أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بديعة النعيمي - الاغتراب أشكاله وتجلياته في رواية -الآن في العراء- للكاتب حسام الرشيد















المزيد.....

الاغتراب أشكاله وتجلياته في رواية -الآن في العراء- للكاتب حسام الرشيد


بديعة النعيمي

الحوار المتمدن-العدد: 7839 - 2023 / 12 / 28 - 00:04
المحور: الادب والفن
    


قراءة بديعة النعيمي
"لم يكن مني إلا أن مزقتها إربا، حينها شعرت بسعادة عظيمة وأنا أرى أوراقها تتطاير في الهواء"
ما بين نكسة عربية افرزت خسارة فلسطين بالكامل واحتلال أمريكي أفرز تمزق العراق يقدم نصر بطل رواية"الآن في العراء" على تمزيق روايته عدة مرات. وكأنه بين هذين الحدثين لم تعد ترضيه أية كتابة أمام عدم قدرتها على التعبير عن خذلان الواقع وملامحه التي أصبحتها. وكأنه بهذا يعيد طرح سؤال لصنع الله ابراهيم" كيف أعبر عن الواقع، كيف أكتب؟"
لا بد بأن النكسة قد أصابت الأمة في عافيتها بعد أن دمرت حلم الوحدة العربية فكانت السبب في سقوطها في أتون اليأس والتشظي والاغتراب. ومما زاد الوضع سوءا ما حدث من احتلال أمريكي للعراق فزاد بذلك تمزق الأمة وتشرذمها،فكان من ابرز آثاره في المجال الأيديولوجي والسياسي والثقافي في معناه العام. ولا بد للمدقق في شخوص رواية "الآن في العراء" أن يلمس ما تمر به من اغتراب لأسباب متعددة منها السياسي والاجتماعي والنفسي. والاغتراب حالة نفسية شعورية تصاحب الشخص وما ينجم عنها من شعور بالقلق والسخط والصراع مع البيئة. وكما أن للاغتراب أسباب فإن لها أشكالاً أيضا ومنها الاجتماعي وهو عجز الشخص عن التأقلم مع بيئته وإحساسه بالعزلة داخل هذا الوسط ويتضح هذا مما جاء على لسان البطل نصر ص٢٠" أعيش في غربة مع من حولي،جربت الزواج وأخفقت،وأخذت عهدا ألا أكرر هذه التجربة مرة أخرى.فقد حاولت أن أتصالح مع نفسي والعالم من حولي فلم أستطع. وطبيبي النفسي لم يستطع أيضا"
كما وجاء الشكل الثاني من أشكال الاغتراب وهو الاغتراب السياسي فعندما يشعر الشخص بالعجز عن المشاركة السياسية والعزلة تجاه دولته بالتأكيد سيعيش حالة من الغربة بسبب هذا القيد ويتضح هذا جليا في موقف نجيب عند خروجه من السجن ص٢٣٢ على لسان نصر" قرر أن يمارس نضاله الحزبي ،ولا سيما بعد موت الرفيق انيس في ظروف غامضة حتى أصيب بالخيبة لاحقا عند إبرام معاهدة السلام في وادي عربة ،فهاجر إلى كندا" فهجرة نجيب جاءت بسبب عدم قدرته على المشاركة في الشؤون السياسية في بلده.
أما الشكل الثالث فهو الاغتراب النفسي ويحصل هذا الشكل عندما يشعر الشخص بانفصاله عن واقعه وانعتاقه إلى عالم من وضع نفسه ويتجلى مثل هذا الشكل على لسان نصر ص١٨٢"كنت ارى جدران الغرفة كانها تتحرك نحوي توشك أن تطبق علي. أغمض عيني لعلها تتراجع للوراء تمنيت حينئذ لو ينبت لي جناحان فأرى نفسي محلقا تحت أكثر من سماء"
أما تجليات الاغتراب في رواية "الآن في العراء" فتمثلت في:
أولا: الأماكن المغلقة حيث تعزل هذه الأماكن الشخص عن العالم الخارجي فيمثل له الملجأ والحماية التي يأوي بها بعيدا عن صخب الحياة. وقد ورد في رواية حسام الرشيد ذكرا لعدد من الأماكن المغلقة كان أبرزها من حيث التكرار غرفة نصر. والغرف عادة توفر لصاحبها جزءا من الأمان الذاتي لكنها حين تصبح مكانا للحزن والوجع تصبح مصدرا للاغتراب. كما حصل مع نصر في أكثر من فقرة في الرواية نأخذ كمثال ما جاء على لسان نصر ص٨١" في المساء عدت إلى البيت جلست طويلا في غرفتي من حولي الليل أخطبوط أسود يلتف حول حواسي كلها" من خلال هذا الشعور نستطيع أن نقول أن غرفة نصر انقلبت مصدرا للخوف والتوتر والاغتراب وهذا هو الاغتراب المكاني.
