صلاح بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 1744 - 2006 / 11 / 24 - 10:17
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لم يكن توقيت زيارة وزير خارجية سورية الى بغداد قد تحدد بصورة اعتيادية بل جاء بعد دراسة وتخطيط دقيقين متزامنا مع حدوث تطورات اقليمية ودولية تعتبرها مصادر القرار في دمشق أو " تتخيل " أنها تصب في مصلحة مواقفها وسياساتها خاصة بعد ما تردد عن ظهور ميل لدى الدوائر الأوروبية والأمريكية للاذعان لشروط التحاور مع الحلف السوري – الايراني بعد أن ساءت الأحوال الأمنية في كل من العراق ولبنان واستبعاد خيارات التغيير في الشرق الأوسط وكذلك الرسائل الاسرائيلية باتجاه ابداء الليونة والمهادنة مع النظام الحاكم في دمشق باعتباره الخيار الأفضل للتعامل بالمستقبل بدلا من حكومة شعبية غير معلومة الملامح تنبثق عن ارادة الشعب السوري بعد اجراء التغيير الديموقراطي كل ذلك كان دافعا مشجعا – بالظاهر على الأقل - لتوجه الوزير وليد المعلم الى بغداد من موقع الاستعلاء والاستقواء على العراقيين المكتويين بنيران ارهاب محور الجارين المستبدين بالاضافة الى استثمار الزيارة – ذات الطابع الانفتاحي المسالم !– كاستجابة لبعض الأصوات الغربية الداعية الى الانفتاح على دمشق من جهة ومن الجهة الأخرى كغطاء لجريمة اغتيال الوزير والنائب اللبناني – بيير أمين الجميل – واشعال الفتنة هناك تمهيدا لقطع الطريق على انشاء المحكمة الدولية حول جريمة اغتيال الرئيس – رفيق الحريري – وكوكبة من النخبة السياسية اللبنانية على ضوء توفر حقائق ملموسة حول مسؤولية نظام الأسد وأعوانه اللبنانيين وبينهم قيادة – حزب الله - عنها .
كل ما ترشح عن زيارة – المعلم – لبغداد لاينبىء بالخير للعراق بل أن الدبلوماسية العراقية والسلطة التنفيذية بمعظم دوائرها عجز عن التعامل مع الحدث بواقعية وبعد نظر بل باللهاث وراءه الى درجة أنها أصبحت ضحية الجانب السوري المعروف بالغدر وممارسة التضليل والذي لم يقدم شيئا ملموسا وموثقا حول دعم ومساندة الارهاب وايواء قيادات ونشطاء العهد البائد وحجز الأموال العراقية والتعامل مع المجموعات الطائفية ورؤوس الفتنة وتقديم المأوى والمكاتب لها في دمشق ومعظم المناطق السورية والتأييد الاعلامي للارهاب الذي يسمى بالمقاومة في منطق نظام دمشق ووسائله الاعلامية والأخطر في كل ذلك هو المحاولة المستميتة من جانب الوزير السوري لجر العراقيين الى حلف الممانعة عبر تسريب خبر لقاء القمة الثلاثي السوري – الايراني – العراقي المزعوم في طهران مستغلا أبشع استغلال التباينات السياسية في تشكيلة الحكومة العراقية وهي من الأمور الطبيعية في مرحلة انجاز التحول الديموقراطي واتمام العملية السياسية وكذلك الصراعات المذهبية المتفاقمة التي يؤججهابالأساس نظام الزائر وحليفه والانتكاسات الأمنية العميقة التي يقف من ورائها بقايا نظام الطاغية التوأم لنظام الوزير المعلم وحلفائه التكفيريين وعصابات القاعدة .
من المحزن والمقلق أن تتجاهل الحكومة العراقية طبيعة نظام دمشق الاستبدادي عند التعامل مع أركانه ومبعوثيه وأن تغفل دورها السياسي العظيم في أهم تجربة في التغيير الديموقراطي في الشرق الأوسط التي من المأمول أن تتحول نموذجا يحتذى به من جانب شعوب المنطقة أمام نظام عفى عليه الزمن كما كان توأمه نظام الدكتاتور المخلوع في بغداد يقوم بدور – البلطجة المافياوية – ازاء شعبه والجيران , هل نسي العراقييون في الحكم أنهم كانوا قبل أعوام وخلال عقود في صفوف المعارضة الوطنية واضطر العديد منهم الى اللجوء الى سورية ولم يلاقوا من مثل هذا النظام الا التعامل الأمني المشروط والاستغلال البشع لخيرة المناضلين لمصالح النظام الاقليمية والداخلية , هل تركت أجهزة النظام السوري أحدا من منظمات وأفراد المعارضة العراقية السابقة اللاجئة دون ضغوط ومقايضات للتعامل معها لقاء الاقامة والمرور ؟ هل عمل النظام السوري بجدية ومبدئية من أجل اسقاط دكتاتورية صدام بتقديم الدعم النزيه للمعارضة العراقية ؟ بالعكس من كل ما يقال ويتردد على ألسنة بعض – المحنطين – والسذج الذين يلقون الكلام على عواهنه تحول النظام السوري وعندما جد الجد الى أكثر حماة نظام صدام واستقبل موفديه وفي المقدمة السيء الصيت المتهم علي الكيمياوي وأولاده وأمواله ومجوهراته المنهوبة من العراقيين وكذلك بعضا من أسلحته ومنها ( كيمياوية وبيولوجية ) وقسم وصل الى – حزب الله – اللبناني .
