أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبد المجيد راشد - إبتلاع الدول : سياسة الاصلاح الاقتصادى و فخ العولمة المتوحشة















المزيد.....



إبتلاع الدول : سياسة الاصلاح الاقتصادى و فخ العولمة المتوحشة


عبد المجيد راشد

الحوار المتمدن-العدد: 1744 - 2006 / 11 / 24 - 10:16
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


جاء تبني الدول التى طبقت ما يسمى " بسياسة الإصلاح الاقتصادي " على خلفية الأزمة الاقتصادية التي عانت منها هذه الدول بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة ، والتي أفرزت آثاراً سلبية على أوضاعها السياسية والاجتماعية الداخلية ، مما دفعها إلى الاتجاه نحو نادي باريس ومؤسسات التمويل الدولية لجدولة ديونها وللحصول على تسهيلات اقتصادية تساعدها على تصحيح الخلل في هياكلها الاقتصادية ، وفي جميع الحالات ، فإن صندوق النقد والبنك الدوليين يشترطان على دول الجنوب التي تلجأ إليهما ضرورة التزامها بتنفيذ وصفتيهما للإصلاح الاقتصادي حتى يتسنى لها الحصول على ا لتسهيلات المطلوبة.(1 )

ولم يكن إتباع الوصفات السياسية لصندوق النقد الدولي بمقتضي برنامج التكييف الهيكلي شرطاً فحسب للحصول على قروض من المؤسسات متعددة الأطراف ، بل وفر كذلك " الضوء الأخضر " لنادي باريس ولندن والمستثمرين الأجانب والمؤسسات المصرفية التجارية والمانحين الثنائيين ، وواجهت البلدان التي رفضت قبول تدابير الصندوق السياسية التصحيحية صعوبات خطيرة في إعادة جدولة ديونها أو الحصول على قروض تنمية ومساعدات دولية جديدة( 2) . وهذه هي الطريقة التي تم بها إخضاع البلدان ذات السيادة لوصاية المؤسسات المالية الدولية .

فلأن البلدان كانت مدينة، فقد تمكنت مؤسسات بريتون وودز من إلزامها – عن طريق ما يسمي "بالمشروطيات" المرتبطة باتفاقيات القروض – بإعادة توجيه سياسة اقتصادها الكلي توجهاً " مناسباً " وفقاً لمصالح الدائنين الرسميين والتجاريين . ودائماً ما تُطلب إصلاحات جوهرية قبل إجراء مفاوضات القرض الفعلية ، فعلي الحكومة أن تقدم شاهداً لصندوق النقد الدولي على أنها تلتزم جدياً بالإصلاح الاقتصادي . وكثيراً ما تأخذ هذه العملية شكل ما يسمي " خطاب النوايا " المقدم إلى صندوق النقد الدولي والذي يحدد اتجاهات الحكومة الرئيسية في سياسة الاقتصاد الكلي وإدارة الدين.(3 )

وثمة نقطة هامة جديرة بالتسجيل في هذا المقام وهي أن الاتجاه نحو تنفيذ برامج التثبيت الاقتصادي والتكيف الهيكلي و المسماة "بسياسة الاصلاح الاقتصادى " وما ينطوي عليه من انفتاح وتحرر واعمال لآليات اقتصاد السوق ، هذا الاتجاه لم يأت كنتيجة لضغوط داخلية من قبل القوى والفئات الرأسمالية ، التي اتسمت – ولا تزال – بالضعف والهشاشة والتبعية لرأس المال العالمي في عديد من الدول، ولكنه اقترن في جانب هام منه بضغوط بعض القوى والمؤسسات الخارجية وبخاصة صندوق النقد والبنك الدوليين ، كما أن الدولة بأجهزتها ومؤسساتها هي التي تدير عملية تطبيق برامج التثبيت والتكيف.(4)

وبذلك فإن العوامل الخارجية خاصة الضغوط التي مارستها مؤسسات التمويل الدولية هي العامل الحاسم في توجيه السياسة الاقتصادية لاتخاذ إجراءات ما يسمي " بالإصلاح الاقتصادي " ..

ففي عام 1989 صاغ الاقتصادي "جون ويليمسون" نائب رئيس البنك الدولي ما عرف " بتوافق واشنطن" .. وهو مجموعة السياسات والتوصيات والمبادئ التوجيهية التي تم التوصل إليها بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وحكومة الولايات المتحدة ، ومقر هذه الأطراف الثلاثة العاصمة الأمريكية واشنطن(5)... كما يحتوي على مجموعة من الاتفاقات غير الرسمية "اتفاقات جنتلمان" ، عقدت طيلة الثمانينات والتسعينات بين الشركات الرئيسية العابرة للقارات وبنوك وول ستريت، وبنك الاحتياطي الاتحادي الأمريكي والمنظمات المالية الدولية " البنك الدولي ، صندوق النقد الدولي .(6)

وقد صاغ جون ويليمسون "التوافق" ومبادئه الأساسية بزعم أنها تطبق على أي فترة تاريخية ، وأي اقتصاد ، وأي قارة ، وباستهداف التوصل بأسرع ما يمكن إلى تصفية أي هيئة أو تنظيم من جانب الدولة أو غيرها ، والتحرير الأكمل بأسرع ما يمكن لكل الأسواق "الثروات، رؤوس الأموال، الخدمات، البراءات، .. الخ" ..وفي النهاية إقامة حكم كسوق بلا دولة ، وسوق عالمي موحد ومنظم ذاتياً تماماً ..

