|
الحركات الاجتماعية وعلاقتها بإشكالية الديمقراطية
عمار ديوب
الحوار المتمدن-العدد: 1741 - 2006 / 11 / 21 - 11:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
دار جدلاً طويلاً حول الديمقراطية، بين الطبقات الاجتماعية والأحزاب السياسية والمثقفين، وطرحت التساؤلات التالية : هل هي الانتخابات ، أم هي تعبير سياسي عن لعبة القوى المسيطرة في إعادة إنتاج سيطرتها الطبقية وعلى أساس المساواة الشكلية . وهناك من طرحها بكونها التعبير عن شرط سياسي يسمح لكافة الطبقات الاجتماعية بتقاسم السلطة والثروة وإنصاف كافة الأفراد دون أي تمييز ومن أي نوع كان ، وطرحها آخرون ضمن برنامج طبقي متعدد المطالب و لم يتوانى البعض عن تجاهلها بالمطلق.. الطبقات التي تطرحها بكونها شرط سياسي ، وجزء من برنامج طبقي متعدد المطالب هي الحركات الاجتماعية المعبرة عن تجمعات سكانية ، الواسعة العدد والأكثر ظلماً ، وكذلك المهتمين من حركات ثقافية أو سياسية أو اجتماعية ، وبغياب دور فاعل ومؤثر للأحزاب الشيوعية التاريخية ،التي كانت تعبير عن تلك الطبقات ، وفشلت في تحقيق مصالحها ؛ فإن المعبرين عنها هم الحركات الماركسية الجديدة والنقدية وكل حركات مناهضة العولمة في العالم على اختلاف تنويعاتها والنقابات المستقلة وحركات الشعوب الأصلية .. هذه الطبقات التي تعبر عنها تلك الحركات، تعاني اضطهاداً واستغلالاً متعدد الأوجه طبقياً وقومياً وجنسياً ( النساء أكثر من الرجال). وهي الفئات المُخرجة في الشعوب المظلومة من حقل المساواة الفعلية والحريات العامة. ولأنها كذلك ؛ فإنها تركز في مطالبها على القضايا الأولية التي تؤمن شرط التمييز الأولي للبشر كبشر وهي الحاجيات الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية ، وتستهدف الحفاظ على الحياة ، وبالتالي لا تركز في مطالبها على المطالب السياسية العامة فقط ، حيث تؤكد على أهمية هذه المطالب كشرط لازم ولكن غير كاف في تحقيق المطالب بكليتها... تحاول الطبقات البرجوازية إظهار نفسها كمعبر عن الحريات العامة، معتمدةً على إعلام عالمي مسيطر عليه . والتقليل من شأن الحركات الجديدة واعتبارها هي وآلياتها وبرامجها حركات غير ديمقراطية ، تؤازرها مجموعات من الليبراليين الجدد ، قسم منهم من ماركسي الأمس ، حيث يشنون حملة إيديولوجية وسياسية عبر ذات العقلية القاصرة التي كانوا يمتلكونها سابقاً وكذلك توجد قوى ماركسية لا تزال تركز على المطالب الاقتصادية دون السياسية . وبالتالي وبغض النظر عن طبيعة هذه القوى ، فإن طرحها الجزئي وأوهامها الكثيرة وتعميتها الإيديولوجية ، تؤكد على أن هناك صراعاً يتخذ أشكالاً متعددة ويطل برأسه من جديد ، يؤكد ضرورة التخلص من النظام الرأسمالي كنظام غير عادل وضرورة استفادة الحركات الاجتماعية من أخطاء الحركات الاجتماعية السابقة وتقديم حل يشمل كل المطالب المشار إليها دون تأخير أو تقديم لإحداها على الأخرى... وإذا كانت هذه المطالب في أوربا ، قد حصلّت جزئياً عن طريق النظام الديمقراطي خاصةً ، بعد أربعينيات القرن الماضي. فإن هذا النظام بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وبروز النيوليبرالية كنظام عالمي قد أخذ يضيّق النظام الديمقراطي ذاته (تراجع الحريات ،قوانين الإرهاب ، السجون السرية ، حروب بدون شرعية دولية...(عدا عن التراجعات في الضمانات الاجتماعية والصحية وسرقة صناديق التقاعد (لاحظ مظاهرات فرنسا بخصوص عقد العمل وكذلك تحركات الأحياء الفقيرة).. وبالتالي الوضع الديمقراطي الذي بني على ثورة صناعية ودول قومية وصعود القوى العمالية وتضحياتها بصراع طبقي ضد النظام الرأسمالي العالمي هو الذي ساد في أوربا منذ الأربعينيات وبُدء تأكله مع أواخر الثمانينات ، وهو بوجوده وصيرورته غير موجود ، ولم يوجد ، ولن يوجد في بلدان الأطراف ما دامت طرفية وبرجوازية ، ومادامت تتعرض بصورة منهجية لهيمنة استعمارية وظلم قومي واستبداد شمولي ، تسببه الامبرياليات العالمية ، ووكلائها من البرجوازيات التابعة في الأطراف... هذا الوضع المعقد الذي تعيشه البشرية من تهميش على كل المستويات وفي كل المطالب هو ما يدفع الحركات الاجتماعية على رفض كل تفكيك لتلك المطالب وهو نفسه ما يدفع تيار سياسي خضع هو والشعب بكليته الفقيرة للاستبداد بالتركيز على المطالب السياسية وتجاهل المطالب الاقتصادية والاجتماعية اعتقاداً منه أنها – المطالب السياسية – بوابة الخروج من المأزق التاريخي والسياسي للمجتمعات العربية ، وهو تيار متعدد في توجهاته يبدأ من المطالبين بالديمقراطية ، بدون أي ارتباط إمبريالي خارجي ويضحي بذاته من أجل ذلك وينتهي بالديمقراطيين – الليبراليين الجدد- الموافقين على ركوب الدبابة الأمريكية (الجلبي وكرازي نموذجاً)..
