|
هواجس في الثقافة مقتطفات 33
آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 7866 - 2024 / 1 / 24 - 04:47
المحور:
الادب والفن
عصافير الضوء قلت: كنت أنتظر عصافير الضوء في رحيق الفجر يا أمي لأجر البحر إلى شرفتي، ليأتي ويجالسني، ويشرب قهوته بصحبة الشفق. قالت: ـ تعال، البرد كائن أخرس، ليس صديقًا كما تظنين. إنه مراوغ يلسع ويهرب مثل أي لص يضع على صدره ملاءة بيضاء حتى يتفيأ صمت الغائبين. ـ صوته على الباب يا أمي. هل تسمعين؟ ـ لا. ـ إنه هالة. نور أو بنفسجة فوق ظل زهرة. غيمة معلقة في رحاب السماء. نبض جاء من الحياة، والحياة عمر يقظ يرقص بيننا بين الفينة والأخرى. ـ هل هو ملاك، غمام، رياح فوق أوراق على شظايا الورد؟ ـ جاء فوق الفجر يا أمي ومسك الفجر في يده ورحلا معًا. انظر إلى أوراقه، رسالته في يدي، أداعبها. ـ ربما اضغاط أحلام يا أبنتي. العشاق يرفرفون فوق أجنحة الخيال، يطيرون دون زوادة. تماسكِ، فالضوء رحلة الكائن إلى الخلود. ـ العشق يا أمي هو رحلة الكائن إلى الخلود.
عن العفة ما معنى العفة، ولماذا نرضخ لها، بل نعشقها، ونتعامل مع هذا المفهوم الغامض كأنه شيء نبيل أو خارج ناموس الأرض. كلمة تثلج لها قلوبنا وعقولنا، وبمجرد أن تقع هذه الكلمة على اسماعنا ننطرب لها ونشعر بالخدر والراحة النفسية، ونطلق العنان لاعتقادنا أنها ترمز إلى نظافة الجسد وخلوه من ممارسة الجنس وقذارته؟ عندما نسمع كلمة العفة يذهب خيالنا إلى الأمكان الرطبة البعيدة عن تناول الأيدي العابثة عن خارج صاحبه. لماذا يحب الإنسان العفة، وما المقصود بالعفة قبل أن يولد النبذ والمنع، وما مصدر هذه الكلمة الباهتة المايعة؟ من زرع في نفوسنا القيم الكاذبة، كالخير والعفة والشرف، ولمصلحة من؟ هل نحن عفيفين في أعماقنا، في تفكيرنا، هل تتلوث أجسادنا به عندما نمارس الجنس، لمن هو الجنس إذا أبقيناه خارجنا؟ هل العفة فكر مجرد أم حسي، الكذب أين يندرج، في أي سوق، ولماذا ننسى كلمة العفة عندما نكذب، أو نسوق أنفسنا؟ مشكلة هذه الحضارة الكاذبة، أنها تسوق المزيف وتتسور بالعفة، تخبأ الصدق بل تطمسه، وتدعي عكسه. كل الفضائل، جاءت إلى الإنسان من خارجه، لهذا يعيش وجهين، ظاهر كاذب وباطن صادق، عفيف ونجس، الأول يرتبط بالمؤمنين، بينما هذا الأخير مرتبط بالكفار والأخلاق، الخارج، العفة تثمن أفكارنا المزيفة وتثني علينا، للمسكنة والضعف والخواء، وتترك النجس، القوة للأقوياء المزيفين. يا لنا من أنفسنا، كم نحن بؤساء، فقراء في الصدق، وأغنياء في الكذب، نموت في اليوم الواحد آلاف الموتات من أجل بقاء الكذب واستمراره، ثم الادعاء بالعفة. الإنسان ليس غاية، أنه أداة للوصول إلى الملكية، الغاية الاساس هي الملكية وليس الإنسان، هذا الآخير عوم نفسه، أخضعها وحولها إلى مجرد شيء للمرور إلى نسله. تاريخ الإنسان، تاريخ الكذاب والمزور والالتفاف على الحاضر من أجل ان ينجب ابناء محتملين من نسله في المستقبل. كم أن الإنسان معقد ومريض وخربان وعقله ملوث بالخراء. اعتبر العفة غاية دنيئة لأنها انطلقت من غايات قبيحة، ترسيخ مصالح النخبة وتقييد المهشين. جاءت لتكريس الفصل بين ملكيتك وملكيتي، هذا الفصل كرس الانقسام الاجتماعي والإنساني. لم ينتج التاريخ أي شيء دون غايات، وعمليا غايات قبيحة.