وهذه هي المبادئ الرئيسية التي يقوم عليها:

1ـ من الضروري – في كل بلد مدين – البدء في إصلاح المالية العامة وفق معيارين: تخفيض العبء الضريبي على الدخول الأكثر ارتفاعاً ، لحفز الأغنياء على القيام باستثمار إنتاجي ، وتوسيع القاعدة الضريبية ، وبوضوح ، منع الإعفاءات الضريبية للأفقر ، من أجل زيادة مقدار الضريبة.

2 ـ أسرع وأكمل تحرير ممكن للأسواق المالية .

3 ـ ضمان المساواة في المعاملة بين الاستثمارات الوطنية والاستثمارات الأجنبية من أجل زيادة مقدار – وبالتالي ضمان – هذه الأخيرة .

4 ـ تصفية القطاع العام بقدر الإمكان ، وتخصص المنشآت التي تملكها الدولة أو هيئة شبيهة بالدولة .

5 ـ أقصي حد من إلغاء الضوابط في اقتصاد البلد ، من أجل ضمان الفعل الحر للمنافسة بين مختلف القوي الاقتصادية الموجودة .

6 ـ تعزيز حماية الملكية الخاصة .

7ـ تشجيع تحرير المبادلات بأسرع الوسائل الممكنة ، بهدف تخفيض الرسوم الجمركية بنسبة 10 في المائة كل سنة.

8 ـ لما كانت التجارة الحرة تتقدم بواسطة الصادرات فينبغي في المقام الأول تشجيع تنمية تلك القطاعات الاقتصادية القادرة على تصدير منتجاتها .

9 ـ الحد من عجز الميزانية.

10ـ خلق شفافية الأسواق : فينبغي أن تمنع معونات الدولة للعاملين الخاصين في كل مكان ، وعلى دول العالم الثالث التي تقدم دعماً من أجل إبقاء أسعار الأغذية الجارية منخفضة أن تتخلي عن هذه السياسة ، أما عن مصروفات الدولة فينبغي أن تكون للمصروفات المخصصة لتعزيز البني الأساسية الأولوية على غيرها.( )

فتوافق واشنطن ، "Washington Consenus" ، كانت أهم توجيهاته، مبدأ حكومة الحد الأدنى ، وأقل تدخل ممكن من جانب الدولة ، التثبيت الاقتصادي بفرض السيطرة على التضخم " التضخم المنخفض " ، عدم الحرص الزائد على خفض البطالة ، وتجنب العمالة الكاملة " الكثيفة " ، إحلال الواردات ، عدم وجود معدلات شديدة الارتفاع للإدخار، مثل تلك الموجودة في اليابان ، تيسير الخصخصة ، دعم الأسواق .(2)

والحديث عن " توافق واشنطن " لا ينبغي أن يمر دون الإشارة إلى الأسباب الجوهرية التي أدت إليه .

فحينما اندلعت الأزمة الاقتصادية في المنظومة الرأسمالية منذ بداية حقبة السبعينات من هذا القرن ، وأنهت بذلك سنوات الازدهار اللامع لعالم ما بعد الحرب (1945 – 1971) ، وكان من الواضح أن تلك الأزمة تختلف عن الأزمات الدورية العادية (الدورات الاقتصادية القصيرة والمتوسطة المدى ) من حيث أنها ذات طابع هيكلي طويل المدى وذلك بسبب طبيعة المرحلة الجديدة التي انتقلت إليها الرأسمالية بعد تسارع عمليات التدويل وسرعة حركة الثورة العلمية والتكنولوجية وما أحدثته من تغيرات مذهلة في قوي الإنتاج ، على أن هذه الأزمة قد عبرت عن نفسها ، في التحليل النهائي ، في أزمة تراكم رأس المال سواء في صعيده المحلي ( حيث تدهورت معدلات الربح وزادت البطالة مع التضخم ) ، أو على صعيده العالمي ( إنهيار عصر ثبات أسعار الصرف وإضطراب أسواق النقد الدولية ، أزمة أسعار النفط ، تغيير علاقات القوي النسبية بين اليابان ، وأوروبا ، والولايات المتحدة ، الاضطرابات الحادة في علاقات العجز والفائض بين الدول ) .

وفي الوقت الذي حاولت فيه البلاد الرأسمالية الصناعية أن تواجه هذه الأزمة داخلياً من خلال الليبرالية الجديدة التي راهنت على إضعاف تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي وتغيير أشكال علاقتها بالقطاع الخاص ، وهو الأمر الذي ترجم في النهاية التراجع عن الكينزية والاتجاه نحو السياسات النيوكلاسيكية المحافظة التي تؤمن بالفاعلية المطلقة لقوي السوق والحرية الفردية ، فإن الرأسمالية حاولت في صعيدها العالمي أن تواجه أزمتها عن طريق تطبيق نوع من الكينزية العالمية خلال الفترة من 1973 – 1982 حينما راحت تضخ كميات هائلة من القروض الى بلدان العالم الثالث عن طريق تدوير فوائض النفط الدولارية و السيولة المتراكمة فى السوق الاوربية للدولار لتمويل عجز موازيين مدفوعات هذه البلاد و تمكينها من تمويل وارداتها من الدول الرأسمالية الصناعية ، صحيح أن هذه الكنزية العالمية قد خفضت ، إلى حد ما من حدة الكساد التضخمي في المراكز الرأسمالية ، لكن هذه الكنزية التي استهدفت زيادة حجم الطلب الكلي الفعال العالمي من خلال الائتمان الدولي المفرط سرعان ما أدت إلى اندلاع أزمة مديونية عالمية مزعجة ، أصبحت تهدد بانهيار نظام الائتمان الدولي وحركات رؤوس الأموال القصيرة والطويلة الآجل، وأدت من ثم إلى حدوث اضطراب كبير في علاقة الشمال بالجنوب .( )

