|
مناقشة لمقترح السيسي في حل الدولتين
لبيب سلطان
أستاذ جامعي متقاعد ، باحث ليبرالي مستقل
(Labib Sultan)
الحوار المتمدن-العدد: 7825 - 2023 / 12 / 14 - 01:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبل اسابيع طرح الرئيس السيسي ان تقوم دولة فلسطينية منزوعة السلاح كحل للقضية الفلسطينية. لقد مر هذا الطرح دون نقاش واسع (وسط زخام عملية غزة ) ولكنه بقي يراود ذهني لحاجة لتحليله ، والسيسي هو رئيس اكبر دولة عربية وقائدا عسكريا لدولة كانت قد خاضت ثلاثة حروب مع اسرائيل، وهو يطرح اليوم هذا الحل "دولة منزوعة السلاح " وسط مباراة وخطابات كلامية تسود عادة وجو الحرب. انه طرحا لم يرق للكثير من المؤدلجين بل انبرى السلفي و المتمركس معا في دعوته " انظروا لمواقف الحكام الخونة العرب ، خانوا قضية فلسطين والامة العربية " ، وهذا ديدن المتأدلجين والسلفية العرب، فلديهم تهييج الامة منهجا وهدفا وليس النظر في حلول للقضية لاقامة دولة فلسطينية وانهاء صراع دمر فرص التنمية امام شعوبنا على مدى عقود طويلة وحل محلها خطابات شعبوية همها التحريض والتجارة الايديولوجية بالقضية. ليس من عادتي تناول اي تصريح لرئيس عربي بأي تقييم أو حتى بأي اهتمام ، ولكني وجدت لهذا المقترح اهمية خاصة للقضية الفلسطينية ، بل وحتى لمستقبل مجتمعاتنا العربية كما سأتي لتبيانه في مناقشتي له. لنبدء من تحديد حقيقتين تخصان القضية الفلسطينية وحل الدولتين راهنا الحقيقة الأولى: ان القضية الفلسطينية لايمكن حلها عسكريا بل ان حلها هو سلميا. هناك اسبابا كثيرة تدعم وتسند هذا الزعم، وليس عكسه، اولها ان ثلاثة حروب كبيرة وعشرة متوسطة وصغيرة قد تم خوضها، معارك وصلت قلب بيروت واطراف دمشق ولم تنجز حلا للقضية ، بينما يكفي ان انتفاضة الحجارة كأسلوب نضال مدني اولد سلطة وطنية على اكبر واهم المدن الفلسطينية .وثانيها ان الحل المدني هو في صلب القضية نفسها ، كونها قضية حقوق مدنية وانسانية وفق القانون الدولي يكفل للشعب الفلسطيني ممارسة حقه في اقامة كيانه ودولته وهو حقا مكفولا له حقوقيا ودوليا وفق مواثيق الامم المتحدة، ومدعوم دوليا. والقضية هي اعتراف متبادل يرفضه طرفان متطرفان من كلا الجانبين. اساسا اثبت الحل العسكري فشله وماتحقق من انتصارات للشعب الفلسطيني تحقق بوسائل مدنية سلمية تبلورت في تبني المقاومة الفلسطينية للنضال المدني السلمي منذ الثمانينات ومنه اندلعت انتفاضة الحجارة اعلاه ومنه انبثقت اولى معالم الدولة ( اقامة السلطة الفلسطينية على مدن الضفة والقطاع بعد اتفاق اوسلو عام 1994) ،ومنهما استمرت جهودا سلمية لاتمام الحل في اقامة واعلان الدولة عام 2000 و2001 ولكنها للاسف ضيعت ، ورغم ذلك ، فانه اثبت ان الحل ممكنا بالطرق السلمية والنضال المدني . وان سبب توقفه يعود للرجوع الى وسائل العنف والاعداد لحرب قادمة ، ومن وقتها لم تعد الفرص متاحة لصعود قوى سلفية مؤدلجة على كلا الجانبين تؤمن بالغاء الاخر وباسلوب العنف والهجمات ، ومنها غاب حل القضية والدولتين على مدى عشرون عاما اخرى. الحقيقة الثانية : ان حل الدولتين تقف ضده قوتان يمينيتان الصهيوني السلفي المتطرف والاسلاموي السلفي المتطرف ، ولايؤمن اي منهما في حق الاخر بالوجود . ناتنياهو لايعترف بحق اقامة دولة فلسطينية ، وحماس ومن معها قوى سلفية اقليمية