أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - إيمي سيزير - رسالة استقالة إيمي سيزير من الحزب الشيوعي الفرنسي















المزيد.....


رسالة استقالة إيمي سيزير من الحزب الشيوعي الفرنسي


إيمي سيزير

الحوار المتمدن-العدد: 7818 - 2023 / 12 / 7 - 21:25
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


نشر النص في موقع مجلة زيست- Zist بتاريخ ١ تموز/يوليو ٢٠٢٣

مقدمة مجلة زيست

لقد حان وقتنا.

في شباط/فبراير ١٩٥٦، اكتشف العالم كله جرائم الستالينية خلال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي. بعد عدة أشهر، في تشرين الأول، إنشق إيمي سيزير، رئيس بلدية فور-دو-فرانس والنائب الشيوعي منذ عام ١٩٤٥، عن الحزب الشيوعي الفرنسي، وعن الإتحاد الشيوعي المارتينيكي. مع ذلك، وبصفته نائباً عن الحزب الشيوعي الفرنسي، كان مقرِّراً لقانون تقسيم المقاطعات في عام ١٩٤٦ الذي جعل من “الكولونيالات القديمة” في غيانا والمارتينيك وغوادولوب ولاريونيون مقاطعات فرنسية وليس كولونيالات.

وقد إشتهر هذا الإنشقاق من خلال رسالة الاستقالة التي وجهها إلى موريس توريز، الذي شغل منصب الأمين العام للحزب الشيوعي الفرنسي منذ عام ١٩٣١. وقد نشرت الرسالة بعد إرسالها مباشرة، وطرد فوراً من الإتحاد الشيوعي المارتينيكي. فأسس الحزب التقدمي المارتينيكي، وهو أول حزب يؤسَس في مناطق ما وراء البحار الذي لا يخضع له أي تبعية مع أي حزب على الأراضي الفرنسية.

ومن بين الأسباب التي أدت إلى هذه القطيعة، هناك بالتأكيد ما كشف عنه خليفة ستالين، خروتشيف. ولكن سيزير، الذي سئم على نحو خاص من هذا السلوك البطريركي، أو بالأحرى من الأخوية الزائفة، فاخترع كلمة “الأخوية” للحزب الشيوعي الفرنسي. هذا الأخير هو حليف أخوي ولكن يريد تقرير كل شيء، وفوق كل شيء، يقدم رؤية للعالم تتمحور، على نحو يائس، حول الغرب.

هل يمكن لليسار الغربي أن يكون كولونيالياً وحتى عنصرياً؟ يجيب سيزير بنعم. هل يمكن ليساري من العالم الثالث، من عالم “ما وراء البحار”، ومن الأطراف، إنتقاد اليساريين الغربيين على كولونياليتهم أو عنصريتهم؟ يجيب سيزير بنعم.

هذا النص قطيعة مع المحاور الكبرى. إذ يدير ظهره لحلف شمال الأطلسي (الولايات المتحدة وأوروبا) ولـ”البلاشفة” (المتحلقين حول الإتحاد السوفياتي). وهو نص تأسيسي لما سنسميه “العالمثالثية”. كما أنه يموضع إيمي سيزير في المعسكر المناهض للكولونيالية، وربما حتى ولفترة قليلة، هو مصدر إلهام لحركات الإستقلال التي ستنشأ في جزر الأنتيل وغيانا بعد بضعة سنوات.

ننشر هذا النص لأنه أساسي وغالباً ما يساء فهمه، حتى في الأنتيل. وغالباً ما يختزل إلى الألعاب السياسية الداخلية في المارتينيك، وهو نهج ربما يتجاهل الخطر الشديد المتجسد في قيام “مارتينيكي صغير”، حتى لو كان نائباً، بالإنتفاض ضد الحزب الشيوعي الفرنسي والإتحاد السوفياتي. نعتقد أنه من المهم الإطلاع على سيزير في كل تعقيداته، وفي لحظات شجاعته، وكذلك في تنازلاته. لفهم قوة “الأسلحة المعجزة”. وجعلها عِلماً [لنا].

كما أننا ننشر هذا النص لأننا إكتشفنا مصدومين أن بعض الشخصيات ووسائل الإعلام اليسارية تعتقد أنه إختراع، أو حتى نص شعري. هل هي دلالة على تراجع جغرافي ونظري لبعض النخب التي تريد “التفكير عنا”؟ ربما. أو بكل بساطة، ما كان صحيحاً عام ١٩٥٦، هذا الجهل الفوقي على نحو لا يصدق، سيستمر كذلك عام ٢٠٢٣، بأشكال جديدة.

