|
عدنان الصائغ حين تأبط منفاه واغترب
علي وجيه الموسوي
الحوار المتمدن-العدد: 1745 - 2006 / 11 / 25 - 11:44
المحور:
مقابلات و حوارات
عدنان الصائغ، حين خرج من الحرب سهواً تأبط منفى واغترب، اشتعلت سنواته حنينا بعد منفيين واوطان عدة، أمطرت عليه غيمة الصمغ لكنه سرعان ما وجد نفسه تحت سماء غريبة ليكتب بعدها بالاظافر الى جانب حبيبته تحت نصب الحرية وهو يشاهد مراياها. عدنان الصائغ هو صراخ بحجم الوطن الذي انشد نشيد أوروك وغناه على جسر الكوفة مع العصافير التي لاتحب الرصاص لكنه عرف بأن السماء في خوذة وهي خوذة الشعر التي ارتداها ليصوغ الصائغ بعدها اوطاناً من الدمع كان لنا لقاء مع الصائغ الذي اكتشفنا فيه الكثير من الامور أولها سعة صدره:
* عدنان الصائغ أين أنت الآن؟
- أنا في القصيدة، بعيداً عن نثر الحياة. أنا في الوطن، بعيداً عن الشعارات والأحزاب. أنا في الشارع، بعيداً عن الأبراج، أنا في العزلة، بعيداً عن الأبواق. أنا في اليقين، قريباً من الشك. أنا في الشك، قريباً من الله. أنا في مشغلي، قريباً من التأمل. أنا في تأملي قريباً من الجمرة. أنا في الجمرة، قريباً من الشعر..
* ما حدث لك في المربد الأخير عدّه البعض حادثة مفتعلة ومفبركة أراد الصائغ من خلالها اثارة الجدل حول شخصيته الشعرية ماذا تقول بذلك؟ وماذا تقول للادباء العزّل الذين يهددون كل يوم؟
- لا أحتاج لافتعال أزمة أو حادثة.. ففي بلدي وانسان بلدي من الأزمات والأحداث المهولة ما يغطي الأرض كلها.. الحادثة وقعت في مهرجان شعري كبير هو المربد، ورآها وسمع بها جلّ شعراء العراق، من جنوبه إلى شماله، وكتب عنها الكثير من الأقلام الجريئة ووسائل الإعلام التي كانت حاضرة في المهرجان، ونشرتها صحيفة "الحياة" اللبنانية على صفحتها الأولى. بصراحة أقول، لم يرد مثل هذا "الطنين" إلا من بعض الفارغين أو المحسوبين على تلك المليشيات الظلامية.. وقد أردوا من خلاله اثارة الغبار لحجب مشهد الجريمة البشعة، جريمة تهديد الكلمة الحرة وخنقها وقتلها.. فما الذي كنت تتوقع أن أن يقولوا غير ذلك.. بالتأكيد ليس لديهم غير هذا الإدعاء المضحك. فأي عاقل أو ربع عاقل يصدق أن شاعراً يعرّض عنقه للذبح من أجل "اثارة الجدل حول شخصيته الشعرية".. لكن الرب الذي أحب وأومن وبعض الأدباء الرائعين الذين شهدوا الواقعة فضحوا ذلك الإدعاء الفارغ بعد أن تسرب فيلم حي قام أحدهم بتسجيله ليكشف هذه المرة بالصورة الواضحة تفاصيل تلك اللحظات الرهيبة، وظهر فيها ذلك الظلاميّ المقتحم، وهو يتجه إلى حيث أجلس، ليوجه سبابته قريباً من عيني بينما كانت عيناه الحمراوان الشريرتان تجدحان شرراً... وقد تناقل هذا الفيلم العديد من سائل الإعلام والمواقع، وانتشر بين الملأ داخل العراق وخارجه.. فلم يعد أمام مثيري الغبار وصنّاع الموت سوى أن يلوذوا بصمتهم وعارهم.. أما ما أقوله للادباء العزّل، هو أن لا يخيفهم هذا الظلام والزعيق وأن لا يسكتوا أبداً.. وأن تتكاتف الأقلام، متذكرة صرحة "ثور" أبن المقفع في "كليلة ودمنة": "إنما أُكلت يوم أُكل الخروف الأبيض".. كي لا يقدم المثقف زميله الآخر لفك الوحش، أو يسكت أمام جريمة التهامه ومصادرته، من أجل أن يبقى هو "سالماً غانماً".. لتكن أقدامنا أكثر صلابة وإن كانت الأرض التي تحتنا مترجرجة.. فإن انهزم المثقف أو سقط.. فسيسقط كل شيء.. ولهذا نحتاج إلى دعم المثقف وحمايته وصون حريته وكرامته.. وإلا فلن يظل أمام المثقف الحر والأعزل سوى الرحيل.. وهذا موت آخر.. إن لم أقل انهزاماً آخر.. أي مفارقة مرّة ومفجعة.. أن يحدث لنا هذا في زمننا الجديد، بعد طول مكابدات وتضحيات وانتظار لبزوغ الحرية، وحلم بسقوط الفاشية..