لاتعترف بدولة اسرائيل ، وحتى ان قبلت حماس مؤخرا (عام 2017 ) بتعديل ميثاقها والقبول بحل دولة بحدود 67 وعاصمتها القدس ، فهي عندها خطوة من خطوات الاعداد للقضاء عليها، وليس للتعايش وفق مايرجى من حل الدولتين. وناتنياهو يديم سلطته وعقائده اللاغية لحقوق الشعب الفلسطيني على مدى 20 عاما ان هذه الدولة ستقع تحت وصاية حماس ومنه ستكون موطئ قدم لاية الله وميليشياته وصواريخه لضرب اسرائيل ومحوها ان قامت لهم دولة ، وعليه لا دولة ولا حل . أي ان كلاهما واقعا يعمل ضد حل الدولتين. واضحا ان ناتنياهو واليمين المتطرف الاسرائيلي يرى في سيطرة حماس على غزة فائدة جمة له ، فذلك يعطيه الذريعة لضرب عصفورين بحجر واحد . الاول تبرير امام العالم باستحالة اقامة دولة فلسطينية على حدوده، فهي خطر على وجوده بل وتصرح علنا بابادته، ومنه تأجيل المطالبة بحل الدولتين الى اجل غير مسمى ( لحين اختفاء الميليشيات في غزة ولبنان مثلا) . والثاني لتغطية الاستمرار بالتوسع الاستيطاني، ومنه سيلغي الارض التي تقوم عليها حل الدولتين لتصبح المدن الفلسطينية كانتونات محاطة بمستوطنات وتنتهي بمثابة بلديات تدير نفسها في دولة اسرائيل الكبرى، كما يمكن قرائته جليا في منهج اليمين المتطرف الصهيوني. وعدا حماس واسرائيل ناتنياهو هناك ايران اية الله مع قوة اقليمية ميليشياوية ليس من مصلحتها حل الدولتين فهو سيقوض اذرعها وبينهم حماس و ميليشياتها التي تهيمن على اربع دول عربية اليوم لتقيم امبراطورية ببرقع تحرير فلسطين والقدس من دنس الصهاينة. وحل الدولتين سيقوض مشروعه ويزيل البرقع عنه وعن نصر الله والميليشيات انهم مقاومة لتحرير فلسطين وليسوا اداة اية الله لخلافته على الارض. انها لعبة فوائد متبادلة ، حماس واية الله لناتنياهو ، وناتنياهو لحماس واية الله، كلاهما لايريد حل الدولتين وانهاء القضية ، فبها سيتم اضعافهم وازالة اهم وسائل ديمومة السطوة والسلطة والتوسع ناتنياهو لاسرائيل الكبرى واية الله لايران الاسلامية العظمى. ان انهاء هذه اللعبة وسحب القضية من السلفيات هو المدخل الرئيسي لتقييم طرح السيسي . ان اقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح يعني اسقاط الطرفين. انها واقعا تصلح ان تكون منهجا لانهاء دورواستغلال التيارين السلفيين الصهيوني والاسلاموي للقضية بسحب البساط والحجة من تحت اقدام ناتنياهو واية الله معا. ومنه ستحل قضيتان، القضية الفلسطينية اولا ، والثانية بازاحة وانهاء هيمنة ميليشيات اية الله على اربع دول عربية. انه منهج لو تحقق ربما سيجر لاسقاط هيمنة السلفيات في المنطقة صهيونية واسلاموية ميليشياوية على الدولة والسلطة ، واليكم مايدعم ذلك. لو قامت دولة فلسطينية منزوعة السلاح ومعترفا بحدودها بضمانات دولية فسيسقط منهج ناتنياهو وتنتفي دعواه انه يدافع عن وجود اسرائيل من السلفية الاسلاموية التي تريد محوها ، وبنفس الوقت ستنهار دعاوى اية الله وستسقط امبراطوريته المزعومة لتحرير القدس ومعها تنهار ميليشياته ليقيم بها امبراطوريته. انا لست متأكدا ان السيسي محللا عبقريا عندما طرح مقترحه هذا الذي سيغيير المنطقة جذريا، ولكني واثقا من جدوى هذا الطرح ، بل وتابعته ووجدت نفس الرأي من محللين مصريين من مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية وكذلك في مقابلات مع اثنين