ويصادف اليوم ذكرى إرسال هذه الرسالة. كفى كلاماً، قراءة سعيدة!



موريس توريز،

سيكون سهلاً بالنسبة لي توضيح، أنه بما خص الحزب الشيوعي الفرنسي، وبما خص الشيوعية الأممية التي يديرها الاتحاد السوفياتي هناك قائمة كبيرة من المظالم أو الخلافات.

لقد كان الحصاد غنياً على نحو خاص في الفترة الأخيرة، فما كشفه خروتشيف عن ستالين أدى إلى غرق، أو على الأقل، كما آمل، كل أولئك الذين شاركوا، إلى حد ما، العمل الشيوعي في هاوية من الذهول والألم والحزن والعار.

نعم، هؤلاء القتلى والمعذبون لن تكفي إعادة تأهيلهم بعد وفاتهم ولا الجنازات الوطنية ولا الخطابات الرسمية. ولن يكفي إستحضارهم ببعض العبارات الميكانيكية.

من الآن فصاعداً تظهر وجوههم في صلب عجينة النظام، كهاجس فشلنا وإذلالنا. وبطبيعة الحال، ليس هذا هو موقف الحزب الشيوعي الفرنسي، كما جرى تعريفه في المؤتمر الرابع عشر، وهو الموقف الذي يبدو قبل كل شيء أنه قد أملاه حرص القادة السخيف على عدم فقدان ماء وجههم، وهو الموقف الذي كان من شأنه أن يجعل من الممكن تبديد الضيق والتوصل إلى أن الجرح سيتوقف عن الإلتهاب والنزف في ضمائرنا الأكثر حياة.

الحقائق باتت معروفة- سأقتبس كيفما اتفق منها: التفاصيل التي قدمها خروتشيف عن أساليب ستالين؛ الطبيعة الحقيقية للعلاقة بين سلطة الدولة والطبقة العاملة في الكثير من الديمقراطيات الشعبية؛ علاقات تجعلنا نعتقد بوجود رأسمالية دولة حقيقية تستغل الطبقة العاملة بشكل ليس مختلفاً عن الطريقة التي تُستَغل فيها الطبقة العاملة في الدول الرأسمالية؛ إن المفهوم المقبول عموماً في الأحزاب الشيوعية من النوع الستاليني للعلاقات بين الدول والأحزاب الشقيقة، يدل على كمية الإهانات التي انسكبت طوال ٥ سنوات على يوغسلافيا المذنبة لأنها عبرت عن رغبتها في الإستقلال؛ عدم وجود مؤشرات إيجابية تدل على إرادة الحزب الشيوعي الروسي والدولة السوفياتية لإعطاء الاستقلال للأحزاب الشيوعية الأخرى والدول الاشتراكية الأخرى وخاصة الحزب الشيوعي الفرنسي، فضلا عن إغتنام هذه الفرصة لتأكيد إستقلالها تجاه روسيا؛ كل هذا يسمح لنا القول إنه- ما عدا يوغسلافيا- في العديد من الدول الأوروبية- وباسم الاشتراكية، نجحت البيروقراطيات المنقطعة عن الناس والمغتصبة للسلطة، والمثبتة أنه لا يوجد ما يمكن إنتظاره [منها]، في تحقيق أعجوبة مثيرة للشفقة المتجسدة في تحويل ما كانت الإنسانية تعتز به لوقت طويل بكونه حلماً لها إلى كابوس: الإشتراكية.

أما بالنسبة للحزب الشيوعي الفرنسي، فلا يسع المرء إلا الشعور بالذهول بسبب إمتناعه عن البدء في مسارات نزع الستالينية؛ وعدم رغبه في إدانة ستالين وأساليبه التي قادته إلى ارتكاب الجريمة؛ إعتداده الذاتي غير القابل للتغيير؛ رفضه الإدانة من جانبه كما اعتماده على الأساليب المناهضة للديمقراطية العزيزة على ستالين؛ باختصار، كل ما يسمح لنا بالحديث عن الستالينية الفرنسية التي تعيش حياة أصعب من حياة ستالين نفسه، وبالتالي يمكن للمرء تخمين أنه سيحصل في فرنسا نفس النتائج الكارثية التي حصلت في روسيا، لو سمحت الفرصة له بتولي السلطة في فرنسا.

