|
قصص قصيرة جداً عبارة الموت طلال حسن
طلال حسن عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 7865 - 2024 / 1 / 23 - 20:12
المحور:
الادب والفن
قصص قصيرة جداً
عبارة الموت
طلال حسن
أزهار البيبون ــــــــــــــــــــــــــــ وقف الناس حولي ، وأنا مسجى داخل الحفرة ، والدموع تترقرق في عيونهم ، ورأيتها تقف بينهم ، طفلة في عمر ابنتي ،نجت من عبارة الموت في يدها باقة من زهر البيبون ، وتقدمت بحزن ، ووضعتها فوقي .
إمرأة عجوز ـــــــــــــــــــــــــ لم أنجُ من الغرق ، حينما انقلبت بنا العبارة ، وألقتنا بين أمواج النهر ، وعثروا عليّ جثة طافية فوق الماء ، عند قرية بعيدة ، وقد تشبثت بي طفلة صغيرة ، وكم فرحتُ ، حينما علمتُ أن الطفلة لم تغرق .
الجثة ـــــــــــــــ فرحتُ حين انتشلوا جثتي من أعماق النهر ، بعد ثلاثة أيام قضيتها في ظلمات الأعماق ، لكنهم سرعان ما حفروا حفرة ضيقة ، ووضعوني فيها ، وأهالوا عليّ التراب دون رحمة ، ثم انصرفوا إلى بيوتهم ، وتركوني في البرد والوحدة والظلام .
الفراش الدافىء ـــــــــــــــــــــــــــــ شعرنا بالوحشة ، أنا وأختي التوأم ، في هذه الحفرة الباردة المظلمة ، التي وضعونا فيها ، بعد أن انتشلونا من النهر ، الذي انقلبت فيه العبارة . واشتقنا إلى أحضان أمنا وأبينا ، فاندسسنا في أحلامهما ، وتمددنا إلى جانبهما ، في فراشهما الدافىء .
العبارة ـــــــــــــــــ حين أخرجوا العبارة ، التي انقلبت بأكثر من مائتي شخص ، في نهر دجلة ، يوم نوروز ، انشطرت شطرين ، ونظرت إلى الناس ، المتجمعين على شاطىء النهر ، وقالت لهم ، والماء كما الدموع يقطر منها : أرجوكم ، لا تتهموني ، أو تتهموا النهر وأمواجه العالية ، بما جرى ، فأنا لم أدفع كلّ هؤلاء الرجال والنساء والأطفال إلى سطحي ، بل رجوتهم أن لا يصعدوا فوقي بهذا العدد ، فأنا عجوز متهالكة ، لكن أحداً لم ينصتْ إليّ ، وحدث ما حدث ، فغرق الكثير منهم ، وغرقتُ أنا أيضاً معهم ، وغصتُ إلى الأعماق .
جوعان.. ــــــــــــــــــ في صغري ، كانت أمي تحذرني من نهر دجلة ، وخاصة عندما تهيج مياهه في الربيع ، وكانت تقول : إنه يهدر ، ويقول : جوعان .. جوعان . يا دجلة الخير ، يا رفيق الطفولة ، ما كان لكَ ، ومهما كنتَ جائعاً ، أن تغيب في أعماقكَ ، أكثر من " 120 " موصلياً في عيد الربيع الدامي .
