خلال الاسابيع الماضية أجرت قناة الجزيرة الفضائية مقابلة مع نادية محمود عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العمالي العراقي في برنامج"للنساء فقط"،كما أجرت قناة ابو ظبي الفضائية مقابلة مع ينار محمد كادر الحزب الشيوعي العمالي ورئيسة تحرير جريدة المساواة في برنامج"دنيا".
كلا المقابلتين ركزتا على أوضاع المرأة العراقية حقوقها،حرياتها،مآسيها.الظلم الواقع عليها،نظرة التيارات السياسية المختلفة "الاسلامية خصوصا" للمرأة،القوانين الرجعية التي فرضها النظام البعثي الفاشي،مسألة الحجاب وموقف الدين والشريعة.مطالب المرأة واوضاعها في المرحلة المقبلة أو كيف ستكون حقوقها وحرياتها في تلك المرحلة أو في عراق المستقبل.
كلا المقابلتين وبالرغم من الاساليب التي مارستها كلا القناتين المذكورتين بعدم افساح المجال لنادية وينار للحديث بشكل كامل أو طرح نظراتهما وتصوراتهما حول مختلف المواضيع المتعلقة بالمرأة،لكنهاــ أي المقابلتين ــ كانتا مناسبة لطرح تصور الحزب والشيوعية العمالية حول مسألة المرأة بأعتبارها من القضايا الاجتماعية الهامة بل هي إحدى المعضلات الاجتماعية التي تواجه المجتمع العراقي في أبان حكم سلطة البعث الفاشي أو خلال مرحلة الاحتلال الحالية وبروز التيارات السياسية الرجعية من دينية وقومية وعشائرية وقيامها بالكثير من الممارسات التي عكست وبشكل لا لبس فيه نظرة هذه القوى للمرأة وأية مكانة اجتماعية منحطة ودونية تريد لها.وكيف ينظر الحزب الشيوعي العمالي الى حقوق المرأة وحرياتها ونضاله من أجل المساواة التامة بين المرأة والرجل.
المقابلتان المذكورتان اثارتا ثائرة العديد من الاطراف السياسية والشخصيات وملالي الدين،داخل العراق وخارجه،من هذه القوى تيارات الاسلام السياسي والتيارات القومية والحزب الشيوعي العراقي ...... الخ والذين لجأوا الى كل الاساليب السياسية والدعائية الرخيصة للحط من مكانة الحزب والتشهير بنادية وينار.
من المؤكد ان رد فعل تيارات الاسلام السياسي المعروفة بتوجهاتها وبرامجها المعادية للمرأة،سيكون معروفا،فأصل المسألة بالنسبة لهذه التيارات هو صراع هام وحساس في واحدة من أهم القضايا الاجتماعية والسياسية التي تتفاعل داخل المجتمع واستعدادهم لممارسة كل الاساليب الاجبار والعنف والارهاب وأحياءهم لكل التقاليد والاعراف البالية من أجل فرض سياساتهم وبرامجهم على الجماهير،ان مسألة المرأة وقضاياها الاساسية،حرياتها وحقوقها الفردية والمدنية تتحول الى ميدان صراع سياسي واجتماعي لا هوادة فيه ما بين مختلف القوى السياسية حاله حال مختلف القضايا السياسية والاجتماعية الاخرى،ان تراجع الاسلاميين في هذا الصراع سيؤثر على مكانتهم وتفضح الاسس والافاق الفكرية والسياسية التي يستندون اليها،خصوصاً وان فرض التراجع على المرأة والحط من مكانتها وارادتها وشخصيتها وجعلها اسيرة عبودية العمل المنزلي وحرمانها من الدراسة والعمل واختيار شريك الحياة وفرض قيم واعراف القرون الوسطى وممارسة العقوبات الجسدية ضدها كالضرب الذي يصل الى حد القتل تحت ذريعة الشرف وغسل العار أو انتهاك سلطة العائلة والعشيرة والدين،وتحقيرها ومعاملتها كتابع ذليل أو انسان من الدرجة الثانية في أفضل الاحوال،يشكل جزءاً اساسياً من الاجندة السياسية والدعائية والعملية لقوى الاسلام السياسي والقوى العشائرية والقبلية التي تقف بالضد تماما من الآماني والآمال الانسانية والتحررية.وقد أثبتت وقائع السنين الماضية الممارسات الرجعية واللاانسانية لهذه القوى والتيارات ضد المرأة،وما الفتاوى والدعوات التي يطلقها ملالي الحركات الاسلامية في مدن العراق لارغام المرأة على ارتداء الحجاب ومضايقة الموظفات وطالبات الجامعات وحرمانها من مغادرة المنزل الا هي لتجسيد الواضح لما تريده هذه الحركات والتيارات للمرأة وكيف سيكون حالها اذا ما وصلت هذه القوى الى السلطة السياسية أو برزت كقوى ذات قدرة في فترة محددة كما يحدث في العراق الان.ان ما تريده هذه التيارات وكل القوى الرجعية المختلفة هو أبقاء المرأة تحت رحمة القتل والارهاب والعنف المنزلي والعائلي وانتهاك كرامتها وارادتها،اذ يفزعها أن ترى أمرأة تختار شريك حياتها،وان تكون لها علاقات انسانية واجتماعية حميمة،يفزعها ان ترتدي الملابس التي تلائم ذوقها وشخصيتها ورغبتها،يفزعها ان ترى أمرأة تسافر لوحدها،ويفزعها ان ترى أمرأة تمارس عملاً أو تدخل صفاُ دراسياً،ويفزعها ايضا صوت ضحكة فرح وسعادة لأمرأة ما.فالمرأة في نظر هذه التيارات الرجعية عورة لايجب سترها فقط،بل يجب قمعها وتحقيرها....
نقول أن رد فعل الاسلاميين وتيارات الاسلام السياسي والقوى العشائرية ضد من يتحدث عن حرية المرأة وحقوقها هو شيئ واقعي لان المسألة بالنسبة لهم مبدئية وأساسية،غير ان ما يثير الاسئلة وبعلامات استفهام كبرى هو موقف بعض القوى والشخصيات المحسوبة على اليسار والعلمانية والديمقراطية وحقوق الانسان،وكذلك موقف الحزب الشيوعي العراقي داخل العراق وخارجه والموقف الذي أتخذوه من اقوال نادية محمود حيث يحرص الحزب المذكور على الاعلان والتأكيد المتواصل بأنها لاتنتمي اليه من قريب أوبعيد.بل تنتمي الى حزب آخر.أن القول بأن الحيث أو الخوض في قضايا ومسائل المرأة وحقوقها وحرياتها والقوانين التي تحكم حياتها وعلاقاتها لم يحن وقته بعد هو موقف لايختلف كثيرأ عن موقف التيارات الاسلامية،الواضح والصريح من مسألة المرأة،وان غلف بعبارات وجمل لا يمكنها تستر شيئاً من الخطاب السياسي والاجتماعي لهذه القوى لهذه القوى عندما يتحدثون عن حساسية الاوضاع السياسية،وغياب السلطة وتردي الاوضاع المعاشية وانعدام الامن.لماذا لم يحن الوقت بعد للحديث عن حقوق المرأة وحرياتها؟،في الوقت الذي تركز فيه مختلف القوى على حقوق القوميات والطوائف ويسعون الى تقسيم جماهير العراق على أسس طائفية رجعية بغيضة الى سنة وشيعة،عرب واكراد،وعشائر واقليات اثنية وعرقية،او في الوقت الذي تمارس فيه قوى الاسلام السياسي بمختلف انتماءاتها وتوجهاتها الطائفية سلطتها على الجماهير والتدخل السافر في حياتها وحرياتها من خلال ما تقوم به مجاميع (القصاص) أو فتاوى وخطب ملالي الجوامع فيما يتعلق بالمرأة والدعوة الى ممارسة كل ما يجعلها اسيرة الاعراف والتقاليد التي لا تمت الى