أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - عبدالرزاق دحنون - سوري يأكل رسالة مصطفى أمين














المزيد.....


سوري يأكل رسالة مصطفى أمين


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 7865 - 2024 / 1 / 23 - 11:28
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


حصلتُ على نسخة إلكترونيّة مصورة عن نسخة ورقيّة من كتاب مصطفى أمين (سنة أولى سجن) صادر عن دار أخبار اليوم آخر مرة في القاهرة عام1991 الكتاب دراما إنسانيّة، ورؤية ثاقبة لعالم السجون، هذا العالم الغريب وراء حجب الأسوار، إنه أدب السجون المكتوب بقلم مفكّر وسياسيّ وصحفيّ عظيم. كتاب (سنة أولى سجن) طُبع خمس مرّات في عام واحد، سبتمبر/أيلول 1974 الطبعة الثانية في ديسمبر/كانون أول 1974 الطبعة الثالثة والرابعة في فبراير/شباط 1975والطبعة الخامسة في مايو/أيار 1975 وسجَّل أكبر رقم قياسيّ في توزيع الكتاب السياسيّ في المشرق العربيّ. أراد مصطفى أمين أن يُتابع، فكتب (سنة ثانية سجن) وألحقه بكتابة (سنة ثالثة سجن) وهي متوفّرة على مواقع تحميل الكتب بنسخ إلكترونيّة مصوّرة، ولكنني -ويا لأسف- لم أجد نسخ إلكترونيّة من (سنة رابعة سجن) و (سنة خامسة سجن) ولكن رأيتً غلافهما فقط في أحد المواقع. هل تابع مصطفى أمين السلسلة ووصل حتى " سنة تاسعة سجن" أم اكتفى؟ أنا لا أعلم. ولكنني قرأتُ في كتاب مصطفى أمين ( 200 فكرة) الصادر في طبعته الثانية عام1987 ما يلي: (عندما خرجتُ من السجن أصدرتُ كتاب سنة أولى سجن وسنة ثانية سجن وسنة ثالثة سجن، وأتمنى أن أتم السلسلة لو كتب الله عمراً إلى "سنة تاسعة" سجن!).

في زنزانة مصطفى أمين كان القلم من الممنوعات، ومن المؤكد بأن الورق ممنوع والحبر ممنوع. تنقّل الصحفي المصري الأشهر في تاريخ مصر الحديث بين عدة سجون في تسع سنوات مدة حبسه أيام جمال عبد الناصر ومن ثمَّ أنور السادات (أخرجه أنور السادات من السجن شتاء عام 1974) تنقّل بين سجن القبة، ثمَّ السجن الحربي في صحراء مدينة نصر، ثمَّ سجن القبة مرة ثانية، ثمّ سجن الاستئناف في ميدان أحمد ماهر بباب الخلق، ثمَّ سجن القناطر الخيرية، ثمَّ سجن الاستئناف مرة أخرى، ثمَّ سجن ليمان طرة، ثمَّ معتقل القصر العيني. وفي كل هذه السجون والمعتقلات كان يُقال: القلم ممنوع والورق ممنوع والحبر ممنوع. وبلغ الأمر بالعقيد صلاح مكاوي مأمور سجن ليمان طرة أن منع دخول ورق التواليت خشية أن يكتب مصطفى أمين خطاباته عليها. وفي بعض هذه السجون كانت الكتابة ممنوعة على الاطلاق. وفي سجن ليمان طرة مثلاً كانت الأوامر والتعليمات التي أصدرها وزير الداخلية بشأن معاملة مصطفى أمين ألا يوضع ورق أو حبر أو قلم في زنزانته، وأن توضع في مكتب ضابط العنبر، وأن يكتب مصطفى أمين إلى أسرته مرتين كل شهر، وألا يزيد كل خطاب عن نصف ورقة كراس، وأن يكتب الخطاب في مكتب الضابط وفي وجوده.

ماذا يمكن أن يفعل السجين غير إطاعة ما يقوله مأمور السجن. وكان مصطفى أمين مسجوناً نموذجياً، أطاع الأوامر والتعليمات، مهما كانت سخيفة وجائرة. ولكن مصطفى أمين قرر أن يثور على أحد هذه التعليمات، ويُخالفها وهي الخاصة بعدم الكتابة. وذلك أن الكتابة بالنسبة للكاتب الصحفي أشبه بالتنفس، وكان معنى هذه التعليمات الجائرة أن يتنفس مصطفى أمين مرتين كل شهر! فماذا فعل؟ أخفى مصطفى أمين القلم والورق عند مسجون غير سياسي (مسجون عادي لا يقرأ ولا يكتب) في زنزانة تبعد 13 زنزانة عن زنزانته.

