|
باموق و تركيا مسافتان في المكان الواحد وفي الاتجاه المختلف
رامي أبو شهاب
الحوار المتمدن-العدد: 1744 - 2006 / 11 / 24 - 09:52
المحور:
الادب والفن
ينتظر العالم كل سنة وقع أسماء الحاصلين على جائزة نوبل، لعل وعسى أن يكون الاسم المنتظر منحازا لم يرطنون به من لغات، ويعول العرب كثيرا على فرع الآداب، إذ نفضنا اليد من الجوائز الأخرى مع التقدير والاحترام لأحمد زويل، وعادة ما تسبق المفاجأة التوقعات و التكهنات حول من هو جدير بهذه الجائزة الغربية الخالصة، فقيمة هذه الجائزة تكمن في تاريخيتها افتراضا، ومعياريتها الرفيعة، وطبعا قيمتها المادية التي تتجاوز مليون يورو، يحصل عليها صاحب الموهبة الرفيعة من أدباء العالم، وبناء على هذا تتجه أفئدة المبدعين، ومن خلفهم لغاتهم وثقافاتهم نحو تلك البقعة ( الغرب) بحثا عن شيء من التاريخ، ولاسيما التاريخ المعاصر بعد أن أصبح الماضي عارا على بعض الأمم، وجب مسحه، كما يتم مسح ملف فيروسي من جهاز الحاسوب . إن الغرب السابق إلى التقدير والاهتمام على مستوى العالم في اصطناع جائزة عالمية، يجعل من نفسه مرجعية كما هو في كل شيء، وكي يكون جميلا و لطيفا، ونزيها، وحياديا، كما هو دوما، فقد جعل هذه الجائزة عالمية، ولم يقصرها على الجانب الغربي وأبناء جلدته فقط ، وهنا نلحظ المستوى الإنساني الذي تنشده الثقافة الغربية فغالبا ما يسبقنا الغرب دوما في الوصول إلى حقيقة الأشياء واكتناه قيمها الشمولية في البحث والاستقصاء والعدالة، وهو نهج قويم تتبعه الهيئة أو اللجنة التي تقوم بمهمة الاختيار، ولا أعتقد من اشتراطات الجائزة الموقف السياسي، أو وجهة النظر المتبناة اتجاه قضية ما، للحصول على تلك الرعاية والدفء القادم من الغرب، وهذا طبعا ليس مطردا ( اختيار الفائز ) ، إنما يتقرر بناء على المناخ السياسي في سنة ما، فإذا كنت من مبدعي العالم الآخر ( الثالث ) و ما دمت غير مقدر في جائزة شبيهة مع التقدير لبعض الجوائز في عالمنا الرائع ، تبقى جائزة نوبل الغربية هي الختم الوحيد والمعترف به تاريخيا وإنسانيا . في الأيام القلائل الأخيرة كان محط الأنظار الروائي التركي أورهان باموق الشاب نسبيا قياسا إلى جائزة ثقيلة كنوبل ويبدو أن حساسية الموضوعات التي جاء عليها باموق في رواياته و( تصريحاته) جعلته يختصر المسافة إلى الغرب، ذهابا وإيابا في طريقة النهج والتفكير، فقدرته على إصابة أكثر المناطق حساسية لدى العقلية الغربية، والتي تتمحور حول الإنسان وقيمته ( بالنسبة لهم )، جعلت اهتمام الغربي بهذا الموضوع ناشئا من حساسية ما اقترفته يداه من جرائم ضد الإنسان في طول الأرض وعرضها، ولا أريد أن أسهب في هذا الموضوع ، ولنعد إلى باموق الذي اختصر الزمان والمكان، واستطاع أن يكون في الجهة الأقرب إلى الغرب في تركيا المشطورة بين قارتين آسيا وأوربا. الحالة التركية تتوق إلى الجهة الغربية في زحف ثقافي على حساب الجغرافيا، ولكن يحد من ذلك إرث كبير، يجدف بها نحو الجهة الأخرى ( الماضي)، إنه صراع بين الموروث والمستحدث، تركيا التي تعلمنت وتتركت، ما زالت عالقة في تاريخها، وما زال ذاك التاريخ يلقي بسحبه السوداء في سمائها الجديدة، كلما حاولت أن تسفر عن وجهها الغربي، وباموق من الذين يثيرون الأموات من سباتهم . أوروهان باموق ابن اسطنبول، هو من يبرز حزن المدينة في اكتشافه الصراع بين الحضارات وتضافرها، باموق العالق بين المثالي والواقعي، هل هو نموذج للمثقف المواجه للسلطة، المحدق في التاريخ والصريح والجريء، أم هل هو ضحية نظام قمعي سلطوي؟ هل هو صورة أو نسخة مكررة للمبدعين في العالم الثالث، المخنوقين بأحلامهم وتوقهم للديمقراطية والحرية والعدالة ، أم هو مبدع نقش في سفر الإبداع العالمي لوحته البكر الطاهرة دون شائبة تدنسها . باموق شكل ومعنى جديد ، تذوقته تركيا ولكنها لم تستطعم به ، جائزتها محتشدة بالمرارة، لم تفرح بها، ولم تجد اللغة التركية شيئا في حسابها سوى باموق الصاهل في زمن مختلط ، زمن يبدو فيه الانفصام بين الذات الواحدة المتفسخة إلى تأويلات، كما هي حالة باموق، باموق لوث تركيا وأنهكها وأخجلها وأدخلها تاريخ نوبل ولكن بعد ماذا ؟ الحقيقة دوما نسبية كما هو التاريخ أيضا ، القراءة فيه لا ترضي البعض منها ، ولكن ربما يرضى عنك الآخرون ، وتبقى المعضلة هل يرضى المرء عن نفسه ، هل باموق جدير بهذا العار الذهبي لاختلاف القراءات ....... ، باموق و تركيا مسافتان في المكان الواحد وفي الاتجاه المختلف ، والغرب دوما يجدك في فاصلة الزمن ، كي يضع لونه الخاص و يفرض بريقه ، الغرب ذاك البريق اللامع والوهاج ، انبهار يتآكل في كثير ممن يسكنون الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية، وإذا شئتم جنوب البحر المتوسط أو الشرق، أو أي مكان تضيع فيه ذواتنا وتنحل صوب مرايا تتجه نحو ذاك الجزء النظيف والقادر على إشعارنا بالأمان . فكما أذكر جدي في دكانه الصغير يحاول إقناع زبون بالسلعة فيقول له ( هذه من ألمانيا أصلية )وهكذا هي جائزة نوبل أصلية لأنها غربية مئة بالمئة، وتعطى لمن يستحقها فلا محاباة كما تعودنا في مرابعنا، ومن يقول غير ذلك فهو مخطئ .
#رامي_أبو_شهاب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اختزليني برائحة أرضك
-
حماس في الحكومة
-
قبلة في المقهى الإيطالي
-
صهيل الإسمنت
-
فوق التراب حالة ازدحام
-
مسافات عالقة
-
امرأة اللغة
-
جسدك حقل حنطة
-
في الحلم قضمني السمك
-
حبيبتي تعد نفسها في المساء الأخير
-
تبلل المعنى حتى جف
-
ثمة حزن جديد يعوي
-
جسدك عسل القصائد
-
حفلو شواء للحم الفلسطيني الأحمر
-
قهواتك تمتصني بشفتيها
-
تقاطعات في محاولة فك اشتباك الجسد
-
امرأة الانتظار
-
الإنسان المعاصر نكرة
-
إيقاعات امراة حبلى بالاشتهاء
-
دجله قبل أن تطلق الرصاص
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|