|
مصر مهد المدنية (1)
إلياس شتواني
باحث وشاعر
الحوار المتمدن-العدد: 7815 - 2023 / 12 / 4 - 20:32
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
يعود أصل الحضارة المصرية القديمة إلى ما يسمى بالثقافة البدارية. آثار هذه الثقافة تعود بنا إلى حوالي ثمانية إلى عشرة آلاف سنة قبل الميلاد. لقد ظهرت الزراعة أولا في مصر القديمة تزامنا مع وجود معالم الحضارة البدائية كزراعة الأرض، و استئناس الماشية، و نسج القماش، و تدبير مياه الري، والتقويم الفلكي، و نشأة الدين، و وجود حكومة مركزية.
طريق الذهب
لقد كانت لمصر القديمة الباع الأطول في صناعة مظاهر الحضارة و نقلها إلى باقي أقطار العالم. لقد آمن المصريون بعامل حضاري قوي يتجسد في الذهب، و لهذا وضعوه في البداية في توابيت الملوك و الملكات. الإعتقاد السائد كان أن الميت في تابوته ليس فعلا "ميتا"، بل هو في طور آخر من الحياة يحتاج فيها إلى الذهب لكي يطول عمره. كان المصريون يجمعون الذهب من الأقطار البعيدة و النائية، و يحملونه إلى خزانة الفرعون الحاكم، أي خزانة الدولة. من هنا أصبح الذهب فاعلا للحركة و الهجرة، و نقدا، و وسيلة جديدة للمبادلات و التجارة في العالم القديم.
في عصر سبق الدولة الأولى في مصر، خرجت السفن المصرية من النيل متجهة نحو الشرق، باحثة عن المواد التي، في إعتقاد المصري القديم، تطيل العمر و تضمن الخلود كالمعادن و الجواهر. دخل المصريون بلاد فارس و العراق و شكلوا بذلك أول نواة و إمتداد للحضارة المصرية الأولى (حضارة سومر و شوشان). إنتقلت حضارة السومريين (أور) و العيلاميين (شوشان) إلى الشرق، مدفوعة بذلك بنفس الحافز الذي دفع المصريين على الهجرة. إطالة الحياة شجعت هؤلاء على الخروج و البحث عن الذهب و المعادن النفيسة في السند. ثم تنتقل بذلك هذه الحضارة إلى الهند و الصين، متبعة في ذلك طريق مناجم الذهب و الجواهر. ثم تنتقل هذه الحضارة إلى سيام و الجزر الملاوية، ثم بعد ذلك إلى القارة الأمريكية، حيث يلاحظ تشابه كبير في المعمار (أهرام الآزتك و الإنكا و أهرام الجيزا) و المعتقدات و الطقوس (عبادة الشمس و دفن الموتى، و تحنيطهم و تكفينهم).
مظاهر الحضارة
لقد كانت مصر مهد المعمار، و الفن، و الفلك، و أصل الحروف الهجائية، و الكتابة. تقويمنا الحالي هو التقويم الفرعوني القديم، أخذه يوليوس قيصر من الاسكندرية. لقد كان المصريون هم أول من بنى السفن و العربات، و أول من دفن الموتى و كفنهم، و بنى لهم القبور. الدين التوحيدي يعود بأصله إلى ديانة الملك أخناتون (الذي من الممكن أنه قد أخذه من حضارة بلاد الرافدين، لكنه جعله دينا رسميا للدولة)، بل حتى عبادة البقر الموجودة حاليا في الهند تضرب بجذورها إلى البقرة المعبودة قديما «هاتور».
الودعة و البقرة
لقد كان تصور الإنسان البدائي أن الأم هي المسؤولة الوحيدة عن عملية التناسل و الولادة. و لذلك فقد قرن الرجل عضو المرأة التناسلي بالودعة (الصدفة) و قدسها و عظم من شأنها. كان ظن المصري القديم أن الودعة هي أصل الحياة، فهي تحفظ الانسان و تطيل عمره. كانت الودعة أصل الطوطمية التي رأى فيها المصري القديم مظاهر التقديس، و الصحة، و الخلود.
عندما إكتشف الإنسان المصري الزراعة، و عندما بدأت أسس السلطة الأبوية في الترسخ، بدأ دور الرجل البيولوجي في التمركز، لكن الذهب لم يفقد أهميته حيث أنه كان قد احتل مكانة وطيدة في حياة المصريين. أما البقرة، فهي أعم و أرخص من الذهب، و لم تكن حكرا على الأغنياء فقط في الحواضر، بل كانت عامة في الأرياف يملكها المزارعون البسطاء كذلك. كانت البقرة تشكل رمزا للأمومة و الخصوبة، فهي ترضع الناس و تقوم مقام الأم للانسان و للطبيعة ككل. و من هنا أصبحت البقرة التي لا تزال لوقتنا الحاضر معبودة في الهند: الربة هاتور في مصر القديمة.
النحاس و الزجاج
إستخرج المصري القديم النحاس و إستخدمه في البداية كما إستخدم الذهب (ذلك للشبه الكبير بينهما). لكنه، مع تمييز صلابته، وظفه المصري في صناعة الآلات و الأسلحة الحجرية التقليدية. فمن الخناجر صنع المصري السيف، و هو امتداد للخنجر القديم. و وجد المصري في الرماد المتخلف من صهر النحاس مادة قوية لصنع المينا التي كان يطلي بها الفخار. ثم تطور بعد ذلك إلى صناعة الزجاج.
الموت، و المعبد، و الدين
لقد كان النعش أول ما بناه النجار، و القبر أول ما بناه البناء في التاريخ. فنحن لا زلنا، في مجتمعاتنا الشرقية، نحتفل بذكرى مرور أربعين يوما على وفاة الميت. هذه الأيام هي التي كانت الجثة تقضيها مغمورة في الماء و الملح قبل أن تعالج و تحنط، و تلفف بالأقمشة قبل أن تدفن. لقد صنع المصريون، فوق ذلك، التمثال لاعتقادهم أن الروح يمكن أن تضل طريقها في العودة إلى جسد الميت. ثم تصوروا أن الميت يحتاج إلى الطعام، فبنيت منصة أمام القبر ليوضع الطعام عليها، و من هذه المنصة أمام القبر، نشأ المعبد، و الكهنة، و القربان.
المرجع
سلامه موسى، "مصر أصل الحضارة"
#إلياس_شتواني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشعوب تود شرب دماء الملوك
-
الصنم الصحراوي
-
يوم إرتقى الإنسان فأصبح حيوانا
-
نهاية الأسطورة
-
جالاتيا التي نفخت فيها من روحي
-
الفلسفة الحديثة (21): صموئيل ألكسندر
-
الفلسفة الحديثة (20): هنري برجسون
-
الفلسفة الحديثة (19): وليم جيمس
-
الفلسفة الحديثة (18): جوزيا رويس
-
الفلسفة الحديثة (17): هربرت سبنسر
-
الفلسفة الحديثة (16): جون ستيوارت مل
-
الفلسفة الحديثة (15): كونت
-
ملاك النهر
-
الفلسفة الحديثة (14): نيتشه
-
المقهى الذهبي
-
قاطعوا الآلهة
-
المأثور
-
النون و الحوت المكنون
-
محاكمة الجوع
-
الفلسفة الحديثة (13): شوبنهاور
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|