النهر ــــــــــــــ صعدتُ إلى العبارة ، ويدي الصغيرة في يد ماما القوية الدافئة ، وحين وقفتُ وسط الناس الضاجين المتزاحمين ، نظرت إلى النهر وأمواجه تتدافع ، وهو يهدر بصوت مخيف : هووووو . وتشبثتُ بماما ، وقلت : ماما ، هذا النهر يخيفني . فربتت ماما على رأسي بيدها القوية الدافئة ، وقالت : لا تخافي ، يا بنيتي ، النهر يحبكِ . وربما لأن النهر يحبني ، رغم أنني لا أحبه ، فإنه أخذني من بين يدي ماما القويتين الدافئتين ، وغاص بي إلى أعماقه الباردة المظلمة . الكتاب اللعنة ـــــــــــــــــــــــــ رآني بعض أهل القرية ، التي كنت أعمل في مدرستها معلماً ، في أوائل الستينيات ، من القرن الماضي ، أقرأ كتاباً ضخماً ، كان على غلافه الأول صورة لساحة الكرملين ، مع صورة للمؤلف ، وعلى غلافه الأخير الأحمر القاني مطرقة ومنجل . وقدم بعض هذا البعض ، شكوى إلى مديرية التربية ، على أساس ما شاهدوه ، بأن هذا المعلم " شيوعي " ، وهم لا يعرفون بالتأكيد ، أن ذلك الكتاب الموسوم " الدكتور زيفاكو " قد عوقب مؤلفه بوريس باسترناك ، في بلده بتهمة " معاداة الشيوعية " .
المنقذ ـــــــــــــــ جلس عل مقربة من أمه المقعدة ، فنظرت إليه منكسرة ، وقالت : بنيّ ، اليوم ربيع ، أخرج واذهب إلى الغابات . وأطرق رأسه ، وقال : كنتُ أتمنى أن آخذ ابني خيري ، وابنتي سعاد وأمهما ، إلى الجزيرة . وبصوتها الشائخ الدامع ، ردت أمه قائلة : إنهم من الشهداء ، فلينتقم الله ممن تسبب في إثارة الحرب المدمرة في الموصل ، التي أخذتهم مع الآلاف . وذهب إلى الغابات ، ورأى العبارة تتهاوى بمن فيها من النساء والرجال والأطفال ، وتنقلب على من فيها ، فهبّ من مكانه ، وارتمى بين الأمواج العاتية ، لينقذ زوجته وابنه خيري وابنته سعاد .
رسائل على الماسنجر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أرسل لها ، على مدى أشهر ، رسائل على الماسنجر ، هادئة وعاطفية ومؤدبة ، رغم ذلك لم تردّ عليهاً ، وليلة البارحة " 20 / 3 / 2019 " أرسل لها رسالة أخيرة ، قال لها فيها ، سأكون غداً " 21 / 3 / 219 " ، يوم نوروز ، في الجزيرة السياحية . لم تردّ عليه كالعادة ، ولم تذهب إلى الجزيرة السياحية طبعاً ، وكاد قلبها البكر ، الذي أحبه ، أن ينفجر ، حين رأت على الفيسبوك صورته ، من بين الغرقى في حادثة غرق عبارة الموت .
العودة إلى البيت ـــــــــــــــــــــــــــــــ جلسوا في كازينو يطل على الشاطىء ، ورأى ابنه وسام العبارة ، فصاح : بابا لنعبر إلى الجزيرة وقالت ابنته متوسلة : هيا ، يا بابا . ونظر إلى زوجته الشابة ، فقالت : لنذهب كلنا . وقبل أن ينظر إلى أمه ، قالت له : اذهب أنت وزوجتك وولديك ، أبوك متعب ، سنبقى ننتظركم هنا . وذهب هو وزوجته وولده وابنته ، واستقلوا العبارة المتهالكة ، مع أكثر من مائتي شخص ، وقريباً من منتصف النها ، وأما أنظار الأبوين العجوزين ، مالت العبارة ، ثم انقلبت بمن فيها في النهر الهائج . وجاء المساء ، وخيم الظلام ، ونظرت المرأة إلى زوجها المنهار ، وقالت : حجي .. لم ينظر إليها ، وقال كأنما يحدث نفسه : ماذا ! نعود إلي البي ؟ أي بيت ؟ أولادنا في النهر .
