أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عبد الأمير الربيعي - رواية منازل العطراني تنصف ضحايا أحداث عام 1963م















المزيد.....


رواية منازل العطراني تنصف ضحايا أحداث عام 1963م


نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث

(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)


الحوار المتمدن-العدد: 7825 - 2023 / 12 / 14 - 00:47
المحور: الادب والفن
    


استطاع الدكتور جمال العتّابي أن يوثق ضحايا أحداث انقلاب 8 شباط 1963 من خلال روايته (منازل العطراني) الصادرة مؤخراً عن منشورات اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، وبواقع (253) صفحة من الحجم المتوسط، وبتصميم رائع للدكتور فرات جمال، وهي الرواية الأولى للكاتب جمال العتابي.
حين علمت بإصدارها وأنا بشوق للاطلاع عليها، وكان قلبي يرشدني أن الدكتور سيرسلها اهداءً، وكان ذلك، استلمتها وأنا اتمعن بتفاصيل أدوار أبطالها، وأماكن أحداثها وهذا ما كان، فقد كتبها من القلب، وهو ينقل لنا الأحداث بشكلٍ مفصل ومذهل للأماكن والأحداث.
بطل الرواية محمد الخلف المعلم من مدينة الخضر جنوب مدينة السماوة والسجين السياسي الهارب من السجن وهو يواجه أحداث انقلاب شباط 1963م. يروي لنا العتّابي اصداء سور السجن التي تنشد لنا نشيدهم (السجن ليس لنا نحن الأباة... السجن للظالمين الطغاة). ثم ينقلنا بحوار حول نتائج الانقلاب ومقتل الزعيم قاسم والثرثرة في الباص الخشبي ص14: (الزعيم ما زال يقاوم من مقره في الدفاع، معه عدد قليل من معاونيه. فقراء الشاكرية والصالحية وحي الأكراد والكاظمية يحملون السلاح ضد الانقلاب. عبد الكريم قاسم كان لا يثق بالشعب وحتى في أصدقائه المقربين إلى آخر لحظة. والله يبين الأمور محسومة لجماعة الانقلاب... الفلاحون البسطاء يدركون مقدار حماقة القائد العسكري). بهذه الكلمات ينقلنا لواقع حال ساعة الانقلاب، والدكتور العتّابي قد عايش تلك اللحظات، وهو الذي يحلل النتائج وينقلها لنا بحوارية رائعة من خلال بطل الرواية محمد الخلف المولود في قلعة سكر.
لقد انصف الدكتور العتّابي ضحايا الانقلاب، والقتلة المتعطشين للدماء، وهو يصف لنا لحالة مقتل الزعيم في دار الإذاعة. وبسياحة ممتعة جمع العتاّبي أساليبه السردية المتعددة بصفحات الرواية، وهي مزيج من الأحلام والانكسارات، فكتبها بذهنية ممن استوعب التاريخ. أجد في رواية منازل (العطراني)، يرغب الروائي فيها أن ينقل لنا كشاهد على زمانه، وقد كتب لنفسه قبل أن يكتب لأي أحداً آخر في العالم، فهو ادرك خراب العراق نتيجة طبيعية للفشل الشامل المستمر مُنذُ عقود عدة في العثور على جوابٍ صحيح لإشكاليات مجتمعنا. فرواية (منازل العطراني) أجد فيها ذلك النص المستكشف في رحلة الروائي العتّابي بعد انقلاب 1963م، وذلك العالم المجهول بعد الانقلاب، فلا يعرف المبدع نفسه كروائي في كثافة أدغاله المتشابكة، إلا بعد أن كان منجزه واضح القسمات، بعد عناء الروح وغربتها لبطل الرواية (محمد الخلف)، فيفتح الروائي ذراعيه لاستقبال قاطني بلده من التردد، ليمسكوا بمجساتهم المرهفة، فدهشة الروائي وحلمه في تجاوز ما هو كائن، فالكتابة تناسل وحبل، ومن ثم ولادة نصوص.
ففي ص19 يربط الروائي (رائحة الدخان المتعالي من أطراف المدينة، برائحة نفط أسود مشتعل لشواء الطين في كورٍ بدائية تصنع الفخار، توارثها العراقيون من أجدادهم السومريين)، بهذه الكلمات يؤكد لنا الربط بين صناعة الفخار الموروث من قدماء العراقيين، ثم ينقلنا بلحظات خاطفة وبطيئة إلى قرية العطرانية ومنزل اخته (أم عباس) الملجأ الأخير للهروب من عناصر الحرس القومي.