هنا كيف يمكن إسكات خيبة أملنا؟ من الصحيح تماماً القول إننا إرتعشنا بالأمل في اليوم التالي لتقرير خروتشيف. لقد انتظرنا نقداً ذاتياً صادقاً من الحزب الشيوعي الفرنسي؛ أي الإنفصال عن الجريمة التي برأته؛ ليس إنكاراً، إنما إنطلاقة جديدة ومهيبة؛ شيء شبيه بإعادة تأسيس الحزب الشيوعي من جديد… بينما في لو هافر، لم نرَ سوى إمعاناً في الخطأ؛ والإصرار على الكذب؛ إدعاء سخيف بأنه لم يخطئ؛ باختصار، استمرار المواعظ الأبوية أكثر من أي وقت مضى، وعجز عن تحرير نفسه للإرتقاء إلى مستوى الحدث والإمعان في الحيل الطفولية للمدّعين البطريركيين.

ماذا يحصل! كل الأحزاب الشيوعية تتحرك. إيطاليا. بولونيا. هنغاريا. الصين. والحزب الشيوعي الفرنسي، وسط العاصفة العامة يتأمل نفسه ويقول إنه راضٍ. لم أكن على هذا المستوى من الوعي من قبل بمثل هذا التخلف التاريخي الذي يعاني منه شعب عظيم…

ولكن مهما كانت خطورة هذه المظالم- وهي في حد ذاتها كافية لفشل نموذج مثالي ومثال مثير للشفقة لجيل بكامله- إنني أريد إضافة عدد من الاعتبارات المتعلفة بوضعي كرجل ملون. دعونا نختصر الوضع بكلمة: إنه على ضوء الأحداث (والتفكير في الممارسات المشينة لمعاداة السامية التي حصلت وما زالت مستمرة في الدول التي تدعي الإشتراكية)، فقد أصبحتُ على قناعة إن مساراتنا ومسار الشيوعية كما وضعت موضع التنفيذ، لا تتلاقى بكل بساطة.

الحقيقة الكبرى في نظري هي أننا، نحن كرجال ملونين، وفي هذه اللحظة من التطور التاريخي، قد استحوذنا في وعينا على مجال تفردنا بأكمله وأننا على استعداد لتحمله على كل المستويات وفي كافة مجالات المسؤوليات التي تتبع من هذا الوعي.

فرادة “حالنا في العالم” الذي لا يمكن الخلط بينه وبين أي حال آخر.

فرادة مشاكلنا التي لا يمكن إختزالها في أي مشكلة أخرى.

فرادة تاريخنا المقطوع بصور رمزية تنتمي إليه فقط.

فرادة ثقافتنا التي نريد تجريبها بطريقة حقيقة على نحو حقيقي أكثر فأكثر.

وما ينتج عن ذلك، إن لم يكن أن مساراتنا من أجل المستقبل، أقول كل المسارات، المسار السياسي وكذلك المسار الثقافي، لم تُشَق كلها بعد؛ وعلينا إكتشافها وأن يكون الإكتشاف يعنينا فقط؟ ويكفي القول إننا مقتنعين بأن أسئلتنا، أو إذا أردتم الأسئلة الكولونيالية، لا يمكن طرحها كجزء من مجموع [يُعتَبر] أهم، جزء يتمكن الآخرون من التنازل عنه أو تمريره كحل وسط يفكرون فيه ضمن سياق عام يقيمون مجرياته لوحدهم.

من الواضح إنني أشير ههنا إلى تصويت الحزب الشيوعيى على الجزائر، وهو التصويت الذي أعطى الحزب بموجبه حكومة غي مولي [روبير] لاكوست (من الحزب الإشتراكي الفرنسي) كل السلطة لتطبيق سياستها في شمالي إفريقيا- حيث لا ضمانة لنا من ألا تجددها. على كل، من الأكيد أن نضالنا، نضال شعوب الكولونيالات ضد الكولونيالية، ونضال الشعوب الملونة ضد العنصرية، هو أكثر تعقيداً بكثير- ما أقوله، له طبيعة مختلفة تماماً عن نضال العامل الفرنسي ضد الرأسمالية الفرنسية، ولا يمكن إعتباره جزءاً تفصيلياً من هذا هذا النضال.

