|
حول مسألة الجنس
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 7851 - 2024 / 1 / 9 - 20:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ شروعي في العمل على هذه المادة ، وانا اتعرض لهجوم البوليس السياسي حتى لا يتم التحرير ، ولا يتم النشر / الدولة البوليسية المزاجية الارتجالية. اثارت مسألة الجنس وسط المجتمع العربي ، كثيرا من المواقف التي شغلت سنين وسنين ، ولا تزال مطروحة بحدة ، دون الوصول الى تحقيق منظومات تساير الركب وتساير التطور ، كما يجري به العمل في المجتمعات المتحضرة والمدنية . وبالرجوع الى كيفية طرح الإشكالية بالمجتمع العربي ، سنستشف ، موقفين طاغيين ، كلا هما يتموقع في التطرف ، وكلاهما عجزا في طرح متغيرات تسير بالعلاقة وبمسألة الجنس ، الى المعالجة المنطقية ، خاصة الوسطية التي تبتعد عن موقفي التطرف . فللموضوع أهميته القصوى بسبب السقوط في التحريفية والتأويلات الذاتية ، وبدأوا ينظرون الى الجنس كبديل للقمع المسلط من طرف المجتمع حول هذه القضية ، مشاعة الجنس في اطار علاقتهم ، غير ان المرور الى التطبيق ، اصطدم بالمواقف التقليدية التي تنسب نفسها الى جهاز المحافظة ، طبعا يدخل فيه طقوسية الدولة المتخلفة .. ان اثارت هذا الموضوع الخطير ، وفي دولة طقوسية لا تختلف عن الطقوسية المنعم بها في البلاد العربية ، وفي غياب الموقف العقلاني من المسألة ، وبالتالي يسقط الجميع في انحرافين : يميني ان صح التعبير ، والذي يدعو الى التزمت وتغييب العلاقة مع الآخر الا في اطار علاقة مستغَل ومستغِل التي يقننها الزواج خاصة الطقوسي ، والزواج البرجوازي ... وانحراف يسراوي دائما ان صح التعبير ، الذي يجعل من معركته الأساسية ، انجاز اكبر عدد من المغامرات ، تحت ستار التحرر والثورة الثقافية . ان الهدف الثاني الذي نتوخاه من نشر هذا البحث ، ولخطورة الموضوع ، هو اثارة هذه الإشكالية ، بموضوعية حتى نزيل اللثام عن حقيقية المسألة كما يجب ان تعالج ، ولكي لا يتم تغييب الأساسي من اجل الثانوي .. من المتفق عليه من قبل السوسيولوجيين ، والسيكولوجيين ، ان الانسان لا يموت من غياب الجنس ، ولكنه يموت من غياب الخبز / القوت و الدواء / العلاج ، والفكر / الوعي بالذات وبالآخر وبالعالم . لم تشيد حضارة او مدنية في التاريخ على الاشباع الجنسي ، بل على كبته / قمعه وضبطه ، وتنظيمه بشكل من الاشكال . ما يكبت من الجنس ، الجانب الحيواني في الانسان ، يفيض ليطفح على صفحاتي التاريخ : السدود الأولى في التاريخ ، المدن الأولى في التاريخ ، الاهرام الأولى في التاريخ ، الاعمال الإنسانية الضخمة أنجزت في غمرة الكبت والحرمان الجنسي . الفكر والفلسفة اليونانيان اللذان جاءا على غير مثال في تطور الفكر عصرا من رحيق حياة العبيد . عندما كبت وحرم جزء من المجتمع الاغريقي من نزوعه الذاتي ليصرف في شكل عمل منتج ، حيث اعتبر العبيد أدوات / آلات حية . نحن لا ننطلق هنا من موقع تبريري للكبت والحرمان ، خصوصا ونحن نقصد هنا عملية الكبت في اطار مخاض الصراع الطبقي ، وبروزه بشكل جلي عبر الانتقال من المشاعية البدائية ، الى المجتمع العبودي الطبقي . في اطار المجتمع البدائي ، حيث مشاعية موارد العيش ، ظل الاشباع الجنسي مشاعيا ، وبالتالي بدائيا ، ما قبل تنظيمي ، لا مؤسساتي ، ولم يكن الانسان البدائي يعاني من الحرمان الجنسي ، بقدر معاناته من شظف العيش وندرته .