الأعماق المميتة ـــــــــــــــــــــــــــــــ رآها تسير مع خطيبها ، وقد وضعت يدها في يده ، دمعت عيناه ، فقد تمنى أن تكون يدها الحبيبة في يده هو ، وليس في يد أحد غيره . وتابعهما بعينيه الغارقتين بالدموع ، وهما يركبان العبارة ، مع أعداد كبيرة من النساء والرجال والأطفال ، ولم يغيبا عن نظره ، حتى وهما يتدافعان داخل العبارة المثقلة بالناس . وسارت العبارة ، ببطء ومشقة ، وأمام عينيه الغارقتين بالدموع ، رأى العبارة المتهالكة تتوقف ، وتميل شيئاً فشيئاً ، ثم تنقلب بمن فيها في المياه الهائجة . وعلى الفور ، ألقى نفسه في الماء ، وعيناه تبحثان وسط الأمواج عنهما ، لم يرها ، وإنما رأى خطيبها يغوص نح الأعماق ، وبدون تردد ، أسرع إليه ، وسحبه من الأعماق المميتة ، إلى سطح الماء .
عبارة الموت ــــــــــــــــــــــــــ مالت العبارة العجوز ، الغاصة بالأطفال والأمهات والآباء ، وسرعان ما توقفت مرتجة ، وانقلبت في مياه دجلة الهائجة . واحتضن أب ، زوجته وبناته الصغيرات الثلاث ، وارتطم وإياهم بالأمواج العارمة ، وغاصوا إلى الأعماق العكرة المظلم للنهر . وعاد بعد قليل إلى سطح الماء ، وشهق بعمق طلباً للهواء ، وحين صحا قليلاً ، وجد يديه خاليتين من زوجته وبناته الصغيرات الثلاث . بحث عنهن كالمجنون ، بين أمواج النهر الغاضبة ، فلم يقع لهم على أثر ، وارتطمت به طفلة ، حدق فيها ، لم تكن واحدة من بناته ، لكنه أخذها بين ذراعيه ، واتجه بها إلى الشاطىء .
خريف في الربيع ـــــــــــــــــــــــــــــــ جلس وحده إلى منضدة ، تطل على النهر ، وأمامه كوب شاي دافىء ، الجو دافىء ، والشاي دافىء ، وجسمه ساخن تشويه الحمى . قالت له أمه : لا تخرج ، أنت محموم . فابتسم لها ، وقال : سيشفيني الربيع والغابات ودجلة . وراح يراقب الربيع حوله ، أطفال ، وشابات كالورود ، ونساء وشباب ، يندفعون إلى العبارة ، ويتدافعون ليحجز كلّ منهم مكانه فيها ، وكاد ينهض ، ويصيح بهم : لمَ العجلة ؟ انتظروا قليلاً ، العبارة ستعود بعد قليل ، وستقلكم جميعاً إلى الجزيرة . وسارت العبارة المتهالكة ببطء ، وفوقها أكثر من مائتي شخص ، وفجأة توقفت ، وتأرجحت فوق الأمواج المتلاطمة ، ثم انقلبت بمن فيها من أطفال ، وشابات كالورود ، ونساء ، ورجال . وهبّ من مكانه ، ناسياً شايه الداىء ، وجسمه الذي تشويه الحمى ، وارتمى بين الأمواج المتلاطمة ، وأنقذ طفلين ، وطفلة ، و .. ورأى امرأة في عمر أمه ، تغوص إلى الأعماق ، وعلى الفور ، لحق بأمه ، ومرت الدقائق ، ولم يخرج من الأعماق ، لا هو ، ولا المرأة التي في عمر أمه .
