|
زنبقة الفجر
آدم دانيال هومه
الحوار المتمدن-العدد: 7859 - 2024 / 1 / 17 - 14:22
المحور:
الادب والفن
بقلم: آدم دانيال هومه. إنانا زنبقة الفجر عروس التاريخ الأم العذراء المقدسة الجليلة المبجّلة في سيمائها طهارة الطفولة وقدسية الملكوت تنير الأرض والسماء وينعكس ألقها على مضارب المجرّات إنها مكنوزة في أطلال معابد آشور تنسج مستقبل أحفاد الأسراب المهاجرة لابد ستعود يوماً من أرض االيباب مكللة بتيجان الفجر مجللة بالأنوار الإلهية لتوقظ العراق من سباته وتعيد إليه نقاءه وبهاءه ومجده التليد مختوماً ببصمات يد الله منذ الأزل ليرتعش التراب تحت حوافر جياد الرذاذ وينفض عن كاهله ظلام الدهور لتضيء في مساماته زنابق الصباح ويمنح الأرض هويتها الأصيلة والأصيلة.
يتوهج وجهها في ذاكرتي ليل نهار يتدلى من سقف السماء ليشع في قلبي ويضطرم في دمي ويفوح ضوع أريجها في روحي ويتلألأ جمالها في أروقة الليل عرّافة المستحيل صوتك كالعشب ينبت في أثلام ذاكرتي يرفرف كالطير في مدار الشمس ويحط على غصن الريح ويدعني أتقيل في ملكوت الله.
أفتح نافذة الفجر أضيء قناديل الأمواج أفرش بساط المخمل الوهاج لاستفبال أبناء الفردوس المفقود التائهين في صحارى المنافي حاملين صلبان آلامهم يدفعون نينوى صعوداً من سفح الظلمة إلى قمة الأنوار.
حين كنا صغارا كنا نحلق في الآفاق على أجنحة أغنيات العذارى على ضفاف الأنهار كانت البروق تتلألأ في مآقينا وكانت الينابيع تتدفق من راحاتنا ونسبح في رحيق الأمطار ونفتح نوافذ في جدران الشمس ونعلق على بوابتها سنابل نيسان.
جراحنا أزهار حمراء زاهية تنبت فوق تراب العراق من أقصاه إلى أقصاه وشهداؤنا أضواء البروق والرعود تزمجر فوق قمم الجبال الشاهقة وفي قيعان الوديان السحيقة منذرة بالعواصف وأعاصير القيامة ويوم تقوم الساعة في بغداد ينهش المؤمنون بعضهم كالكلاب السائبة بعد أن يطفح الشر الكامن في أنفسهم وهم سادرون في متاهة الصلوات الموصودة الأبواب ويتمطى ملاك الموت بين الأنقاض يأمر الريح أن تحمل الأشلاء إلى مقابر الطغاة ليلقي عليها ألحفة النسيان وتغرق البلاد في صمت الأغوار.
لي رؤيا إلهية تشع ألقاً في المتاهات يتراىء لي الله في مجاهل الأرض والسموات فأرى كل شيء كل ماخطته أنامله على قوائم العرش وكل من تطأ قدماه عتبات السموات وكيف تكلل هامات الأموات بتيجان الأنوار الشائكة أبصر خيول النار تدك نخيل الصحراء وجياد الليل تصهل في صهد الشمس فتتسامق راية سنحاريب على قلعة أربيل ترفرف فوق هامات عناكب التاريخ.
أبي يتأمل وجهه في مرايا التراب قبل أن يخرج قبيل بزوغ الفجر ليقيس السموات بقدميه ويحرث النجوم والمجرات يعاني تباريح الشوق والحنين ويعود أدراجه بعد الغياب تتألق لآلئ العرق في أعلى جبينه حاملا في عينيه طقوس الينابيع ومواسم الحصاد وعلى هامته تيجان السنابل.
أمي تتوهج لآلئ دموعها في غيهب الظلام وهي تنتظر في آخر الليل أبناءها الذين رست مراكبهم في مرفأ الشمس وغابوا في خضم أمواج السديم بعد أن ألقوا أشرعتهم على مناكب الرياح حين تفتحت أمامهم أبواب السموات ذاكرة أمي مسكونة بكل ألوان العذاب والرحيل وبكل الوجوه التي رقصت في عرسهم الدموي في عينيها أبّهة الموت وعلى شفتيها رحيق الدماء وعلى لسانها تنمو زنابق زغاريد الشهداء.