* الجيل الثمانيني ذو الأسماء المهمة هل أدى تطبيله للحرب إلى خفوته؟ أم هناك أسباب أخرى؟
- لم يكم الجيل الثمانيني كله مطبلاً.. هناك من كتب عن الحرب لكن بصورة مغايرة تماماً.. نصوصه كانت تومض بالتماعاتها الإنسانية الباهرة والفريدة.. وهناك من حلّق بعيداً عن كل هذا الواقع، تغريباً أو ترميزاً أو صمتاً أو نفياً. وهناك أيضاً من كتب بما يشبه التطبيل والتزمير والتصفيق والتهريج.. وبهذا يمكن أن يكون في البعض مما ذكرته صحيحاً أي من وقع أو أُوقع في هذا الشرك المهين، فخفتت أصواتهم حالما خفتت طبول الحرب وقرقعة الحماسات.. فلم يعد ثمة حاجة انسانية (أي القاريء) وحتى إعلامية (أي السلطة) لمثل هذا الخوار.. لكن قد تكون هناك أسباب أخرى لخفوت بعض الأسماء منها ضعف التجربة وقصورها أو عدم جديتها أو انشغالاتها الحياتية والوظيفية والسياسية وغير ذلك من الانزياحات التي ذهبت بهم بعيداً عن حقول الشعر.. وفي مثل هذا يتجلى ويتأكد رهان الشعر الحقيقي عن غيره، في مضمار الاشراق والإبداع والتأثير.. فزبد الحماسات والإدعاء يذهب جفاءً، ويبقى دائماً ما ينفع ويمتع ويتجذر عميقاً في الروح والأرض والفكر والتاريخ.. ذلك أن من بين أهم رهانات الشعر وخصائصه الإبداعية هو قدرته على الدهشة والتأثير أمام غربلة الزمن وتبدل الأحوال وتغير الذائقات والمدارس والخ.. وهي حتمية طبيعية – حال كل الفنون والأفكار - أن يبقى من كل مرحلة أو جمهرة أو جماعة عددٌ قليلٌ أو لا يبقى أحدٌ بالمرة.. يقول ذلك الكاتب العبقري الذي تخيل الفردوس عبارة عن مكتبة، واعني به بورخس: "إذا بقي من أكبر كبار الكتاب سطراً واحداً، فيكون قد عمل شيئاً عظيماً".. خذ الخمسينيين، وخذ الستينيين، وخذ السبعينيين، واحصِ عدد الذين ظلوا وثبتوا من طوفانات تلك التجارب وعدد الذين انحسروا أو غرقوا في اليم..
* هجرة المبدع العراقي من جديد وغياب بعض الأسماء الابداعية عن المشهد العراقي كيف ترى ذلك؟
- مشكلة المبدع في العراق أو في أي بلد في العالم، بل وفي أي زمان. هي مشكلة الحرية.. "الحرية هي اولاً" كما يقول الشاعر اليوناني ريتسوس. فعندما تنعدم أو ينخفض منسوب الحرية، تجف الحقول وتبور الأرواح.. فتهرب الطيور إلى مرابع أخرى.. بحثاً عن فضاءات الحرية الأرحب.. لقد شهد العراق - في عقوده الأخيرة تحديداً - نزوحاً جماعياً فاجعاً للمثقفين بمختلف مشاربهم، كان سببها الأول والأهم هو تقلص بقع الحرية حد الاختناق واشتداد القمع وازياد مقصات الرقابة.. و .. و.. وبعد سقوط الصنم تنفس المثقفون الصعداء، في الداخل والخارج، على حد سواء.. وحلم المبعدون بالعودة وحزموا حقائبهم - وأنا واحد منهم - لكن بعد أن رأينا ورأيتم من صعود أصنام جديدة بلبوس جديدة وبأدوات قمع جديدة، انتكس أو تلاشى الحلم، وعاد أغلب العائدين، إلى منافيهم ثانيةً.. ولم يقتصر هذا الأمر على المنفيين القدامى، بل أن من ظل كل تلك السنوات القاحلة القاتلة يغالب النفس والوضع على البقاء، اضطر أخيراً إلى الهجرة بعد أن ضاقت به السبل ولم يعد أمامه أملاً أو طريقاً آخر غير أن يبيع ما تبقى من كتبه وأثاثه ليهاجر أما حفاظاً على قلمه أو عنقه أو كلاهما معاً. أما السكوت أو الانسحاق أو الانخراط في الجوقة.. الجوقة نفسها وان تبدلت شعاراتها ووجوهها ومسدساتها وكروشها، هذا بالإضافة الى ميلشيات الموت والطوائف وعصابات الخطف والوضع السياسي الملتهب والمتردي.. إن مشهد الخراب والسرقات، والمفخخات، والميلشيات، والعمائم السياسية، والاحتلال وعصابات النظام البائد، ومخابرات دول الجوار، انتج منظومة ظلامية متشابكة المصالح والأهداف لن يجد البلد منها فكاكاً سهلاً.. إن هذا الوضع يتطلب منا جميعاً: وقفة وتأملاً وتفكيراً ومراجعة ودراسة واستشرافاً وضميراً حياً ووعياً حراً ونضالاً نزيهاً ومسؤولية اخلاقية ووطنية وانسانية لايجاد مخرج من هذا النفق الذي دخلنا أو أُدخلنا فيه.. لا عودة للمثقف الا باستتباب الحرية. ولا وجود للحرية بغياب الوعي. ولا وجود للوعي بغياب المثقف. وهكذا ظلت عجلة المعضلة تدور في الفراغ وتدور دون أن تصل إلى حل أو إلى مخرج معقول..