وهذا التيار الديمقراطي لدرجة الركوب على الدبابة الأمريكية وتأييد الإسرائيليين في حربهم الأخيرة ضد لبنان لا يعي خطورة شكل تفكيره أو تفسيره المحدود لطبيعة السلطة ، ويعمل على شخصنتها بشكل مطلق ، حيث أنه بتغييبه للمطالب الاقتصادية والاجتماعية ،أو التخفيف من أهميتها ، وبغياب القوى المعبرة عن الطبقات التي تتعرض للظلم ، يحلّ التيار الديمقراطي جداً نفسه ، مكانها ، وكأنه هو هي ، وهي هو ، بينما هو لا يمثل أكثر من نفسه كمجموعات أو كأفراد ، وبالتالي ، ولو أحسنّا النية ؛ فإن مآل النضال ليس في صالح تحقيق المطالب بكليتها وإنما في صالح تحقيق مطالب تشبه المطالب السياسية وتخدم الفئات البرجوازية بالتحديد . فالديمقراطية وفق شرط التبعية والتخلف تصبح ديمقراطية طائفية ، وحقوق الإنسان تصبح حقوق رجال الأعمال ، والمواطنة تصبح محاصصة طائفية ماهوية والأحزاب السياسية أحزاب طائفية ، والشعب مجموعة مكونات : عشائرية ودينية ومناطقية .. بالمقابل فإن الحركات الاجتماعية التي تملك نظرة مختلفة عن كل ما يسير عليه العالم بصورته الرأسمالية لا تتوقف عن النقد لليبرالية وأن برنامجها المتعدد المطالب يعتبر هو الوحيد القادر على تحقيقها وهي الوحيدة صاحبة المصلحة في طرحها المركب ، هذا الطرح هو ما يسمح بتجاوز الحركات الاجتماعية الطائفية الماهوية ويفسح المجال لتحقيق متراكب لتلك المطالب ، على أرضية مواطنية ديمقراطية ترتقي بكل البشر.. هذا التأكيد على دور الحركات الاجتماعية لا ينطلق من مجرد رغبات ، أو تجاهل الواقع الرأسمالي ، بل هو ينطلق من عين فاحصة لما يحصل في العالم العربي من تجارب فاشلة ومن تجارب أوربا الفاشلة كذلك بتحقيق دائم للمطالب الاجتماعية والسياسية المجتزأة عبر شراكة قوة العمل ورأس المال ، وتحولها نحو الليبرالية الجديدة ، وبالتالي القوى المعوّل عليها هي القوى التي تعاني من هذا الواقع الرأسمالي نفسه ، وهي هي الحركات الاجتماعية ذات البرامج اليسارية المحملة بأفق ماركسي ديمقراطي.. المطالب الديمقراطية في الشرط الأمريكي العالمي غير ممكنة التحقق، لان هذا الشرط الكوني ، يحتجز التطور بمعناه التقدمي ويمنع التجانس بين جميع شعوب الأرض بصورة متساوية ما دام ينطلق من مصالح النظام الرأسمالي نفسه ومصالح النيوليبرالية الجديدة ، ولأن الأمر كذلك ، فإن تحقيق تلك المطالب أصبح من مهمات الحركات الاجتماعية الجديدة.. ملامح تحقق هذه المطالب والاجتماعية والاقتصادية خارج الشرط الامبريالي العالمي بدأت تظهر في الحركات السياسية الاجتماعية أو الشعبوية أو القومية ذات الطابع اليساري ولا سيما في أمريكا اللاتينية حيث في الوقت الذي تتمسك به هذه الحركات بالنظام الديمقراطي بصورته البرجوازية الانتخابية تتمسك بمعاداة الشرط الأمريكية وتحقيق المطالب الاجتماعية والاقتصادية .. وبمقدار ما تنجح في التمسك بالمطالب الديمقراطية وتؤثر على الميول العامة لتلك الشعوب نجدها تحوّل هذه الميول لميول عالمية ضد الشرط الأمريكي العالمي والعكس صحيح وبالتالي تأكيدنا على أهمية هذه الحركات مرتبط بمقدار تحقيق المطالب بكليتها ، ونقدنا لها ينطلق من مقدار تراجعها عن تحقيق هذه المطالب ... لهذا ففي الوقت الذي تتصدى فيه الحركات الاجتماعية للمطالب الاقتصادية والاجتماعية ، عليها