نشأت المصري
الحوار المتمدن-العدد: 1744 - 2006 / 11 / 24 - 09:52
المحور:
كتابات ساخرة
في مساء يوم شاق بعد عمل مضني وبعد مناقشات ومحاورات مع الرؤساء في العمل جلست استلقي أمام التلفزيون وقد شد انتباهي برنامج يعرض فقرة من السرك , ورأيت أسد الغابة الذي يطلق عليه ملك الغابة , يقفز في النار ويلعب ويتمرغ على الأرض والمدرب يتباهى بعظمة التدريب ويلقي في الهواء بكرباجه محدثا صوتا عندما يسمعه الأسد يذوب قلبه من الخوف ثم ينفذ أمر المدرب.
فتأملت في حياة الأسد ملك الغابة وما آلت به حياته ووجدت في تأملي بأن هذا الخوف من الكرباج بدأ معه منذ طفولته البريئة .
فسرح تفكيري في أيام الطفولة وفي أول يوم دراسي في حياتي وهذا منذ سنين طويلة .
سنة أولى ابتدائي !!! أول يوم دراسي في حياتي !!!! كنت أنا وزملائي كصغار الغزلان تغمرنا فرحة غير عادية ممكن بسبب المدرسة وممكن بسبب الملابس الجديدة وممكن بسبب انتظار الكتب الجديدة أو بسبب كل هذا معا, وفجأة دخل الفصل مدرس أسمر اللون ذو شعر يشوبه الشيب وقد عرفت اسمه عندما أعلن بصوت جهور عالي يقارب الصراخ أنا ذكي الشاطر والحاضر يعلم الغائب وكان في يده جريدة خضراء تارة يلوح بها في الهواء, و تارة أخرى يضرب بها على يده الأخرى ويقول : عارفين الجريدة دي سوف أشلشخها على أي واحد يتكلم أو يصدر منه أي صوت.
فأنحشر الكلام داخلنا وقَتلت طفولتنا منذ ذلك الحين , وراح اثنان من التلاميذ يبكيان ويصوتان خوفا منه , فصرخ المدرس ممنوع البكاء هنا, كنت قعدت عند أمك في البيت بدل ما تقرفني هنا.
فسكتا التلميذان فجأة ثم صرخا مرة أخرى بالبكاء , فنادى الأستاذ بصوت جهور كزئير الأسد الفلقة يا عبد الصمد !!! فأنفتح باب الفصل ودخل رجل مخيف طويل! طويل ! ويلبس جلباب أسمر وهو أسود كاحل اللون ذو شارب عريض على رأسه طاقية ملونة يربط وسطه بجلبابه فيظهر الكالسون ( أشبه بالبنطلون يلبس أسفل الجلباب) ويرتدي في رجليه أشبه بمركبتين لأن حذائه أطول من قدمه بثلاثة سنتيمتر ومعه في يده خشبتان وحبل فأمسك بأول تلميذ ممن كانا يبكيان ووضع رجليه بين الخشبتين وربط عليها بالحبل وخلع حذائه وشرابه ورفع عبد الصمد الولد بواسطة الخشبتين وراح المدرس يكيل له الضرب على قدميه وهو يعد بصوت عالي ... واحد اثنين ......حتى عشرة ثم فك الطفل وأمسك بالأخر وفعل به كالأول.
ولم أسمع بعد ذلك هذان الطفلان يبكيان ولكن انحشر البكاء داخلاهما فأخذا يجهشان وكأن أنفاسهما لا تستطيع أن تخرج.
فعم السكوت والهدوء في وجود هذا المدرس ولكن ليس احتراما له ولكن خوفا من الجريدة الخضراء.
وأخذ هذا المدرس يلقن الفصل القرآن للمسيحيين والمسلمين على حد سواء والكل كان يحفظ ويكرر بدون فهم مجرد تلقين وتكرار وحفظ, وهذا ليس من أجل الحفظ لكن خوفا من الجريدة الخضراء.
كنت أخاف الذهاب للمدرسة , وأخاف الغياب , كنت أكره كل صباح وكنت أخاف التأخير, لأن ذكي الشاطر في الطابور .
ولكن إحقاقا للحق ليس كل المدرسين ذكي الشاطر ولكن على ما فهمت أن ناظر المدرسة يحب هذا المدرس لأنه يحافظ على النظام داخل المدرسة ولكن ليس بشيء سوى الجريدة الخضراء.
وكان في كل سنة يدخل فيها أطفال سنة أولى ابتدائي وهم أبرياء يلعبون ويلهون كالغزلان الصغيرة يدخل لهم ذكي الشاطر ليقتل الابتسامة والبراءة والطفولة.