* يشهد المشهد الشعري العراقي سجالاً حاداً بين قصيدة الشعر التي يدعو إليها بعض الشعراء الشباب وبين قصيدة النثر مع أي من الأطراف يقف عدنان الصائغ؟
* سيظل السجال حاداً وساخناً ما دام هنالك قديم وجديد.. ما دام هنالك ليل ونهار.. حياة وموت.. حتى هذا الجديد الذي يدور الحديث عنه اليوم سيصبح - بعد عقود من السنوات - قديماً ويبدأ الجديد من جديد بالثورة عليه.. هكذا هي طبيعة الحياة، وهذه هي إحدى مفاهيم الحداثة.. وتتبّعْ معي من ثورة أبي تمام على عمود الشعر وحتى ثورة السياب عليه، ثم ثورة شعراء قصيدة عليه أو عليهما معاً.. وهلم جرا.. تجد أن تاريخ الإبداع في ثورات وتمردات دائمة لا تقف عند حد أو سد.. أنا مع الجديد دائماً طالما هو استمرار الحياة نفسها.. وقد جربتُ كالكثيرين من أبناء جيلي تلك المحطات جميعها. فبدأت بالقصيدة العمودية في بداياتي وكانت لي محاولات لا بأس بها ضممت بعضها في دواويني الأولى.. ثم أخذتني القصيدة الحرة، فكانت جلَّ تحربتي.. وبعدها قصيدة النثر.. وأشتغل الآن على نص مفتوح طويل أسميته "نرد النص" وفي بعضٍ منه تنجمع هذه الأنواع كلها وتتلاقى، بل ويلتحم بها بعض فنون ابداعية أخرى.
* قبل فترة قليلة ناقش الشاعر عارف الساعدي رساله عن شعر عدنان الصائغ لكنه استبعد منجزاً مهماً لعدنان الصائغ ألا وهو "نشيد أوروك"، وقصيدة النثر، بصورة عامة ،كيف تفسر ذلك؟
- لم أتدخل في اختيار الشاعر والباحث عارف الساعدي ولا المساحة التي أراد الاشتغال عليها.. فهو أدرى بمشروعه مني.. وكنتُ بمنأى عن مسارات حركته وبحثه داخل نصوصي وروحي، رغم تحرّق أي شاعر وفضوله الطبيعي لمعرفة أو تتبع تلك الرحلة الاستكشافية وما أضافت أو توصلت إليه. ذلك لإيماني بحرية الباحث. وأن يرى ويدرس تجربة الشاعر من خلال جوهر النص ومناخ النص ومرجعيات النص. بعيداً عن تأثيرات الشاعر الشخصية أو أي تأثيرات أخرى.. فالنص هو ما سيبقى من الشاعر في الأخير.. ويبدو أن سؤالك هذا قد واجه الساعدي أثناء تحضيراته لإطروحته أو بعدها فأجاب كما نقل لي أحد الأصدقاء أن النشيد يحتاج وحده إلى دراسة منفصلة أو اطروحة أخرى لطالب آخر ربما لغزارة ما فيه.. وأنا معه ومعك أتمنى أن يتاح للنشيد باحث يأخذ على عاتقه هذا العمل..
ما رايك بالأسماء التالية:
* مجاهد ابو الهيل: - إلا تشم معي رائحة الهيل في روحه وشعره؟
* حسين القاصد: - متمكن من صنعته في بعض ما قرأت له.
* خضير ميري: - أجمل الفلاسفة الذين استضافتهم مستشفى الأمراض العقلية [الشماعية] في بغداد، أيام العهد البائد.
* عبد الرزاق الربيعي: طفولة الشاعر الباهرة، والخيبات الباهرة.. أحبه شاعراً وانساناً وموقفاً..
#علي_وجيه_الموسوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا
...
-
مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب
...
-
الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن
...
-
بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما
...
-
على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم
...
-
فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
-
بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت
...
-
المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري
...
-
سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في
...
-
خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|