أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبيحة شبر - رسالة اخيرة














المزيد.....

رسالة اخيرة


صبيحة شبر

الحوار المتمدن-العدد: 7859 - 2024 / 1 / 17 - 07:28
المحور: الادب والفن
    


هذه رسالتي الأخيرة لك ، سبقتها رسائل عديدة ،أبثك لوا عج قلبي ، وتحدثينني عن متاعبك الآخذة بازدياد وتفاقم ، رأيتك آخر مرة ، وكنت كالعادة دائما ، تضحكين على المصاعب ، وتهزئين بالكوارث ، تقولين عندما نستفسر متعجبين : انك تطردين الهموم والأحزان بضحكك المستمر ، وابتسامتك المتواصلة ، وان الأحزان كلها من الضعف والضآلة ، حيث لا تستطيع الصبر ، والمكوث أمام إصرارك ، فتولي مذعورة ,,, مندثرة ,,,, تهرب من دربك ,,,, بعد أن أدركت ,,,, أنه من المستحيل ، أن تئد الضحكة المتواصلة ، الهازئة بالمصاعب ، وأن تقطع الابتسامة الجميلة التي تعلو محياك وتزينك ، عبارتك التي كنت ترددينها باستمرار
- بعدا للألم يا عزيزتي ، وسحقا للانهزام
رأيتك آخر مرة وأنت شبه وحيدة ، في بيتك القديم المتهدم الجدران ، الواطئ السقف ، المشقق ، المقلوع النوافذ ، لقد مضوا جميعا ، وتركوك صلبة ، لا تنال منها المصاعب ، فأنت مازلت تضحكين ,,, تلك الضحكة العالية ، المتواصلة ، ينظر إليك الجميع ، باستغراب ، ثم بعد لحظة ، يقتدون بك ، وتنتقل إليهم العدوى ، تجدينهم يضحكون ، بتواصل ، وبدون انقطاع ، حنى تنتهي أنت من ضحكتك الجميلة ، وانت ترددين جملتك الاثيرة العصية على النسيان
- بعدا للألم ، وسحقا للانهزام