كما ورد السجن في أكثر من موضع في الرواية منها ما جاء عن الرفيق أنيس ص٢١٠ على لسان نصر" في أول ليلة له في السجن" وقد ورد هذا المكان في الرواية ربما ليحمل للقارئ دلالة على المعاناة وقساوة الحياة التي فرضت على شريحة المثقفين في تلك الفترة التي أفرزتها النكسة حيث أفرزت القومية والإسلامية والشيوعية وغيرها. ومن هنا تأتي الأماكن المقتوحة في الرواية ونورد منها مثالا،ذلك المقهى الذي تجتمع به هذه الشريحة وحيث أن الأماكن المفتوحة هي أماكن للتفريغ والترويح عن النفس إلا أنها في رواية الرشيد تضيق على أبطالها وتدفع بهم نحو الشعور بالاغتراب.
ثانيا: الاغتراب الزماني..والمتتبع لرواية الرشيد سيجد أن للاغتراب الزماني تجليات كثيرة. والزمن في مفهومه العام معنى مجرد يتسع ليشمل كل ما له علاقة بالحياة أي يتعلق بالكون والوجود فهو الذي يربط الماضي بالحاضر والمستقبل. وقد سجلت رواية "الآن في العراء" حضورا قويا لظاهرة الاسترجاع والاستباق ،وهذه الظاهرة لا تحدث إلا إذا خالف زمن السرد ترتيب الأحداث.
فمثلا تتجلى ظاهرة الاسترجاع وهي العودة إلى الماضي في عدة فقرات من الروايةنذكر منها ما ورد ص٤٠ على لسان نصر عن حبيبته سماء" ما أن تصفحت الكتاب السنوي لخريجي الجامعة في ذلك العام البعيد حتى باغتتني صورتها ،ارتعش قلبي وأنا أبحلق فيها كالمجنون وسرعان ما اشتعلت النيران في هشيمي" فالعودة إلى الماضي واسترجاع ذكرى حبيبته سماء أشعرته بالمرارة لدرجة الاحتراق الداخلي وهذا الشعور بحد ذاته ينم عن اغتراب البطل.كما تجلت ظاهرة الاسترجاع عندما نظر والد نصر نحو صورة رفاقه الذين استشهدوا في حرب ٦٧ ومنها ما جاء ص٦٥ على لسان نصر عن والده" التفت إليه محاولا سبر أغواره كان ينظر إلى صورة رفاقه الخمسة آخر ذكريات حرب حزيران المريرة التي أكلت ساقيه ،حدثت أبي عما يشغله لم يجب كان يصهره الصمت لحظتها" نستشف من هذه الفقرة الاغتراب الزمني الذي تمثل في استرجاع هذه الذكرى.
أما ظاهرة الاستباق الزمني وهو القفز نحو المستقبل وتجاوز اللحظة الراهنة، فقد تجلت في أكثر من فقرة في الرواية إلا أنني للاختصار سأذكر ما جاء على لسان بهجت لنصر ص١١٤" أنا أحلم وربما تحقق هذا الحلم ذات نهار بهيج ثأتزوج ميادة ونعيث معا في الثراء والضراء نتقاثم رغيف الخبز" بهجت يهرب من اغترابه إلى أحداث مستقبلية يتخيل حدوثها بسبب فقده حبيبته ميادة المصابة بالسرطان والتي تحتضر. هذا الاستباق يمنحه بعضا من الطمأنينة والسعادة مع علمه بأن كل هذا لن يحدث ومن هنا يتضح لنا أن هناك اغتراب زمني يتمثل بتمني حدوث شيء لن يتحقق.
ثالثا: الاغتراب الاجتماعي وهو انطواء الذات على نفسها وخروجها عن المجتمع ومعاييره الثقافية أي الانفصال الكلي عن المجتمع ومنها ما جاء على لسان نصر عندما دعاه جاره الروائي لزيارته ص٢٢"إنني لا أريد أن اتواصل معه أو مع سواه ،أعترف أن هناك هوة بيني وبين ما حولي"
رابعا: الاغتراب النفسي
وهي حالة تصيب الشخص فيشعر باليأس والضعف وفقدان الثقة بالذات والقطيعة مع المجتمع ويتبدى لنا هذا على لسان نصر ص١١٥" نظرت إلى السماء ،بدت لي كمارد عملاق ينام قرير العين يتدثر بالغيوم على جسده سيصحو في أي لحظة ثم يحبسني في قمقمه ألف عام".
ويتعمق شعور الاغتراب عندما يجعل من الكتابة متنفسا له لما ينتابه من حرقه وحنين إللى الحبيبة ويتجلى هذا ص١٥٦ على لسان نصر" الكلمات هي من يجعلني أبترد" وهنا نستطيع القول ان البطل فقد الإحساس بذاته وفر من واقعه إلى عالم الكتابة للتخفيف من معاناته. وتواصل مشاعر الحزن والأسى لتنعكس على شخصية نصر التي تقع بين براثن الإحباط والاضطراب النفسي وهذا ينتج شخصية مستسلمة للخوف ومنفصلة عن ذاتها تأبى الواقع لتكون سجينة الماضي لأنها تجد فيه راحتها النفسية لأن الحاضر تعبير عن الألم والحزن.
وقد تتخذ النفس من الطبيعة ملجأ ومهربا لها لأن الواقع أصبح غريبا عنها منفصلا عن ذاتها فأصبحت الطبيعة عالما ينجو بنفسه الضائعة القلقة والمشبعة بالاغتراب.وقد اتخذ الكاتب الطبيعة في مواقف كثيرة من الرواية كملجأ لبطلها نصر.