بين الموصل وباريس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فزّ من النوم ، خائفاً منقبض القلب ، حلم آخر ، حلم قاتم وإن كان لا يذكر خيوطه بوضوح ، ولساعات حاول أن يُهدىء نفسه ، لا فائدة ، ورفع سماع التلفوت ، وجاءه تغريدها العذب من أرض البيبون : ألو ، بابا . وقال وصوته يخونه : حبيبتي ، أرجو أنكِ بخير . وضحكت ضحكتها الحلوة ، وقالت : إنني أدرس . فرد عليها ، وقلبه يهدأ قليلاً : اسلمي لي ، يا بيبونتي ، اذهبي وادرسي . بعد ساعة اتصلت به ، وقالت : بابا ، اليوم نوروز ، سأذهبي مع ماما إلى الغابات . وخفق قلبه ، وتراءت له الغابات ، ربما رآها ليلة البارحة في منامه ، وجاءه صوتها : بابا ، ماذا تقول ، أذهب مع ماما أم .. ؟ وسكتت ابنته ، الطالبة في الكلية ، فقال لها بصوت مرتعش : اذهبي حبيبتي ، وحين تعودين إلى البيت ، اتصلي بي مساء ، وطمأنيني . وجاء المساء ، ولم تتصل به ابنته ، وكيف تتصل ، وهي وأمها في أعماق نهر دجلة ، بعد أن انقلبت عبارة الموت بأكثر من مائتين من الأطفال والرجال والنساء ، وكانت هي وأمها من بينهم ؟
انتظار ـــــــــــــــ منذ يومين ، وهي تجلس على هذا الكرسي ، بجسمها الشائخ المتعب ، وعباءتها السوداء ، سواد عمرها الذي عاشته في الموصل . جاءت معهم ، وجلست تنتظر عودتهم ، حين ذهبوا بالعبارة إلى الجزيرة السياحية ، لم يصلوا إلى تلك الجزيرة ، ولم يعودوا ، إنهم في النهر ، فقد انقلبت العبارة ، وغاصت بمن فيها إلى الأعماق . جاء إليها أحدهم ، وقال لها بصوت حزين : حجية ، ليتك تعودين إلى البيت . وردت قائلة ، دون أن ترفع عينيها : إنني انتظر أولادي ، ابني وزوجته وأطفاله ، جئنا إلى الغابات معاً ، وسنعود معاً . وعند المساء ، انحنى عليها أحدهم ، وقال لها بصوت حزين : حجية .. قاطعته بصوت واهن حزين : لن أععود قبل أن يعود أولادي من النهر . فقال لها بصوت يغرقه الحزن : حجية ، لقد عاد أولادك إلى البيت .. محمولين .
مظاهرة ــــــــــــــــ واحد بعد الآخر ، رجالاً ونساء وأطفالاً ، خرجوا من النهر ، والماء يقطر منهم ، في صباح اليوم التالي ، لانقلاب العبارة بهم في نهر دجلة ، قبالة الجزيرة السياحية ، التي كانوا يريدون الذهاب إليها . وأمام أنظار آلاف الناس ، ممن جاءوا للاحتفال بالربيع في الغابات ، ساروا صامتين ، عبر شوارع الغابات ، ثم عبروا الجسر الحديدي القديم ، إلى الساحل الأيمن ، حيث تتكوم البيوت القتلى على أهلها ، الذين أحرقتهم الحرب في أوارها . وواحداً بعد الآخر ، رجالاً ونساء وأطفالاً ، راح القتلى المغدورين يخرجون من تحت ركام البيوت ، وينظمون إلى المظاهرة ، ويسيرون صامتين عبر شوارع الموصل التي لم تعد .. الموصل . ومازالت تلك المظاهرة ، وستبقى ، تطوف خرائب الموصل الغرقى ، ربما حتى تنهض الموصل من ركامها ، وتلحق بركب الحياة .
العبارة ـــــــــــــــــــــــ استقرت العبارة خجلى ، في قاع النهر ، وتمنت أن يتراكم عليها الطمى ، حتى يواريها تماماً ، فماذا ستقول للناس ، الذين أخذت فلذاتهم ، كباراً وأطفالاً ، إلى الأعماق ، بدل أن تأخذهم إلى الجزيرة السياحية ؟ وامتدت إليها ، بعد أيام ، ذراع حديدية ضخمة ، فحدقت فيها متوجسة ، وقالت لها : تعالي ، سأنتشلك من الأعماق ، وآخذك إلى الشاطىء . فصاحت العبارة : كلا ، كلا ، دعيني متوارية في القاع ، لا أريد أن أخرج إلى الناس . قالت لها الذراع الحديدية : مهمتي أن أخرجك ، وسأخرجك رضيتِ أم أبيتِ . وأطبقت عليها ، فحاولت العبارة أن تتملص منها ، وهي تقول : دعيني وشأني ، دعيني . وحاولت جهدها ، أن تتملص من القبضة الحديدية ، لكن دون جدوى ، وقبل أن تخرج من الأعماق ، انشطرت إلى شطرين ، وتمنت لو لم ترها أشجار الغابات وأزهارها وطيورها والناس ، وكم تمنت لو بقيت في الأعماق ، بعد انقلابها بأكثر من مائتين من الرجال والنساء والأطفال ، والغوص بهم إلى أعماق التهر الباردة المظلمة .
