببت حتى الآن في تهجير معظم سكان القطاع عن منازلهم، ودعوات الاحتلال لتهجيرهم إلى خارج القطاع أيضاً.
ورغم أن إنشاء وكالة غوث وتشكيل اللاجئين جاء في بداية عهدها بمبادرة غربية، بعد نكبة الفلسطينيين عام 1948، إلا أن بقاءها بات بعد ذلك ضرورة لحماية مستقبل هذه القضية. وتشكلت الوكالة وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 الصادر في الثامن من شهر كانون الأول لعام 1949، لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، خصوصاً في مجالات التعليم والصحة. وبدأت «الأونروا» عملها بالفعل في العام التالي لخدمة وإغاثة 750 ألف فلسطيني لاجئ في ذلك الوقت. جاء القرار الغربي بإنشاء «الأونروا» في ظل منظومة من القرارات الأممية التي تمخضت عن قرار التقسيم 181 لعام 1947، والاعتراف بإسرائيل في العام 1948، وإنشاء الوكالة في العام التالي، وذلك لصبغ قضية اللاجئين الفلسطينيين أممياً بصبغة إنسانية، بعيداً عن بعدها السياسي الحقيقي، وهو الأمر الذي تحقق بالفعل طوال عقد الخمسينيات من القرن الماضي. وتؤكد جميع قرارات الأمم المتحدة المتعلقة باللاجئين التي صدرت خلال ذلك العقد على ذلك البعد الإنساني لقضية اللاجئين الفلسطينيين.
بعد إنشاء منظمة التحرير وفرض القضية الفلسطينية في المحافل الدولية كقضية احتلال، ومنظمة التحرير كحركة تحرر وطني، بدأ الدور الذي تلعبه وكالة الغوث الأممية يتخذ بعداً مختلفاً، تمثل في صمود اللاجئين خارج وطنهم، وحماية حقوقهم. وتقدم «الأونروا» اليوم خدماتها لستة ملايين لاجئ فلسطيني حسب بياناتها، زاد عددهم على مدار أربعة أجيال متتالية، ينتشرون في فلسطين والأردن ولبنان وسورية، يتوزعون في 58 مخيماً، منها 19 في الضفة و8 في غزة و10 في الأردن و12 في لبنان و9 في سورية. ويتمثل دور وكالة الغوث في الحد من معاناة اللاجئين للفلسطينيين داخل تلك المخيمات، وذلك للمحافظة على وجودهم داخلها، لإبقاء القضية الفلسطينية حاضرة، في بعدها السياسي طالما لم يتم حلها بعد، وفي بعدها القانوني أيضاً الذي يتعلق بحمايتهم كأشخاص محميين بموجب القانون، سواء كان ذلك في الحق بعودتهم إلى وطنهم وبالتعويض عن الأضرار والخسائر التي لحقت بهم.
إن ذلك يفسر السبب في موقف إسرائيل المعادي لهذه الوكالة الدولية، التي تتهمها بتخليد قضية اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما يتعارض مع أهداف الاحتلال. ورغم أن وجود «الأونروا» يخفف من الأعباء التي تقع على الاحتلال في الأراضي المحتلة، وأحياناً ساهم وجودها في تقليص الضغوط عليها عند احتدام التوترات في الأراضي المحتلة، إلا أن سلطات الاحتلال سعت خلال السنوات الأخيرة لتصفية دور «الأونروا» والتخلص منها بشكل صريح. في العام 2014 دعت إسرائيل عشرات الدبلوماسيين الاجانب للكنيست، بهدف إقناعهم بخطورة الدور الذي تقوم به وكالة الغوث، في ظل اتهامها بالتحريض ضدها، بالتشجيع على العنف في المدارس التابعة لها، وبوصفها بـ «حاضنة الإرهاب». ودعا نتنياهو في العام 2018 إلى وضع اللاجئين الفلسطينيين تحت سلطة مفوضية شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة وإنهاء وجود «الأونروا». وخلال عهد الرئيس دونالد ترامب، تبنت الإدارة الأميركية توجهات إسرائيل بتصفية دور «الأونروا»، فشككت بأعداد اللاجئين الفلسطينيين، وأنكرت هذه الصفة عن أبنائهم وأحفادهم. وعلقت الولايات المتحدة دعمها للوكالة، كما أوقف عدد من الدول من بينها هولندا وسويسرا تمويلها للوكالة في العام 2019، تحت وطأة حملة التشويه الإسرائيلية – الأميركية ضدها، الأمر الذي استدعى إعلان المفوض العام لـ «الأونروا» في العام التالي عن عدم قدرة الوكالة تسديد رواتب موظفيها. وفي العام 2022 ظهرت تسريبات حول إمكانية دمج عمل الوكالة، لتقويض استقلاليتها، وكمقدمة لتصفيتها، وذلك إما من خلال تبعيتها للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أو بإلحاقها بالوزارات المعنية في الدول المضيفة، أو عبر إنشاء وكالة جديدة مستقلة تخضع لوكالات دولية مثل البنك الدولي.