#بديعة_النعيمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب على غزة_نشوة القوة هل تهوي باليهود مجددا نحو الشتات؟
- الحرب على غزة _القبة الحديدية
- الحرب على غزة _بالدم والنار
- الحرب على غزة_ الطابع الديني في الحرب
- الحرب على غزة_دولة الاحتلال ما بين اليهودية والديمقراطية
- الحرب على غزة_ هل بدات بذور اللاسامية تتكاثر في الولايات الم ...
- الحرب على غزة_تأثير الحروب على عمر دولة الاحتلال
- الحرب على غزة_هل تسببت هذه الحرب في تنحية الصهيونية العلماني ...
- الحرب على غزة_ أيديولوجية عمليات الانتقام والبقرة المقدسة
- الحرب على غزة__هل أحبطت المقاومة أهداف اليهود الاستراتيجية ف ...
- الحرب على غزة_الرقابة العسكرية
- الحرب على غزة_هل نجحت الحركة الصهيونية في أن تكون حركة تحرري ...
- الحرب على غزة_نيران صديقة
- الحرب على غزة _ما أشبه اليوم بالأمس
- الحرب على غزة _تأثير الحرب على الأطفال
- الحرب على غزة _سرقة جثامين الشهداء
- الحرب على غزة _هنا ابتدأت الحكاية
- الحرب على غزة _الميزان الديمغرافي
- الحرب على غزة_ازدواجية المعايير
- رواية فاطمة


المزيد.....




- قهوة مجانية على رصيف الحمراء.. لبنانيون نازحون يجتمعون في بي ...
- يشبهونني -بويل سميث-.. ما حقيقة دخول نجم الزمالك المصري عالم ...
- المسألة الشرقية والغارة على العالم الإسلامي
- التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة إنسانية
- التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة انسانية
- دار الكتب والوثائق تستذكر المُلهمة (سماء الأمير) في معرضٍ لل ...
- قسم الإعلام التطبيقي بكليات التقنية العليا الإماراتية والمدر ...
- نص من ديوان (ياعادل) تحت الطبع للشاعر( عادل جلال) مصر.
- إخترنا لك :نص (شكرا لطوق الياسمين )حسن فوزى.مصر.
- رحيل الممثلة البريطانية ماغي سميث عن 89 عاماً


المزيد.....

- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بديعة النعيمي - الاغتراب أشكاله وتجلياته في رواية -الآن في العراء- للكاتب حسام الرشيد