أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبال شمس - وجوهي التسعة














المزيد.....

وجوهي التسعة


نبال شمس

الحوار المتمدن-العدد: 1742 - 2006 / 11 / 22 - 11:41
المحور: الادب والفن
    



أن أكتب نصا مكبوتا, أن أختنق في ضجيجي الداخلي.

أن أكتب أن أجعل وجوهي التسعة تتحرر وتتقمص رائحة التراب.


زمهرير حبري يأخذني إلى الجليل. إلى شارع مشيته يوميا في صباحاتي ومساءاتي. يأخذني إلى بيت مهجور حيث هناك صوري ما زالت مرتبة بإيقاع معزوف بأنا مله الصلبة ورائحة القهوة المطحونة. كل شيء كما هو, :الصالون المرتب والسجادة الحمراء وطقم القهوة النحاسي, حتى عقد القرنفل ما زال كما هو في مكانه.
كنا ثلاثة: أنا وغصتي وصوته المنبعث من تحت التراب . هل الصوت ينبعث من تحت التراب؟ أو انه الحنين للرجوع إلى حقب ماضية؟
كانت نظراتي ترقص في سحر ابيض. تضرب في الزجاجات الفارغة المركونة تحت السرير دون صاحبه. سرير تحمل طفولتي الشقية باحترام. تحمل أقلامي وشخبطاتي وأوراقي وضحكاتي وأسئلتي الوقحة دون الإجابات.
بحثت عن صديقتي سهاد في فناء الدار تحت شجرة الجوز, فلم أجد آثار أقدامها ولا طيف عيونها العسلية ورموشها الطويلة. تلك السهاد التي كان لها قسطا وافرا في مغامرات ذلك المكان. بحثت عن أغصان الفول التي كنت ابنيها أنا وأخوتي وأقراننا على شكل خيمات جميلة, فلم أجد سوى بضعة حبات من الفول اليابس, ربما رماها المارة من هناك دون القصد.
كنت أتساءل ما الذي أتى بي إلى هذا المكان الذي يوقظ في نفسي الذكرى والحزن. ؟ حزن ممزوج بجنون الطفولة وهرم الشيخوخة.
أن أكتب أن أجعل وجوهي التسعة تتحرر وتتقمص رائحة التراب وطعم الزعتر والزيتون في ذلك المكان.
هل لي تسعة وجوه؟ أسمع عن كثرة الوجوه أنها غير محمودة في تاريخنا.
وصولي إلى هنا بعد مرور أربعة سنين كان رغبة مني في إيقاظ أعذار وتأنيب ضمير نًَعم بالحنان سنين طويلة, دون ندم واحد على طمعه الزائد والمفرط في ذلك الحنان, وتلك البسمات, والاحتماء من عقاب أمي وبسمة والدي الخبيثة, حين كنت ارتكب ذنبا بريئا, فهل سيقبل عذري الكبير على طيشي وعفويتي؟ هل سأبعث كلماتي إلى تحت التراب, لجثة هامدة ونفس هادئة. غصتي كبيرة إلى حد الجنون, إلى حد اختلاط حبري مع ألمي وشغبي وشغفي لتلك الحقبة الزمنية الطائشة, فلو كنت أعلم أني سأعود بعد مرور هذه السنين إلى هنا لكنت طفلة أكثر براءة وأكثر عطاء وأكثر هدوءا وطاعة وجمالا.
وجه آخر لي, وجه لا يعرف الشكر في كل المناسبات, وجه لا يعرف قيمة الأشياء إلا بعد أن يفقدها ويحن إليها.
أن اكتب أن أحرر بربرية. عفوية, شفافية والشغب المكبوت في داخلي.
أن أكتب, أن أصرح بنقصي وأحرره إلى الفراغ ليتداخل مع الأوراق ومع هواء الجليل, فقدومي إلى هنا علمني فهمي لذاتي الغير متكاملة. علمني تحرير وجوهي ألتسعة, فربما مجيئي إلى هذا المكان الذي أصبح مهجورا, هو تحرير كل الأشياء وكل الوجوه الموجودة في داخلي المتخبط. هو رغبة مني في رؤية صوري المعلقة وأوراقي المبعثرة, وألواني المكسورة وطبعات أصابعي الملتوية. وصولي إلى هنا كان رغبة مني في البكاء على طيفه الحنون وعيونه الخضراء التي كانت تكلمني وتبتسم لي في صمتها وعنفها وضجيجها.
كيف سأقدم الأعذار لصوت منبعث من تحت التراب؟ تلك الأعذار التي لم ينتظرها طيلة سنين حياته, ولم يفكر يوما بأنها ستعلو في ذهني أو في قلبي.
أتساءل في هذه اللحظات وابحث عن الأسباب ما الذي جعلني اكبر عشرات السنين وان يتفتح ذهني المتكور حول الأعسار التعليمية, والأمراض التطورية والاجتماعية. أتساءل, ما الذي جعلني اترك روايتي الجميلة في أولى صفحاتها, مفتوحة على مكتبتي ؟, تلك التي كنت قد التقطتها من بين عشرات الروايات . لماذا أتيت إلى هنا بعد فوات الأوان, ورحيل صاحب المكان. أهو الغباء؟ أهو الجمال؟ أهي الفضيلة أن أعود لذاتي الناقصة بعد مرور كل هذه السنين؟
أذكره جيدا. اذكر كل شيء اذكر لمساته على خدودي وشعري . اذكر رائحة الحناء في مواسم الصيف. أذكر زهر الرمان والخوخ والنعناع. اذكر قامته الطويلة وأذكر يوم رحيله عندما بكيته بصمت شديد وصرخة مكبوتة لم تندفع وقتها, كحسرتي على فراقه قبل أن أقول له, لمرة واحدة عذرا لغبائي وطيشي وعنفي. عذرا للعالم على وجهي التاسع الذي لا يعرف أن يحرر الحزن إلا بطقوس حبريه جنونية, وخبث مقصود يجعلني غامضة في نصوصي.



#نبال_شمس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسائل إلى شخص ليس هو , الى برجر سلاين
- تقمص كائن شتوي
- ريتا
- فراشه مجنونة
- بانتظار الصياد
- طيف ريمورا
- نجيب محفوظ : كفرنا بك مرتين
- صعود اخر
- حلقات الضوء
- لغز اليد الممدودة
- نساء من نبيذ ونار
- مزامير ثقافية
- حفر في التعري,قبل قدوم البحر
- -جوانب أخرى للمرأة في أدب -زياد خداش
- عري القناديل: امرأة, قصيده ووطن
- النرجس لا ينبت في نيسان
- ضرورة انتقاد المسئولين
- العسر التعليمي الاكاديمي
- العسر التعليمي التطوري
- مذكرات متعسر


المزيد.....




- صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا ...
- -القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب ...
- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبال شمس - وجوهي التسعة