الانسانية والعالم المعاصر بأية صلة سوى عدائها ومناهضتها لابسط الآمال الانسانية والتحررية،عندما يتحدث الملالي أو رموز تيارات الاسلام السياسي حول حقوق المرأة بأكثر الاشكال امتهاناً وتحقيراً فأن لا أحد من هذه القوى والشخصيات التي رفعت صوتها ضد نادية محمود وينار محمد يمكنه ان يقول لهم ان الوقت لم يحن بعد للحديث في مواضيع كهذه،بل ان هناك الكثير ممن يعتبر الحديث في مواضيع كهذه من البديهيات والمسلمات بحكم اسلامية المجتمع والظروف المعاشية القاسية أو مسايرة الناس والحفاظ على كيان االعائلة والقبيلة والمجتمع!!!!! وان مواضيع كهذه لايجب التطرق اليها وتناولها بأي شكل كان من قبل الاحزاب والمنظمات النسوية لانها تثير الحساسية أو ان المجتمع العراقي لم يرتقي أو يصل الى مستوى معين من تطور العلاقات الاجتماعية والاقتصادية أوالثقافية التي تسمح بطرحِ كهذا مواضيع وانه يتوجب مراعات العلاقات والتقاليد والاعراف الاجتماعية السائدة،وربما يطل علينا احد ما ليقول لنا ان نميز ما بين الممارسة والتاكتيك.......الخ.
أن سقوط نظام البعث الفاشي والاجرامي قد خلق اجواءاً سياسية واجتماعية هامة وان المرحلة التي يمر بها العراق الان هي مرحلة صراع القوى والتيارات السياسية المختلفة،بمبادئها وعقائدها السياسية والفكرية ومكانتها الاجتماعية.مرحلة برزت فيها قوى سياسية كثيرة وحركات اجتماعية وطبقية مختلفة وان الحديث عن حقوق المرأة وحرياتها وأوضاعها في العراق المستقبل هو من الامور الهامة جداً مثله مثل الحديث حقوق مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية المختلفة،كالعمال والموظفين،الشباب والشيوخ والاطفال،مثله مثل الحديث عن المجتمع المدني والحريات السياسية وحرية الصحافة وفصل الدين عن الدولة،فأي مجتمع لايقر بحرية المرأة وحقوقها لايمكنه ان يكون مجتمعاً حراً.
ان الجدل الدائر الآن حول قضية المرأة،الحجاب،أختيار الزوج وشريك الحياة والشريك الجنسي وحرية المرأة في العمل والدراسة والسفر وبقدر ما يثبت ان المجتمع العراقي مجتمع حي ويتفاعل مع ابرز القضايا الاجتماعية الحساسة وحيوية التطلعات التحررية والانسانية للجماهير في احلك الاوضاع والظروف،فأنه يثبت هامشية وعزلة التيارات الرجعية من دينية وعشائرية وقومية المناهضة لابرز الحقوق الانسانية ويفضح بديلها الاسود الذي تريد أن تفرضه على المجتمع والجماهير عموما وعلى النساء بشكل خاص.
الحزب الشيوعي العمالي العراقي ناضل من أجل ابراز قضية المرأة على الصعيد الاجتماعي والسياسي وعمل على فضح كل الممارسات والاساليب البشعة والمعادية للمرأة التي قامت بها سلطة البعث الفاشي أو حركات وتيارات الاسلام السياسي والاحزاب القومية والعشائرية المختلفة وأنه وفي هذه الاوضاع التي يمر بها المجتمع العراقي وعموم الجماهير يناضل أيضا من أجل اقرار الحقوق الفردية والمدنية للنساء والمساواة التامة بين المرأة والرجل،ان الجماهير النسوية وكل دعاة التحرر والمساواة سيجدون في هذا الحزب، القوة التي تمكنهم من فرض التراجع على مختلف القوى المناهضة للجماهير ولحريتها وسعادتها.
اوائل/حزيران/2003