الرواية فيها الكثير من الأوصاف الأدبية الجميلة التي لا تتكرر أمثال ("مزموم الفم"، "الريح نحسٌ في الشتاء تسرق نعاس الأطفال في الليالي"، "النجوم الشفيفة كانت تضيء"، "أسمع صرخاتها كبكاء النوارس في صباحٍ شاحب"، "الويل لمن يتنصت على قلبه أو يسترق السمع لرئتيه، هذا البلط يقتل الصمت"، "ليرى مشهد المدينة المسوّر بالخوف والترقب"، "أعمدة تلغراف صدئة يحوم حولها غرابٌ أسود").
فالروائي كان متمكناً من أدواته في السرد والتسلسل التاريخي للأحداث، ليجد القارئ نفسه يعيش تلك الأجواء كحقيقة مرعبة، ينتقل مع بطل الرواية عبر تسلسلها الزمني، خائف عليه ليسقط في أيدي عسس الليل أو عناصر الحرس القومي. نجد الروائي يعاني من واقع حال ما يعيشه المجتمع العراقي مع الطغاة والقادة المتجبرون بالأمس واليوم. ومع ذلك فإنه لا يستطيع إلا أن يكتب من خلال طموح الاعتراف بموهبته التي لن تفارقه، فيتعلق بالهدف من خلال روايته التي يضفيه على نفسه وعلى كتابته. فالاعتراف به يعني الاعتراف بدوره الاستثنائي داخل المجتمع. ونجد ذلك في صفحات روايته ص33: حين تلومه والدته على دخوله المعترك السياسي (خلّي سلاتين يسلتكم!!)، ترددها كنوع من العتاب لأم متلهفة لإبنها الكبير وهو منصرف عنها للعمل السياسي، و(سلاتين) هنا تقصد به القائد الشيوعي (ستالين)، أو في ص40 حينما ينقلنا الروائي لحال عائلة محمد الخلف حينما تتحدث زوجته لأبو عباس المرسل كي يجمع اطراف العائلة في قرية العطراني: (كما ترى يا ابن عمي، انقطع خالد عن الدراسة لا أظن أنه سيعود إليها، لديه خشية من الاعتقال، البقاء في البيت بعيداً عن عيون العسس أسلم له من التجوال، محسنة انصرفت للخياطة ليل نهار بأجور توفر بعض احتياجاتنا اليومية، عامر يلفّ الأزقة في دراجته منذ الصباح الباكر يبيع الصمون قبل الذهاب إلى المدرسة، أما عادل فما زال صغيراً لديه رغبة بالمشاركة). هذا هو واقع حال عائلة السياسي في عراق الثورة والثروة، ثم ينقلنا الروائي في ص43 إلى حال العاصمة بغداد وكثرة نقاط التفتيش للبحث عن أخوة الأمس وخصوم اليوم.
شخوص الرواية قد صاغها ونسجها بتأني وبدقة عالية ليظهرهم من الواقع الذي جعلنا ندور مع افلاكه وهم يتعذبون بسياط الدكتاتورية أمثال: محمد الخلف صالح كيطان، نوار، خالد، عويد، رضية، فطيم، وغيرهم.
الرواية تتسابق الأحداث فيها بوصف تنقلك من حدث إلى آخر، وتوثق الواقعية التاريخية والأدب الحقيقي. ويصعب عليَّ هنا أن أقدم ملخصاً للبنية المركبة للرواية وبناء فصولها، إذ ما يهمني هنا هو الإشارة إلى الروح الملحمية التي تكتنف السرد، حيث يختلط الواقع بالأسطورة، والحقيقة بالحلم، والبطولة بالفكاهة، والبشر بالملائكة والشياطين. وتشكل موضوعة الرواية الضحية والجلاد وجوهر تأريخها الإنساني كله، فثمة دائماً جلاد وضحية، ليس في السياسة وحدها وإنما في كل ما يرتبط بالحياة الإنسانية، بقدر ما يهدم الجلاد الضحية؛ تهدم الضحية جلادها. هذا هو ديالكتيك التاريخ نفسه. من عادة العتّابي أنه لا يترك ثيمّةً أو موقفاً أو وصفاً في مسار السرد إلا ويعتصره عصراً من خلال الطرق المتكرر، وعلى مفاصل مختلفة مرة، إلى أن يفككها تماماً، وهذا ما وجدته في روايته (منازل العطراني) التي يتكون عنوانها من كلمتين. فضلاً عن أن الرواية تحمل موقف استشهاد (عامر)، كذلك موقف الزوجة (زهرة) التي تمثل الزوجة العراقية المضحية.
الرواية تمثل سيرة ذاتوية بعد ربط الرواية بمذكرات الأديبة والصحفية منى سعيد الطاهر (جمر وندى) الصادرة عن دار سطور، والمتزوجة من الشهيد سامي العتّابي، والمتمثل بالرواية باسم (عامر). فالسرد الذي تسير به الأحداث حين تعرض منى سعيد الطاهر رحلة الخوف هذه، والهروب والتخفي من الاعتقال حتى تنال الأجهزة الأمنية من زوجها، و(سما) هي يمام ابنتها كانت في عمر الشهرين وبدسائس لا تجد للآن تبريراً لها ينال سامي حصته من التعذيب والشهادة.