ونظراً لأن الرأسمالية تتعلم دائماً من أزماتها ، فقد أدركت أن ضبط وتنظيم علاقاتها مع بلاد العالم الثالث في مرحلة التوسع القادمة وعلى النحو الذي يجنبها من تكرار الوقوع في أزمة المديونية وعلى النحو الذي يؤهلها لاستمرار نقل ونزح الفائض الاقتصادي من هذه البلاد ، أدركت أن ذلك يتطلب خلق آليات جديدة للسيطرة على مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تلك البلاد " نمط التخصص وتقسيم العمل ، توزيع الدخل ، دور الدولة، العلاقات الاقتصادية الخارجية ، ضبط قوة العمل عند مستويات أجرية منخفضة ... الخ " . وهذه الآليات الجديدة ، التي تعرف الآن تحت مصطلح المشروطية Conditionality التي تنطوي عليها برامج التثبيت والتكيف الهيكلي ، قد شكلت ، في الحقيقة عبر دقة صياغتها وشروطها ما يمكن أن يسمى بأول مشروع أممي مُحكم لرأس المال الدولي بهدف إخضاع الجنوب لشروط التراكم والتوسع الرأسمالي في الشمال .

وهذا المشروع تروج له المنظمات الدولية ( صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ) والشركات دولية النشاط والمستثمرين الأجانب على أنه سيمكن بلاد العالم الثالث من التغلب على اختلالاتها الهيكلية والقيود التي تعوق النمو الاقتصادي وعلاج مشكلات الفقر والبطالة . وعليه فإن هذا المشروع هو عملية لا مهرب منها ويجب قبوله كما هو ، وإلا فإن الأحوال الاقتصادية والاجتماعية لهذه البلاد ستستمر في التدهور ، وستفرض عليها العزلة الدولية ، وستستبعد من التعامل . ويعتمد هذا المشروع ، في خطابه الإعلامي والأيديولوجي ، على الليبرالية المطلقة التي ترتكز على إضعاف قوة الدولة وإبعادها عن التدخل في النشاط الاقتصادي ، والاعتماد على آليات السوق والمراهنة على الدور " القائد " الذي سيلعبه القطاع الخاص ( مع تصفية القطاع العام ) والانفتاح بقوة على الاقتصاد الرأسمالي العالمي.(2)

ولو شئنا أن نحدد المصادر الفكرية التي صاغت ليبرالية التكيف التي تطبقها الآن غالبية الدول المتخلفة تحت مسمي سياسة " الإصلاح الاقتصادي " فسوف نميز هنا بين نوعين أساسيين من هذه المصادر:

النوع الأول:

هى تلك الأفكار المحددة التي اتفق عليها واضعوا التقرير الشهير المعروف باسم "تقرير بيرسون" ، أو ما يسمي باسم " شركاء في التنمية "0 (3) ، وخطورة هذا التقرير هي أنه رسم لأول مرة وبشكل محدد ، وعلى أساس عالمي ، الأسس المطلوب توافرها بالبلاد المتخلفة في صدد تعاملها مع الاستثمارات الأجنبية الخاصة ، وكل هذه الأسس تنطلق من الترسانة المعروفة للفكر الليبرالي النيو كلاسيكى وهي في النهاية تعزف على نغمة واحدة ،تنص على أنه يتعين على البلاد المتخلفة أن تفتح أبوابها على مصراعيها دون قيود أو ضوابط إذا شاءت أن تستقبل الاستثمارات الأجنبية الخاصة وأن تتخلى عن سياستها القومية والاجتماعية التي طبقتها في الماضي أيام الــمد الثوري لحركات التحرر الوطني حينما كانت تسعي لتحقيـق اسـتقلالها الاقتصـادي وتنميـتها المستقلة.( )

النوع الثاني:

هى تلك الشروط والمبادئ التي طورتها المنظمات الاقتصادية الدولية ، وبالذات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في صدد تعاملها مع البلاد المتخلفة . وخطورة هذه الشروط والمبادئ هي أنها أصبحت تعطي لهذه المنظمات حرية التدخل في الشئون الداخلية للبلاد المتخلفة التي تضطر للتعامل معها . وهو تدخل لم يعد يشمل مسائل ميزان المدفوعات وضمانات حركة رؤوس الأموال الطويلة الآجل ، بل يتعدى الأمر ليشمل التدخل في رسم كثير من السياسات الاقتصادية والاجتماعية لهذه البلاد ، مثل السياسات المالية ، وسياسات التوظيف والاستثمار ، وسياسات التجارة الخارجية وسعر الصرف ، والسياسات النقدية والائتمانية ، وسياسات التسعير والأجور ، والإعانات ... إلي اخره ".(2)