المجتمعات المتخلفة السادرة في غيها وضلالها ينصبُّ جلّ اهتمامها على الأساطير والخرافات وتُكفّر أكثر مما تُفكر وتعيش في قوقعة الماضي السحيق وتتتلفع بجلباب السلف الصالح المهترئ ولا تستطيع الانفلات من دائرة الأوهام والخزعبلات وتُقدّس القيمين على ممتلكات الله والناطقين باسمه الذين يحللون ويحرمون على مزاجهم ويفتون على هواهم وهم الرعاة الصالحون والشعب رعية خنوعة ذليلة مطيعة لايحق لها التفكير بما يعكر إيمانها المستقيم وبما يتنافى مع قدسية الله الأوحد الصمد في حين تدير ظهورها للعباقرة والمبدعين والمفكرين والعلماء والأدباء والفنانين الذين يضيفون ألواناً جديدة ومضيئة على خيوط الشمس ولآلئ قوس قزح ويبثون الروح في أوصال الصخور الصماء ويقيمون الأموات من بين القبور أناملهم تنضح أنوارا لامعة هم براهين ساطعة على عظمة الإنسان وقدراتهم الإلهيه اللامحدودة يقول فولتير: (من يستطيع إقناعك بتصديق الخرافات يستطيع إقناعك بارتكاب أفظع الجرائم الوحشية). والدين الذي ليس له رؤيا جلية لمستقبل الإنسان يظل قوّاداً على باب السلطة الغاشمة.
أمضينا العمر نمعن سيراً في العراء بلا هوادة نحب في أروقة التيه نعشق في سراديب التيه ونتزاوج وننجب بين أنفاق التيه ونموت وندفن في مجاهل التيه ووطننا المفقود تمرح فيه الذئاب القادمة من صحارى وقفار التيه.
كلمح البصر يمخر كلكامش عباب السحاب والرياح يشق دياجير الغابات بحثاً عن خمبابا يطلق حمائمه في رحلة أبدية يتأبط العالم ويلملم دموع الفقراء يتصفح كتاب الجوع يعزي المنتمين لتراب الرافدين الطهور الهاربين من فكاك الموت يتأجج العراق في دمائهم كلما اغتالوهم تشبثوا بنخيل الفرات وبثمار الأضواء يتوشحون برداء الملائكة ويميطون اللثام عن عيون الله.
نحن الثاوين على سطح الأرض سليلو جميع حضارات بلاد الرافدين تنقلنا عربات الموت إلى سراديب المتاهات ينبت العشب على قبورنا وفيض من النسيان يغمر تلافيف ذاكرتنا والذئاب على الأبواب تعزف لحناً جنائزيا للوطن الذبيح ونحن نراود الأرض تستلقي في أحضانها نستنشق أريج أنوثتها ونلفظ أنفاسنا بين نهديها ثم نتغلغل كالنماء في مفاصل الفصول ليأتلق الضوء على مشارف الضباب. ********** [email protected]
#آدم_دانيال_هومه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمي تتوهج في مرآة التاريخ
-
تقاسيم على أوتار الريح
-
الطفل اليانع
-
کلکامش يمخر عباب النار الأزلية
-
قنديل الليل
-
أتلهى بذفائر الشمس
-
صهيل التراب
-
في قريتي تراءى وجه الله
-
اللغة الآشورية
-
بين خمائل الآلهة
-
نبضات الضوء
-
النسور المهجّّرة
-
الأول من نيسان
-
بولص بيداري
-
الشهيد والأمة والتاريخ
-
أكيتو
-
أزاهير الملكوت، قصيدة شعر
-
رجل الأعمال الآشوري الياس حنا
-
الباحث عن أسرار آشور وبابل
-
استراليا
المزيد.....
-
موسكو تحتضن المهرجان الدولي الثالث للأفلام الوثائقية -RT زمن
...
-
زيادة الإقبال على تعلم اللغة العربية في أفغانستان
-
أحمد أعمدة الدراما السعودية.. وفاة الفنان السعودي محمد الطوي
...
-
الكشف عن علاقة أسطورة ريال مدريد بممثلة أفلام إباحية
-
عرض جواز سفر أم كلثوم لأول مرة
-
مسيرة طبعتها المخدرات والفن... وفاة الممثلة والمغنية البريطا
...
-
مصر.. ماذا كتب بجواز سفر أم كلثوم؟ ومقتنيات قد لا تعلمها لـ-
...
-
أساطير الموسيقى الحديثة.. من أفضل نجوم الغناء في القرن الـ21
...
-
السعودية.. رحيل -قبطان الطرب الخليجي- وسط حزن في الوسط الفني
...
-
مصر.. كشف تطورات الحالة الصحية للفنان ضياء الميرغني بعد خضوع
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|