الجزيرة ــــــــــــــــــ أمام أعين أشجاري وأزهاري وأطياري ، كانت العبّارة المتهالكة تمخر ببطء متعبة ، تنوء بعشرات الرجال والنساء والأطفال ، لتقلهم إلى ربوعي الربيعية المزدهرة في هذا .. النوروز . رفقاً بهم ، يا عبارة ، إن قلبي يخفق قلقاً ، لماذا دفعوا بكل هؤلاء الناس إلى ظهرك الشائخ المتداعي ؟ ألا يخافون أن تخذلك قواك ، في لحظة ضعف ، وأمواج دجلة مجنونة هذه الأيام ، و .. يا ويلي ، العبارة تتوقف ، وتترنح .. وتميل ، تماسكي .. تماسكي .. فأنت تحملين كل القوارير وباقات الورد هذه .. وأنت أيتها الأمواج ترفقي ب .. بالأطفال . وأمام أعين أشجاري وأزهاري وأطياري ، انقلبت العبارة ، وغاصت بمن فيها إلى الأعماق ، أغلقي عيونك ، يا أشجاري ، ونكسي رؤوسك يا أزهاري ، واصمتي يا أطياري ، فقوارير من الموصل ، وباقات من أزهارها ، الذين أرادوا أن يزوروني ، لن يصلوا إليّ أبداً ، فقد أخذهم النهر معه ، ومن يأخذه النهر ، لا يعود أبداً .
السيارة العاطلة ـــــــــــــــــــــــــــــــ حتى قبل الواحدة ، ودون أن يأكل الأطفال أي شيء ، أرادوا أن يبدلوا ملابسهم ، استعداداً للذهاب إلى الجزيرة السياحية ، وكان خالد وسعيد يحرضان أختهما الصغيرة المدللة ، فتأتي إلى أمها وجدتها ، وبلثغتها المحببة تصيح : ماما ، سيفوت الوقت ، فلنبدل ثيابنا . وتضحك الجدة ، وتقول مازحة : أبدلي ثيابهم ، قبل أن يأخذ نوروز الجزيرة ، ويهرب بها إلى الصحراء . فتقول لها أمها ضاحكة : مهلاً حبيبتي ، سيأتي بابا بعد قليل ، إنه يصلح السيارة ، وسيأخذنا بها إلى الغابات . ومرت ساعات وساعات ولم يأتِ بابا ، ولم يظهر أثر للسيارة العاطلة ، ماذا يفعل ؟ السيارة عاطلة ، ومصلحها يبذل قصارى جهده لإصلاحها ، وسيصلحها حتماً ، فليصبر . ومرت الساعات ، إن الأولاد ينتظرون ، فالوقت يمر ، وسيتأخر في الذهاب إلى الغابات ، هذا إذا تم تصليح السيارة في الوقت المناسب . قبيل المساء توقفت السيارة بباب الدار ، وقد استعادت بعض شبابها ، ودخل الدار ، ورأى زوجته دامعة العينين ، وأطفاله الثلاثة يقفون وراءها ، ماذا جرى ؟ فقال بنبرة اعتذار : أعرف أنني تأخرت قليلاً .. وقاطعته زوجته بصوت مبلل بالدموع : خمداً لله إنك تأخرت هكذا . ونظر إليها مندهشا ، فقالت والدموع تسيل على خديها : العبارة ، التي كان يمكن أن نستقلها إلى الجزيرة السياحية ، انقلبت بمن فيها في النهر .