وبقدر قليل من إمعان الفكر في هذين النوعين من جماعية التحرك المشترك للرأسمالية العالمية في إعادة صياغة استراتيجية وتكتيكات تعاملها مع البلاد المتخلفة يتضح لنا كيف أن تلك الصياغة تحمل في جوهرها وطابعها العام الأفكار المتطرفة للمدرسة النقدية النيوكلاسيكية (أو ما يعرف بمدرسة شيكاغو) . وهي المدرسة التي تعتبر بمثابة ثورة مضادة للفلسفة الكينزية ، وقادت الهجوم بضراوة ضد تدخل الدولة في الشئون الاقتصادية ونادت بالعودة إلى ليبرالية السوق.(3) وقد تبنت الولايات المتحدة الأمريكية هذه السياسة في إطار تحولات السياسات الاقتصادية الأمريكية ، مع انتخاب رونالد ريجان رئيساً للولايات المتحدة عام 1980 ، حيث تبنت إدارته فكرة تقليص الدور الاقتصادي المباشر للدولة وبيع الجانب الأعظم من ممتلكاتها للقطاع الخاص أي خصخصة القطاع العام ، وهي الأفكار التي كانت مارجريت تاتشر في بريطانيا قد سبقت إلى تبينها في نهاية السبعينيات.(4)

فقد كانت المؤسسات المالية والدولية (وعلى رأسها صندوق النقد والبنك الدوليين) وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية وبقية الدول الصناعية الكبرى (G8) والتي وظفت مبالغ غير قليلة في اقتصاديات البلدان النامية وفى بورصاتها المالية تراقب تطور هذه البلدان، كما أن صـندوق النقـد الدولي كان يلح بإستمرار ويضغــط على حكـومـات تـلك البلدان لانتهاج سياسـة الاصـلاح الاقتـصادى " التثبيت و التكيف الهيكلى " في اقتصاديات تلك البلدان بما يتجاوب مع واقع تقسيم العمل الدولي القائم ومع مصالح اقتصاديات بلدان المراكز الرأسمالية المتقدمة مما يجعلها خاضعة كلية لقرارات تلك المؤسسات والدول الصناعية المتقدمة ويلغى عملياً القرار الوطنى الخاص والتركيز الشديد على التعجيل بالخصخصة "نزع الملكية العامة" والتخلص من دور الدولة في النشاط الاقتصادى فضلاً عن تعويم العملات الوطنية وتخفيض سعر صرفها لصالح الدولار الأمريكى بالأساس ثم محاولة تأمين الإستقرار على أساس تلك الأسعار المنخفصة.

إن خطط "التثبيت الماكرو - اقتصادى" وبرامج التصحيح الهيكلى المصممة من قبل صندوق النقد الدولي تشكل وسيلة شديدة الفاعلية لإعادة تنميط حياة مئات الملايين من البشر، كما أن عملية "الجراحة الاقتصادية" التي تتم بحسب وصفة صندوق النقد الدولى، تؤدى إلى ضغط المداخيل الفعلية وتدعيم منظومة التصدير المرتكزة على يد عاملة رخيصة.

كما أن تطبيق برنامج التصحيح الهيكلى في عدد كبير من الدول النامية يسهم في عولمة السياسات الاقتصادية الكلية الموضوعة تحت الرقابة المباشرة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذان يعملان بإسم مصالح كبرى (نادى باريس ونادى لندن) فضلاً عن اعتماد منظمة التجارة العالمية وبصورة نهائية وغير قابلة للتغيير على بنود عديدة من "برامج التصحيح الهيكلى" وبخاصة ما يتعلق بالإستثمار الأجنبى والتنوع الحيوى وحقوق الملكية الفكرية" فالتفويض الممنوح للمنطقة قوامه وضع قواعد التجارة العالمية في صالح البنوك والشركات متعددة الجنسيات، وكذلك "مراقبة" تنفيذ السياسات الحكومية الوطنية بالتعاون الوثيق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولى.

لقد رأى النور "تقسيم ثلاثى جديد للسلطة" عماده التعاون الوثيق بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية من أجل "مراقبة" السياسات الاقتصادية للبلدان النامية، وبموجب هذا النظام الجديد للتجارة فإن علاقة مؤسسات واشنطن بالحكومات القومية قد أعيد تحديدها ، أن تطبيق تعليمات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لم تعد تعتمد فقط على إتفاقات الإقراض المعقودة مع كل بلد، وهى وثائق ليس لها قوة إلزامية قانونياً، بل أصبحت شروط "برنامج التصحيح الهيكلى" وتحرير التجارة وتحرير نظام الاستثمارات الأجنبية ، تشكل جزءاً عضوياً من شرعة منظمة التجارة العالمية ذاتها، هذه البنود أصبحت تشكل الأساسيات في القانون الدولي لـ "مراقبة" الدول وبصورة غير مباشرة لتطبيق شروط الإقراض.
ومنذ الوقت الذي يستوعب فيه هذا النظام منطقة / أمة ويطويها تحت جناحيه كلية فإنها تضطر - مع بعض الحرية في التصرف في الأوضاع الوطنية المتعلقة بمستوى التنمية ودرجة الإستقلال السياسي - إلى موائمة إنتاجها وقوتها العاملة وما تقدمه من مكافآت ومفهومها في الفاعلية ودرجة التخصص فيها وإستثماراتها وأولويات مواردها للاقتصاد الرأسمالي العالمي.