وكثرة الاهوال والمخاوف وجسامتها ، تقلبات الطبيعة وخطورتها على امن الانسان البدائي . ومن ثمة لم يكن الجنس حافزا على العمل والابداع والإنتاج . وعبر العمليات الاجتماعية ، وعبر ديناميات الصراع مع الطبيعة وبين الانسان من اجل البقاء ، برز الجنس كعامل له خطورته في حياة المجتمع / القبيلة ،حيث تسند مهام القيادة / الزعامة ، والسياسة / الكهانة ، والتفكير لزعيم القبيلة ... وتجدر الإشارة ان المشاعية لم تكن مطلقة ، إذ ان بروز الزعامات نقل المشاعية في مجال الجنس من مستواها المجتمعي Macrocosmique ، الى المستوى الفردي Microcosmique ، فغلت ايدي عامة القبيلة عن النساء ، لتطلق يد الزعيم فوق جميع الايدي ، وظهرت قوانين المنع والتحريم L’inceste مثلا في صور واشكال تختلف باختلاف الظروف والاحوال . اننا لا نقصد من خلال هذا السرد التاريخي ، أن نعطي درسا حول تطور مفهوم الجنس ، ولكننا نقصد بالضبط ، تبيان ان حلقات التاريخ في مجال الجنس ، كانت لولبية تطورية ، تعتبر كل حلقة من حلقات التاريخ ارقى من التي تقدمتها . فعلى هذا الأساس ، فالبحث عن نقلة او قفزة ، تنقلنا من مرحلة العقم والركود والتخلف في هذا المجال بالتحديد ، لن يكون بالرجوع القهقري ، لن يكون بالعودة والحنين الى المشاعة البدائية ، ذلك ان هذا الشكل من الاشكال الطموح ، أقل ما يمكن ان يوصف به سلفية نصوص الى الوراء . انه إعادة للتاريخ ، غير ان التاريخ لا يعيد نفسه مهما كانت محاولات إعادة انتاج الماضي السحيق . ان مرحلة الاحتكار في مجال الجنس التي ترتبت عن عملية الاحتكار في موارد القوت ، كانت ارقى من سابقاتها المشاعية لأنها على الأقل نقلت المجتمع من سكونية قاتلة ( غياب الصراع الطبقي ) ، الى حركية منتجة ، حيث خلخلت البناء السابق ، وعرضته للانهيار ، لتقيم على إنقاذه أسس بناء جديد لا يلبث ان يهرم ويرشى ، لتدعو الضرورة الى هدمه من جديد ، حتى يستجيب لحاجيات المجتمع الجديدة .. وهكذا ، فعملية الاحتكار التي تبدو لنا الآن كظاهرة مرضية ، لو فصلناها عن ذاتنا ، عن شعورنا الآن ، لنضعها في اطارها التاريخي ، لأدركنا مدى تقدميتها بالنسبة لسابقاتها المشاعية البدائية . انها تراكم الإنتاج في ايدي مجموعة معينة / نخبة ، وتحدث بالتالي خللا في توازن أسس المجتمع البدائي ، فضلا عن انها ملازمة لظهور السلطة / التنظيم . أي سن وخلق قوانين وضوابط يسير عليها المجتمع ، عوض الفوضى والتلقائية والعفوية / البداوة . ومن ابجديات التطور نقل السلط وقلبها وتغييرها ، وبالتالي تثوير القوانين والأعراف والدساتير ، ولائحة الممنوعات والمحرمات ، لتتلاءم مع دينامية التحول في الواقع المعاش ، ومستلزمات ترسيخ التحولات / الثورات . ان البحث عن بديل تاريخي طموح الى الامام ، لا يتم الا على أرضية تاريخية واقعية . ولعل مقياس التطور الأصيل هو مدى واقعيته ، طالما ان الاصالة