مجدي جورج
الحوار المتمدن-العدد: 1745 - 2006 / 11 / 25 - 11:39
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
كرة الثلج تتدحرج ( النقاب والحجاب في مصر والعالم )
قبل اتخاذ السلطات الفرنسية منذ عام قرارها بمنع الحجاب في مدارسها لم يكن احد يجرؤ أن يطالب بمنع النقاب أو الحجاب سواء في الدول الغربية أو الدول العربية والإسلامية (مع استثناء تركيا التي اتخذت هذا القرار منذ عهد مؤسسها أتاتورك وكذلك تونس التي اتخذت هذا القرار على يد محررها بورقيبة)وسبب ذلك :
_ أن الدول الغربية كانت تخاف من جماعات حقوق الإنسان إذا اتخذت هكذا قرار لأنها ستتهم بأنها تتدخل في حرية الفرد في ارتداء الزى الذي يريده وكانت هذه الدول تخاف أيضا من ردة فعل جماعات الإسلام السياسي ومن ردة فعل الدول العربية والإسلامية التي ستتهم الدول الغربية بالعنصرية إذا اتخذت هكذا قرار.
_ أن الدول العربية والإسلامية لم يكن يجرؤ مسئول أو كاتب فيها أن يتحدث عن هذا الأمر وما حدث أخيرا في بعض هذه الدول كمصر والمغرب من مطالبة بعض المسئولين أو الكتاب بمنع الحجاب سببه الرئيسي إن الأنظمة الحاكمة في هذه الدول رأت أن هناك بعض الجماعات سحبت البساط من تحت أقدامها ففكرت في التدخل حتى تسحب من رصيد هذه الجماعات.
فمن كان يستطيع أن يواجه هذا النمر المتوحش والمتربص بأي كاتب أو دولة تنادى بهكذا قرار ولكن جاءت الخطوة الفرنسية الشجاعة وأصرت الدول الفرنسية على تنفيذ قرارها رغم كل صنوف الاتهامات التي وجهتها إليها الإسلاميين وغيرهم ولقد شجعت الخطوة الفرنسية هذه الكثير من الدول على اتخاذ مثل هذا القرار.
مع العلم إن الحجاب والنقاب الذي انتشر بين المسلمين في شتى بقاع الأرض اليوم لم يكن موجود ومعروف إلا في أضيق الحدود منذ ثلاثين عاماً, ولكن مع الوفرة النفطية الهائلة التي حدثت في أعقاب حرب أكتوبر (فكما أن الثورات يقوم بها الشجعان ويجنى ثمارها الجبناء فأن حرب اكتوبر أيضا جنت ثمارها دول الخليج بعد أن دفعت مصر دماء أبنائها), وقد أدت هذه الحرب إلى تراكم أموال البتر ودولار في دول الخليج وعلى رأسها السعودية مما أدى إلى إن تحاول هذه الدول بأموالها سحب البساط من تحت أقدام مصر ومحاولة طمس الهوية المصرية وصبغها بصبغة وهابية عنصرية قائمة على كراهية الأخر والعمل كذلك على تغيير أنماط حياة الناس وسلوكهم وملبسهم وكان من نتيجة هذا انتشار الحجاب والنقاب في مصر والدول العربية الأخرى انتشار النار في الهشيم ثم انتقل بالتبعية مع انتقال المهاجرين من العرب والمسلمين إلى الدول الأوروبية وتحملت الدول الأوروبية الكثير واعتبرت أن هذا الأمر من حقوق الإنسان الأساسية, ولكنها مع مرور الوقت اكتشفت أن من يرتدى هذا الزى ينفصل كلية عن المجتمع الذي يعيش فيه وان العرب والمسلمين بانفصالهم عن مجتمعاتهم الجديدة والعيش فيما يشبه الجويتهات المغلقة فإنهم خطر على أنفسهم وخطر على المجتمعات التي استقبلتهم حيث بدأت تنشأ في هذه الجيتوهات جماعات رافضة لقيم الغرب وعاداته ويا ليت الأمر توقف عند هذا لكن للأسف الأمر تعدى هذا بكثير حيث راحت هذه الجماعات تفرض قيمتها على الجيل الثاني من المهاجرين المسلمين والمولودين في الغرب وتفرض عليهم الحجاب وتمنعهم من التعامل مع الأخر, بل حاولت هذه الجماعات فرض قيمها على أبناء هذه الدول الأوروبية التي استقبلتهم وحاولت التأثير على سياسات هذه الدول الغربية باستخدام القوة كما حدث في تفجيرات مدريد ولندن.
وعندما اتخذت فرنسا قرارها السابق فإنها أعطت الشجاعة لباقي الدول الأوروبية بل ولبعض الدول العربية في أن تحذو حذوها ومثال ذلك:
*هولندا التي قررت منع النقاب في الأماكن العامة باعتبار انه زى خطر على الأمن.