لقد إعتقد عدد من الكتاب، ومعهم في ذلك خبراء المنظمات الدولية، أن تزايد العولمة وإجراءات تحرير التجارة العالمية، وبخاصة في ضوء مقررات دورة أوراجواى سوف تؤدى إلى مزيد من الكفاءة في توزيع وتخصيص الموارد، ومن ثم زيادة الدخل العالمي، وأن البلاد النامية سوف تستفيد من هذه الزيادة، إستناداً على علاقة نظرية مفترضة بين التجارة والنمو الاقتصادى، كذلك أشار عدد من الكتاب إلى أن البلاد النامية سوف تستفيد من العولمة وتحرير التجارة الدولية من خلال تحسين فرص وصولها إلى الأسواق الخارجية، وزيادة القدرة التنافسية عالمياً، وتعزيز قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وما سيأتى في ركابها من تكنولوجيا حديثة وإدارة متقدمة، على النحو الذي سيحسن من موازين مدفوعاتها، ومن ثم تقليل حاجتها للإستدانة الخارجية.

وعلى أية حال، فإنه عندما نلقى نظرة سريعة على الآثار التي نجمت عن العولمة وإجراءات تحرير التجارة الخارجية وإندماج البلاد النامية في النظام الجديد للتجارة العالمية، فسوف نلاحظ مجموعة هائلة من الحقاق التي ترسم في مجموعها صورة واضحة عن الوضع غير المتكافئ الذي تحتله مجموعة هذه البلاد في الاقتصاد العالمي، ونكتفى هنا برصد الحقائق التالية :-

1- ظل نصيب مجموعة البلاد النامية من التجارة العالمية ثابتاً تقريباً خلال العقود الثلاثة الماضية حول 18% بما في ذلك نصيب الدول المصدرة للنفط رغم أن سكان هذه المجموعة من البلاد يشكلون 75% من إجمالى سكان العالم وقد ظل هذا النصيب يتقلب حول هذه النسبة طبقاً لتقلبات أسعار النفط، أما إذا إستبعدنا النفط من الصورة، فإن نصيب مجموعة البلاد النامية من التجارة العالمية ينخفض عن ذلك بكثير، وقد إستطاعت مجموعة النمور الآسيوية أن تزيد من نصيبها من التجارة العالمية من 4.6% في عام 1971 إلى 12.5% في عام 1991 (ثم مال نصيبها للتدهور بعد إندلاع الأزمة الاقتصادية فيها في صيف 1997) في الوقت الذي إتجه قيه نصيب البلاد الأقل نمواً "التي يعرفها البنك الدولي بأنها مجموعة الدول التي لا يزيد فيها دخل المواطن عن دولار واحد في اليوم وتضم هذه المجموعة 48 دولة منها 42 دولة أفريقية، وكان نصيبها في التجارة العالمية حوال 1.4% في عام 1960 "إتجه فيه نصيبها إلى حوالى 4. % في عام 1995 والتي يمثل عددسكانها ما لا يقل عن 10%من إجمالى سكان العالم وهو ما يعادل ثلث نصيبها منذ عقدين من الزمان.

2- وفيما يتعلق بالتطور الذي طرأ على الهيكل السلعى لصادرات مجموعة البلاد النامية، فمن الملاحظ، أن ثمة تغيرات قد طرأت على هذا الهيكل في العقدين الماضيين، لو نظرنا، بصفة عامة إلى هذه البلاد كمجموعة واحدة طبقاً للجدول الآتى :-

جدول (37) :ـ تطور الهيكل السلعى لصادرات البلاد النامية للفترة 1973 - 1995
(بدون الصين الشعبية)

1973 1980 1985 1990 1995
المنتجات الزراعية 30 15 17,5 14,5 14
المنتجات المنجمية 47,5 65 47 34 22,5
الوقود 39,5 61 43,5 29,5 19
المنتجات الصناعية 22 19 34 50,5 12،5
الاجمالى 100 100 100 100 100

المصدر :ـ د. رمزي زكى ، الطريق الى سياتل , النهج , سوريا, العدد 57، السنة 16, شتاء 2000 ,, صـ 10

فقد إنخفض النصيب النسبى للسلع الزراعية والسلع المنجمية والوقود من إجمالى الصادرات، في الوقت الذي زاد فيه النصيب النسبى للصادرات الصناعية، لكن هذا التغيير كان راجعاُ إلى الجهود التي بذلتها بضعة دول نامية في جنوب آسيا (النمور الآسيوية) وأمريكا اللاتينية وأما غالبية البلاد النامية فقط ظل الهيكل السلعى لصادراتها كما هو تقريباً.

3- وفيما يتعلق بشروط التبادل التجارى Terms of trade فقد لوحظ انه في الفترة التي تعمقت فيها عمليات العولمة وزادت إجراءات تحرير التجارة الدولية وإندماج البلاد النامية في الاقتصاد العالمي، فإن تلك الشروط قد تعرضت للتدهور في غير صالح هذه البلاد، ويشير تقرير التنمية البشرية في العالم لعام 1997 إلى أنه بالنسبة لمجموعة البلاد النامية ككل فقد تعرضت لخسائر تراكمية في شروط تبادلها التجارى بلغت 290 بلوين دولار خلال الفترة من 1980 - 1991.

