بلال سمير الصدّر
الحوار المتمدن-العدد: 7833 - 2023 / 12 / 22 - 13:29
المحور:
الادب والفن
يبدا الفيلم عن افريقيا وشخص افريقي أسود يغني وكأنه ينعى افريقيا...المكان هو الصومال أو جيبوتي والحالة العامة هي الجوع،والعاهات البشرية التي تبدو أنها من صناعة الانسان نفسه...العسكر والزعيم وطبعا اعتقالات وكوابيس واعدامات عشوائية،ومن ثم شادوراي التي يعتقل زوجها ونراها فجاة تحركت صوب أوروبا وبالتحديد أيطاليا...
هي تعمل الان كخادمة او مدبرة منزل في منزل الغني الثلاثيني كينسكي(ديفيد ثيوليس)،العازف الوحيد على البيانو والذي يبدو بانه اخترع العزلة على شاكلة بول اوستر....
إذا من حالة انسانية عامة عن افريقيا،ذات المآسي التي لن تنهي،الى حالة بشرية خاصة لكينسكي المنعزل عديم الاصدقاء وبدون خلفية واضحة عن ماضيه مع شاندوراي التي تعمل كخادمة ومتدربة في كلية الطب،ودائما ما يتحرك برتولوتشي صوب المكان المغلق...لكن هذه المحاولة لمحاكاة الماضي لن تقوده الى نفس تطرفية الماضي
لازلت أتذكر مارلون براندو وهو يقول:لايوجد شيء خارج الشقة...أنا وانت فقط
هما منعزلان في شقة سوى منهما وهنا يتبادلان الحب،أو محاولة للحب من قبل كينسكي لأن الطلب الأول الذي ستطلبه شاندوراي منه هو اخراج زوجها من السجن...هذا الشيء كان اشبه بالصدمة بالنسبة لكينسكي
الفيلم كما قلنا خاص يحمل على العام،والعكس صحيح،لكن الفردية اقوى بشدة في الفيلم،فالفيلم يحمل على الفردية مع تركيزه الواضح على واقع افريقيا،لكنه في الحقيقة لن يتحول الى نظرية عن الآخر،أي عن الشرق والغرب،أو شيء له علاقة باستشراق ادوراد سعيد أو نوعا ما فوكو...
هذه سينما برناردو برتولوتشي الطبيعية...هذا الهدوء المحيط بالاشياء يقول ان هذا الفيلم لبرتولوتشي...أن هذه السينما حققها برتولتشي،وهو ليس صمت جبروتي على شاكلة صمت كيم كي دك...
صمت كيم كي دك صمت مغلف بالقسوة،بالقوة على الاستمرار على قيد الحياة،او صمت بيرغمان الحانق على الحياة،ولا يستطيع الاعتراض عليه سوى بالصمت...الصمت الاعتراضي على الحياة،الحياة التي ربما تجعل من الانسان كائنا مفكرا فقط،كائنا حائرا،فهو يغلف كلامه بالصمت ويتحرك مفكرا صامتا...
الصمت عند برتولوتشي هو وسيلة للتعبير عن المتاهة والحيرة واحيانا الارتباك والاكتئاب،أي ان الصمت الوجودي عند برتولوتشي ذو عمق وجودي أكثر رقة من صمت كل من بيرغمان ودك...ربما هو اقرب لصمت كيسلوفسكي أكثر
يتخلل الفيلم مقاطع طويلة من الصمت،واحيانا يستخدم برتولوتشي العزف الموسيقي لكينسكي نفسه كخلفية موسيقية للمشهد،ولكن عندما يتحقق الحب بين كينسكي وشاندوراي...من الوضح انها شعرت بالحزن وشعرت بالندم
هل هو فيلم عن الخيانة...خيانة زوج أو خيانة وطن؟!
الفيلم هو علاقة حب دافئة تفجرت ولكنها ظلت دافئة من دون اشكاليات كبرى،فالأخر الاوروبي هو الأنا الأفريقي والعكس صحيح...انه فيلم عن افريقيا وعن قصة حب حدثت ذات مرة في ايطاليا....
#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