محمد عبد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 7818 - 2023 / 12 / 7 - 20:13
المحور:
الادب والفن
(1)
لأنّ الأحداث الكبرى تترك أثرًا، قد يمتدّ عقودًا،على ساحاتها وكلّ ما حولها.. وعلى الإنسان أيضًا؛ فهي بالتالي تكون حاضرة ومؤثرة في كلّ ما ينتجه. ولعلّ ذلك ما يبرر لنا ظهور تيارات فنيّة وأدبية كبرى، كالرواية الفرنسية الجديدة، ومؤلفات رصدتْ هذا الأثر على نوع أدبي بعينه كما فعل الدكتور شكري عزيز ماضي في كتابه (انعكاس هزيمة حزيران على الرواية العربية).
(2)
تبدأ رواية (بقايا رغوة) للأستاذ جهاد الرنتيسي مع اجتياح القوات العراقية للكويت عام 1990.. ومع الأثر المترتب على هذا الاجتياح، عربيًّا وإقليميًّا، تنقلنا الرواية إلى إعادة قراءة وتقييم للعلاقات الفلسطينية- الفلسطينية، بين التنظيمات تحديدًا، عبر شخصية (غادة الأسمر).. وهي الشخصية النسوية المحورية في رواية كلّ شخوصها الفاعلين من النساء!
تتحرك الشخوص، مكانيًّا، بين الكويت وعمّان وبيروت.. وهي، في كل هذه الأماكن، لا تحقق استقرارًا فعليًّا.. فهاجس الرحيل، أو الخوف منه، كامن في الأعماق لدى شخوص الرواية.. ينزّ إلى السطح سريعًا: "اندفعوا كسابقيهم، جردوا سريره الحديدي من فراشه، بعثروا ملابسه على أرفف خزانته، دققوا في الجدران المجردة من البوسترات، سألوه عن أسلحة، رخصة دراجته النارية المنتصبة خارج الغرفة، مكان عمله، وغادروا بعد أنْ أيقظوا فيه رغبة الرحيل".
(3)
السرد في الرواية يأتي يتوزّع بين (راوٍ عليم).. و(راوي الأنا) لبعض الشخصيات، إلا إنّ يأتي متداخلًا حتى ضمن الفقرة الواحدة. وإذا كان هناك مَنْ يرى أنّ ذلك قد يربك القارئ.. فإنّا نراه متوافقًا تمامًا ومتماهيًا مع الظروف التي عاشتها وتعيشها الشخوص.. فمن غير المعقول من شخصيات، تفتقد الاستقرار.. وتسترجع لحظات حيواتها في أزمنة وأماكن متعددة، من غير المعقول أنْ نطلب من شخصيات كهذه سردًا مستقرًّا منسابًا للأحداث: "الأمور واضحة بالنسبة لي، أعادها صوت زيادين لمتابعة حديثه مع فدوى، رفضنا ركوب الموجة، راقت لها عبارته، لم نسلم من أصحاب الرؤوس الحامية، أثار فضولها، هاجمونا في الصحف وتمسكنا بموقفنا، صمت رفيقتها المفاجئ يخفي توترها، غلّبنا العقل على الشعارات، يستعيد الصوت نبرته السابقة وتلتفت إلى التمثال". وبذلك يكون الكاتب قد نجح في نقل حالة القلق والتشظّي التي عاشتها وتعيشها شخوص روايته إلى القارئ.
(*): بقايا رغوة / رواية – جهاد الرنتيسي / دار البيروني للنشر – بيروت – 2021.
#محمد_عبد_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