المقعد الحزين ـــــــــــــــــــــــ امتلأت المدرسة بأنفاس التلاميذ ، بعد يوم كامل من الصمت ، قضّاه التلاميذ ، مع الفرح بالربيع ، مع .. عيد نوروز . دق الجرس ، وعلى غير العادة ، دخل التلاميذ الصفوف صامتين ، كلا ، نحن لا نشعر بالحياة إلا بدخول التلاميذ فرحين ، وجلوسهم فوقنا ، نحن المقاعد الخشبية . ماذا جرى ؟ لعل التلاميذ يمثلون ، كما يفعلون أحياناً ، وأنا في الحقيقة ، لا أريدهم يركضون ، أو يتدافعون عند دخوله الصف ، فهذا قد يؤذيهم . نعم ، لابد أنهم تمزحون بحزنكم هذا ، وصمتكم ، لكن هذا مزاح ثقيل ، لا أحبه ، فضحكاتكم الفرحة تسرني ، آه منكم ، يا أزهاري وبلابلي المغردة . وجلس التلاميذ صامتين ، في جميع المقاعد ، إلا فيّ ، فسناء التي تشغلني لم تأتِ بعد ، ونظرت المراقبة إلى الخارج ، وهمست قائلة : انتبهوا ، جاءت المعلمة . ستجيء المعلمة ، وهي فتاة شابة طيبة مبتسمة دائماً ، وتنتهي تمثيلة الحزن والصمت ، لكن مهلاً ستجيء المعلمة ، وسناء وجسمها الريشي كالفراشة ، وضحكتها التي تشبه تغريد البلابل ، لم تجيء بعد ، من يدري ، ربما نسيت نفسها في الحديقة ، وهي تحاور الأزهار والبلابل . وجاءت المعلمة ، لكن على غير عادتها ، لم تكن مبتسمة ، وإنما حزينة ، حزينة جداً ، وقالت بصوت حزين : صباح الخير . ردّ التلاميذ على حزنها بحزن أشد : صباح النور . وقالت المعلمة بصوتها الحزين : صديقتكم سناء غائبة ، وستبقى غائبة ، فقد أخذها النهر في كارثة العبارة يوم أمس ، فلنقف دقيقة حدادا على روحها الطاهرة . ووقف التلاميذ دقيقة ، صامتين حزانى ، أما أنا ، مقعد سناء ، الذي تعطر بشذاها ، فسأبقى حزيناً إلى الأبد .
#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثلاث روايات قصيرة للأطفال طلال حسن
-
محطاتي على طريق أدب الأطفال
...
-
أسد من السيرك
-
قصة للأطفال الترمجان قصة
...
-
رواية للفتيان اورانج اوتان
...
-
قصة للأطفال آدزانومي قصة طلال حسن
-
رواية للفتيان تار والسندباد
...
-
نصان للفتيان الفقمة
...
-
مسرحية للأطفال الفقمة الصغيرة طلال حسن
-
رواية للفتيان دلمون الأعماق
...
-
مسرحية ريم للاطفال
-
رواية للفتيان الغابة طلال حسن
-
رواية للفتيان دموع رينيت طلال حس
...
-
قصة للأطفال آتٍ مع الشمس
-
رواية للفتيان ايتانا الصعود إلى سماء آنو
...
-
رواية للفتيان بدر البدور
...
-
قصة للأطفال اليمامة البيضاء والجرافة قصة
...
-
دموع رينيت كتاب جديد للفتيان
-
رواية للفتيان الرحلة الثامنة
...
-
رواية للفتيان المعجزة
...
المزيد.....
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
-
3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV
...
-
-مين يصدق-.. أشرف عبدالباقي أمام عدسة ابنته زينة السينمائية
...
-
NOOR PLAY .. المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقه 171 مترجمة HD
...
-
بجودة HD مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بالعربي علي قص
...
-
بجودة HD مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بالعربي علي قص
...
-
حالا استقبل تردد قناة روتانا سينما Rotana Cinema الجديد 2024
...
-
ممثل أميركي يرفض كوب -ستاربكس- على المسرح ويدعو إلى المقاطعة
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|