وبدأ بمعاونة عدد من زملائه المسجونين عملية تهريب الورق والقلم، ثمَّ عملية تهريب الرسائل إلى أخيه التوءم علي أمين في لندن وصديقه أنيس فريحة في بيروت، وعدد من الصديقات والأصدقاء خارج السجن. وكانت عملية خطرة وشاقة ومستحيلة، وكان الذين يقومون بها يُعرّضون حياتهم للخطر ومستقبلهم للضياع. وكان يعتمد على المسجونين المظلومين، فالمظلوم يتحول إلى شهيد، والشهيد يجود بآخر قطرة من دمه في سبيل ما يؤمن به. وكان الهدف الذي سعى إليه مصطفى أمين هو مقاومة الظلم، وخروج الحقيقة المسجونة إلى خارج الأسوار. وحدث أن ضُبط عسكري يُهرّب خطاباً إلى مسجون سياسيّ في سجن (أبو زعبل) فقبض عليه، وفصل من الخدمة، وحكم عليه بالسجن مع الشغل. كلّ ذلك من أجل خطاب واحد. ولكن الرجال الشجعان الذين قاموا بهذه المهام الخطرة من أجل مصطفى أمين ومن أجل عدد من المسجونين السياسيين لم يخافوا قط. وكان بينهم مصريو ن وسوريون ولبنانيون وفلسطينيون.

وذات يوم ضَبط حارس في سجن (ليمان طرة) أحد المسجونين السوريين واسمه (محمد نادر جلال) وكان يخفي في ملابسه خطاباً من مصطفى أمين مطلوباً تهريبه، وحاول الحارس تفتيش المسجون السوريّ، وخاف المسجون أن يقع الخطاب في يد إدارة السجن، فأسرع وأكل الخطاب؛ وبذلك لم يعرف الضابط ولا الحارس بأن الخطاب من مصطفى أمين. ووضعوه في التأديب أربعة شهور، والتأديب هو أشبه بالجبّ لا يدخله الهواء، ولا تدخله الشمس، ويحرم فيه المسجون من كلّ ضرورات الحياة، وضربوه وعذبوه، ومع ذلك لم يفتح فمه، ولم يعترف بالسرّ الرهيب. واستطاع مصطفى أمين خلال تسع سنوات، أن يُهرّب إلى خارج السجن آلاف الرسائل. واستطاعت هذه الرسائل كلها أن تخترق الحصار المضروب، وأن تقتحم كلّ القيود المفروضة، ولم تضبط منها رسالة واحدة، ولا حتى تلك الرسالة التي أكلها (محمد نادر جلال) السجين السوري في سجن ليمان طرة.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في السجون الأمريكية
- زراعة الشيوعيّة في السعوديّة!
- فصل عن كارل ماركس من كتاب المثقفين
- هل صيرورة الكون واحدة؟
- عن رواية دمشق يا بسمة الحزن
- تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
- فضائل ضبط النفس
- لا أعشق الموتَ لكنه سُلَّمي للحياةْ
- في ذكرى رحيل الشيوعي الأخير في السعودية!
- هكذا تكلَّم عاملٌ عن هادي العلوي
- أين المفتاح يا لينين؟
- تحرير ماركس من تشويهات الأيديولوجيا الشيوعية
- عشر سنوات على مبادرة الحزام والطريق الصينية
- الحاكم الصالح
- نوع العالم الذي تريده الصين
- سؤال: لماذا هنري كيسنجر في الصين؟
- حوار مع الدكتور جودت هوشيار
- اليسار الثوري مُقصِّر وشعاراته حامية!
- لا يتبع الجثة إلى القبر إلا ذبابة غبية
- الرواية إمبريالية بطبيعتها


المزيد.....




- السلطات اليمنية:ماتتعرض له الموانئ منذ 2015 جرائم حرب كبرى ل ...
- العفو الدولية تندد بقصف حزب الله للمدنيين في إسرائيل!
- محكمة موسكو تصدر حكما غيابيا باعتقال عميل الأمن الأوكراني لن ...
- إدانة 25 باكستانيا احتجوا على اعتقال عمران خان
- إعلام عراقي: صدور مذكرة اعتقال بحق الجولاني
- عودة اللاجئين إلى حمص.. أمل جديد بين أنقاض الحرب
- حملة دهم واعتقالات إسرائيلية جديدة في الضفة الغربية طالت 25 ...
- الخارجية الأميركية تلغي مكافأة بـ10 ملايين دولار لاعتقال الج ...
- اعتقال خلية متطرفة تكفيرية في قضاء سربل ذهاب غرب ايران
- تفاصيل اعتقال اثنين من النخبة الإيرانية في الخارج


المزيد.....

- ١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران / جعفر الشمري
- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - عبدالرزاق دحنون - سوري يأكل رسالة مصطفى أمين