لقد تساءلت كثيراً إذا كانت مجتمعات مثل مجتمعاتنا، رغم كونها ريفية، حيث الطبقة العاملة قليلة العدد، وحيث، من ناحية أخرى، تتمتع الطبقات الوسطى بأهمية سياسية غير مرتبطة بأهميتها العددية الحقيقية، والأهمية السياسية والاجتماعية التي تسمح في ظل السياق الحالي، بعمل فعال للمنظمات الشيوعية التي تعمل بشكل معزول (وخاصة المنظمات الشيوعية الفيدرالية أو الخاضعة للحزب الشيوعي في العاصمة) وإذا، بدلاً من الرفض المسبق باسم إيديولوجيا حصرية، يستطيع مجموعة من الأشخاص الصادقين والمناهضين للكولونيالية بشدة، البحث عن شكل من أشكال التنظيم الواسع والمرن قدر الإمكان، هو شكل من أشكال التنظيمات التي من شأنها إعطاء زخم لأكبر عدد بدلاً من فرضها على الناس. وهو شكل من التنظيم حيث لا يغرق الماركسيون، إنما يلعبون دورهم فيه كخميرة، وملهمين، ومرشدين وليس الدور الذي يلعبونه اليوم بشكل موضوعي، كمقسِمين للقوى الشعبية.

يبدو لي أن المأزق الذي وصلنا إليه في الأنتيل، وعلى الرغم من نجاحنا الإنتخابي، يحسم السؤال: أختار الأوسع على الضيق؛ من أجل حركة تضعنا كتفاً إلى كتف مع الآخرين وضد من يتركنا من بيننا؛ ما يجمع الطاقات ضد من يقسمها إلى عصبويات وشلل. من يطلق طاقة الجماهير الخلاقة ضد من يوجهها ويعقمها في النهاية.

في أوروبا، وحدة قوى اليسار هي النظام المهيمن، تميل القطع المفككة للحركة التقدمية إلى الإلتقاء من جديد، ومن دون شك إن حركة الوحدة هذه ستصبح لا تقاوم إذا قررنا، إلى جانب الأحزاب الشيوعية الستالينية، أن نلقي في البحر كل عوائق الأحكام المسبقة والعادات والأساليب الموروثة من ستالين.

من دون شك، أنه في مثل هذه الحالة فإن أي سبب، أو أي ذريعة للتهرب من الوحدة ستزول من أولئك الذين هم في أحزاب اليسار الأخرى لا يريدون الوحدة، وبالنتيجة سيجد معارضو الوحدة أنفسهم معزولين وعاجزين.

إثر ذلك، كيف في بلدنا، حيث يكون الإنقسام في أغلب الأوقات مصطنعاً، وخارجياً ويرتبط بالإنقسامات الأوروبية التي جرى زرعها على نحو غير صحيح في سياساتنا المحلية، كيف لم يكن بإمكاننا تقرير التضحية بكل شيء، وأقول كل ما هو ثانوي، من أجل العثور على ما هو أساسي؛ هذه الوحدة مع الأخوة والرفاق، هي حصن قوتنا وضمانة ثقتنا بالمستقبل.

إضافة إلى ذلك، هنا الحياة نفسها هي التي تقرر، أنظروا إلى رياح الوحدة العظيمة التي تمر عبر كل الدول السوداء! أنظروا كيف، هنا وهناك، تحل العقد من جديد! إنها التجربة، تجربة توصلنا إليها بصعوبة، التي علمتنا أنه لا يوجد سلاح واحد تحت تصرفنا، سلاح واحد وفعال، سلاح واحد غير تالف: سلاح الوحدة، سلاح إجتماع كل الإرادات المناهضة للكولونيالية، وأن زمن تفرقنا بسبب الإنقسام الحزبي الحاصل [في أوروبا] هو كذلك زمن ضعفنا وهزائمنا.

من جهتي، أعتقد أن الشعوب السوداء غنية بالطاقة والشغف ولا تفتقر إلى النشاط ولا الخيال، ولكن هذه القوى لا يمكن أن تنزوي في منظمات ليست خاصة بها وغير مصممة لها ومكيفة لأهدافها، التي تحددها بنفسها.