من اقدم الديبلوماسيين المصريين ، واعتقد ان السيسي لربما استقاه منهم على الاكثر ، ولكن تبنيه له يثنى عليه لاهمية هذا التبني كرئيس اكبر دولة عربية وبالتالي يمكن لهذا الحل المقترح ان يكون موضع الطرح الدولي والتطبيق من خلال علاقات مصر الدولية باهم دول العالم ليكون هو مركز الطرح لاعادة احياء حل الدولتين والمفتاح ونقطة بداية جديدة لحل كامل وشامل للقضية الفلسطينية خصوصا والاجواء مهيأة بعد كارثة ومأساة غزة الحالية. انه حل سلمي مدني سينقذ القضية الفلسطينية من براثن واجرام السلفيتين ، الصهيونية والاسلاموية ، وينقذ مجتمعاتنا العربية من متاجرات اردوغان واية الله ومن ميليشياته التي تسيطر على اربعة دول عربية . فاذا قامت دولة فلسطينية منزوعة السلاح " أي دولة محايدة مسالمة " ستنتهي ربما التجارة بالقضية وتتفتت الميليشيات" لأنتفاءالحاجة "، ويتم التوجه للبناء والتنمية. هكذا أُقَيِمُ وأفهم اهمية مقترح السيسي بأقامة دولة فلسطينية بحدودمعترف بها دوليا وتكون منزوعة السلاح بضمانة دولية ،فهي مثل سويسرا الحيادية، لتنصرف للتنمية ولبناء مدنها وحياتها وتطورها الاقتصادي ، ومنها وانهاء دور ناتنياهو واية الله وتجارة الميليشيات في المنطقة. انها مفتاح لحل اذا تحقق ( وهناك عوامل عديدة تساعد على تحقيقه ) سيغير وجه المنطقة وتوجهها ويفتح الطريق لتغييرات شاملة فيها ربما ستكنس تجار الايديولوجيا من القضية ليبدء ولو متأخرا عصر التحول للبناء والتنمية في منطقتنا العربية. رحم الله كيسنجر ، وقبله بورقيبة ، لو كان حيا ومسؤولا لرأيته قد اقام العدة وحول مقترح السيسي الى مؤتمر دولي ووثيقة لاعلان دولة فلسطين المحايدة بضمانات دولية. ان عالم باجمعه، ومنه عالمنا العربي ، بدء يفهم دور السلفيات الناتنياهوية الصهيونية والاسلاموية لاية الله و الحمساوية في معاداة حل اقامة الدولتين، والفهم هو بداية الطريق للحل، والحل قادم اقامة حل الدولتين وفق الطرح المصري على لسان السيسي.
#لبيب_سلطان (هاشتاغ)
Labib_Sultan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقد الخطاب السياسي العربي
-
حول علاقة الفلسفة بالعلم واللاهوت والايديولوجيا
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
-
حماس وحزب الله لايمثلون قضية الشعب الفلسطيني بل قضية اية الل
...
-
العولمة السياسية وتحديات القرن 21
-
قراءة (1) في تحديات القرن الحادي والعشرين
-
في نقد الماركسية العربية
-
حلول العلم والايديولوجيا للتخلف العربي 2
-
المنهج العلمي والايديولوجي لحلول التخلف العربي
-
فهم نظرية تعدد الاقطاب وانعكاسها على العالم العربي
-
معركة اليمين واليسار في الهجرة الى الشمال
-
فهم اليمين واليسار في عالمنا المعاصر
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
-
فهم تجربة الصين وأهميتها للعالم العربي (فهم العالم المعاصر ـ
...
-
فهم الرأسمالية وعلاقتها بالليبرالية ( فهم العالم المعاصر 2)
-
في فهم العالم المعاصر1 علاقة الايديولوجات بالاقتصاد ونظم الح
...
-
لائحة اتهام 3
-
لائحة اتهام لثلاثة ايديولوجيات دمرت اربعة دول عربية ـ2
-
لائحة اتهام لثلاثة ايديولوجيات دمرت اربعة دول عربية ـ1
-
القوانين الثلاثة لبناء الدول المعاصرة والامم الناجحة
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|