رندة المغربي
الحوار المتمدن-العدد: 1744 - 2006 / 11 / 24 - 09:52
المحور:
الادب والفن
أغمضَ عينيه .. أراد أن يغوص في الخيال ، أن يشكل من المسافات الفاصلة بينه وبينها ملامحاً تشبه وجهها الصغير يُفضي له بابتسامة ..
"سأبقى دوماً على اتصال بك ولن تُباعد بين قلبينا المسافات" ، قالتها وهي تلوح له بتحية الوداع ..
هو غارق بأغطية سريره البيضاء بآلامه التي تدك العظام منه ولا تصل أبداً لنور القلب..
كانت تتصل به كل يوم فتأتي ضحكتها مع أسراب عصافير الصباح تعده بلقاء قريب يضمها به لصدره
ويقول لها :" أبقِ أكثر بقربي " ..
خلف الجفن المُسدل شاهد أشياءً كثيرة ، شاهد الضفيرة المجعدة بشرائط حمراء تطوح في الطلق فوق أرجوحة نصبت في أرض الدار .. شاهد أصابعها الصغيرة تطولو تُصبغ بالأحمر القاني ..
شم رائحة أنوثتها تفوح في الذاكرة ..
تذكر فساتينها المنشورة على أحبال الغسيل بألوان الربيع تروح وتجيء بها النسمات ..
كبرت أحلامه معها و زادت قسوته في صراع الدنيا من أجل أن تعيش وتملأ دُنياه الخالية بالبهجة..
هي باقة من الأفراح حمد الله كثيراً لوجودها في حياته وصلى له أن تظل بقربه ..
لماذا نقطع على أنفسنا العهود وننسى بأن العهود أكبر منا؟
"سأمنحك حناناً أكبر من الذي منحتني ، وسأكون أمك وحبيبتك وصديقتك "، رددتها دوماً على مسمعه كلما رأته سارحاً بمخاوفه .
و تواترت السنون فمنحتها قوة الشباب ومنحته رعشة الشيخوخة و جاءت يدُ الأقدار لتخط بينهما مسافات شاسعة و لم تُبقِ له في رحيلها إلا الصور المؤطرة بالذكريات ..
هناك رجالٌ يهدون لرجالٍ ماء عيونهم و حصاد كفاحهم ..
شدَ على يده وهو يقول : "أهديك عمري وحصاد كفاحي في هذه الدنيا إنها وردة الله التي أهداني فاسقِها حنانَك لا تذبل و تذكر بأنها عمر رجل يُهديه بطيب نفس لرجل آخر"
كالعصفورة بفستانها الأبيض طارت من فوق كتفه لتحط على كتف رجل آخر ..
لم يملك خلف عينيه الدامعتين إلا الدعاء لها " قلبي وربي راضيان عليكِ يا ابنتي إلى يوم الدين"
وعاد وحيداً يلوذ برائحتها المغروسة في الوسادة ..
بين الرجاء والألم ..
يُريدُ أن يرفع يده ليلمس وجنتها المتجلية من سحابة الغيبوبة لكن اليد الهرمة أعجز من أن ترتفع قيد أنملة وهذه الأنابيب المغروسة بالأوردة تثقلها ،،
استجمع قوته في رأس سبابته وربت على الذقن الصغيرة وتلاها بالشهادة ..
و بابتسامة وديعة همس بحب : " وداعاً يا نور القلب" .
#رندة_المغربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