نعم كانت قوى ومنظمات وشخصيات المعارضة الوطنية العراقية تلقى الاحترام والتعاطف من الشعب السوري وقواه الوطنية ليس من أجل نظام دمشق الاستبدادي بل في سبيل دعم الديموقراطية والتغيير والخلاص من الاستبداد الذي كان من حيث الجوهر واحدا لا يتجزأ ان كان في بغداد أو طهران أو دمشق وهنا على الحكومة العراقية أن تعي دورها وموقعها وحجمها فرغم كل عمليات الارهاب ومأسي التخريب تبقى أقوى حكومات المنطقة وأغناها بديموقراطيتها وحريات شعبها ودستورها وتوافق مكوناتها وتعايش قومياتها والدعم المتعاظم من دول العالم الحر والحماية الدولية لسيادتها واستقلالها يكفي ورغم كل مسلسل قوافل الضحايا اليومية فان العراق الجديد يؤرق جهات عديدة وأغلبيتها معادية للديموقراطية وحق الشعوب وحقوق الانسان وهويبقى هاجس أنظمة الاستبداد وبشكل خاص في دمشق وطهران , ان تجربة حل المسألة القومية بالشكل الفدرالي كما هو حاصل في كردستان واحدة من مفاخر العراق الجديد تضاف الى الدستور العراقي الجديد الذي يضاهي دساتير البلدان الديموقراطية العريقة في مجالات الحريات العامة وحقوق الانسان والشعوب والمرأة والتعايش القومي والديني والبناء الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والتعددية الثقافية .
من جهة أخرى على الحكومة العراقية أن تترجم دورها الاقليمي الديموقراطي على أرض الواقع خاصة وأنها القوة الأساسية في خندق التغيير والتقدم والعنصر الأهم في التحالف الاقليمي الواسع الداعي الى التغيير الديموقراطي والمناهض للاستبداد والارهاب والممتد من العراق الى لبنان وفلسطين مرورا بسورية هذا التحالف الوطني الديموقراطي الواسع الذي لا تتعارض أجندته في المرحلة الراهنة مع قوى وحكومات الاعتدال في الشرق الأوسط ويحظى في الوقت ذاته بدعم وتعاطف القوى الدولية في العالم , وعلى ضوء هذه الحقائق أليس الواجب يقتضي أن تبادر الحكومة العراقية باعتبارها القوة الأساسية المتقدمة الى القيام بدور ريادي في هذا التحالف وبناء وتعزيز علاقات الصداقة والتعاون والتنسيق مع أطرافه ؟ اذا كان مثل هذه الخطوة – المبادرة بمثابة تحصيل حاصل لواقع قائم من حيث المبدأ ومتجاوبة مع مصالح العراق الجديد بالدرجة الأولى فانها لا تتعارض مع بر امج القوى التي تتشكل منها الحكومة العراقية الراهنة وتستجيب لبنود الدستور في الوقت ذاته .
من المعلوم أن هناك أكثر من طرف داخلي وخارجي يهدف الى – تغييب – الدور الحقيقي للعراق الجديد وفي مقدمتهم تحالف المجموعات الارهابية المحلية والخارجية من بقايا البعثيين من التيارات الشوفينية العنصرية ومجموعات – الاسلام السياسي – من المذهبين في ظل تطابق الأهداف والمصالح بين القوى الأصولية ( الدينية – المذهبية منها أو العلمانية ) في هذه الحقبة التاريخية في بداية القرن , وليس مستغربا أمام هذه الحقيقة أن يتوجه أعضاء ومناصرو تلك القوى وبتواطىء ودعم مادي ولوجستي من بعض دول الجوار وخاصة سورية وايران الى العراق من شتى الأصقاع من أفغانستان وحتى الصومال لوأد التجربة العراقية في تحقيق التغيير الديموقراطي وبالتالي خنق تطلعات العراقيين في المهد وتغييب الدور المنتظر للعراق الجديد في الحياة السياسية بالشرق الأوسط المنشود .
ليس خافيا أن للعراق الجديد عمقه الاستراتيجي الطبيعي باتجاه شعوب الجوار وقواها الوطنية والديموقراطية التي تعاني بأغلبيتها الظلم والاستبداد وهي تشكل امتدادا مكملا للحالة الوطنية العراقية الجديدة بل متاثرا بانتصار الشعب العراقي على الدكتاتورية وتتابع تجربته باهتمام بالغ وهي تشكل العنصر الأهم في مستقبل المعادلة الاقليمية لاحقا في ظل المتغيرات وعملية استكمال النظام الاقليمي الجديد وبالتالي فانها الامتداد البشري والسياسي والجغرافي والتاريخي لنتائج ومعطيات ووقائع العراق الجديد ومن هنا بالذات تبرز أهمية تنظيم عملية التواصل والتكامل بين العراق الجديد من جهة وبين الامتداد الاقليمي الصديق من الجهة الأخرى وهذا من شأنه تعزيز قوى التغيير ودعم جهود صيانة التجربة الديموقراطية في العراق الفدرالي .
#صلاح_بدرالدين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