#نبيل_عبد_الأمير_الربيعي (هاشتاغ)       Nabeel_Abd_Al-_Ameer_Alrubaiy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد السعدي وأرشيف حكاياته النضالية في مذكراته (بيني وبين نف ...
- محمد السعدي وأرشيف حكاياته النضالية في مذكراته (بيني وبين نف ...
- تاريخ الأكراد في العراق
- فالح مهدي ونقد المشاعر في الحيز الدائري لتاريخ الخوف (الحلقة ...
- فالح مهدي ونقد المشاعر في الحيز الدائري لتاريخ الخوف (الحلقة ...
- بمناسبة مرور ستة اعوام على مجلة العشرة كراسي
- ومضيت وكأنما اعجبكَ الرحيل
- حسو هورمي يكتب مقدمة كتابي (الإيزيدية أقدم الديانات التوحيدي ...
- صدر كتابي الموسوم (الإيزيدية أقدم الديانات التوحيدية الشرقية ...
- تحالفات الحزب الشيوعي العراقي في كردستان العراق (جوقد وجود) ...
- تحالفات الحزب الشيوعي العراقي في كردستان العراق (جوقد وجود) ...
- المعتقدات الدينية الكُردية وعلاقاتها بالأديان
- عامر حسن وأبياتهُ التي تكتمل معانيها في متحف النَّدم
- الإيزيدية أقدم الديانات التوحيدية الشرقية (الحلقة الثانية)
- قراءة في كتاب أ.د محمد صالح الزيادي (الحياة الاجتماعية في لو ...
- الروائية الكويتية عائشة المحمود وفن الانتماء للحدث التاريخي ...
- قراءة في كتاب (الوطن.. ذاكرة لا تغفو) للباحث أحمد الناجي
- معايير التفاوض عند الإمام علي بن أبي طالب (الحلقة الثانية)
- معايير التفاوض عند الإمام علي بن أبي طالب
- ثوار انتفاضة هور الغموكة... ثوار من الزمن الآخر


المزيد.....




- دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية تنظم ندوة ...
- Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق ...
- الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف ...
- نقط تحت الصفر
- غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
- يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
- انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية
- مدينة حلب تنفض ركام الحرب عن تراثها العريق
- الأكاديمي والشاعر المغربي حسن الأمراني: أنا ولوع بالبحث في ا ...
- -الحريفة 2: الريمونتادا-.. فيلم يعبر عن الجيل -زد- ولا عزاء ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عبد الأمير الربيعي - رواية منازل العطراني تنصف ضحايا أحداث عام 1963م