عن الأطفال الكثير من الأطفال في البلدان العربية يفترشون الشوارع في ظل البرد والجوع والتشرد والضياع، لا مدارس ولا علم ولا أمل ولا مستقبل ولا أهل ولا دفئ. في سوريا يعيش هؤلاء الصغار المآسي التي لا تتحملها الجبال، والحرمان من أبسط الحقوق في هذه الحياة، وفي ظل قسوتها، خاصة في أدلب. لم نسمع من الإسلام السياسي تعرية هذه الظاهرة، سواء بشكل إنساني أو سياسي، بل لا يذكرونهم إلا بما يحقق لهم مكاسب مادية ومعنوية وشهرة واستعراض مجاني قبيح. يذهبون ليبكوا على طفل مسلم يعيش في السويد، هذا الطفل يعيش حياة مرفهة وأمنة قياسًا لغالبية أطفال العالم الإسلامي. ليعلم الجميع أن تكلفة طفل واحد فيما إذا أخذ من ذويه يكلف الدولة السويدية ثلاثة آلاف دولار في الشهر. في تركيا يوميًا يقتل إنسان سوري بسبب العنصرية، لكننا لم نسمع إدانة واحدة من الإسلام السياسي أو من أية جهة أخرى. الحقيقة يجب أن تقال لك وعليك.
الأمريكي البربري بأفول شمس أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ماتت الارستقراطية التقليدية بنخبها ومفكريها، ومات معها موسيقاها وفنها ومسرحها ومدنها وتراثها وهيبتها ورقيها. وصعد على ظهر المسرح السياسي العالمي النجم الأمريكي بمسدسه وتعاليه وفوقيته وهمجيته وموسيقاه ومغنيه وثقافته ورعيانه وخصيانه. إن الإنحدار العالمي بدأ بعد تلقين البشرية درسًا في الرعب المنظم من القادم الجديد عبر إلقاء قنبلتين ذريتين على مدن آمنة وسكان مسالمين. وإعلان عن بد عصر الهمجية والدونية وموت الإنسان. إننا نموت ببطء.
المظلومية مرض سياسي هل هناك سقف محدد للمظلومية اليهودية، يقفون عندها؟ وهل يعتقدون أنهم الشعب الوحيد في التاريخ الذي تعرض للظلم والاضطهاد؟ حددوا لنا متى ستتوقفون عن تسويق أنفسكم المريضة، كمرضى وتحتاجون إلى من يطبطب على ظهوركم، ويخفف عنكم هذا الظلم الكاذب والمنافق. لتعلموا جيدًا ان تصرفكم جعل الناس تنفر من سلوككم وتصرفاتهم المنافية للأخلاق. في الحرب العالمية الثانية قتل أكثر من سبعين مليون إنسان ظلما وعدوانا، بما فيهم الغجر، وبقية القوميات في العالم، أنتم أيها اليهود تعتبرون أنفسكم الوحيدون الذي تضرر، ولاترون غيركم، ربما لأن يهوه، إلهكم ميزكم عن غيركم، وجعلكم شعبه المختار، على رأسه ريشة ملونة.
الصدق مفهوم كاذب يبدو أننا مصنوعين من مادة مرنة جدًا، نتأرجح بين الشك واليقين، الكذب والصدق، الزيف والحقيقة. فكيف، ولماذا كان الأهل يضربونا في الصغر،من أجل أن نبقى مصلوبين في داخل صندوق الصدق. إذا كل شيء يآل إلى الوهم المختلط بالحقيقة والزيف، فلماذا لا نكسر هذا الصندوق، هذا الصليب أو الصنم.. أعرف أنهم وضعوا خطوط حمراء للكتاب والمفكرين والفنانين والروائيين، أسلاك شائكة، وأنهم فوق القانون والدساتير في أوروبا وأومريكا، وأنه لا يجوز الاقتراب منهم. محاكمة نورنبرك كانت محاكمة للدول الأوروبية، ولدولة الولايات المتحدة على يد اليهود وتم تجريم كل من يقترب منهم. أنهم جبناء، ضربتهم استباقية لحماية أنفسهم المعقدة المريضة. المظلومية اليهودية تحولت إلى حامل فكري وسياسي للنخبة المالية والبنوك، بل تحولت إلى قانون وعمل، وعام عليها هؤلاء من أجل تسويق أنفسهم وزيادة سلطتهم وسيطرتهم على الأخرين. بالطبع لا اقصد اليهود كبشر عاديين مثلنا. بالتأكيد هناك ناس فقراء ومعذبين مثل باقي الناس. مفهوم المظلومية تقوده النخبة للاستحواذ على الثروة والمكانة والسلطة، لهذا علينا تكسير أو تفكيك هذا المفهوم، تعريته، بل إلى محاكمته وتجريمه.