4- كذلك من الملاحظ انه على الرغم من أن متوسط معدل الحماية قد إنخفض في البلدان الصناعية، إلا أن هناك عقبات كثيرة تحول دون نفاذ صادرات البلاد النامية إلى أسواق هذه البلدان، وبالذات صادراتها من السلع الزراعية والمنسوجات والجلود وبذور الزيوت والمشروبات واللحوم ومنتجاتها، وقد تنوعت هذه العقبات في العقدين الماضيين فهناك تعريفات جمركية تفرض بمعدل اعلى على السلع المصنعة مقارنة بالسلع غير المصنعة، وهو أمر يحول دون نماء الصناعات في البلاد النامية، كذلك فإنه على الرغم من أن دورة أوراجواى قد خفضت من معدلات الرسوم الجمركية، إلا أن البلدان الصناعية إتجهت بصورة متزايدة إلى الحواجز غير الجمركية، مثل نظام الحصص "المقصود به أن هناك قدراً معيناً من الواردات يستطيع دخول السوق بتعريفة جمركية منخفضة عن سعر الدولة الأولى بالرعاية" وكذلك قيود التصدير الإختيارية، والتشدد في القواعد الصحية والمعايير القياسية والمبالغة في تنفيذ تشريعات مكافحة الإغراق Dumping فكل ذلك أدى إلى إفراغ التخفضيات الجمركية والمعاملة الخاصة والتفصيلية بالنسبة للبلاد النامية ، كما أقرتها دورة أوراجواى، من مضمونها التي تمتعت بها لفترة في ظل مقررات معاهدة لومى وغيرها، فضلاً عن الخسائر التي لحقت بصادرات هذه البلاد بسبب التوسع في مناطق التجارة الحرة والإتحادات الجمركية وتزايد حجم التجارة البينية للدول الأعضاء في هذه المناطق والإتحادات وما نجم عن ذلك من إستبعاد صادرات البلاد النامية وزيادة تهميشها.

5- ورغم أن دعاة العولمة والتحرير المالي والتجارى كانوا يزعمون أن البلاد النامية سوف تستفيد من تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتوفير المعونات المالية والفنية لزيادة قدرتها التجارية وتحمل إلتزاماتها تجاه منظمة التجارة العالمية إذا ما قامت بتحرير أسواقها المالية والنقدية وخلقت المناخ المناسب لتشجيع تدفق تلك الاستثمارات بمنحها الكثير من المزايا والإعفاءات الضرئيبية والجمركية، إلا أن ذلك لم يحدث، فقد تبين أن أكثر من 90% من حركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة تذهب أساساً إلى البلاد المتقدمة (الولايات المتحدة الأمريكية، أوروبا، اليابان، الصين) أما بقية البلاد النامية والتي تضم 70% من سكان العالم فكانت تحصل على أقل من 10% من تلك الحركة وموزعة بشكل غير متكافئ حيث إستأثرت بها بضعة دول في جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وهذا يعنى أن مناطق كثيرة من العالم قد حرمت من أوجه التقدم التكنولوجى نظراً لإرتباط "تدفقات الإستثمار" بنقل التكنولوجيا، بالإضافة إلى إقتران إتساع نطاق العولمة بإنخفاض مستمر في معونات التنمية فالإحصاءات تشير إلى أن الإحدى والعشرين دولة الأعضاء في منظمة الـ O.E.C.D لم تزد فيها نسبة ما تخصصه من معونات التنمية عن 25.% من الناتج المحلى الإجمالي فيها عام 1996 (كانت هذه النسبة 25.% في ألمانيا و 12% في الولايات المتحدة الأمريكية).

6ـ كذلك فإن تحرير الزراعة طبقاً لمقررات جولة أورجواى وإلغاء الدعم تدريجياً سوف يؤدى إلى زيادة أسعار السلع الزراعية، وخاصة الغذائية إلى مستويات لن تستطيع البلاد النامية المستوردة للغذاء تحملها، بالإضافة إلى أن الإتفاقية الخاصة بتحرير تجارة الخدمات GATs من القيود والإجراءات الإدارية للوصول إلى نظام من التجارة فيها سوف تكون له نتائج سلبية مع البلاد النامية خاصة وأن هذا القطاع يضم ألواناً متعددة من الأنشطة، مثل الخدمات المالية (البنوك وشركات التأمين وشركات الإستثمار) والنقل والإتصالات والسياحة والخدمات الطبية والخدمات الإستثمارية والفنية والإدارية والمقاولات والإنشاءات ...... إلخ، كما أن عشرين دولة مصدرة للخدمات تنتمى إلى مجموعة البلدان الصناعية المتقدمة والتي أصبح قطاع الخدمات يمثل فيها عدد محدود من الشركات العملاقة متعددة الجنسية ذات النشاط المتكامل، كما شهد قطاع الخدمات على الصعيد الدولي عمليات دمج يتمركز بين كبريات الشركات العاملة فيه بشكل يفوق عمليات الدمج والتركز التي حدثت في قطاعات الإنتاج المادى، بالإضافة إلى ذلك فسوف يؤدى موضوع الملكية TRIPs وهو المتعلق بحقوق التأليف والنشر والعلامات التجارية والتصاميم وبراءات الإختراع والإبتكارات إلى الإضرار المؤكد بمصالح البلدان النامية، لأنه سيرفع من تكلفة الحصول على المعرفة والتكنولوجيا، كما ستفرض أعباء ضخمة على جهود التصنيع والتحديث في هذه البلاد وسيكون الأثر السيئ لهذه الإتفاقية واضحاً في حالة الدواء الذي سترتفع أسعاره إلى آفاق لا يقدر عليها إلا الأغنياء.