وكان ذكي الشاطر له حوادث بطولية يومية ضد الأطفال يضرب ويهدد ويخيف ويحفظ بطريقة الجريدة الخضراء.
والذي أقلقني وأخافني كنت أسمع ولي أمر تلميذ يقول لهذا المدرس : اضربه , كسره , وأنا اجبره وكأنها مؤامرة حيكت ضد طفولتنا.
وفي ذات يوم انحشرت أصابعي بين ضرفتي باب الفصل وكان الألم شديدا وانحشر الصراخ والبكاء داخلي خوفا من ذكي الشاطر والجريدة الخضراء.
كنت أنتظر متى ينتهي تعليمي بهذه المدرسة وبعد ستة أعوام مريرة قاسية , تذوقت النجاح الدراسي وتذوقت الفرحة ولكن فرحتي الحقيقية بسبب الخلاص من هذه المدرسة .
وذهبت للدراسة الإعدادية ففوجئت في أو ل يوم دراسي بوجود مدرسين بنفس طريقة ذكي الشاطر والجريدة الخضراء , ورجعت لنفسي قائلا كلهم ثلاثة سنوات ويعدو , ولكن تلاحظ لي أن براءة الأطفال لم تعد موجودة في زملائي التلاميذ ولكن انقسم الفصل أولاد يجيدون ويقلدون استعمال الجريدة الخضراء بالإضافة للكذب والرياء والخداع لان العنف يولد الكذب ومن هنا بدأ جيل جديد أشبه بذكي الشاطر. وأولاد مسالمين منكسرين مكبوتين .
وتخرجنا من الإعدادي وذهبنا للدراسة الثانوية ولكن شبه اعتدت على الأوضاع وبدأت أألف الوضع وأرضى بالواقع , بالأخص عندما وجدت من يجيدون الجريدة الخضراء ولكن بطريقة جديدة , الرفد من المدرسة بدون داعي, درجات أعمال السنة سلاح بيد المدرسين بدون داعي .
وجاءني خاطر لماذا لا يقيم المدرس بنجاح الطلبة لماذا يقيم الطالب فقط بالنجاح , فنجاح الطالب يرجع لنجاح المدرس ودقة وصول المعلومة للطالب.
إرهاب من ناحية الدروس الخصوصية وتهديد بالدرجات . نوع أخر من الجريدة الخضراء.
أكملنا التعليم المدرسي وذهبنا إلى الجامعة ووجدت أيضا نوع جديد من الجريدة الخضراء ألا وهي الدكتاتورية الممثلة في قرار دكتور المادة الدراسية وسلطته المطلقة لنجاح ورسوب الطلبة بدون حساب أو رقيب , ولكن لا هذا ولا ذاك كان يقلقني لأني لا أقول رأيي بل رأي الآخرين لأني أعتدت المذلة والهوان.
والتحقت بالعمل الحكومي بعد التخرج ووجدت زملائي اللذين اعتادوا على استعمال الجريدة الخضراء يتملقون القيادات والرؤساء وينفذون كل أمر هدفه قهر باقي الزملاء حتى أنهم أصبحوا ذو مودة وحظوة مع الرؤساء وطبعا ليس لهم أي كفاءة في العمل والعمل قائم على أكمل وجه ولكن بواسطة الذين اعتادوا الظلم والهوان واعتادوا العمل دون ضجر.
والمكافآت والمناصب طبعا للآخرين الذين يجيدون استعمال الجريدة الخضراء.
ولما تناقشت مع مديري في العمل وجدت أنه صاحب جريدة خضراء ضدنا , وفي نفس الوقت يخاف جريدة خضراء في يد رؤسائه , ورؤسائه أيضا بنفس الطريقة , وتدريجيا حتى نصل إلى فرعون كبير يأخذ سلطته من أصحاب نفوذ عينهم لخدمته يجيدون استعمال الجريدة الخضراء , الاتفاق هنا على منفعة مشتركة , فهم يوفرون له الأمن والآمان والحماية , وهو يترك لهم موارد وقوت الشعب المقهور, فتذكرت ناظر المدرسة الذي يستعمل ذكي الشاطر.
فقلت في نفسي الأسد مغلوب على أمره , ولا حل غير أن المدرب يغلط مرة في ضرب الكرباج فيصيب الأسد , فيجد الأسد أن الذي كان يخافه أهون بكثير من حياته التي يعيشها , وبهذه الطريقة يقف متمردا يزأر ليقتل مدربه ويرجع الأسد ملك مرة أخرى.......
هل يأتي يوم يكون فيه الحكم الحقيقي في يد الشعب
لا للدكتاتورية ونعم للديمقراطية
مع تحيات
نشأت المصري
#نشأت_المصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