بهلول الكظماوي
الحوار المتمدن-العدد: 1745 - 2006 / 11 / 25 - 11:36
المحور:
كتابات ساخرة
( بغداديات )
( دالغة ابو مطشّر )
( ابو مطشّر ) رجل بسيط , كان حينها في الثلاثينات من عمره, طيب القلب , فقير الحال , امّي لا يقرأ و لا يكتب.
قدم الينا ابو مطشّر من مدينة العمارة الجميلة , وهي مدينة ناسها طيبون , ولكنهم يعيش الغالبية منهم دون مستوى خط الفقر على الرغم من تصنيفها دولياً ( مدينة العمارة ) أغنى مدينة في العالم من حيث الثروات الطبيعية المكنوزة فيها .
امتهن ابو مطشر مهنة الحمالة في السوق التجاري عندنا في الشورجة ببغداد ( حمّال عباية ) , وحمّال العباية يختلف عن حمال ( الجندة ) , وذلك ان حمال الجندة هو من يلبس الجندة التي تشبه بـ ( الجلال ) السرج الذي يوضع على الحصان , ولكنها أخف وزناً و اكثر ليونة و طراوة منه , فتوضع الجنده على ظهر الحمال و تحمل البضائع فوقها .
أمّا العباية , فهي فعلاً كالعباءة مربعة الشكل و كبيرة الحجم و تكون من النوع ( الجزّيـّة ) , أي من الصوف الخشن السميك و القوي و تكون لها اربعة اطراف , فتفرش في الارض و توضع المواد المراد نقلها عليها في منتصفها , وتطوي اطرافها الاربعة على الحمولة ليعقد طرفين متقابلين منها , امّا الطرفان المتقابلان الآخران فيعقدان على شكل هلال لتتدلّى العباية الحاملة للمواد على ظهر الحمال و الهلال يوضع في رأسه , فيتوازن الحمل موزعاً على الرأس و الظهر و الاكتاف و السواعد .
كان صاحبنا ( ابو مطشّر ) حمال عباية جزية , ومن سوء حظـّه العاثر انه كان مبتلى بداء السكّر , فكان لا يقدر أن يأكل أي شيئ حلو المذاق .
ولكننا وجدنا في أخلاق أبي مطشّر و حسن معشره و نكاته اللاذعة و طرائفة يحتوي على حلاوة طالما فضّلناها على كلّ الحلويات .
فكانت من ضمن ( دالغاته ) انه يقول : انه حلو فكيف يأكل حلوا ؟ .
و الدالغة في اللهجة العامّية البغدادية تعني الفكرة , او الفذلكة أو الاطراقة في التفكير لتحصيل مخرج من مأزق أو طريقة للافلات من مصيدة .
و كلمة ( دالغة ) مأخوذة من أيام الاتراك , فهي تعني باللغة التركية الاستغراق في التفكير :
dalginlik ____ dalgin
و ألآن استعيض عنها شعبياً بكلمة ( فيكة ) .
نعود لأبي مطشّر , حين صادف في احدى الايام عيد الفطر , و بعد عطلة العيد فتحنا محلاتنا كالمعتاد , ومن الطبيعي أن نضع في مثل هذا اليوم حلويّات و سكاكر العيد ( حامض حلو و جكليت ) لضيافة الزبائن و الزوار و الجيران الذين يقدمون الينا في محلاتنا .
و لمّا قدم ابو مطشر مهنّئاً بالعيد أخفينا عنه ( قندون , أو شكردان ) الحلويات احتراماً لمشاعره لاصابته بداء السكّر و عدم قدرته أن يأكل منها , و كان حاضراً أحد الضيوف الذي لا يعلم عن مرض ابي مطشر بالسكري شيئاً , فأخرج هذا الضيف الحلويات و قدّمها اليه , فشكره ابو مطشر و قال له :
صحيح أنا لم اذقها مسبقاً لأنني مصاب بالسكري و لكنني أعرفها انها ( خوش جكليته طيبه ) أي اعرفها بانها حلويات طيبة و جيدة رغم عدم أكلي لها سابقاً .
فردّ عليه ضيفنا : و كيف عرفت ذلك ؟
فأجابه ابو مطشّر : لأن ابن عم حمدنه يعرف اللي ماص كاغذهه ! , أي لأبي مطشّر صديق اسمه حمد , و بن عم حمد هذا يعرف الذي كان قد لعق الورقة التي يغلّف به هذا النوع من الحلويات !.
فكانت حينها هذه الحادثة مثلاً نضربه كلّما حصلت حادثة مشابهة لها فنقول : ( هم هذي مثل دالغة ابو مطشّر ؟ ) .
و ألآن عزيزي القارئ الكريم :
دالغة ابي مطشر تذكّرني اليوم بدالغة الاستاذ الدكتور عدنان محمد سلمان الدليمي و خطابه قبل اسبوع في الاردن الذي القاه في مؤتمر الذكرى المئوية لولادة الشهيد الشيخ حسن البنا ( رحمه الله ) مؤسس حركة الاخوان المسلمين في مصر .
فقد قال الدكتور عدنان الدليمي محذراً السنة العرب المجتمعين في المؤتمر , محذراً اياهم من السماح لبغداد أن تسقط في ايدي الصفويين , ويعني بهم الشيعة .