7ـ تمخضت العولمة والسرعة التي تسير بها عمليات تحرير التجارة العالمية وإدماج البلاد النامية في الاقتصاد العالمي عن مخاطر مؤكدة للصناعات الوطنية والكثير من الطاقات الإنتاجية في مختلف قطاعات الاقتصاد الوطنى في ظل سرعة فتح الأسواق المحلية للمنتجات الأجنبية، في الوقت الذي تواجه فيه صادرات البلاد النامية صعوبات في النفاذ إلى أسواق البلدان الصناعية، كما عرفنا سابقاً، كما أنه في ظل الترتيبات التي ستنشأ عن حماية حقوق الملكية الفكرية سترتفع أسعار منتجات المعرفة والتكنولوجيا وغيرها من المدخلات وستزيد الأعباء على القطاعات المختلفة وأصبح من شبه المؤكد إستحالة دخول كثير من البلاد النامية إلى مجالات التصنيع إلا بشروط وتوجهات الشركات متعددة الجنسيات.

لقد إتضح لنا فيما تقدم، أن البلاد النامية تعانى من وضع غير متكافئ لها في الاقتصاد العالمي، وان هذا الوضع يتدهور فترة بعد أخرى تحت تأثير سرعة إندفاع قطار العولمة والتحرير المتسارع - وأحيانا الطوعى - لاقتصادات هذه البلاد وإدماجها في الاقتصاد العالمي كم أنه منذ وضعت إتفاقية الجات 1994 موضع التطبيق لم تحقق البلاد النامية أية مكاسب أو آثار إيجابية، وقد إتضح أن قواعد العولمة وإجراءات التحرير الاقتصادى قد قامت بوضعها مجموعة البلدان الصناعية المتقدمة، مراعية في ذلك مصالحها الأساسية، ومهملة آفاق ومتطلبات التنمية ومشكلاتها في البلاد النامية، وشطر كبير من البلاد النامية قد وقع على إتفاقية دورية أوراجواى دون إمعان النظر فيها بشكل كاف أو دراسة متأنية للنتائج الخطيرة التي ستنجم عنها، وثمة إجماع الآن، على أنه من التعسف وعدم الإنصثاف معاملة البلاد النامية كما لو كانت دولاً متقدمة، وأن الترتيبات التي قررتها المنظمة العالمية للتجارة بشأن مراعاة أحوال البلاد النامية كانت هزيلة أو غير كافية تماماً، كما أن دفع اقتصادات البلاد النامية إلى التحول المفاجئ والإلتزام المبكر بقواعد العولمة والليبرالية والتحرير الاقتصادى، إما تحت تأثير المنظمات الدولية (صندوق النقد الدولى، البنك الدولى، منظمة التجارة العالمية) أو تحت تأثير الدول الصناعية المتقدمة، كانت له نتائج سلبية عديدة، وأحياناً مدمرة على اقتصاداتها.

وفى هذا الإطار فإن التقرير الدولي للتنمية البشرية لعام 1999 والصادر عن برنامج الأمم المتحدة (U.N.D.P) قد سلط الضوء على التناقضات والمفارقات الاقتصادية والإجتماعية في ظل العولمة كما تبدو في العام الختامى للقرن العشرين، ويعتبر هذا التقرير المهم الذي أعده فريق من الباحين أشرف عليه الإقتصادى البريطانى "ريتشارد جولى" إضافة مهمة للأدب الإقتصادى العالمي ، حيث أماط اللثام عن المفارقات والتباينات الصارخة التي تحكم عالمنا المعاصر، في ظل "مسيرة العولمة" إذ إقتحم التقرير لأول مرة "المناطق المحرمة" حول توزيع القوة والثروة وكشف العديد من العورات، وبعض الأنشطة الخطيرة والمقلقة في عالم اليوم.

ففى مجال توزيع الثروات رصد التقرير أنه في عام 1960 كانت دخول الـ 20% الأعلى دخلاً في العالم (سكان العالم المتقدم) يفوق 30 مرة دخول الـ 20% الأفقر من سكان العالم، وفى عام 1997 إزداد ثراء سكان الأرض "الأكثر ثراء" بنحو 74 ضعفاً، وأن ثروة المائتى شخص الأكثر ثراء في العالم تفوق مجمل الدخل القومى لمجموعة من الدول الأفقر يشكل سكانها نحو 41% من سكان العالم، وأن الدخل الفردى المتوسط في أكثر من 80 بلداً هو اليوم أدنى مما كان عليه قبل عشر سنوات، وأن 20% من سكان الدول التي يتمتع أفرادها بأعلى دخل فردى سنوى يتحكمون في 86% من إجمالى الناتج القومى العالمي ويحتكرون نحو 80% (أربعة أخماس) من سوق الصادرات، وفى بعض الدول الإفريقية الأكثر فقراً يفوق حجم الموارد المخصصة لتدسيد الديون "الخارجية والدخلية" عدة أضعاف حجم الإعتمادات التي يتم تخصيصها للصحة والتعليم .