هذا الكلام لا يعني النضال منفردين وكره كل التحالفات. إنما الرغبة بعدم الدمج بين التحالف والتبعية وبين التضامن والإستقالة. وهذا بالضبط ما يهددنا ببعض الأخطاء الجلية للغاية التي نراها عند أعضاء في الحزب الشيوعي الفرنسي: نزعتهم الإستيعابية المترسخة، وشوفينيتهم غير الواعية، وقناعاتهم البدائية إلى حد ما- والتي يتشاركونها مع البرجوزايين الأوروبيين- بالتفوق الشامل للغرب، اعتقادهم أن التطور كما حصل في أوروبا هو التطور الوحيد الممكن، والمرغوب الوحيد، وهو التطور الذي ينبغي ببقية العالم المرور به، باختصار، إيمانهم الحقيقي، الذي نادراً ما يكون معلناً، بالحضارة والتقدم (لاحظ عداءهم لما يسمونه بإزدراء “النسبية الثقافية”، وكل الأخطاء التي تقود إلى عصبوية أدبية، تقول كل شيء ولا شيء في نفس الوقت، تمارس الدوغمائية باسم الحزب. ويجب القول إنه يوجد للشيوعيين الفرنسيين أستاذ جيد: ستالين. ستالين هو الذي أدخل فعلياً مصطلح شعوب “متقدمة” و”متخلفة” ضمن التفكير الإشتراكي.

وإذا تحدثنا عن واجبات الشعب المتقدم (في هذه الحالة روسيا العظمى) لمساعدة الشعوب البعيدة عن الفهم والتي تتطلب وقتاً للحاق [بالتقدم]، لست أعرف ما الذي يميزها عن البطريركية الكولونيالية.

في حالة ستالين وأتباعه، قد لا تكون بطريركية. ولكن من الأكيد وجود ما هو مخطئ بشأنه.

دعونا نخترع كلمة إنها “الأخوية”.

لأنه بالفعل أخ، وأخ كبير، مشبع بالتفوق وواثق من خبرته، يأخذ بيدك (لسوء الحظ بيد خشنة في بعض الأوقات) ليقودك على الطريق حيث يعرف أن يجد لك المنطق والتقدم.

ولكن هذا بالضبط ما لا نريده. ما لم نعد نريده.

نريد لمجتمعاتنا الإرتقاء إلى مستوى أعلى من التطور، ولكن بنفسها، وفق نموها الداخلي، وبالضرورة الداخلية، من خلال التقدم العضوي، من دون أن يأتي أي شيء من الخارج لتشويه هذا التطور، أو تغييره أو المساس به. في هذه الظروف نفهم أنه لا يمكننا تفويض أي شخص للتفكير نيابة عنا؛ وفد للبحث حول [قضيتنا]؛ لم يعد بإمكاننا قبول أن يأتي أي شخص، حتى أفضل أصدقائنا، ويناضل نيابة عنا. إذا كان هدف أي سياسة تقدمية هو إعادة الحرية إلى الشعوب المكلينة، فيجب على الأقل ألا يتعارض العمل اليومي للأحزاب التقدمية مع الهدف المنشود ويجب ألا تدمر يومياً القواعد نفسها، القواعد التنظيمية والقواعد النفسية لهذه الحرية المستقبلية، والتي تتلخص في مسلمة واحدة: الحق في المبادرة.

ثمة ثورة كوبرنيكية تفرض هنا، متجذرة في أوروبا (من اليمين المتطرف إلى اليسار المتطرف) وهي عادة تتمثل بالعمل من أجلنا، وتدبير الأمور من أجلنا، والتفكير من أجلنا- بإختصار، عادة تحدي حيازتنا لحق المبادرة الذي تحدثت عنه منذ قليل، والذي هو في نهاية المطاف، من الحقوق الشخصية.

ومن دون شك إنه جوهر الموضوع.

وهناك الشيوعية الصينية. دون أن أعرفها جيداً، أتحيز بشكل إيجابي تجاهها. وأتوقع ألا تقع في نفس الأخطاء الكبيرة التي شوهت الشيوعية الأوروبية. ولكن من المثير للاهتمام كذلك رؤية التنوع الإفريقي للشيوعية ينمو ويزدهر. سيقدم ذلك من دون شك تنويعات أصلية ومفيدة وثمينة. وأنا على ثقة من أن حكمتنا القديمة ستؤهل أو تكمل العديد من نقاط العقيدة.

أعتقد إنني قلت ما يكفي لتوضيح إنني لا أنكر الماركسية ولا الشيوعية، إنما إستخدام البعض للماركسية والشيوعية هو الذي أشجبه. ما أريده هو أن توضع الشيوعية والماركسية في خدمة السود، وليس العكس. إن تلك العقيدة والحركة إنما خلقت للبشر، وليس العكس، بالطبع هذا لا ينطبق على الشيوعيين لوحدهم. فلو كنت مسيحياً أو مسلماً لقلت نفس الشيء. ولا يمكن لأي عقيدة أن تنوجد [بيننا] ما لم نعد التفكير فيها، ونعد التفكير فيها من أجلنا، وأن تتأقلم مع وضعنا. ما أقوله هو من الأمور البديهية ولكن ليس هو الحال على ما يبدو.


أنا لا أقول أنه لن يكون هناك أبداً نسخة إفريقية أو مدغشقرية أو أنتيلية للشيوعية، لأن الشيوعية الفرنسية تجد أنسب فرض شيوعيتها علينا. وأنه لن يكون هناك أبداً شيوعية إفريقية أو مدغشقرية أو أنتيلية، لأن الحزب الشيوعي الفرنسي يفكر في واجباته تجاه الشعوب المكلينة من ناحية السلطة التعليمية التي ينبغي ممارستها، ولأن معاداة الشيوعيين الفرنسيين للكولونيالية نفسها لا تزال تحمل سمات الكولونيالية التي يحاربونها. أو حتى، وهو ما يعني نفس الشيء، لن يكون هناك شيوعية خاصة بالدول المكلينة المعتمِدة على فرنسا، طالما بقيت المكاتب في شارع سان جورج، ومكاتب القسم الكولونيالي للحزب الشيوعي الفرنسي، النظير لوزارة مابعد البحار في شارع أودينو- تفكر ببلادنا كميدان للتفكير أو كدول تحت الوصاية.

وبالعودة إلى الموضوع الأساسي، الزمن الذي نعيش فيه يتميز بفشل مزدوج: واحد جرى إثبات [فشله] منذ وقت طويل هو الرأسمالية. ولكن الثاني: الفشل المميت لما حمل لوقت طويل اسم الإشتراكية، في حين لم تكن سوى الستالينية.

والنتيجة أن العالم، في وقتنا الحالي، قد وصل إلى مأزق.

وهذا يعني فقط شيئاً واحداً: لا يعني عدم وجود مخرج منه [للمأزق]، ولكن حان الوقت للخروج من كل الطرق القديمة، والتي أدت إلى الخداع والإستبداد والقتل.

ويكفي القول إننا من جهتنا لم نعد نريد الإكتفاء بالإهتمام بسياسة الآخرين. والدوس على الآخرين. وتنسيق الآخرين. وترقيع الوعي، أو محاكمة الآخرين.

لقد دقت ساعتنا.

ما قلته عن السود للتو لا ينطبق عليهم فقط. نعم ما زال ممكناً إنقاذ كل شيء، كل شيء، حتى الإشتراكية الزائفة التي يطبقها ستالين هنا وهناك في أوروبا، بشرط أن تعاد المبادرة إلى الشعوب التي عانت منها حتى اليوم، شرط أن تتنازل عن السلطة وتترسخ في الشعب. ولا أخفي أن التخمر الذي يحصل حالياً في بولونيا، على سبيل المثل، يملؤني غبطة وأملاً.

وهنا اسمحوا لي التفكير على نحو أكثر تحديداً في بلدي التعيس: المارتينيك.

أفكر في الأمر حتى أرى أن الحزب الشيوعي الفرنسي غير قادر على الإطلاق على تقديم أي منظور آخر غير يوتوبي، وأن الحزب الشيوعي الفرنسي لم يكلف نفسه عناء تقديم أي شيء لنا، وأنه لم يفكر بنا إلا من خلال إستراتيجية عالمية غير مرضية.

أفكر في الأمر حتى أرى أن الشيوعية قد قطعت حبل الاستيعاب حول عنقها، الذي عزلها في حوض البحر الكاريبي في غيتو، وأكملت عزلتها عن بقية دول الكاريبي التي يمكن أن تكون تجربتها مفيدة ومثمرة في الوقت عينه (لأنها تعاني من ذات المشاكل ونتشابه بتعثر تطورنا الديمقراطي): قد أكملت عزلتنا عن إفريقيا السوداء، ةثقافتنا وحضارتنا الأنتيلية، وأتوقع منها تجديد الأنتيل ليس من أوروبا التي لا يمكنها إلا أن تكمل اغترابنا، ولكن بدءاً إفريقيا التي وحدها تستطيع تنشيط الأنتيل وإعادة إلى الكاريبي شخصيته.