خلال الهجوم الإسرائيلي الدموي المدمر الحالي على غزة، والذي يقوم في الأساس على استهداف المدنيين، وتهجيرهم، يبقى دور «الأونروا» معطلاً لتحقيق تلك الأهداف. لم تخف إسرائيل موقفها من «الأونروا»، فصرح يسرائيل كاتس، وزير الخارجية الإسرائيلي، أن حكومة الاحتلال ستعمل على منع الوكالة من العمل بعد الحرب، خصوصاً في ظل وجود قرار الجمعية العامة رقم 74 / 83 لعام 2019، بتمديد تفويض «الاونروا» حتى العام 2023. وجاء ادعاء الاحتلال الأخير بمشاركة 12 موظفاً من موظفيها في عملية طوفان الأقصى، من بين أكثر من 30 ألف موظف آخرين يعملون لخدمة الفلسطينيين، والذي استُشهد من بينهم 142 موظفاً في هذه الحرب الجارية حالياً في غزة، في خضم كل تلك التطورات، ليعكس النوايا المبيّتة للاحتلال. وجاء الادعاء الأخير بعد ساعات فقط من رفض محكمة العدل الدولية مطالب إسرائيل بإسقاط دعوى جنوب إفريقيا، ومطالبتها باتخاذ تدابير فورية لوقف استهداف المدنيين، في إحراج كبير لدولة الاحتلال، واتهام بإيذائها للمدنيين. وكانت الوكالة قد قدمت تقريراً حول هجوم إسرائيل الحالي على غزة اعتبر أن «القصف المستمر تسبب في نزوح عدد كبير من السكان، الذين أُجبروا على مغادرة بيوتهم، إلى أماكن ليست آمنة، الأمر الذي تسبّب بتضرر أكثر من مليوني فلسطيني، ناهيك عن الأضرار النفسية والبدنيّة، كما أن أطفال غزة يشعرون بالرعب». واستخدمت المحكمة ذلك التقرير للوكالة، في القضية التي تنظرها ضد إسرائيل، بشأن ارتكابها جرائم إبادة جماعية في غزة.
لا تعد سياسة التشكيك الإسرائيلية بمصداقية الوكالة بالجديدة، فقد شككت فيها أكثر من مرة من قبل، كما أنها اتهمت وكالة الصحة العالمية بدعم «الارهاب»، في إشارة لحركة حماس، ومحكمة العدل الدولية بمعاداة السامية، كما شككت بمصداقية المحكمة الجنائية الدولية، بعد قرارها بوجود تخصص للمحكمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. إلا أن خسارة «الأونروا» للتمويل قد يؤثر على جوهر عملها، خصوصاً في ظل هذه الظروف الخطيرة في غزة، فـ 90 في المائة من ميزانيتها يأتي بشكل أساس من التبرعات الطوعية للدول، وأهم تلك الدول المتبرعة الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، والذين أخذوا موقفاً فورياً بعد ادعاءات الاحتلال الأخيرة بوقف التمويل عن الوكالة. يحتاج الغزيون اليوم لوجود «الأونروا» في غزة، في ظل الظروف المعقدة التي يعيشونها، رغم صعوبة عملها وممارسة مهامها، وهي الجهة الأهم التي يمكن أن تعمل كوسيط بين خارج غزة وداخلها، لإدخال المساعدات وتنظيم توصيلها والحد من الاضطرابات المصاحبة. ويبدو أن نية إسرائيل استغلال الظروف القائمة للتخلص من دور الوكالة في غزة، يرتبط بنيتها في المضي قدماً بتحقيق مخططاتها بالتهجير، وإبعاد الوكالة الدولية من الطريق، في ظل اشتداد وطيس الحرب.
#سنية_الحسيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مستقبل الهجوم الإسرائيلي على غزة … عناصر محددة (1 من 3)
-
إرهاب إسرائيل المسكوت عنه
-
غزة تتحدى إسرائيل من داخل محكمة العدل الدولية
-
فلسطين وحرب الأيديولوجيات وغزة وحرب الإرادات
-
غزة مفتاح التطورات الإقليمية في المنطقة
-
الفلسطينيون والعدالة الضائعة
-
ملاحظات على هامش الحرب على غزة
-
مستقبل غزة إلى أين؟
-
والحرب الاعلامية لا تقل ضراوة
-
سيناريوهات نهاية الهجوم على غزة: السيناريو المتجاهل
-
رسالة من تحت أنقاض غزة وسيناريوهات محتملة
-
7 أكتوبر وانكشاف الأقنعة
-
ماذا يجري في غزة!
-
السابع من أكتوبر والولايات المتحدة وإسرائيل
-
التراجع الغربي عن تمويل الحرب.. هل يعكس قرب نهايتها؟
-
التطبيع السعودي الاسرائيلي شواهد وحقائق
-
سياسة خارجية أميركية متخبطة
-
على شفير الهاوية
-
مستقبل الانقسام الفلسطيني في عالم متغيّر
-
ماذا يحدث في أفريقيا؟
المزيد.....
-
هاني شاكر لأول مرة في أوبرا دبي ولقاء مع سعد لمجرد
-
الجامعة العربية تحذر إيران من -تأجيج الفتن ونشر الفوضى- في س
...
-
شاهد حجم الدمار الذي خلفته غارات إسرائيلية على اليمن
-
بوتين يشكل مجلس الخبراء العلمي التابع لمجلس الأمن الروسي برئ
...
-
-موقف المترقب-: متى تقبل مصر بإدارة سوريا الجديدة؟
-
روسيا تعلن تحييد خلية لتنظيم -داعش- كانت تخطط للهجوم على مرك
...
-
مصادر لـ-أكسيوس-: فرص التوصل لاتفاق بين إسرائيل وحماس قبل ت
...
-
إسرائيل تنتقد السفير الألماني بعد منشور عن -وفاة رضع في غزة-
...
-
هيئة الطيران الروسية تتحدث عن ملابسات تحطم الطائرة الأذربيجا
...
-
-بوليتيكو-: بولندا والمفوضية الأوروبية تعتزمان تسريع فرض عقو
...
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|