هي الواقع بكل تناقضاته وتجلياته ، وتبقى المعاصرة في منظورنا هي الاستناد والاستنارة بالأسلوب / المنهج العلمي الذي أحرزته الإنسانية في مجال البحث والتنقيب . فالبديل التاريخي اذن لصورة ومضمون تصريف الجنس في مجتمعنا الحاضر ، ليس العودة الى المشاعية البدائية ، لان هذه العودة السلفية قاتلة ، وإعادة انتاج للبداوة ، ولو لبست لبوسا ثوري ، لان في هذه العودة السخيفة يتجلى غياب منطق التاريخ / الجدل ، وغياب الواقعية والعقلنة ، وهيمنة " الاجتهادات " التحريفية التعتيمية ، المترتبة أساسا عن غياب الادراك الموضوعي لما هو كائن في الواقع ، وهيمنة ما ينبغي ان يكون بالاستناد على منطق الذات / الرغبة الذاتية . ان ما ينبغي ان يكون ليس ذاتيا نرجسيا طالما ان " ألما ينبغي ان يكون " ، نريد ثوريا يعم المجتمع بأكمله . فحضور النرجسي في اطار ما نريده ثوريا ، يجعل انجاز الثورة مستحيلا او مشوها .. ماذا تضيف المشاعة الجنسية الى حصيلة مكتسبات قضية المرأة ؟ . الا يصح ان نقول انها تعزز النظرية التقليدية القائلة بشيطانيتها وشرها ؟ .ماذا تفيد المشاعة الجنسية في سبيل تثوير او على الأقل تقدم اصلاح مدونة الأحوال الشخصية ؟ . هل هذا هو كل ما يمكن ان تجود به قريحة الثوريين بخصوص دعم حقوق المرأة وانتزاعها لها .؟ وفي النهاية ، ماذا سنربح ، وماذا سنخسر في ظل المشاعة الجنسية ، وبالتحديد ، في ظل أوضاع مجتمعتنا هذا ؟ . أي طرح لشيوعية الجنس ، في ظل مجتمع فاحش التراتب ؟ . هل تريدون توزيعا عادلا للجنس ، ام اشباعا فاحشا ( فضائح البترودولار ) ؟ . ان التوزيع العادل ، يعني ضبط وتقنين وتنظيم للعلاقات الجنسية . وما دام التنظيم الراهن غير عادل وتقليدي ومتخلف .. الى غير ذلك من الاوصاف ، فالمهام المطروح إنجازها الآن ، هي التركيز على هذه الاشكال ، هي إحلال قواعد وقوانين تنظيمية ثورية ، تحل محل القوانين العتيقة . فحق الطلاق مثلا بيد المرأة والرجل على حد سواء . حق اختيار شريك الحياة من دون تدخل طرف ثالث . الغاء " الرسوم الجمركية " على مؤسسة الزواج ، أي الغاء المهر او الصدقاء / البيع والشراء . حق التصويت والترشيح وولوج مختلف الاسلاك داخل مؤسسات المجتمع السياسية والاجتماعية . اذن اين نحن من هذه الحقوق البسيطة ؟ . ام ان النزوع الذاتي ضبب ادراك الشباب التائه من دون بوصلة ؟ . هل ستشعرون وانتم تمارسون المشاعة ، انكم تخلصتم بالجملة ، من رواسب المجتمع التقليدي ؟ . الم يشته البعض اكثر من قدره العادل ؟ . الم يشته البعض بحساسية تقليدية ؟ . وأين مكان الحب الذي هو شرط تعايش الانسان مع الانسان ، تلك العلاقة التي تنبثق منها ضرورة الدفاع والتضحية من اجل من نحبه ؟ . وأخيرا . متى كان مشروع الثورة الجنسية ، اسبق من الثورة الاجتماعية والسياسية والثقافية ، ام انها اسبق ، لأنها اقرب الى الذات ، حيث يصبح كل كلام ثوري مجرد غطاء وتدليس للوصول لإشباع رغبات ذاتية / انانية ؟ . ان للثورة اخلاقياتها وآدابها ، وبالتحديد ايديولوجيتها القابلة طبعا للتطوير ، في اتجاه ما هو احسن واعقل ، وما هو اعم نفعا . ان الثورة التزام صارم بعد اختيار حر . ونجاح المشروع الثوري ، رهين بمدى احترام هذا الالتزام ، ومدى التفاني والاستعداد للتضحية من اجله . والايمان بالثورة عن قناعة وفهم يتنافى مع عبادة الذات ، وتضخمها ، والالتزام والانضباط لا يتنافى مع الحرية ، والحرية مفهومة هنا كوعي للضرورة بشكل عقلاني وموضوعي . ان الالتزام بهذا الشكل ، هو امتحان الثوار العسير ، والا فليختاروا الدفء والفراش الوثير ، والجسم الناعم ، والحياة السهلة ، بدل الخنادق والسجون ومخافر التعذيب ، ولهربوا من امام المدافع . ان التزام الرجل في مجال الجنس مع امرأة معناه أولا ، احترام وتقدير لباقي البشر ، في حين يبقى الخروج عن هذه الدائرة من الالتزام ، اختلاسا بسرقة ، واستهتارا بحقوق الاخرين . ان اختيار طريق الالتزام ، عوض الإباحية ، هو مقياس الثورية في هذا المجال ، ما دامت الثورة تنظيم ونظام والتزام ، ويبقى اشبه الخروج اذن عن الالتزام باستعمال الرشوة لقضاء غرض ما ، بدل المواجهة التي تتطلب وعيا وتنظيما وتركيبا للأمور من اجل انتزاع الحقوق ..
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انقلاب الدولة البوليسية
-
من يعترف بالشعب الصحراوي ، ومن يعرقل حل نزاع الصحراء الغربية
...
-
الشعب الصحراوي
-
أين هو ؟ مسافر ولن يعود
-
الأمين العام الأمم المتحدة السيد أنطونيو گتريس
-
آليات السيطرة والعنف في المجتمعات المتخلفة
-
من هو الشخص الذي سرق الدولة ، وسرق كل المغرب ، أمام أعين الج
...
-
الموقف من المسألة الثقافية
-
من 14 دجنبر 1960 ، الى 13 دجنبر 2023 ، أربعة وستون سنة مرت .
...
-
الديمقراطية الحقيقية محور الصراع مع الدولة البوليسية فإمّا ا
...
-
وظائف الانتخابات في الدولة البوليسية
-
الدولة البوليسية والجريمة السياسية
-
حركة التحرر العربية : أزمة عارضة ، أم ازمة بنيوية ؟ تحليل.
-
القمع ، والقتل ، والتقتيل ، والاغتيال في دولة امير المؤمنين
...
-
القمع ، والقتل ، والتقتيل ، والاغتيال في دولة امير المؤمنين
...
-
آن الأوان لاستبدال العمامة برأس حقيقي ..
-
الناس على دين ملوكها
-
دور الطقوس والتقليدانية في استمرارية النظام المخزني البوليسي
...
-
ما العمل في وضع كالذي نحن فيه عربيا وجغرافيا محليا ودوليا ؟
-
هل هاجمت جبهة البوليساريو الجنوب الشرقي للمغرب
المزيد.....
-
الرسوم الجمركية.. ترامب يعلن تطورًا جديدًا بعد اتصال مع رئيس
...
-
الشرع يتحدث لـ-تلفزيون سوريا- عن معركة إسقاط النظام: خطط لها
...
-
ترامب يفرض رسوماً جمركية إضافية.. فمن الدول المتأثرة وكيف رد
...
-
أحمد الشرع يبدأ أولى زياراته الخارجية إلى السعودية ويؤدي منا
...
-
تبون يتحدث عن شرطه الوحيد للتطبيع مع إسرائيل، ما هو؟
-
نور عريضة تتحدث لترندينغ عن حملتها مع هيفاء وهبي ضد التحرش ا
...
-
-مخاطرة بأمننا-.. شولتس يهاجم المحافظين بسبب تشديد الهجرة
-
حكومة غزة: الاحتلال الإسرائيلي يماطل في تنفيذ البروتوكول الإ
...
-
رئيس الوزراء الكرواتي يعلق على فكرة ترامب حول فرض رسوم على ا
...
-
على خلفية تصريحات ترامب.. غرينلاند تخطط لتشديد قيود التبرعات
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|