التصدي للمطالب السياسية ، ولأنها تقوم بذلك ، فهي القادرة على رفض الهيمنة الأمريكية و إفشال مشاريعها في عالمنا العربي أو في المشرق بكليته، وبمقدار تراجعها عن القيام بمهماتها هذه بمقدار ما يتمدمد المشروع الأمريكي .. التصدي للهيمنة ينطلق بالضرورة من المقاومة لها ، أما المساومة معها فهي طريق تحقيق مصالح الهيمنة فقط ، ولهذا تعتبر المقاومة إحدى القضايا الأساسية لتحقيق تلك المطالب ، وبغياب العمل عليها أو عدم تأييدها فإن تحقيق تلك المطالب لن يتوقعن ، والعكس صحيح ، وكذلك أيضاً ، فإن تأييد المقاومة بدون شروط أو المساهمة في تشكليها ضد المشروع الأمريكي بدون ربطه بمشروع وطني ديمقراطي يفقد المقاومة برنامجها السياسي والاجتماعي و الاقتصادي ذو الأفق اليساري.. ولهذا، وباعتبار المقاومة جزء من عمل هذه القوى، فإن شكلها يتأثر ببرامج القوى المؤيدة لها أو المشكلة لها.. وبتبني الطبقات والحركات الاجتماعية الجديدة لهذا البرنامج المشار إليه والمتضمن للمطالب والمهام المتعددة . يمكن البدء بتحقيق فك احتجاز التقدم والتطور، وهو ما سيكون برنامج الحركات الاجتماعية وبرنامج الشعوب ذاته. وبغياب ذلك البرنامج وتلك الحركات وبتشظي المطالب بكليتها ، على قوى متعددة ، وذات مشارب سياسية متعارضة ، ومن طبقات اجتماعية مختلفة وبغياب قوة أساسية تكون متبنية له بصورة دقيقة. فإن المنتصر هو المشروع الأمريكي ودورات القتل والديكتاتورية..
#عمار_ديوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دولتين ام دولة ديمقراطية علمانية واحدة
-
العولمة والامبريالية
-
سياسية التمويل مصالح وأخطار
-
أهمية نداء القوى والشخصيات الماركسية في الوطن العربي
-
مشكلات وأدوار المنظمات الأهلية
-
سقوط التسوية في زمن المقاومة والديمقراطية
-
علاقة الهيمنة الأمريكية بأزمة المعارضة العربية
-
استبدادية الأنظمة وديمقراطية الشعوب
-
الحرب الأمريكية على لبنان
-
علاقة الحرب بالطائفية
-
المقاومة الوطنية مقابل الاحتلال الإسرائيلي
-
مشكلة التداخل بين الأحزاب السياسية ومنظمات حقوق الإنسان في س
...
-
العلمانية جزء من مشروع ديمقراطي علماني قومي
-
بوش قاطع طريق
-
أية خطوة تاريخية كبرى
-
الانفلات الأمني وضرورة الديمقراطية التشاركية
-
الوطنية السورية في زمن العولمة الأمريكية
-
مهمات الماركسيين السوريين في اللحظة الراهنة
-
مفهوم الإنسان عند ماركس
-
مناهضة العولمة حركات اجتماعية أم أحزاب سياسية
المزيد.....
-
-المعادن النادرة مقابل المساعدات العسكرية-.. ترامب يكشف ملام
...
-
الاتحاد الأوروبي يستعد للمواجهة بعد تأكيد ترامب فرض رسوم جمر
...
-
ترامب يطالب أوروبا بزيادة المساعدة لأوكرانيا
-
-بوليتيكو-: قلق كبير يعيشه نظام كييف إزاء تقارب المواقف الرو
...
-
السعودية واليابان توقعان مذكرتي تفاهم حول إنشاء مجلس الشراكة
...
-
-رويترز-: الولايات المتحدة تستأنف ضخ الأسلحة إلى أوكرانيا
-
-Senego-: فرنسا تبدأ في سحب قواتها من السنغال
-
الرئيس الجزائري يندّد بـ-مناخ ضار- في العلاقات مع باريس
-
عشية زيارته إلى تركيا... الشرع يؤكد أن تنظيم انتخابات في سور
...
-
النائب الجمهوري في مجلس النواب الأمريكي جو ويلسون يدعو إلى ق
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|