*بلجيكا التي قررت أحدى مقاطعاتها مقاطعة منع الحجاب في مدارسها.
* ايطاليا التي فضلت العودة لقانون قديم يتيح لها منع غطاء الرأس لدواعي أمنية.
* ألمانيا التي قررت بعض ولاياتها منع حجاب المعلمات في مدارسها.
* بريطانيا التي أبعدت إحدى مدارسها احد مدرساتها المسلمات التي صممت على لبس النقاب أثناء تدريسها للأطفال مما يعيق العملية التعليمية وصرح جاك سترو بأنه يعارض النقاب وأيده تونى بلير وكبار المسئولين هناك.
* السويد التي رأت وزيرة شئون الاندماج فيها أن الحجاب يفصل من يرتديه عن محيطه.
*الفاتيكان لم يكن بعيد عن هذا كله فقد صرح بعض مسئوليه بأنه يجب على المسلمين أن يحترموا القوانين التي تمنع ارتداء غطاء الرأس في الدول الغربية .
*سنغافورة بجنوب شرق أسيا أصدرت أيضا قانون يمنع الحجاب في المدارس.
*المغرب حيث أصدرت شركة الطيران الملكية منع موظفاتها اللاتي يتعاملن مع الجمهور من ارتداء الحجاب .
*تونس التي كانت من أوائل الدول التي أصدرت قانون يمنع الحجاب في المدارس والجامعات والمؤسسات العامة عادت هذه الأيام لتؤكد على جديتها في تنفيذ هذا القرار بعد إن وجدت أن الحجاب بدا يعود للظهور بين التونسيات وخرج معظم المسئولين هناك يؤكدون على جدية الدولة في مواجهة هذا الزى وصرحوا بانه زى طائفي عنصري دخيل على تونس.
* مصر وبعد أن كان النظام قد ترك لبعض الجماعات والمجموعات الإسلامية حرية السيطرة على المجتمع نظير إن تترك هذه الجماعات الإسلامية للنظام أن يسيطر على جميع أركان الدولة دون منغصات اكتشف هذا النظام ورجاله أن هذه المجموعات بعد إن أمنت سيطرتها على المجتمع تتطلع إلى السيطرة على الكرسي وعلى الدولة ككل فحاول النظام أخيرا أن يستفيق ولكن حتى هذه الاستفاقة وهذه المواجهة كانت على استحياء(ومن خلف الستار) خصوصاً في أمر الحجاب والنقاب وتمثل ذلك في ثلاث مواقف:
1 الدكتورة سعاد صالح أستاذة الفقه وعميدة كلية الدراسات العربية والإسلامية في الأزهر سابقا التي أفتت أن النقاب ليس من الإسلام في شيء بل هو زى جاهلي وأسفر هذا الموقف عن صدور فتاوى باستحلال دمها ورفع القضايا الكثيرة ضدها.
2 قرار رئيس جامعة حلوان بمنع المنقبات من دخول الجامعة وماتلى ذلك من تظاهرات منددة ومعترضة,
3 تصريح وزير الثقافة الأخير بمعارضته للحجاب حتى وان ادعى بعد ذلك( نتيجة الهجمات الشديدة عليه) بأن هذا رأيه الشخصي إلا إننا لايمكن أن نستبعد أن هناك جهات في النظام هالها ما رأت عندما دققت في الأمر ووجدت أن الجماعات والمجموعات التي ترك لها النظام حرية السيطرة على المجتمع بعد أن فرغت من هذا الأمر لم تعد مكتفية به بل هي تسعى سعى دؤؤب للسيطرة على الدولة ككل ,فكان لابد من العمل على مواجهة هذا الأمر, ولكن للأسف نظامنا الحاكم يخاف من المواجهة المباشرة فعمل بمثل هذه الطريقة لجس النبض فإذا نجحت التجربة في جامعة حلوان فقد تعمم في باقي الجامعات وإذا نجحت في الجامعات فقد تعمم في الإدارات الحكومية وإذا مر تصريح وزير الثقافة دون خسائر تذكر للنظام فهذا سيشجعه على الاستمرار في هذا النهج وإذا لم يمر فقد يدفع الثمن وزير الثقافة.
فالمعركة الآن هي معركة كسر عظام بين النظام والمجموعات الإسلامية وعلى رأسها الأخوان المسلمين وسواء نجح النظام أو نجح الأخوان فانا اعتقد أن العجلة لن تعود أبدا للوراء وان كرة الثلج الضخمة التي كانت على سفح جبل الجليد بدأت في التدحرج منذ القرار الفرنسي الشجاع.
مجدي جورج
[email protected]
#مجدي_جورج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