و قطعاً ان الدكتور عدنان الدليمي لم يلتق في يوم من الايام بالشيخ حسن البنا ( رحمه الله ) , وحاله ( الدليمي ) هنا حال ابي مطشرنا الذي لم يكن قد ذاق طعم الجكليته , بل حكم عليها من خلال مص بن عم صاحبه حمد لورقة تغليفها .
بل حتى ( الدليمي ) لم يسبق له أن قرأ أفكار الشهيد البنا المعتدلة , وحتى لم يستقرئ سيرة البنا المعتدلة و تقاربه مع الشيعة و لقاءآته المتواصلة مع العالم الشيعي الايراني السيد نواب صفوي , و كيف انهما ( البنا و صفوي ) كثيراً ما كانا يلتقيان في مشتركات فكرية اسلامية.
بل لم نقرأ بكل سيرة المرحوم حسن البنا أيّة خصومة أو عداء للشيعة و التشيع بصورة عامة و للصفويين بصورة خاصة .
علماً أني كاتب هذه السطور لا أعتبر الصفويين يمثلون بتصرفاتهم الوجه المشرق للشيعة و للتشيّع مثلما لا أعتبر العثمانيين و الوهابيين يمثلون الوجه المشرق للسنة والتسنن , فكلّهم ( الصفويون و العثمانيون و الوهابيون ) بشر غير معصومين وفيهم المخطئ كما فيهم المصيب .
نعم قد يكون للصفويين الايرانيين ذنب كبير اقترفوه مما أوجد لهم ضغينة عند الدكتور عدنان الدليمي, الا و هو اعتناقهم لمذهب التشيّع بعد أن تعلموه من اهله العراقيين .
عزيزي القارئ الكريم :
المعارك الكلامية التي تدور داخل اروقة البرلمان العراق أو في خارجه , وما هي داخل العراق منها أو في دول الجوار , و التي لا يمكن أن نفصلها عن التصفية الجسدية أو التفخيخ و التفجير و القتل العشوائي الذي يطال كل المواطنين العراقيين و من كل المذاهب و الاديان و القوميات بدون اشتثناء , كل هذه المعارك و المجازر لا مذهب و لا دين و لا قومية و لا لون عراقي و لا طعم عراقي و لا رائحة عراقية لها ( سوى لون و طعم و رائحة حزب صدام و نظامه و ايتامه يضاف له الارهاب القادم من خارج الحدود ) لابقاء العراق في دوامة و أزمات يستفيد منها الاحتلال الغاشم ( نعم يستفاد منها الاحتلال وحده , لا غيره ) في طول بقاءه .
فما أن توشك حالة من الاستقرار للوضع الامني أن تتحقق الاّ و نفاجأ بتفجيرات لهذا الوضع و اقلاق راحة و ازهاق لارواح المواطنين العزل خدمة لادامة الاحتلال بدون اي مقابل يحصلوا عليه , ( حتى انهم سوف لن يحصلوا على مصّة من كاغذهه ) .
و اعتقد جازماً ان حادثة اغتيال بيار الجميل في لبنان ما هي الا حالة من حالات زعزعة الامن و اقلاق المواطن العراقي الذي بدأ متفائلاً بزيارة وليد المعلم وزير خارجية سوريا و بداية لتقارب عراقي سوري واعد .
ثم ما حصل مؤخّراً من تفجير سيارة رئيس البرلمان العراقي في مرآب البرلمان وهو من ضمن المنطقة المحمية من قبل قوات الاحتلال , ثم اغتيال احد مرافقي البرلمان و اصابة المرافق الآخر في اليوم التالي ...الخ ما ذلك الا رسالة بأن الاحتلال من مصلحته ادامة القلق و حالات الفوضى على ما هي عليه .
بسم الله الرحمن الرحيم
و يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين . صدق الله العلي العظيم .
و دمتم لأخيكم : بهلول الكظماوي
امستردام في 24-11-2006
e-mail:[email protected]
الى مدينة الصبر البطلة , تضامناً معها :
يأولاد الحرام اللي منزلو من ظهور رجال
يحزب القاعدة أو أيتام اصديّم....يهالانذال
تتصورون عوده الكم,...جلمتكم و لا تنكال
قتل تفجير تفخيخات,.....سجّيتكم بهالافعال
عكاربكم تعض شعبي,...أو دواهه العكربه النعال
مراجلكم عله الفقره,أو عله النسوان أو عالاطفال
مراجلكم عله العامل,..... على الفلاّح على العيال
جنود الأجنبي انتو...........يحقـّف بيكم المنوال
مدينة الصدر ما يفنه شعبهه .....رغم كلّ الاهوال
و الحريـّه و الشعله ......ما تطمرهه كلّ الاوحال
او نبقه كواظمه و معاظمه اموحدين ميزلزلنه كل زلزال
احنه الشيعه و السنّه بوقت واحد, فد عمامه فد عكال
لابد ينتصر دمنه , ويعبـّد درب الاجيال
او تشرق شمس حرّيه بفضاء عراكنه باجلال
و الارهاب يرجع للـّذي دزّوه باتعس حال
او يضوكون الذي ضكناه ,اومن هالمال حمل جمال
او لابد نعدمه الصدّام ....و نطمّه ابمكب الازبال
و فطيسة ابو ايّـوب يتبوّل عليهه زمال
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
-----------
#بهلول_الكظماوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