أعدموا زوجك ، وأبنك الكبير ، فقدت ابنتك الوحيدة ، بعد ان صارت ملتاعة ، محطمة القلب ، مكلومة الفؤاد ، ضربوا زوجها أما م عينيها ذلك الضرب المبرح ، وبلا أي مبرر معقول ، بقيت وحيدة ، غريبة ، في ذلك المنزل الكبير والمتهدم ، تمنين النفس ، أن يعود ابنك المتبقي لك في هذه الحياة ، الغريبة بحوادثها العصية على الفهم والتفسير ، عند سقوط النظام الدكتاتوري الأليم ، صفقت بسعادة ، للحدث العظيم ، وانت ترددين الجملة التي استحوذت على الاعجاب :
- بعدا للألم ، سحقا للانهزام
يمكنك الآن أن تكحلي العين ، برؤية ابنك العزيز ، ذهبت إلى كل السجون والمعتقلات التي تعرفينها والتي علمت بشأنها بعد التغيير ، على الأرض ، وتحتها ، تهرأت قدماك ، وأنت تبحثين وتبحثين ، ثم تطلقين تلك الضحكة المجلجلة التي تثير الاستغراب في البداية ، ثم لا تلبث الضحكات أن تنطلق من الأفواه ، بإصرار غريب ، انتظرت أن يعود ابنك الوحيد ، وان تلتئم الشمل أخيرا في أسرة بقي من أفرادها اثنان ، بعد أن طالت يد الظالمين أغلب أفرادها ، طال بك الانتظار ، تورمت ساقاك ، ولم تعودا بقادرتين على حمل جسدك الآخذ بالنحول ، يوما بعد يوم ، يأتيك النبأ بأن ابنك قد أبيد مع الآخرين ، وان حكما بالإعدام قد صدر بحقه ، دون ان تعلمي او يبلغوك ، وإنهم نفذوا الحكم بسرعة ، وأنت هنا في بيتك المتهدم ، تمنين النفس ، ان تري ابنك قريبا ، بعد ان يطلق سراحه ، لم تفقدي اليقين مع كل أنواع البشاعة التي صادفتها ، وجميع فنون القسوة التي تعرضت إليها ، مع أبنائك وزوجك وأفراد عائلتك ، حين سمعتُ بالمصاب الأليم ، هرعتُ الى مساعدتك ، عل كلماتي القليلة تخفف بعض معاناتك ، تراكمت عليك أنواع من الحزن ، ترمل وثكل ... وفقدان الأحبة ، يصيبك الوجوم في البداية ، وكأنك فوجئت برؤيتي ، فانا مثلك تماما ، وكنت بعيدة عنك ، فلم تتوقعي رؤيتي بعد هذه السنين الطوال ، فانطلقت ضحكاتك المألوفة بإصرار ، وأنت ترددين الجملة التي أحب سماعها منك
- بعدا للألم ، سحقا للانهزام
فلم أجد نفسي إلا وأنا أشاركك الضحك المستمر الطويل أنا، من كان يظن أنني نسيت كيف أضحك ، وفقدت القدرة على الابتسام ، أحذو حذوك ، وأضحك ,أضحك مما يثير استغراب الزائرات اللاتي يأخذن بضحك متواصل ، تتقطع معه الأنفاس .
تبادلنا حديث الذكريات ، كنا نقرأ معا ، ونمشي المسافات الطويلة ، ونحن نغني أغاني فيروز وعبد الوهاب ، مع الفارق الكبير بين الاثنين ،طالما حفظنا الأغاني ،كما نحفظ القصائد ، والآن نسينا كل ما حفظناه ، وكأنه لم يمر على فكرنا ،،،
أخبرتني أنك لم تعودي تقرئين بذلك النهم المعهود ، فقد أنهكتك الأعمال ،أعمال خارج المنزل ، وأعباء داخله ، ترهق الجبال ، ولكنك لست جبلا وإنما امرأة لم يكن الزوج بقربها ، عشت أرملة على الدوام ، تواصلين العمل بعد فقدانك للأحبة ، تواصلين الهزء بالمصاعب بجملتك الجميلة
تكثرين من الأعمال بعد استفحال الغلاء ، وزالت كل الأمنيات بالحصول على لقمة لذيذة ، وشراب هنيء ،،، أخبرتني أنك وحيدة ، غريبة ، تطل عليك أحيانا إحدى الجارات والتي هي مثلك ، قد فقدت الأحبة ، الواحد بعد الآخر ، ويبس منها القلب ، ونشف الدم ، وجفت الدموع ، أخبرتني أنك تشتاقين إلى الأحباب الذين رحلوا ، وتركوك وحيدة ، وأنك تحلمين أحيانا بأنهم يزورونك ، ويبادلونك الحديث ، سائلين عن أحوالك ، مطمئنين على صحتك ،،،، غادرتك وأنا على يقين أنك بخير ، وان الأحزان التي مررت بها لم تعد قادرة على هزيمة القوة الكامنة في أعماقك ،،، تنيت أن أكون مثلك ، أتحلى بنفس التفاؤل ، وتلك القدرة الكبيرة على انتزاع الضحكة من بين براثن الألم
وأنا جالسة في منزلي ، أشاهد إحدى الفضائيات ، رأيت أمام عيني ، مشهدا لتفجير سوق شعبي ، بسيارة مفخخة ، رأيت الضحايا المقتولين ، ينقلون ، كنت أنت بعينك ، بعباءتك السوداء السميكة ، ووشاحك الثقيل ، ترقدين بسلام ،لا أحد بجانبك ، فقدت الجميع ولم تتمكني من توديعهم ، ولم تعثري على قبور لهم فقد لا يكون لهم قبور ، وها أنت تقتلين ، بأيد غادرة ، فمن سيقوم بما يلزمك من دفن وبكاء ، وإنزال داخل القبر ، قد تشبهين أحبابك الذين رحلوا في أنك لا تحصلين على القبر فيضم جثمانك ،،،، أمعن النظر اليك ،، لان الكاميرا تتوقف عندك طويلا ،، فأرى طيف ابتسامة ، تلوح على وجهك ، لقد استطاعوا أن يقمعوا تلك الضحكة المجلجلة ، كما نجحوا في ان يفقدوني ، صديقتي الوحيدة



#صبيحة_شبر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكيل بمكيالين : قصة قصيرة
- وهل يحيي الندم ما مات مني ؟ قصة قصيرة
- جزاء سنمار : قصة قصيرة
- الاستقالة : قصة قصيرة
- انت لست حبيبتي: قصة قصيرة
- بتحالف قيم اجعل حيات افضل
- مفهوم للمساواة جديد: قصة قصيرة
- ان كنت تريد التغيير فاختر تحالف قيم
- الذاكرة المعطوبة : قصة قصيرة
- زهايمر : قصة قصيرة
- الجمال المتهم : قصة قصيرة
- مستقبل نظريات الاتصال
- الخدعة : قصة قصيرة
- اصرار : قصة قصيرة
- اتهام: فصة قصيرة
- حلم ينبثق : قصة قصيرة
- افشوا السلام : قصة قصيرة
- الاعمى : قصة قصيرة
- السفر : قصة قصيرة
- الرحيل : قصة قصيرة


المزيد.....




- مبادرة جديدة لهيئة الأفلام السعودية
- صورة طفل فلسطيني بترت ذراعاه تفوز بجائزة وورلد برس فوتو
- موجة من الغضب والانتقادات بعد قرار فصل سلاف فواخرجي من نقابة ...
- فيلم -فانون- :هل قاطعته دور السينما لأنه يتناول الاستعمار ال ...
- فصل سلاف فواخرجي من نقابة فناني سوريا
- -بيت مال القدس- تقارب موضوع ترسيخ المعرفة بعناصر الثقافة الم ...
- الكوميدي الأميركي نيت بارغاتزي يقدم حفل توزيع جوائز إيمي
- نقابة الفنانين السوريين تشطب سلاف فواخرجي بسبب بشار الاسد!! ...
- -قصص تروى وتروى-.. مهرجان -أفلام السعودية- بدورته الـ11
- مناظرة افتراضية تكشف ما يحرّك حياتنا... الطباعة أم GPS؟


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبيحة شبر - رسالة اخيرة