أطفالنا في السويد هناك حملة سياسية منظمة ضد الدولة السويدية يقوم فيها نشطاء في الداخل والخارج، متهمين فيها هذا البلد بخطف الأطفال الصغار من والديهم. هذه الحملة جاءت عبر نشر فيديوهات منظمة ومركزة، وفيها الكثير من استجرار العواطف على الصعيد العربي والإسلامي والعالمي. يخفي هؤلاء الناشطون دوافعهم الحقيقية لهذه الحملة وأسبابها، يتركون الكرة في الملعب السويدي لا يذكر هؤلاء السبب الحقيقي وراء سحب الأطفال، أو الهدف من ذلك. يعرف هؤلاء أن الدولة تتصرف وفق القانون، عبر إجراءات هائلة معقدة جدًا قبل سحب الأطفال تمتد لسنوات، وهناك محاكمة، تكلف الدولة الكثير من الجهد والمال والتعب. ولا يمكن أن يتم سحب الأطفال عشوائيًا على الأطلاق. إن هذه الحملة تخاطب العقل العربي والإسلامي، العاطفي والانفعالي الذي يتقبل كل شيء دون تمحيص أو قراءة أو محاولة محاكمة الأسباب والدوافع. الدولة السويدية لديها ملف كل عائلة أو شخص، تحتفظ به مثلما تحتفظ بأي ملف أخر بدقة شديدة، ولا يسمح لأي موظف أن يتكلم عن أي قضية خاصة أمام الرأي دون أذن مسبق، ولا يسمح برمي الكلام على عواهنه. سأقول للجميع أننا لا نعرف كيف نربي أولادنا على أشغال العقل والحوار والاحترام. أغلبنا يضرب الصغار، نذلهم، نبصق في وجوههم، نعلمهم على الخضوع والركوع والكذب والتزلف، واحتقار الذات، وأغلبنا لديه مشاكله مع نفسه والمحيط. صاحب الفيديو أسمه ذياب وشريكه المنافق جورج الحلاق، يبكي ويصرخ بشكل استعراضي رخيص، وعبر تصوير احترافي، وفي يده سيكارة، ويشير إلى مبنى الشؤون الاجتماعية، وأن أولاده فيها، ولا يسمحون له برؤيتهم. سأقول، أن هذا المبنى ليس للأطفال، أنه مقر للموظفين. الدولة تضع الطفل في مكان أمن، إلى حين وجود عائلة تقبل به، تربيه وفق مراقبة شديدة. وإن أخذ الطفل يتم عبر إجراءات هائلة وطويلة الأمد، والوصول إلى قرار أن الوالدين غير مهيئين لرعايته.
هل شعرت بالفراغات في حياتك، وأن عالمك ليس ثقافة وفكر وعمل جاد، وأنما هناك الكثير من التفاهات، تستمتع بها، تراودك في لياليك الطويلة. أفكار لا علاقة لها بالحالة الذهنية والفكرية الذي أنت فيها، ولا علاقة لها بتماسكك الداخلي أو كبريائك. إنك تنزل إلى مستويات سطحية، تستنزف طاقاتك وجهدك وبحثك عن عالم أكثر سوءا عن عالملك الذي تعيشه. لماذا البعض يستمتع بأن يكون منحطًا، ينزل الدرج من الأعلى إلى الأسفل، إلى الحضيض مع الفئران والجرادين، وفي سواقي المجارير؟ من هو الأصلي، الكبرياء والإدعاء أو هذا الدرك الأسفل، ومن هو المزيف؟
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هواجس في الثقافة مقتطفات ــ 32 ــ
-
هواجس في الثقافة مقتطفات 31
-
هواجس في الثقافة مقتطفات ــ 30 ــ
-
هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 29 ـ
-
هواجس في الثقافة مقتطفات 28
-
هواحس في الثقافة مقتطفات ــ 27 ــ
-
هواجس في الثقافة مقتطفات 26
-
هواجس ثقافية مقتطفات ــ 25 ــ
-
هواجس في الثقافة مقتطفات 24
-
هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 23 ـ
-
هواجس في الثقافة مقتطفات 22
-
هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 21 ـ
-
هواجس في الثقافة مقتطفات 20
-
هواجس في الثقافة مقتطفات 19
-
هواجس في الثقافة مقتطفات 18
-
هواجس في الثقافة مقتطفات 17
-
هواجس في الثقافة مقتطفات 16
-
هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 15 ـ
-
هواجس في الثقافة مقتطفات 14
-
هواجس في الثقافة مقتطفات 13
المزيد.....
-
قبل إيطاليا بقرون.. الفوكاتشا تقليد خبز قديم يعود لبلاد الهل
...
-
ميركل: بوتين يجيد اللغة الألمانية أكثر مما أجيد أنا الروسية
...
-
حفل توقيع جماعي لكتاب بصريين
-
عبجي : ألبوم -كارنيه دي فوياج- رحلة موسيقية مستوحاة من أسفار
...
-
قصص البطولة والمقاومة: شعراء ومحاربون من برقة في مواجهة الاح
...
-
الخبز في كشمير.. إرث طهوي يُعيد صياغة هوية منطقة متنازع عليه
...
-
تعرف على مصطلحات السينما المختلفة في -مراجعات ريتا-
-
مكتبة متنقلة تجوب شوارع الموصل العراقية للتشجيع على القراءة
...
-
دونيتسك تحتضن مسابقة -جمال دونباس-2024- (صور)
-
وفاة الروائية البريطانية باربرا تايلور برادفورد عن 91 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|