نعم أعلم جيداً. يعرض علينا لقاء التضامن مع الشعب الفرنسي، والبروليتاريا الفرنسية، عبر الشيوعية مع البروليتاريا العالمية. أنا لا أنكر هذه الحقائق. لكنني لا أريد بناء هذه التضامنات في الميتافيزقيا. لا يوجد حلفاء في الحق الإلهي. هناك حلفاء يفرضهم علينا المكان واللحظة وطبيعة الأشياء. وإذا كان التحالف مع البروليتاريا الفرنسية حصرياً، وإذا كان يميل إلى نسيان أو إحباط تحالفات أخرى ضرورية وطبيعية ومشروعة ومثمرة، وإذا كانت الشيوعية تدمر صداقتنا الأكثر نشاطاً، والتي توحدنا مع إفريقيا، إذاً إن الشيوعية قد ألحقت الضرر بنا من خلال جعلنا مجرد مقايضة الإخوة الحية بما يظهر كمجرد تجريد بارد. سأستبق الاعتراضات. إقليمية؟ كلا على الإطلاق. أنا لا أدفن نفسي في خصوصية ضيقة. ولكنني لا أريد فقدان نفسي في هذه الأممية الهزيلة.

هناك طريقتان للضياع: عن طريق العزل ضمن الخاص، أو الذوبان في “العالمي”.

إن تصوري للعالم هو تصور عالمي غني بكل الخاصيات، بكل الجزئيات، وتعميق وتعايش كل الجزئيات. لذلك يجب التحلي بالصبر لاستئناف العمل، والقوة لإعادة ما تم التراجع عنه؛ القوة على الإختراع بدلا من اللحاق بالآخر؛ القوة لـ”إختراع” طريقنا وتخليصه من الأشكال الجاهزة، الأشكال المتحجرة التي تعيقه. باختصار، نحن نعتبر الآن أنه من واجبنا توحيد جهودنا مع جهود كل البشر الذين يحبون العدالة والحقيقة لبناء منظمات قادرة على مساعدة السود بأمانة وفعالية في نضالها اليوم ومن أجل الغد: النضال من أجل العدالة؛ النضال من أجل الثقافة؛ النضال من أجل الكرامة والحرية؛ منظمات قادرة، باختصار، على إعدادهم في كل المجالات لتولي بشكل مستقل المسؤوليات الجسام التي يلقيها التاريخ على كاهلهم في هذه اللحظة بالذات.

في ظل هذه الظروف أرجو قبول استقالتي كعضو في الحزب الشيوعي الفرنسي.

إيمي سيزير، باريس، ٢٤ تشرين الأول/أكتوبر ١٩٥٦



#إيمي_سيزير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة استقالة إيمي سيزير من الحزب الشيوعي الفرنسي


المزيد.....




- تمرير مشروع القانون التكبيلي للإضراب في ظل اختلال موازين الق ...
- مصر تتجه لإلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية على البورصة.. ومصدر ...
- الخلفيات النيوليبرالية للقانون التنظيمي للإضراب
- الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تعبر عن اعتزازها ...
- فرنسا: هل انهار تحالف اليسار؟
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 590
- علماء: النحل يستطيع العد من اليسار إلى اليمين مثل البشر
- محتجون في بنغلاديش يحرقون منزل والد رئيسة الوزراء السابقة
- الشيوعي العراقي يدين مخطط التهجير والتطهير العرقي في قطاع غز ...
- افتتاحية: ولأن الاعتداء كبير على الحقوق الأساسية … يكون الرد ...


المزيد.....

- الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور ... / فرانسوا فيركامن
- التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني ... / خورخي مارتن
- آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة / آلان وودز
- اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر. ... / بندر نوري
- نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد / حامد فضل الله
- الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل / آدم بوث
- الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها ... / غازي الصوراني
- الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟ / محمد حسام
- طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و ... / شادي الشماوي
- النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا ... / حسام عامر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - إيمي سيزير - رسالة استقالة إيمي سيزير من الحزب الشيوعي الفرنسي