وفى مجال التوظف، أدى ضغط المنافسة العالمية الشديدة وعمليات الخصخصة والدمج بين الشركات الكبرى والصغرى إلى زيادة عدد الأشخاص الذين يقومون باعمال مؤقتة و"غير منتظمة" إلى إجمالى قوة العمل إلى نحو 30% في هولندا، 13% في اليابان، 39% في كولومبيا "أمريكا اللاتينية" ومعنى هذا نهاية حقبة "التوظف الكالم" ومزيد من القلق حول المستقبل من حيث إنتظام الدخل والإستقرار الوظيفى، ويقابل هذا توسع دامى في حجم المضاربات المالية في أسواق المال والعملات، حيث يتم تحقيق "دخول ريعية" هائلة دون جهد يذكر، إذ يبلغ حجم التبادل في كافة أسواق العالم نحو 1500 مليار دولار في اليوم الواحد (1.5 تريليون دولار / يوم) .

وفى مجال إحتكار منجزات التكنولوجيا والثقافة تمتلك الدول الصناعية نحو 97% من براءات الإختراع في العالم اليوم وتحتكر الأفلام الأمريكية 70% من جملة السوق الأوروبية، 83% من جملة السوق الأمريكية اللاتينية، ويكاد يكون إستخدام شبكة الإنترنت مقصوراً على الأشخاص البيض، وعلى المتعلمين بشكل جيد، فضلاً عن أن أكثر من 80% من جميع المواقع الموجودة على الشبكة العنكبوتية مكتوبة باللغة الإنجليزية، على الرغم من أن عدد الناطقين بها يشكل واحد مقابل كل عشرة على مستوى العالم أجمع .

وفى هذا السياق أيضاً تجدر الإشارة، إلى أن محاولة تسييد سياسة الخصخصة عالمياً كمحطة مهمة وأساسية من محطات سياسة "الإصلاح الاقتصادى" كانت ترمى لتحقيق عدد من الأهداف السياسية والأيديولوجية والاقتصادية الأخرى التي يمكن تركيزها على النحو التالى :-

1- تقويض الأساس الاقتصادى لنفوذ رأسماليات الدولة في العالم الثالث والتي كانت بعضها من أبرز معارضى الولايات المتحدة الأمريكية بإعتبارها الوريث الطبيعى للغرب الرأسمالي والقيادة المركزية لنظام العولمة على الساحة الدولية وتجلت هذه المعارضة خلال الخمسينات والسبعينات من القرن الماضى.

2- تأكيد الإنتصار الإيديولوجى للنظام الاقتصادى الرأسمالي القائم على القطاع الخاص والملكية الفردية، على النظم التي قامت على القطاع العام والتخطيط المركزى، عبر العمل على تصفية القطاع العام في دول العالم الثالث من خلال برنامج الخصخصة.

3- الهيمنة على جانب مهم من الأصول الإنتاجية في الدول النامية التي كانت مغلقة أمام الإستثمارت الأمريكية والغربية عموماً في السابق، لأن هذه الهيمنة تعطى للولايات المتحدة وللدول الصناعية المتقدمة قاعدة قوية للسيطرة على اقتصاد الدول النامية من داخلها.

كما أنه من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن أهم آثار العولمة بل وأخطرها، أن عملية صنع القرار الاقتصادى السياسي إنتقلت من محيطها الوطنى إنطلاقاً من ضرورات التنمية في الداخل والإحتياجات الحقيقية للمواطنين إلى المستوى الدولي عبر مثلث السلطة الجديد في العالم "صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية" فهذه الجهات هي التي تقرر هوية الاقتصاد ككل وأوجه الإنفاق الجارى والإستثمارى وأنماط تخصيص الموارد ويتبين ذلك من أن سياسات نظام العولمة تتجه إلى دفع الدول التى طبقت برامج " التثبيت و التكيف الهيكلى " و المسماه خداعا و زورا و بهتانا بسياسة " الإصلاح الإقتصادى " ، لأداء دورها كـ "جسر" لتكيف الأبنية الإنتاجية لاقتصادها مع الأبنية الإنتاجية للمراكز الرأسمالية،.


عبـــد المجــيد راشــــــد
[email protected]
http://abdelmageedrashed.ektob.com
http://www.maktoobblog.com/rashd_karama
http://www.rezgar.com/m.asp?i=1487



#عبد_المجيد_راشد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحصاد المر لسياسات مبارك و حزبه
- الوجوه العشرة في بناء حزب الكرامه
- حزب الكرامة بعض النقاط على بعض الحروف
- المفاهيم الخادعة - الاصلاح الاقتصادى نموذجا -
- مشاهد عن - أمل - يشبهنا و نشبهه
- الخصخصة إختراق للأمن القومى و سيطرة للأجانب على الاقتصاد
- ثورة 23 يوليو و النهضة الثانية لمصر فى العصر الحديث
- خلفاء محمد على - الجزء الثانى-
- خلفاء محمد على - الجزء الأول -
- تجربة محمد على فى بناء الاقتصاد المصرى
- .. العولمة : تاريخ المصطلح و مفهومه
- النهب المنظم لمصر - نموذج الخصخصة -
- علاقة سياسة الاصلاح الاقتصادى بنظام العولمة ..
- كارثة البطالة هدية مبارك و نظامه لشعب مصر
- وقائع إغتيال الجنيه المصرى
- سيناريو دولة الإخوان المسلمين ..
- الحركة الممكنة .. الحركة المستحيلة
- آليات نظام العولمة ..
- فخ التبعية - مصر و صندوق النقد الدولى- .. دراسة


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبد المجيد راشد - إبتلاع الدول : سياسة الاصلاح الاقتصادى و فخ العولمة المتوحشة