كيف يقتل السوبرماركت محل ماما وبابا؟

محمد رضا عباس

الحوار المتمدن-العدد: 7830 - 2023 / 12 / 19 - 20:15
المحور: الادارة و الاقتصاد
    

عندما تحتاج ربة البيت بعض الفاكهة والخضر , تذهب الى البقال , واذا احتاجت كيلو لحم بقري تذهب الى القصاب ( اللحام) , واذا احتاج ابنها البالغ من العمر عشرة سنوات حلاقة شعر راسه يأخذه الوالد الى الحلاق , واذا أراد الوالد شراء حذاء يذهب الى محل بيع الأحذية . وهكذا كل ما يحتاجه البيت يتوفر عند محلات المدينة , والتي هي مصدر جمالية قلب المدينة . قلب المدينة لا يوفر فقط ما يحتاجه البيت , وانما اصبح مكانا مميزا لأصحاب المطاعم , المخابز , و بيع الحلويات . بكلام ادق, ان المتسوق سوف ينتقل من محل الى اخر , وبعدد ما يحتاجه من سلع . فلو أراد شراء عشرة حاجات عليه ان يمر على عشرة محلات . وطبعا بمرور المتسوق الى هذه المحلات بين الوقت والأخر تنشا العلاقات ويصبح أبناء المدينة يعرف احدهم الاخر , ومعه يزداد التواصل الاجتماعي.
هذا اصبح من الماضي في كثير من الدول الصناعية , التقدم قتل المحلات الصغيرة , المدينة , وقضى على التواصل الاجتماعي.
كيف ؟
الجواب هو السوبرماركت . هذه الأيام تدخل الى سوبرماركت , خاصة اذا كنت تعيش في الولايات المتحدة الامريكية , وخاصة محلات وول مارت (Walmart) ستجد نفسك في وسط سوق كامل متكامل بداخله الصيدلية , الحلاق , بيع النظارة الطبية , سماعات الاذان , مطاعم , تجميل الاظافر , سوق للفاكهة والخضر, اللحوم بكل أنواعها , الخبز بكل انواعه , ملابس أطفال ورجال ونساء , الأثاث البيتي , اعمال الفن , وكل ما يحتاجه الطفل من يوم الولادة الى ان يبلغ العاشرة من العمر.
الأسعار في هذه الأسواق على العموم اقل من محلات المفرد , ولكن هذه الأسواق بدأت تقتل محلات المفرد بالألاف , انهت جمالية المدينة , وقضت على العلاقات الاجتماعية التي كانت تنتج من لقاء المتبضع بأصدقائه و اقربائه.
كيف اصبح السوبرماركت المشتبه به ؟
الحجم الكبير للسوبرماركت يسمح بالشراء الكبير والتمتع بالخصم الكبير, وهي حالة لا تتمتع بها محلات المفرد الصغيرة . وعليه فان السوبرماركت له القدرة على تخفيض أسعار سلعه , مما يجذب الكثير من المشترين الى محلاته على حساب المحلات الصغيرة . على سبيل المثال , بالوقت الذي يكلف قص شعر الراس 15 دولارا عند حلاق المدينة , فان السعر ينزل في أسواق وول مارت الى عشرة دولارات . بالحقيقة معظم أسعار سلع هذا السوق هي اقل من أسعار المحلات الصغيرة في المدينة .
ماذا يجري للمحلات الصغيرة ؟
بمرور الزمن يتناقص عدد المشترين , وتفسد بعض بضاعته بسبب طول الوقت على الرف , ويصبح ربح محله لا يكفي حتى لتغطية تكاليف عياله او حتى تغطية ايجاره , وفي الأخير يعلن الإفلاس وغلق محله.
هذه الحالة تسمى عند الاقتصاديون , خاصية فراش الماء (water bed effect) , بمعنى عند الضغط على فراش الماء من احد جهته ترتفع الجهة الأخرى . وهنا عندما يضطر المجهزين تخفيض اسعارهم للمشتري الكبير فهم يضطرون أيضا برفع الأسعار للمشتري الصغير لتعويض خسارتهم من مشتريات الكبار . مجهزو السلع لأسواق وول مارت , يضطروا تحميل خسارتهم الى أصحاب المحلات الصغيرة . وهناك تبدء مشكلة الاعمال الصغيرة , حيث لا يمكنهم منافسة المحلات الكبيرة , وفي الأخير يخسروا زبائنهم ويغلقوا محلاتهم .
هذه المشكلة لم يلاحظها المشرعون في الدول العربية , وان كانت خطيرة على المجتمع العربي. اعداد السوبرماركت تتضاعف و الزبائن فرحين برخص السلع فيها , ولكن الاستمرار على هذا التمدد سوف يضر المجتمع بكامله . سيضطر بابا وماما غلق محلاتهم وينتهوا اما كعمال في احد هذه الأسواق الكبيرة او الجلوس في البيت , وفي كلا الحالتين ستفقر العائلة ويتقلص حجم الطبقة الوسطى في المجتمع والتي تعد المحرك الحقيقي لأي ازدهار اقتصادي .

#محمد_رضا_عباس (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات